الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيرين وفرهاد: الفصل السادس 4

دلور ميقري

2018 / 11 / 29
الادب والفن


في أوان مراقبته لصاحبة الكفل الملكيّ، المغادرة موقفه وهيَ تخطر متمهلة بعدما تناول منها صينية الغداء، خطرَت له فكرة الاندفاع في حركة متهورة كي يضمها من وراء، ثمة في بقعة المتعة السرية، الكائنة بين الحمّام وعتبة الدرج الداخليّ. هنالك، أين استفرد بها مراتٍ وكان فحيح أنفاسها، المفعم بالغلمة والشهوة، يطغى عليه صوت محرك غسالة الثياب، المركونة إلى جانب. أحياناً كان يلحق بها بخطى خفية عبرَ الدرج، الموصل لسطح الدار، وتكون إذاك مشغولة بنشر الثياب الندية على حبال الغسيل. وكانا ينغمسان عندئذٍ في ممارسات سريعة، متنوعة الألوان، يسترهما من ناحية سطح الجيران بابُ المطبخ المحال للتقاعد، بينما منارة المسجد القريب تنتصبُ مُثارةً بدَورها ـ كما لو أنها ذكرُ الرجل الغريب، الناصع البشرة، الذي يخفق متوتراً في أعماق النسيج اللحميّ، القاتم السمرة.
على أن فكرة أخرى، أكثر خراقة، دهمت ذهنه حينَ جلس على طرف الطاولة الواطئة، المحاذية لسرير نومه: " أليسَ من الممكن أن تكون قد دست سماً في الطعام، أثناء صعودها الدرجَ في الطريق إلى حجرتي؟ ". فكرته، كان لها مع ذلك جانبٌ عقلانيّ واحد، على أقل تقدير. فبصرف النظر عما أعقب ظهورها آنذاك من أحاسيس لديه، فإنه واثق بأن هذه المرأة، السوداء السريرة، ليس بوسعها نسيان تجاهله لها أثناء وجوده في بلد المهجر مؤخراً. لقد بدا لها ذلك تأكيداً على عزمه قطع علاقتهما السرية، وكان عبّرَ عنها صراحةً في آخر مرة انفردا فيها بمنزل الأسرة قبيل عودته لمهجره: " هذه لعبة خطرة، وقد آنَ وقتُ إنهائها قبل أن يكتشفها الآخرون. سنحتفظ بالصداقة والمودة، بالطبع.. "
" لم أكن أنتظر منك هذا الكلام الغريب، أنا مَن أسقطتُ نفسي من أجلك! "، كانت قد قاطعت كلامه بنبرة شديدة التأثر وهيَ ترجع خطوة للوراء في حركة نزقة. وانتابه الفزع لذكرها حادثة " السقط "، باعتبارها تضحية من جانبها. فما الذي تأمله منه حقاً، هذه المرأة الماكرة؟ في حقيقة الحال، أنّ أنانيته منعته من طرح هكذا سؤال على نفسه ولو مرة واحدة. إذ كان يكفيه دائماً شعورُ أنها متعلقة به، ولو بطريقة عصية على الفهم. مع أنه عزَى ذلك، في مبتدأ علاقتهما، إلى تأثير عامل الجود لا عامل الجاذبية. فزوجها شابٌ طيب، فضلاً عن حظوته بقدر من الوسامة؛ فلمَ إذن ستخونه، لو لم يكن فقيرَ الحال؟ إلا أنّ الأمر ليسَ مُحدداً بالحاجة للمال، سوى أنه باعثٌ لفكرة معذّبة ربما دارت مراراً في رأسها: " إنني أجمل من سلوى، ومن نفس جيلها تقريباً، وعلى الرغم من ذلك لم أنعم مثلها بعريسٍ يقيم في أوروبا ويتكلم بلهجة المسلسلات التلفزيونية التركية! ".

