الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بَين ثُنائية التُّراث و المُعاصرة..فجوة التهمت ثقافتنا.

زيدان الدين محمد

2018 / 11 / 29
العولمة وتطورات العالم المعاصر


إن عربنا القدير، في وحل أزماتِ وعيٍ عديدة ،يسبح..
و لكن عَن أزمة وعي،مُختبئة في مسرى حياتنا في الوطن العربي سأسردُ إشكالية متمكّنة من شبابنا العربي، بل و أوساطنا الثقافية، سواء في دار السوشل ميديا و غُرفها، أو في الأندية الثقافية و الصالونات الأدبية و التَّجمعات الشبابية لِمناقشة تطورات الفِكر و الثقافة.

في زخم فوضى المفاهيم التي يتداولها الغالبية عن التُّراث،التَّحرُر و التغيير ،تتفشّى أزمة وعي ثقافية كارثية تتمثّل في أنَّ مواقفنا الثقافية مَبنية على ردود فِعل،ليست -مطلقاً- نابعة عن الفِعل نَفسه،و لِشرح هذا الأمر إليك الواقع حيًّا يُؤطّر هذهِ الأزمة الكارثية في موقفين بينهما فجوة نتقافز عنها و تقافُزتا عنها ذخيرة لتوسيعها:
الموقف الأول:
التَّمسُّك المُطلق بِالجديد مَهما كانت طبيعته(تقليد الجديد) :
و هذا التمسُّك المُطلق عِبارة عن ردة فِعل لأخطاء القديم.
فنحنُ نجِد مِن بيننا مَن يمتطي التّيار الجديد دون البحث في أُسسه و أصوله؛ و السبب أن هذا الشخص غاضب مِن القديم و غضبه قد يكون ناتجًا عن قيد واحد عانى منه فَجعل القيود مقياسًا للإلتحاق بموكب التيارات الجديدة لأن التيارات الجديدة بِطبيعتها لا تحمل تلك القيود القديمة لكنّها في الوقت نفسه تَحمل قيود من نوع آخر-أخف وطأة من القيود القديمة- .و على هذا المنوال سيضل هذا الشخص المسكين في سلسلة لامتناهية مِن الشَّعور بالغضب تجاه كُل قديم، فالتّيار الجديد هذا سُرعان ما سيسبقه تيار جديد آخر، و ذلك الغاضب باقٍ ممتطي لكُل تيار جديد ،و الدافع لِذلك "ردَّة فعله عن أخطاء القديم بِما حَبل".
و في هذهِ المَرثية، الغضب مِن القديم-دون إلمام شامل به و دراسته و تحليله- نَرتكب كارثة في أننا حينها نُسقط ثقافة مُجتمع غربي على مُجتمعاتنا،و هذا فيه تشويه و خفض لقيمة ثقافة كلٍ مِن الغربية و العربية-بوجه الخصوص- فلا يصحّ ثقافيًا و إدراكيًا و منهجيًا أن نُسقط ثقافة الغير على ضوء ثقافتنا نحن،و إلّا أصبحنا نعيش في فوضى التخبّط الثقافي و لن نستطيع أن نرى و ندرس المُجتمعات كما هي، بل هذا يُعتبر أزمة بحد ذاتها،فهذا الموقف يروج للأفكار الجاهزة التي بدورها تخرب البحث و تخرب فهمنا للواقع.

الموقف الثَّاني:
التَّمسُّك المُطلق بالقديم (تقليد القديم) :
فأمّا هذا التّمسك المُطلق بالقديم مهما كانت أوثانه ساحقة؛ عِبارة عن ردَّة فِعل لأخطاء الجديد و ظهور الجديد.
و لا يسعني سَرد الوثنية التي دنّسنا واقعنا بها بسبب التَّمسك بالقديم و تقليد القديم و تقديس ما ألفنا عليه آبائنا، لأن نتائجه حافلة بالمآسي بل و نشهدها في فِكرنا و ثقافتنا كُل يوم.
في ذات الوقت هُنا نسحق إيجابيات الجديد كذلك،حيث نغضّ الطرف عنه بِشكل نهائي.

