الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ساحتنا السياسية و-مشروع الفوضى الخلّاقة-!

عصام مخول

2018 / 11 / 27
مواضيع وابحاث سياسية







"هجومٌ لا يطرح بديلا سياسيا للسياسات التي تطرحها الاحزاب القائمة"


"بصلتهم محروقة"
بعض ذوي "البصلة المحروقة" من بيننا، الذين ينتظرون على قارعة الساحة السياسية العربية، استعدادًا للانقضاض على وعي الجماهير الشعبية في الانتخابات البرلمانية، قد سارع الى القفز بقفزة رأسية، الى ما توهم انه مياه انتخابية عميقة، قبل أن يتأكد أنه يقفز الى بِرْكة سباحة، وأن ما فيها هو ماء أصلا، وقبل أن يتأكد أن المعركة الانتخابية قد انطلقت فعلًا كما توهم. فسارع الى الترويج لوعي زائفٍ مشوَّه ومشوِّه، ولمفاهيم جديدة في ظاهرها، موغلةٌ في القدم في جوهرها

في الوقت الذي كانت الأجواء قد تلبدت بغيوم أزمة سياسية في اسرائيل، وبدا أنه لا مخرج منها بغير حل الكنيست والذهاب فورا الى انتخابات برلمانية، كنت من الأصوات القليلة التي غلّبت التقدير بأن بنيامين نتنياهو من جهة وحزب البيت اليهودي ورئيسه نفتالي بينيت من الجهة الأخرى، ليس لهما مصلحة حقيقية في التوجه الى الانتخابات الآن على الرغم من تهديدات بينيت، باعتبار ان انتخابات تجري في الفترة القصيرة القادمة ستصب انتخابيا في صالح ليبرمان رئيس "اسرائيل بيتنا" الذي استقال لتوه من وزارة الأمن، احتجاجا على قبول المجلس الوزاري المصغر وقف العدوان الاسرائيلي على غزة، وعلى خلفية المظاهرات اليمينية المطالبة باستئناف الحرب وتوسيعها، وأن التسرع في التوجه الى الانتخابات سيكون على حساب نتنياهو والبيت اليهودي اللذين يتنافسان على مخزن الاصوات اليمينية المتطرفة نفسه الذي يستهدفه ليبرمان.
والحقيقة أن الانقلاب الذي حدث في قراءة وجهة تطور الازمة السياسية في اسرائيل في أعقاب العدوان على غزة واستقالة ليبرمان وخروجه من الائتلاف الحاكم، لم يحل الأزمة السياسية المطبقة على حكومة المستوطنين ورأس المال الكبير التي يقودها نتنياهو، بل كشف عمقها، لأن المخرج من هذه الأزمة البنيوية في السياسة الاسرائيلية، لن يتأتّى إلا بإحداث تغيير عميق على السياسة الاسرائيلية والمفاهيم الفكرية والسياسية السائدة، والتخلص من عقلية الحرب والاحتلال والاستيطان والأبرتهايد وخيار إخضاع الشعب الفلسطيني، والانتقال الى الاعتراف بحقوقه القومية المشروعة وبالحقوق القومية واليومية للأقلية القومية العربية في اسرائيل، وهو بديل ليس متوفرا في الخارطة السياسية المرشحة للحكم في المرحلة المنظورة.
لكن المنحى الذي اتخذته التطورات من جهة أخرى، أوقع ببعض القوى المتربصة على الساحة السياسية للجماهير العربية في اسرائيل، وكَشَف ما كانت تضمره من مشاريع ومفاهيم سياسية "معلّبة"، لخلط الاوراق في الانتخابات البرلمانية القريبة القادمة، بعد أن كان هناك من حاول خلطها في الانتخابات البلدية المنتهية لتوها. حتى أن بعض ذوي "البصلة المحروقة" من بيننا، الذين ينتظرون على قارعة الساحة السياسية العربية، استعدادًا للانقضاض على وعي الجماهير الشعبية في الانتخابات البرلمانية، قد سارع الى القفز بقفزة رأسية، الى ما توهم انه مياه انتخابية عميقة، قبل أن يتأكد أنه يقفز الى بِرْكة سباحة، وأن ما فيها هو ماء أصلا، وقبل أن يتأكد أن المعركة الانتخابية قد انطلقت فعلًا كما توهم. فسارع الى الترويج لوعي زائفٍ مشوَّه ومشوِّه، ولمفاهيم جديدة في ظاهرها، موغلةٌ في القدم في جوهرها، مرشحة لأن تكون في لب الخطاب الانتخابي المناوب القادم والمصنّع من بعيد. ورسالة هذه المفاهيم أن مصلحة المواطنين العرب في اسرائيل في الانتخابات القادمة تقتضي"تنحية الأحزاب السياسية جانبا"، وتشكيل "قائمة مشتركة" لانتخابات الكنيست القادمة لا مكان فيها للأحزاب السياسية التي باتت وفق هذا المفهوم المشوّه "مؤسسات قديمة عفى عليها الزمن"، و"عليها أن تخلي مكانها لمؤسسات المجتمع المدني والنخب الاكاديمية والمنظمات غير الحكومية و... الشخصيات "الاعتبارية".."كما صرّح كاتب نصراوي في مقابلة مع الاعلامي بلال شلاعطة في تلفزيون هلا (الاحد 18.11).