***
في المقابل، هل بمقدوره الزعم بأنّ عشيقته تفتقد للجانب الإيجابيّ في شخصيتها؟ بل إنها دخلت حياته عن طريقٍ روحيّ بحت، وذلك حينَ بوغتَ بمعرفته لموهبتها الفنية. لقد سمع تلميحاً اسمَها، مرتبطاً بحديثٍ جرى على ترّاس رياض عديل المستقبل، الفرنسيّ. وكان " بيير " حينذاك يعلّق على شقيقة امرأته، المتفاخرة بكون خطيبها السوريّ رساماً أيضاً، فذكرَ اسم " لويزة " بوصفها فنانة: " ولكنها كحال الكثير من النساء المغربيات، اللواتي تمنعهن ظروفهن من تنمية مواهبهن "، قالها بالفرنسية متوجّهاً بالكلام لامرأته. " سلوى "، المتعهدة مهمة الترجمة بين الرجلين، عقّبت على ذلك الكلام وقد قلبت شفتها السميكة باستخفاف: " لو كانت موهوبة حقاً، لما أتلفت عينيها بتطريز القبعات التقليدية مقابل خمسة دراهم عن كل واحدة! ". فيما بعد، لما استقر في منزل الأسرة كزوج للابنة المدللة، تسنى له معاينة رسوم ابنة أخيها غير الشقيق. ذات مساء ربيعيّ، وكانت " لويزة " لديهم تقدّم خدماتها كمألوف العادة، طلبت منه امرأته أن يصعد للصالة العلوية كي يجلب نماذج من رسومه لتراها ابنة أخيها. هذه النماذج، وغالبيتها رسوم مائية، كانت تزيّن نسخاً من تقويمات سنوية وبطاقات بريدية ( كارت بوستال ) وكراسات طبخ، تم طبعها من لدُن شركة الميديا التي عمل فيها وذلك بهدف بيعها. انحنت قريبة امرأته على الرسوم، وراحت تتأملها بعينٍ منتبهة. بدَوره، انتبه " دلير " في الأثناء إلى تعبير وجهها، فقرأ فيه عدم الرضا، وبالتالي، أدرك أنه فعلاً أمام رسامة موهوبة. قال لها محرجاً ( بعدما اكتفت بكلمة مقتضبة: جميل! )، أنه أساساً رسامُ كاريكاتور، وتجربته قليلة في اللوحات الملونة. عادت لتستدرك، مبتسمة برقة: " لقد أتضح لي ذلك من طريقتك في رسم الوجوه، وكذلك متانة خطوطك وإتقانها "
" في المرة المقبلة، عليكِ أن تأتي بدفتر رسومك حتى يراها ويقيّمها "، خاطبتها عمّتها الصغيرة باستهانة. فلما اختلت مع رجلها في حجرته بالدور العلويّ، آبت إلى الموضوع دون أن تتخلى عن النبرة المستخفة: " تتكلم بغرور وثقة عالية، كأنما صدّقت نفسها أنها رسامة حقاً. سترى شخبطاتها حينما تجلب دفترها، فتستعيذ بالله من صور الجن والعفاريت وغيرها من الأشكال الغريبة! ".
بعد نحو أسبوع، عادت ابنة الأخ وهيَ تحمل دفتراً كبير الحجم. إلا أنها هيئة المرأة الشابة، لا " خربشاتها "، مَن جعلها تبدو غايةً في الغرابة . كانت قد تخلّت لأول مرة عن الجلابة التقليدية، مكتسيةً ببلوزة ربيعية زاهية الألوان فوق بنطال أبيض. إلى ذلك، اعتمرت قبعة من قماش هشّ، مزيّنة بشريط متدلّ من حافتها المستديرة. من مجلسه على الأريكة، المقابلة لمدخل المطبخ، راحَ على الأثر يتشاغل بتقليب صفحات الدفتر الشيطانيّ بينما عيناه تختلسان النظرَ مواربة من صاحبته ذات الجسد الملائكيّ. كانت تروح وتجيء، هنالك خِلَل المدخل، حاملة مؤخرتها المعجّزة، المحشورة في البنطال الضيّق، رامقة إياه بين حين وآخر بنظرات مشرقة سعيدة. ولقد أسعدها أكثر، لما أخذ في تقريظ رسوماتها على مسمع من كارهتها. ثم ما لبثَ أن وعدها بإهدائها ألبوماً يضم رسوم كبار الفنانين الأوروبيين، مؤكداً أنه سيساعدها في التعرف على الطرق الحديثة بالرسم. عاد يقول لها، متفلسفاً هذه المرة، فيما يقلب صفحات الدفتر مجدداً: " كأنها قصائد سوريالية، مشكّلة بالخطوط والألوان. ومع أنك نشأتِ في الضاحية، وقضيت ولا شك أوقاتٍ مديدة ببلدة أجدادك، أجد لوحاتك تعتمد على أشكال مدينية بحتة مع استخدام مدهش لرموز الثقافة الشعبية ". طفقت " لويزة " صامتة، تنظر إليه في حيرة. سألتها امرأة عمها، الصغيرة المعابثة: " هل فهمتِ شيئاً مما قاله؟ ". فلما هزت الأخرى رأسها نفياً، فإنّ الصالة انفجرت بالضحكات وشارك فيها المتفلسف وامرأته أيضاً.
وإنها " حسنة " نفسها، مَن تكفلت بعد نحو العام إقناعَ حماتها بقبول اقتراح غريب؛ أن يقوم الصهر السوريّ بإعطاء القريبة الموهوبة درسَ رسم، لمدة ساعة يومياً، في خلال أوقات تواجدها بمنزل جدّها: " لعلها تستفيد من ذلك، فتتمكن من تحسين حالة أسرتها البائسة. لقد وعدها بيير بتسويق لوحاتها، ما لو كانت منجزة بحرفية؟ "، أضافت المرأة الصغيرة نقلاً عن لسان الصهر السوريّ. ولم يكن قبول الاقتراح مستحيلاً، طالما أنه دُجِجَ بنفحة مالية من الرجل الكريم أسقطتها الكنّة في جيب الحماة. كذلك، شددت هذه الأخيرة على أمرٍ اعتبرته شرطاً صارماً؛ وهوَ أن يبقى هذا الدرس، المحدد له الساعة التاسعة صباحاً، سراً بينهم أربعتهم. كان يسيراً أمرُ إخفاء الساعة اليومية على " سلوى "، كونها تنام مع ابنها في حجرة بالصالة الأرضية ولا تستيقظ عادةً قبل حلول الظهر. أما بقية الأخوة، أي " لوحا " و" حياة "، فإنهما كانا يتوجهان للعمل مبكراً.
منذئذٍ، استهلت وقائع العلاقة الغرامية بين الأستاذ وتلميذته، المتفوقة عليه بالموهبة. كان مكان الدروس في صالة الدور العلويّ، وفي أثناءها، كانت تتولى حراستهما المرأةُ الصغيرة، المتعهدة تشغيل غسالة الثياب، فضلاً عن المرأة الكبيرة من عرينها في المطبخ!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما