الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صربيا وكوسوفو: النار تحت الرماد

جورج حداد

2018 / 11 / 29
الارهاب, الحرب والسلام


إعداد: جورج حداد*


في اواخر عام 1999 شن حلف الناتو، بزعامة اميركا، حربا جوية شرسة ضد الجمهورية الصربية، ودمر المرافق الاقتصادية والبنى التحتية فيها، لدعم عملية انتزاع مقاطعة كوسوفو عن الوطن الام ـ صربيا و"ألبنتها" و"أسلمتها" واعلانها كجمهورية مستقلة. وقد نجحت اميركا والناتو في تحقيق هذا الهدف، مستغلين تردي الاوضاع حينذاك في روسيا وعدم قدرتها على الوقوف بوجه هذا العدوان الامبريالي الغربي السافر ضد الجمهورية الصربية. وقبل ان تضع تلك الحرب اوزارها هبطت وحدات اميركية خاصة، عسكرية وهندسية، وقامت ببناء قاعدة بوندستيل العسكرية الاميركية في كوسوفو قبل الاعلان عن تحول كوسوفو الى جمهورية مستقلة. وتغطي دائرة عمل تلك القاعدة منطقة البلقان وحوض البحر الاسود. وتم تحويل كوسوفو الى "جمهورية مافياوية" تتحكم فيها المافيا الالبانية التي تقوم بنشاطاتها الاجرامية في كافة انحاء اوروبا في خدمة المخابرات الاميركية. ويترأس "جمهورية كوسوفو" الان رجل العصابات المافيوزي الشهير هاشم تاجي، الذي كان من اهم نشاطاته خلال تلك الحرب وبعدها المتاجرة بالاعضاء البشرية للاسرى والمخطوفين الصربيين. وكان ملاحقا بهذه التهمة من قبل المراجع الصربية والمنظمات الحقوقية الدولية. ولكن هذه الملاحقة توقفت بعد "انتخابه" رئيسا لجمهورية كوسوفو وحصوله على الحصانة بهذه الصفة. ولتكريس شرعيتها تسعى كوسوفو، بالدعم الاميركي، للحصول على عضوية الاتحاد الاوروبي. ولكن الاتحاد الاوروبي يشترط لذلك حصول كوسوفو على اعتراف صربيا بها. وهو ما لم توافق عليه صربيا حتى الان. الا انه، وبحكم الامر الواقع، تقوم بين الطرفين (صربيا وكوسوفو) علاقات تجارية ومعيشية وسكانية لا سيما وانه لا يزال يوجد في كوسوفو مئات الالاف من الصربيين ولا سيما في اطراف كوسوفو المحاذية لصربيا. وتطرح صربيا مسألة اعادة ضم كوسوفو الى الوطن الام، على ان تمنح حكما ذاتيا موسعا على قاعدة اللامركزية السياسية والاقتصادية والثقافية والادارية. وهو ما ترفضه كوسوفو. كما ان الاقلية الصربية الكبيرة التي لا تزال تعيش في كوسوفو تطالب اما بالانضمام الى صربيا من جديد واما بالاستقلال عن كوسوفو واعلان جمهورية صربية مستقلة داخل كوسوفو. وتعارض حكومة كوسوفو كلا المطلبين.
وفي هذه الاجواء الملبدة يسود التوتر بين صربيا وكوسوفو من جهة، وبين كوسوفو والاقلية الصربية الكبيرة فيها من جهة ثانية. وتعمل كوسوفو لفرض الاعتراف بشرعيتها عن طريق توتير الاجواء ولو بلغ الامر حد اشعال حرب جديدة ضد صربيا. في حين تعمل صربيا لاستعادة سيادتها على كامل اراضيها (اي اعادة ضم كوسوفو) مستفيدة من تغير المناخ الدولي لجهة تقهقر اميركا وحلف الناتو وعودة روسيا الى الاضطلاع بدور عالمي طبيعي يوازي اهميتها كدولة عظمى، وكذلك تعاظم الدور العالمي للصين، وتغيير المناخ السياسي في اوروبا.
ومؤخرا وبمناسبة الاحتفالات بالذكرى المئوية لنهاية الحرب العالمية الاولى، التي جرت في باريس، اجتمع "الرئيس" هاشم تاجي مع الرئيس الاميركي ترامب وحصل على دعمه للاتفاق بين كوسوفو وصربيا، كما اعلنت وكالة МiА المقدونية. واعلن تاجي انه لن يكون هناك "تصحيح حدود" مع صربيا، ولن يكون هناك تقسيم لكوسوفو واقامة جمهورية صربية فيها. كما تباهى تاجي انه اجتمع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقال انهما ركزا على مسألة الحوار الهادف الى تطبيع العلاقات مع صربيا، وان بوتين قال له: "اذا توصلتم الى اتفاق سلمي مع صربيا، فإن روسيا تؤيد ذلك". وهذا ما كتبه تاجي في تويتر.
