الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكرياتي المقتضبة عن تسع سنوات دراسة متقطعة بجامعة كلود برنار-ليون 1 بفرنسا

محمد كشكار

2018 / 11 / 29
سيرة ذاتية


جامعة كبيرة تضم عديد الاختصاصات في العلوم الصحيحة والتجريبية، تقع في مدينة ليون الفرنسية. أتممت فيها دراسة المرحلة الثالثة تعليم عال، ماجستير (أو ديبلوم الدراسات المعمقة) ودكتورا في تعلّمية البيولوجيا، بدأتها عام 1998- 1999 وأنهيتها عام 2007. سافرت إليها عديد المرات في تربصات بحثية علمية شتائية وصيفية. كنت أتمتع بمنحة دراسية من فرنسا وفي بعض الأحيان من تونس. كنت وفي كل الأحيان مصحوبا بزميل أو زميلين تونسيين في نفس الاختصاص.
كان مدير أطروحاتنا والمشرف عليها، الأستاذ بيار كليمان، يستقبلنا استقبالا حسنا وفي بعض الأحيان يأخذنا في رحلة سياحية أو يستضيفنا جميعا في منزله بمونبليي بالجنوب الفرنسي. كان دمث الأخلاق، مرحا بشوشا وفي الوقت نفسه حازم في توجيهاته العلمية. في المقابل كنا نحن الثلاثة نستضيفه في ديارنا ونكرمه بما نقدر عليه عند قدومه إلى تونس للتدريس في جامعة تونس بالمعهد الأعلى للتربية والتكوين المستمر بباردو. كان ينزل في مطار تونس قرطاج الدولي فيمر مباشرة إلى الجامعة التونسية للتدريس. كان في السبعين من عمره، يتقد نشاطا وحيوية وشغف بالحياة، يطوف العالم وجامعاته يلقي دروسا قيمة في تعلمية البيولوجيا من لبنان إلى الجزائر، السينغال، أوكرانيا، المغرب، مصر. أما الآن وبعد إحالته على التقاعد فهو ما زال يشتغل أستاذا زائرا بجامعة كوبنهاغن بالدانمارك.
كنا، قبل السفر إلى فرنسا، نحجز أماكننا في نزل متواضع بليون، قرب ساحة كليمان. نصل فنجد المفتاح في انتظارنا. الليلة تقريبا بعشرة أورو (ما يعادل 20 دينار تونسي حينذاك). لم نغير مكان إقامتنا خلال التربصات طوال سنين الدراسة من 1998 إلى 2007.
كل صباحٍ نمتطي الحافلة والمترو، نصل باكرا إلى الجامعة ولا نفارقها إلا الثامنة ليلا، صباحا مساء ويوم السبت ويوم الأحد. نجد في حرمها كل ما نحتاجه من مكتبة علمية غنية ومتنوعة، حواسيب مجهزة بالأنترنات، آلات ناسخة، هاتف داخلي و في بعض المناسبات عالمي مجانا. نجد يقرينا أستاذنا متعبّدا ناسكا في مكتبه طوال اليوم وبعضا من الليل، نستشيره في الصغيرة والكبيرة فيما يتعلق بالبحث العلمي وهو لا يبخل علينا بالنصح والإرشاد دون مواعيد مسبقة أو سقف للمقابلة والنقاش العلمي. دون مبالغة، ما ننجزه في شهر في فرنسا يساوي ما ننجزه في عام في تونس.
كان قسم تعلّمية العلوم (يضم تعلّميات البيولوجيا والرياضيات والفيزياء والكيمياء) يقع في طابقين ويتكون من عدة مكاتب للأساتذة المؤطرين. كانت مكاتبهم لا تغلق أبوابها تماما وتبقى كلها مفتوحة للجميع كامل اليوم والليل، وبثقة تامة يخرج المؤطر ويترك مكتبه تحت تصرف طلبته وطلبة زملائه. منذ اليوم الأول من وصولنا إلى الجامعة، كان أستاذنا يعطينا مفتاح القسم، ندخل متى نشاء إلى الجامعة ونخرج منها متى نشاء دون رقيب أو حسيب. إذا تأخرنا ليلا، يزورنا الحارس الليلي لكي يتأكد أننا طلبة كلود برنار ثم يذهب لحال سبيله.