الموقفين أعلاه،نُلاحظ أن كلاهما يستمد مبرراته مِن أخطاء الآخر،و ليس من ذاته ضِمن مقتضيات الواقع.
والآن ها نحنُ بين معمعة الموقفين:
ما بين تقليد حاضر الغير و الذي هو ليس لنا، و تقليد ماضٍ ليس لنا،فجوة فِكر و ثقافة و عمل،فجوة الواقع الذي لم نخدمه.
نَهرف عن أخطائنا الذاتية بِهدف الترويج لِلبديل الغربي ، و في الطرف المُقابل نَهرف عن إشكاليات المَدنية الغربية بِهدف تبرير الواقع العربي بِجميع أخطاءه!.
سلسلة من ردود الفعل التي لا تنتهي، يعود لِلفجوة المُرعبة ما بين الفِكر و المُمارسة التي أدّت إلى إنتاج مواقف ثقافية عِبارة عن ردود فعل لا تتحتم وجود فعل.. هذا بدوره نتيجة لِعامل أهمّ ألا و هو عملية التغيير التي تحدث،ليس ذاتية بتاتًا.
و هذا جميعه، بدوره يُؤدي لإعدام ثقافة وطنية لَم تَلِد بعد..
و علينا أن نعي أنَّ الثقافة الوطنية لا تُنتج و تُصنع في عالم التقليد و التنظير و الجِدال الذهني و التقييد؛ الثقافة الوطنية تأتي نتيجة التفاعل العملي مَع ظروف الواقع و مقتضياته،مع التَّاريخ و دراسته و متطلباته لإنتاج الحاضر الخاص بنا. حينها ستنتهي الفجوة الكارثية ما بين الفِكر و المُمارسة ،حينها ستحدث عملية فَرز و إنتقاء و نَفي طبيعية-بدورها- لِعناصر تُراثنا و ماضينا، وَ عناصر حاضر الغير .. و في هذا تحدث عملية الإستيعاب الحيّ ضِمن الشخصية الوطنية الثقافية، هُنا فقط ستنتهي أزمة ثنائية التُّراث و المُعاصرة و تكون الفجوة ملأها الإستيعاب .
علينا أن نُذكّر أنفسنا و أُمتنا البائسة و شبابها الممتطي مفاهيم سطحية أن "الأُمّة التي لا تنتج واقعها لا تنتج ثقافتها" ،فالذي يستورد السيارات من الخارج و غيرها مِن مُتطلبات الحياة،و يستهلك الحداثة التي لا يصنعها، لابد أنه يستورد جزء مِن ثقافة صانعها .
الصورة مُضللة بِقدر ماهي كارثية، ففي الظاهر قد نَلحظ تقدّم و تجديد مادي ثقافي و في العُمق ما يحدث هو إضافة لمشكلة الماضي،مُشكلة الحاضر ..و أعود للتذكير أن سبب ذلك هو غض نظرنا عن واقعنا .
فَمتى سنقضي على الفجوة التي مازلنا نَسعى بأنفسنا لتوسيعها؟
و مَتى سَنُشرف على نافذة واقعنا و نصنع منه ثقافتنا الخاصة؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مساعدات بملياري دولار للسودان خلال مؤتمر باريس.. ودعوات لوقف


.. العثور على حقيبة أحد التلاميذ الذين حاصرتهم السيول الجارفة ب




.. كيربي: إيران هُزمت ولم تحقق أهدافها وإسرائيل والتحالف دمروا


.. الاحتلال يستهدف 3 بينهم طفلان بمُسيرة بالنصيرات في غزة




.. تفاصيل محاولة اغتيال سلمان رشدي