وفي حين كان "الرئيس" المافيوزي هاشم تاجي يقوم بنزهته السياسية في باريس، كان رتل من عشر سيارات يقل مجموعة من الوحدات الخاصة من الشرطة الكوسوفية يتغلغل داخل مقاطعة ميتروفيتسا الصربية في كوسوفو، حيث نشروا نقاط تفتيش وقاموا باعتقال العديد من الاشخاص كما نشرت جريدة "فيتشيرني نوفوستي" الصربية الكوسوفية. ويقول سكان محليون انه خلال الاعتقالات سمعت طلقات نارية وانفجارات قنابل يدوية. وكان هناك محاولة لاعتقال ميلان رادويتشيتش نائب رئيس حزب "اللائحة الصربية" في كوسوفو. وخلال هذه العملية سمعت في المقاطعة صفارات الانذار وخرج الصربيون الى الشوارع. وذكرت الجريدة ان الاجواء في المقاطعة الصربية اصبحت متوترة جدا، وهناك خشية من تصعيد المواجهة. وادلى غوران راكيتش، رئيس حزب "اللائحة الصربية" في مقاطعة ميتروفيتسا، وهو في الوقت نفسه رئيس البلدية فيها، بتصريح حذر فيه من انه اذا لم تنسحب الشرطة الكوسوفية من المقاطعة فالتوتر يمكن ان يتطور الى اندلاع الحرب. ووصف عملية الشرطة الكوسوفية بأنها "اعتداء فظ"، ولكنه دعا المواطنين الصربيين الذين تجمعوا في الساحات العامة الى ضبط النفس. وحسب كلمات راكيتش فإن هذه العملية الاستفزازية تهدف الى صرف النظر عن الحرب التجارية التي اعلنتها كوسوفو ضد صربيا. ويذكر ان الرئيس الصربي الكسندر فوتشيتش دعا على اثر العملية الى عقد اجتماع مغلق ومستعجل لقادة الامن الصربيين.
وكانت كوسوفو قد اعلنت فرض ضريبة جمركية توازي 100% على السلع الصربية التي تدخل الى كوسوفو. وجرى في العديد من الامكنة اقتحام المستودعات واحراق السلع الصربية.
وطلب مسؤولون رفيعو المستوى في الاتحاد الاوروبي ان تعمد كوسوفو فورا الى الغاء الضرائب الجمركية على السلع الصربية لتهدئة التوتر بين الطرفين. وذكرت الانباء الصحفية ان الرئيس الصربي الكسندر فوتشيتش قد اجتمع مع السفيرين الروسي والصيني لعرض التوتر القائم مع كوسوفو.
لقد مضى عقدين من الزمن على نهاية الحرب ضد صربيا. ولكن اسباب النزاع لا تزال قائمة الى الان. ومن السذاجة الاعتقاد ان اوروبا ستستسلم الى ما لا نهاية للدور التخريبي والاجرامي الذي تقوم به المافيا الالبانية في البلدان الاوروبية، بدعم من المخابرات الاميركية. او الاعتقاد بأن روسيا ستسلم بسهولة بوجود قاعدة بوندستيل الاميركية في كوسوفو. او الاعتقاد بأن الشعب الصربي سيرضى الى ما لانهاية باضعاف وتمزيق بلاده.
وكل ذلك يدفع الى الاستنتاج بأن "السلم الاميركي" الظالم الذي فرض على شعوب يوغوسلافيا السابقة (كـ"السلم الروماني" PAX ROMANA قديما) يقوم على رمال متحركة وهو يناقض مصالح الشعوب المعنية، وسيجد طريقه الى الزوال، عاجلا او آجلا، سلما او حربا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل



قاعدة بوندستيل في كوسوفو








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد كيف تحولت رحلة فلسطينيين لشمال غزة إلى كابوس


.. قتلوها وهي نائمة.. غضب في العراق بعد مقتل التيكتوكر -فيروز أ




.. دخول أول دفعة من المساعدات الإنسانية إلى خانيونس جنوبي قطاع


.. على وقع التصعيد مع إسرائيل .. طهران تراجع عقيدتها النووية |#




.. هل تتخلى حركة حماس عن سلاحها والتبعية لطهران وتلتحق بمعسكر ا