محمد كشكار، ابن قرية جمنة ولاية قبلي بالجنوب الغربي الصحراوي التونسي، الطالب التونسي النكرة في الميدان العلمي، تُفتح له أبواب أكبر جامعة في الجنوب الشرقي الفرنسي ويُغلق أمامه باب المندوب الجهوي للتعليم بجندوبة.
كانت أسعد أيام في حياتي الدراسية الطويلة طول عمري، قضيتها في البحث العلمي والمتعة الفكرية. نلت منها أعلى شهادة في اختصاصي العلمي. لكن مع الأسف الشديد، بلادي التي صرفت عليّ الكثير من الأموال العامة في التحصيل العلمي لم تسمح لي بتجسيم اعترافي لها بالجميل والذي يتمثل في تمكيني من التدريس في الجامعات التونسية ما درست من علم في الجامعة الفرنسية.
حادث عنصري معزول، ساءنا جدا، سُلّط علينا - لكوننا عرب - من قبل مجموعة من أساتذة جامعة كلود برنار بليون 1 بفرنسا، قبل 2007: كنا ثلاثة طلبة تونسيين عرب، نعدّ دكتورا في تعلمية البيولوجيا بجامعة كلود برنار بليون 1 بفرنسا، تعودنا على قضاء شهر جوان من كل عام، نتربص في فرنسا وتعودنا أيضا أن نأتي باكرا إلى المخبر ونمكث فيه إلى ساعة متأخرة من الليل ونقضي فيه كامل يومَي السبت والأحد لكي نستغل الظروف المكتبية والتقنية والرقمية والأنترناتية المتوفرة في الجامعة أفضل استغلال علمي. اتهمنا أساتذة القسم الفرنسيون بارتكاب خطأ وقع قبل وصولنا إلى ليون بيومين: المثقفون المتعلمون، أبناء الثورة الفرنسية، أجدادهم كتبوا الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، ديدرو وفولتير وفيكتور هوڤو، قدِم هؤلاء إلى مكاتبهم في قسم تعلمية العلوم بالجامعة يوم الاثنين، وجدونا في المخبر قبلهم بساعة أو ساعتين وكان الجو معتدلا ولم نشغل المكيّف، اكتشفوا فجأة أن مكيّف المخبر لا يشتغل، اتصلوا بمدير أطروحتنا الفرنسي المشرف على تربصنا، نحن الثلاثة، وبلغوه استياءهم وقالوا له أن طلبتك التونسيين نسوا المكيف يشتغل منذ يوم السبت الفارط فتعطل. جاءنا أستاذنا بيار كليمان مغتاظا من تصرفنا وكان يجهل موعد قدومنا بالضبط وقال لنا: لماذا لم تطفئوا المكيف عند مغادرتكم المخبر يوم السبت الفارط فتسببتم في تعطيله؟ ثم أضاف مسترسلا: زملائي الفرنسيين يشتكون من مثل هذا التصرف غير المسؤول. أجبناه الثلاثة في مرة واحدة: نحن وصلنا اليوم إلى المخبر، فكيف نتسبب في فساد آلة في جامعة ليون 1 بفرنسا ونحن حينذاك لم نغادر تونس يعدُ؟ غضب أستاذنا الشيخ الجليل والجميل، زمجر، عربد ضد موقف زملائه الفرنسيين العنصري ألف في المائة، وخاطبهم قائلا: أعمتكم عنصريتكم ضد العرب إلى درجة أنكم حمّلتوهم مسؤولية خطأ وقع في فرنسا وهم حينذاك موجودون في تونس أي زمن وقوع حادث تعطل المكيّف؟ هذه عنصرية فاقت كل العنصريات، عنصرية عمياء بالمعنى الحرفي والمجازي للكلمة. اعتذر أستاذنا لنا ولم يعتذر زملاؤه حتى الآن.

إمضائي
"الأساتذة لا يفهمون أن تلامذتهم لا يفهمون" باشلار
و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نداءات لتدخل دولي لحماية الفلسطينيين بالسجون الإسرائيلية | #


.. غارات إسرائيلية استهدفت بلدة إيعات في البقاع شرقي لبنان




.. عقوبات أوروبية منتظرة على إيران بعد الهجوم على إسرائيل.. وال


.. شاهد| لحظة الإفراج عن أسرى فلسطينيين من سجون الاحتلال الإسرا




.. مسؤول أمريكي: الإسرائيليون يبحثون جميع الخيارات بما فيها الر