الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


واقع روسيا القيصرية في رواية -الآباء والبنون- ايفان تورغينيف

رائد الحواري

2018 / 11 / 30
الادب والفن


واقع روسيا القيصرية في رواية
"الآباء والبنون"
ايفان تورغينيف

الفضل في تقدمي من هذه الراوية لمعلمي وأخي "وجيه مسعود" الذي اشار علي منذ زمن بعيد على ضرورة قراءتها، موضحا أنها روية مهمة ليس بموضوعها فحسب بل أيضا في الشكل الذي قدمت به، فالترجمة الأدبية أمينة للنص الأصلي، حيث ترجمها "خيري الضامن" الذي يتقن التعامل الأدبي مع النصوص الروسية والعربية.
في هذه الرواية ينطبق عليها قول: "الأدب مرآة الشعوب"، فنحن نجد طبيعة المجتمع الروسي القيصري بكل تفاصيله، من الطبقة الاقطاع والأمراء إلى الفلاحين، والجميل في الرواية أنها جاءت متماسك ومتقنة الحبكة، فالراوي اعطا شخصياته الحرية الكاملة لتتحدث عن اقع روسيا القيصرية دون رقيب، حتى أنه تناول القيصر ذاته، وهذه الجرأة لا تأتي إلا من أدباء نبلاء، ينتمون لواقعهم ويسعون نحو وطن حديث يعرف كيف يتعامل مع العصر والعالم، بعيدا عن التخلف والتقاليد البالية.
واقع القرية الروسية
الحياة الريفة كانت تختلف تماما عن حياة المدن، ليس في تقديم الخدمات وحسب، بل بطريقة تفكير الناس، بطريقة الحكم على مكانة الإنسان، فقد كان النظام الاقطاعي هو السائد، وهناك طبقة النبلاء والأقنان: "اسمه نيكزلاي بتروفتش كيرسانوف، وليه، على بعد 15 كيلو مترا عن الخان، ضيعة جيدة قيمتها مئتا نسمة كما يقال عادة" ص193، فنجد النظام الاقطاعي والطريقة التي كانت تتبع لمعرفة مكانة النبيل الاجتماعية والاقتصادية، فعدد الاقنان في الضيعة هو المقياس ثروة النبيل، وهذا ما تناوله "غوغول" في رواية "الأنفس الميتة"
أما العمال/الفلاحين فكانوا بهذا الحال: "... أنهم يندفعون بالتحريض، ثم أنه ليس لديهم حماس حقيقي في العمل، وهم يتلفون عدة الخيل، غير أنهن حرثوا على نحو لا بأس به" ص200، بهذا الشكل كان الفلاح الروسي يعمل، فعدم الاخلاص في العمل والانتماء سمة عاملة للفلاحين، وهذه اشارة إلى أنهم لم يكونوا أكثر من أجراء لا يحصلون إلا على قوتهم فقط، ومحرومين من كافة الحقوق المدنية والاجتماعية.
وهناك مثل روسي يعبر عن واقع الفلاحين الحقيقي في النظام الاقطاعي: "الفلاح الروسي يأكل حتى ربه" ص237، واعتقد أن هذا المثل يعد المقدمة التي انطلقت منها الثورة البلشفية، فحجم الظلم والهوة الاجتماعية في النظام القيصري هي من مهدت فعليا ليقام الثورة، وما مانت لتنج لولا وجود هذا الحجم والكم من الظلم.
المجتمع الروسي
لم تقتصر حالة التخلف عن المجتمعات الأوروبية على القرية والنظام الاقطاعي فحسب، بل على بنية المجتمع الروسي ككل، فالفساد وجهل والتخف يعد سمة النظام القيصري، وهذا ما عُبر عنه من خلال القول: "ليس غ الروسي أفضل من فكرته السيئة عن نفسه" 237، فالمجتمعات المختلفة والجاهلة والفاسدة ليس لها الحديث إلا عن سلبيات المجتمع، وهذا ما نجده في واقعنا الفلسطيني والعربي، فحديثنا يدور عن الفساد والمفسدين والفاسدين، مُفتقدين أية ايجابيات نتحدث فيها أو عنها.
واهما من كان يعتقد أن الثورة البلشفية جاءت من فراغ، بل هو المُعبر الشعبي الحقيقي عن مطامح الشعب الروسي، فقد كان هناك حراك فكري عند المثقفين الروس يتناول العديد من المسائل الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والادارية: "ـ ...اكتفي بالقول أن النزعة الارستقراطية مبدأ، ولا يستطيع أن يعيش بدون مبادئ في عصرنا إلا الا أخلاقيون أو الفارغون.
ـ ارستقراطية، لبرالية، ما أكثر الكلمات الاجنبية العديمة الجدوى، الروسي ليس بحاجة إل هذه الكلمات مطلقا.
ـ ...فما الذي هو بحاجة إليه باعتقادك؟ عندما نستمع اليك يخيل الينا أننا خارج البشرية وخارج قوانينها.
ـ بكل بساطة، أنت، على ما اعتقد لا تحتاج إلى المنطق لكي تضع كسرة خبز في فمك عندما تشعر بالجوع، فأين أنت من تلك التجريدات؟" ص246، هذا الحوار الذي دار بين "نيكولاي وبتروفيتش" يمثل الهوة التي تفصل المجتمع الروسي الاقطاعي عن المجتمعات الأوروبية، والطريقة التي يفكر بها الروسي.
الخلاف لم يكن يقتصر على استخدام المصطلحات فقط، بل تناول الطريقة التي يفكر بها المجتمع أيضا:
"ـ ... فالشعب الروسي ليس بالشكل الذي تتصورانه، أنه يحترم قدسية التقاليد، ويمجد الآباء، ولا يمكن أن يعيش بدون ايمان...
...
ـ ... عندما يهدر الرعد يتصور الشعب أن الرسول إيليا يتجول على عربيته في السماء، فماذا؟ هل علي أن أوافقه؟" ص247، ما يحسب لهذه الرواية أنها أدخلتنا إلى واقع المجتمع المتخلف، فتبدو وكأنها تتحدث عن واقعنا العربي الآن، رغم تباعد الجغرافيا والزمن، لأن مشكلة المجتمعات المتخلفة واحدة.
ونجد هذا المجتمع لا يعرف ألف باء العلم ويعيش في حالة من الجهل الظلام: "ـ ما حاجتك إلى الضفادع سيدي؟
ـ أنني اشرح الضفدعة واراقب ما يجري في داخلها...
ـ وما فائدة ذلك؟
ـ كيلا اخطئ عندما تمرض أنت واضطر أنا لمعالجتك" ص210، فهنا نجد الهوة المعرفية والعلمية بين النبلاء وبين والفلاحين، وهذا ما عبر عنه "بتروفيتش" عندما قال: "ـ ما اتعس أن يعيش المرء خمس سنوات في قرية بعيدا عن العقول العبقرية" ص220، فالقرية كانت تعد منفى للمفكرين والمحللين والعلماء، كما أنها كانت تمثل مغترب اجتماعي لم يريد أن يواكب العصر والحداثة، فالاطلاع على ما توصل له العالم والتعرف على المفاهيم الاجتماعية والاقتصادية والعلمية ما كانت لتم بدون العيش في المدينة.
أما الواقع الاقتصادي فيعبر عنه "اركادي" بهذا القول: "ـ سنستغني عن لحم البقر ما دام غير موجود، فالقر ليس عيبا كما يقال" ص320، اعتقد ان كل هذه الاشارات تبين السخط العالم على النظام القيصري وعلى ما يعيشه الشعب الروسي.
وهناك اشارة إلى ما كان يجب أن يكون/يحصل في روسيا القيصرية التي تعاني من هوة اجتماعية اقتصادية ادارية في تركيبة المجتمع والنظام عبر عنها "مازاروف": "قلت أن روسيا ستبلغ الكمال عندما تكون لدى ابسط فلاح مثل هذه البناية" ص335، مثل هذا القول كان يشير إلى مكان السكن غير المناسب للفلاح، وعلى ضرورة الاعتناء بتوفير مكان ملائم له ولاسرته، وهذه الاشارة بمثابة "طرق الجداران" للمجتمع الروسي، لكن يبدو ان النظام كان في سبات كبير، لهذا أهمل عملية اصلاح ما جاء في رواية "الآباء والبنون".
كما قلنا في البداية لا يكتفي الراوي بتناول سلبيات المجتمع بل يطال القيصر ذاته، وقد جاء هذا التناول من خلال قول "اركادي":
"ـ ... فالحقيقة يصعب عليها أن تصل إليهم، كما يصعب عليها أن تصل إلى القصير" ص381، وهذا اشارة إلى الحاجز الذي يفصل القصير وحاشيته عن الناس وهمومهم ومشاكلهم.
الرواية من منشورات دار رادوغا" موسكو؟، طبعة 1985.

المرأة الروسية
ونجد التباين بين المثقفين الروسي حول نطرتهم لحرية المرأة وطريقة التي يرونها لهذه الحرية:
"ـ لم لا تريد للنساء أن يتمتعن بحرية الفكر؟
ـ ذلك، يا أخي، لأني لاحظت أن القبيحات وحدهن يفكر بحرية" ص274،
تستوقفنا الحالة النفسية تجعل "القبيحات" يفكرن بالحرية، فهل أراد "بازاروف" أن يقول أن "القبيحات" يحاولن أن يعوضن قبحهن بالتفكير وبالحرية؟، وأن المرأة الروسية الجميلة لن تكن معنية بالحرية، فهو مستقرة نفسيا واجتماعية وليست بحاجة إلى التفكير أو إلى الحرية؟.
اعتقد أن واقع المرأة "القبيحة" ينسجم تماما مع واقع الفرحين الروسي، فكلاهما يعاني من وقع بائس، لهذا يبحدث عن مخارج لهذا الواقع. على النقيض من المرأة "الجميلة" التي يتوافق حالها من النبلاء/الآباء الذين يرون كل شيء طبيعي وجميل، ولهذا هم يحاربون أية أفكار جديدة.
أما نظرة العمال والاجراء للمرأة فنجدها في هذا القول:
"ـ ... أن قلع البلاط من الشارع أهون من السماح لامرأة بأن تمتلك فيد انملة" ص315، فهنا يتم التعامل مع المرأة على أنها ملكيه خاصة للفلاح، فلا يحق أو يجوز أن تمتلك أية شيء وزوجها على قيد الحياة.
وكان تعامل بطريقة وحية من قبل الزوج:
"ـ وهل تضربها؟
ـ من زوجتي؟ يصادف، فنحن لا نضرب بدون سبب.
ـ حسنا، وهي هل تضربك؟
هو الفلاح الاعنة:
ما هذا الكلام، ايها السيد، ليس كل شيء يصلح للمزاح .., ـ زعل الفلاح على ما يبدو" ص316، هذا الحوار يبين حالة المرأة الفلاحة في المجتمع الروسي، فهي تضرب، كما تضرب الآن في الواقع العربي، وهي أقل مكانة بكثير من الذكر، كما هي في مجتمعنا العربي، فالتطابق والتماثل بين المرأة الروسية ـ أيام القصير ـ والعربية الآن يعطي اشارة إلى وجود دوافع ومحفزات على ضرورة التمرد على هذين الواقعين، وقد تم التمرد على الواقع القيصري الروسي، فمتى سيتم التمرد على الواقع العربي؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ذكرى رحيله الـ 20 ..الفنان محمود مرسي أحد العلامات البار


.. اعرف وصايا الفنانة بدرية طلبة لابنتها في ليلة زفافها




.. اجتماع «الصحافيين والتمثيليين» يوضح ضوابط تصوير الجنازات الع


.. الفيلم الوثائقي -طابا- - رحلة مصر لاستعادة الأرض




.. تعاون مثمر بين نقابة الصحفيين و الممثلين بشأن تنظيم العزاءا