الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خلاصة تجربة إبراهيم مالك

رائد الحواري

2018 / 11 / 28
الادب والفن


خلاصة تجربة إبراهيم مالك



المتعة والسلاسة من مقومات العمل الجيد، ودائما نقول إذا حضرت المتعة فقد تم تحقيق المهمة الرئيسية، أن نقرأ أدبا يعني ذهاب إلى عوالم مختلفة، في هذا الكتاب سنجد الأسطورة والتراث، وسنجد اللغة الجميلة الحاملة للأفكار المطروح، ونجد نصوصا تتناسب والطبيعة عصر السرعة والنت، وعندما يستخدم الكاتب/ الشاعر الإيحاء أو الرمز ويبتعد عن الطرح المباشر، فإن هذا يعني احترامه لعقلة المتلقي الذي يفكر ويتوقف عند ما يقرأ، وأن يقدم لنا صورة (محايدة) لأفكار كانت مقدسة، يشير إلى قناعة السارد/ الشاعر بقارئه:

"(عينات ـ 1)

ما أعظم ما توحي به وتتحدث عنه أسطورة سومرية

تروي أن مجلس الآلهة انعقد ليُسائل أحد آلهته:

عمن أعطاه الحق أن ينتهك أحد أبسط حقوق صبية

رآها من عليائه تستحم عند ضفة نهر

فانقض عليها وانتزع عذريتها بصلف غرور" ص11.

رغم قسوة الحدث إلا أن طريقة تقديمه كانت ناعمة، فالشاعر لم يبدأ بالحدث المؤلم، بل بتقديم جميل ومشوق "ما أعظم" كما أن البعد الزمني بيننا وبين الحدث السومري يريحنا، لأنه غير متعلق بنا، فهو متعلق بعالم ماضٍ، يعتمد على الأسطورة، وهذه إضافة أخرى تحررنا/ تخفف من وقع الحدث علينا، فطريقة التقديم مهمة كما هو الحال بالنسبة للفكرة التي تقدم، هذا المشهد يمكننا أن نسقطه على واقع الاحتلال الآن، ويمكن أن نسقطه على تحرش الأقارب بالفتيات أيضا، وهنا تكمن أهمية طريقة تقديم الفكرة، فهي توافق أي حالة نريدها/ نتعرض لها، كما أن اللغة جاءت بسيطة وسهلة تنساب بسهولة إلى المتلقي.

"أنكيدو يا ابن الطبيعة الحياة

ويا نقيض كل ما كانه كلكامش وحاشيته

من قضاء عسكر، وكتبة قصر، بغايا وكهنة معبد،

فقدت حريتك وأفقدتنيها

لحظة سقطت في شباك من أغروك

بمتعة جسدية عابرة!" ص12

يقدمنا الشاعر من ملحمة جلجامش وما فيها من أفكار إنسانية، فحالة أنكيدو وما تعرض له من ظلم، إن كان من خلال سبب خلقه من الآلة، أو من خلال الطريقة التي تأنسن فيها، أو من خلال

موته، حتى أن مغامراته كانت قاسية، الجميل في هذا المقطع أن الشاعر يجعلنا نتوقف عند أحداث الملحمة، فهناك أكثر من حالة ظلم حدثت في الملحمة، منها البغي التي ضاجعها أنكيدو لسبعة أيام متتالية، ثم لعلنها بعد أن وقعت عليه لعنة الآلهة، كما أن هذا المرأة التي تحملت مضاجعة وحش بري أُهملت من سارد الملحمة وكأنها غير موجودة، علما أنها هي من أنسنة الوحش أنكيدو وتحملته بوحشيته، والمذهل في المقطع أنه يعطينا فكرة (تفاهة) المتعة بعد أن نحصل عليها، فهي أقل من أن نعطيها كل هذا الاهتمام، وهذا الوقت، التفكير، الأرق، لأننا سنجدها عادية وغير ذات قيمة كما كنا نتوقعها، وهذه المتعة/ الشهوة نجدها تافهة من كلا الطرفين، أنيكدو والبغي، فكلهما وجد تفاهة وسطحية الجنس بعد أن مارساه، وكأن الشاعر يريدنا أن نصل إلى فكرة أن على الإنسان أن يشبع/ يقتنع/ يتوقف عن السعي للشهوات؛ لأنها تزول بمجرد الوصول إليها.