"سياسة من دون أحزاب سياسية"!

إن الدعوة الى تشكيل قائمة للكنيست "من دون الأحزاب السياسية" وإلى تشكيل "ساحة سياسية من دون قوى سياسية وسياسيين" أعادت الى ذهني دعابة أحد الظرفاء الذين أعزّهم والذي كان يقترح عليّ تناول وجبة من "سلطة الخس بلا خس" للتغلب على إنفلونزا طارئة. غير أن الدعوة السياسية هذه، خالية من الدعابة وتفتقر الى أية ظرافة.
إن من حق من يريد ان يخوض الانتخابات أن يطلب ثقة الناخبين، ومن حق من يريد ان يقيم حزبا سياسيا يتنافس على الساحة السياسية أن يطمح الى ذلك، ومن حق أي جسم سياسي يرغب في تحسين مواقعه في التشكيلة السياسية القائمة أن يحاول ذلك، ومن حق من لديه برامج سياسية أفضل من القائم أن يعرضها ويطلب من الجمهور دعمها،لكن لا يحق لأحد أن يعمل على"تهشيم الأواني" وكسر قواعد العمل السياسي، والدعوة الى سياسة بلا أحزاب سياسية وبلا سياسيين تقود الى تمييع الثوابت الوطنية والتقدمية. تماما كما أنه من حق من يريد أن يؤسس جمعية تعمل في المجال الاهلي الذي أقيمت من أجله، أن يقوم بذلك.
وبالمقابل فإن، من طبيعة الجمهور أنه قادر بحسه وبوعيه المتراكم على التمييز بين ما ينفع الناس فيمكث في الارض، وبين ما هو عابر سبيل. ولكن ليس من حق أي طامح سياسي ان يلبس طاقية الاخفاء وان يتخفى على شكل جمعيات وصناديق تمويل لتسريب مفهوم بديل للسياسة.
والحقيقة أننا قد سبق وشهدنا بوادر هذا الهجوم المنهجي المؤدلج على الأحزاب السياسية، وأطر العمل البلدي، ومحاولة الزج بالمؤسسات الأهلية والجمعيات الممولة NGOs وبعض من نصبوا أنفسهم نخبًا، ليضعوا أيديهم على العمل البلدي والسياسي، ويجعلوا من أنفسهم أوصياء على العمل الجماهيري الشعبي، بما في ذلك على السلطات المحلية ذاتها.
حتى أن بعض هذه المؤسسات قد أوهمت نفسها بالقدرة على تجاوز الممثلين المنتخبين، وأعطت لنفسها الحق في أن تخلق بالتعاون مع صناديق التمويل، الآليات لتفاوض هي باسم الجماهير الشعبية والاحياء وقضاياها من دون أن ينتخبها او يخولها أحد. وقد وصل الامر بأحد ناشطي الجمعيات المعروفة في الانتخابات البلدية المنتهية لتوها، أن تساءل باستكبار من هي جبهة حيفا؟ ومن يوجد فيها؟ وأي تأثير لها في الاحياء وبين الناس؟ فجاءت الانتخابات واكتسحت الجبهة أصوات الجماهير العربية والقوى التقدمية اليهودية فكنست كل الاوهام التي تكدست "كجلمود صخر حطه السيل من عل".
إن الأمر الأخطر في هذا الهجوم الممنهج على الأحزاب السياسية بصفتها أحزاب سياسية، والدعوة الى تجاوزها في العمل السياسي، هو أن هذا الهجوم لا يطرح بديلا سياسيا للسياسات التي تطرحها الاحزاب القائمة ولا يخوض الصراع معها من أجل التنافس مع أدائها وسلم أولوياتها وبرامجها السياسية والاجتماعية، وهو أمر مشروع، بل يطرح بديلا للسياسة كمجال ويقود بوعي أو بغير وعي الى حالة من "الفوضى الخلاقة"، فتنتشر الأطر المنتظمة على أسس رجعية وانتماءات تفكيكية خطيرة.. ليس بمقدورها أن تنتج غير سياسة رجعية متخفية تابعة لمفاهيم صناديق التمويل ولا تستطيع تجاوز أهدافها.