ويقدم فكرة اجتماعية المجتمع فيقول:

"قلت يا عبد الله

علمتني أسطورة "القرية الضائعة" الأشبه بقريتي

أن سر ضياعها، فقدانها واندثارها هو إنسانها

"سادتها الأحرار" وعبيدهم" ص15

الجميل أن الطريقة تقديم الدعوة للعمل جاءت بشكل محايد، فالشاعر يتحدث عن موضوع بعيد عنا "قرية ضائعة" وهي أسطورة، وهنا تكمن أهمية الشكل في تقديم الفكرة، فالشكل مهم وضروري، خاصة في عصر فقدت فيه الخطب والمواعظ المباشرة أثرها ولم يعد يهتم بها.

رغم الألم والقهر الذي يثقل كاهل الفلسطيني، إلا أن الشاعر قدمه لنا بطريقة شبه محايدة، يقول في (عينات ـ2):

"كم استنزفني الحنين الموجع إلى طفولتي المسروقة،

لأعود كالأطفال أحفن حباب ترابك يا وطني!

وأخفيها عميقا في عتمة روحي

فلا يسطو قراصنة البر على ما تبقى من تراب." ص47

الجميل أن الشاعر يتحدث عن طفولته، وعن ألمه الشخصي، وحنينه لمرحلة الطفولة، وخاصة اللعب بالتراب، لكن الشاعر في المقطع الأخير نجده يشير إشارة إلى "القراصنة"، وكأنه بهذا اللفظ يؤكد امتعاضه وسخطه على كلمة "احتلال"، لهذا لم يرد حتى أن يوردها في نصه، لكي لا تشوه/ تلوث النص، ولا تعكر مزاج الشاعر والقارئ.

المسيح الفلسطيني حاضر في هذا الكتاب، فالشاعر يضمن كتابه العديد من أقوله منها:

"كم يبهرني قوله

"ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان

فمن يومها بات خبزي كفاف يومي

وبت أعيش وقتي

بحثا عن زيت حياة" ص20

هذا الاستخدام يقربنا من السيد المسيح ومن تعالمه وأفكاره التي تمردت على التمسك بالشكل/ بالنص الحرفي للشريعة، فالشاعر يجد في هذا القول طاقة تقدمه إلى الأمام من هدفه الأدبي، لأنه غذاء الروح والعقل والنفس.

والشاعر لا يتعامل/ يأخذ الإنجيل ككتاب مقدس جامد بلا روح، بل يأخذه كما هو، كما جاء متمردا على أولئك الذين تعاملوا مع الشريعة كحجر مقدس، وليس كروح/ كشيء قابل للتكيف مع الواقع والعصر، من هنا يقدم لنا هذا المقطع:

"أحبوا كارهيكم، فليس ثمة ما نكره في هذه العامرة، حين تخلص من شرور الجشع وما يترتب عنه من عنف ووجع" ص69، فالشاعر يقدمنا أكثر من الفكرة التي أرادنا المسيح أن نعمل بها، "أحبوا أعدائكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين سيئون إليكم ويطردونكم"، بحيث أنه لا يريد لهؤلاء المؤذين أن يكونوا أصلا، ومن هناك ينتهي/ يتوقف العمل بقول السيد المسيح، لأنه لم يعد هناك أشرار، وهذه الثورة التي قدمها "إبراهيم مالك" ما كانت لتكون دون وصوله إلى هضم واستيعاب وفهم ما وراء كلمات المسيح، لهذا قدمها لنا بهذا الكل الثوري الجديد.

الكتاب من منشورات مطبعة سما، معليا، الطبعة الأولى 2015.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على


.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا




.. فوق السلطة 385 – ردّ إيران مسرحية أم بداية حرب؟


.. وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز




.. لحظة تشييع جنازة الفنان صلاح السعدني بحضور نجوم الفن