وإذا عدنا الى الانتخابات البلدية فسوف نلاحظ ظواهر تلازمت مع هذا الهجوم على السياسة وعلى الأحزاب السياسية وتركزت في الترويج لخطاب المصالح، واعتبرت أن تعاملنا في السياسة ومطالبنا ذات الطابع الوطني والتقدمي في بلد مثل حيفا مثلا، هي التي تشكّل العائق أمام حصولنا على حقوقنا ومصالحنا، فجرى الترويج بقوة لافتة في الاحياء العربية لقائمة يرأسها عضو مركز الليكود القطري يليه مرشح عربي، وفي حالة أخرى ترافق التحريض على الأحزاب بالترويج لقائمة يرأسها ممثل حزب العمل يليه مرشحون عرب في أحد الأحياء، بينما دعت قائمة أخرى الى النكوص عن السياسة والأحزاب، وكان شعارها المركزي : لقد جاء دورنا! كفى للأحزاب! جاء دور "الشباب" (وكأنهم يمثلون الشباب! وكأن "الشباب" هو برنامج بلدي واجتماعي وقاعدة فكرية سياسية لخوض الانتخابات)، فكانت النتيجة إحراق ما يزيد عن خمسة آلاف صوتا عربيا أهدرت، إذا أضفنا اليها أقل من ألفي صوتا كانت بعيدة عن أن تمكّن التجمع من عبور نسبة الحسم.
فما هي الاصطفافات التي يعدها لساحتنا السياسية دعاة إدارة السياسة من دون أحزاب سياسية ومن دون سياسيين في هذه المرحلة السياسية الدقيقة؟ إنها مرة أخرى "الفوضى الخلاقة" التي أطلقتها في يوم من الايام كونداليسا رايس الوزيرة السابقة للخارجية الامريكية، توطئة للتأسيس لشرق أوسط جديد نرى ملامحه اليوم بألم.
في العام 1992 أطلق فرنسيس فوكوياما - الذي نشرت الاتحاد مقالا رائعا كتبه آلان وودز عنه في ملحق الاسبوع الماضي - أطلق مقولته الشهيرة التي شغلت العالم البرجوازي، حول "نهاية التاريخ" و"نهاية الأيديولوجيا" ونهاية الأحزاب إن شئتم في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي وما بدا وكأنه الانتصار التاريخي النهائي للرأسمالية المعولمة والليبرالية الجديدة. لكنه عاد الآن في نهاية العام 2018، ليعيد النظر في مقولاته التاريخية وليتراجع عنها، بعد أن توصّل بعد أكثر من ربع قرن أن هذه المقولات المتسرعة قد كنستها تطورات المجتمع الرأسمالي وتخبط أوهام البرجوازيين!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تحشد قواتها .. ومخاوف من اجتياح رفح |#غرفة_الأخبار


.. تساؤلات حول ما سيحمله الدور التركي كوسيط مستجد في مفاوضات وق




.. بعد تصعيد حزب الله غير المسبوق عبر الحدود.. هل يعمد الحزب لش


.. وزير المالية الإسرائيلي: أتمنى العمل على تعزيز المستوطنات في




.. سائح هولندي يرصد فرس نهر يتجول بأريحية في أحد شوارع جنوب أفر