الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القهر والثورة: أية علاقة ؟ (1) قراءة في كتاب: «التخلف الاجتماعي: مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور» لمصطفى حجازي

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2018 / 12 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني





1ـ نبذة عن الكاتب: مسيرة حافلة
ولد عالم النفس مصطفى حجازي سنة 1936 في عائلة للمزارعين تشتغل في بساتين سينيق جنوب مدينة صيدا بلبنان، وفي سن السابعة دخل إلى مدرسة الفيصل الابتدائية وكان يذهب إليها مشيا على القدمين قاطعا عدة كيلومترات، وبعد استكمال الدروس الابتدائية متفوقا، نال منحة خولت له متابعة الدراسة مجانا بثانوية المقاصد التي عاش فيها تجارب نضالية في سياق الاستقلال اللبناني وثورة عبد الناصر والثورة الجزائرية، وفي سنة 1956 انتقل حجازي إلى مصر للدراسة وتخصص في علم النفس، وحينما تخرج انتقل للتدريس بأربيل بالعراق، إلا أنه بعد ذلك سوف يحصل على منحة لإتمام الدراسة وسينتقل إلى ليون بفرنسا، وفي سنة 1967 حصل على شهادة الدكتوراه بدرجة مشرفة جدا، وعمل أستاذا للصحة النفسية بالبحرين ثم الجامعة اللبنانية ومن مؤلفاته:
ـ الفحص النفسي 1993
ـ حصار الثقافة: بين القنوات الفضائية والدعوة الأصولية 1998
ـ التخلف الاجتماعي: مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور 2001
ـ الإنسان المهدور: دراسة نفسية اجتماعية 2006
ـ إطلاق طاقات الحياة: علم النفس الإيجابي 2011

2ـ النفسية المتخلفة: تحتاج لمنهج يفهم طابعها المعقد.

يرى مصطفى حجازي أن دراسة النفسية المتخلفة تفرض وجود منهج قادر على فهم هذه الظاهرة المعقدة، لذلك من اللازم استخدام منهجين متكاملين، الواحد يكمل الآخر، وهما المنهج البنيوي الذي يجمع شتات الظاهرة في بنية متناسقة والمنهج التاريخي الذي يتتبع خصائص الظاهرة المدروسة، ولا غنى لأحد المنهجين عن الآخر، وينطلق كلاهما من لب الوجود المتخلف، وهو علاقة التسلط والرضوخ، وعلاقة السيطرة والقهر في مختلف المستويات وخاصة على مستوى القهر المعرفي، وتجعل الإنسان المقهور المعبر الأفصح عن التخلف من الناحية النفسية، فكل الخصائص النفسية التي تحدث عنها حجازي هي مظاهر متنوعة لهذه العلاقة، بل نتاج لها، رد فعل عليها، أو دفاع إزاءها، وهذه العلاقة تخلق بنيويا نمطا من الوجود متطورا بدرجات مختلفة السرعة تاريخيا، وفي كل مرحلة تطغى على بنية هذا الوجود سمات بارزة تميزها عن غيرها من المراحل.

3ـ علاقة القهر: الإنسان المقهور في مواجهة القهر المركب ( الطبيعة، الإنسان المتسلط).

يعيش الإنسان المقهور في عالم العنف المفروض من الطبيعة (الجفاف، الفيضانات...)، فتجعله يعيش في عالم الضرورة والجبر، وهو اعتباط من لدنها دون أن يجد وسيلة للمجابهة، ومن هنا تبدو الطبيعة خطرا أخطرا بالقدر نفسه تتضخم مشاعر عجزه، ويعيش دائما تحت كنف التهديد الدائم لحياته، ويلازمه الخوف على الرزق من الصباح إلى المساء، وفي البيت وخارجه، إن الإنسان المعرض دوما إما للمصيبة أو الخير ليست له أية ضمانة له ولذويه، فقط تلك التي يضمنها التمسك بالماورائيات، تلك العلاقة مع القوى المهيمنة على الكون والرضوخ للسيد، وإذا لاحظنا الأدعية التي يبدأ بها الإنسان المقهور يومه فيظهر لنا أنها:
أ) محاولة لمجابهة الاعتباط الذي يهدده بالتمني السحري
ب) التعلق بالخرافة
ج) الاتكالية المفرطة لدى الإنسان المتخلف، إذ لديه ميل سحري لأنسنة الطبيعة مثل الأم التي تعطي دون أن تتحاسب، ومثل الأب القاسي الذي ينزل أشد العذاب على أبنائه، أو مثل الأم التي تمنع العطاء عن ابنها، إنه يعيش بشكل نكوصي كل قلق طفولته، والطبيعة تحرك جميع مشاعره الماضية.
ومثل هذا كله، يعاني الإنسان المتخلف عجزا كبيرا أمام الطبيعة، إن الأمثال الشعبية محاولة سحرية لإعطاء معنى لحياته، فإما الاستكانة أو التبرير، هذا هو قدر الحياة، فقهر الطبيعة يضاف إليه قهر آخر، وهو القهر الإنساني، فالإنسان المتخلف مقهور من طرف (السيد، البوليس، المستعمر...)، إنها سلسلة مترابطة كي تفقده السيطرة على مصيره، وبالتالي يصبح الإنسان المتخلف لا قيمة له حتى يشاء المتسلط، وليس أمامه سوى الوقوع في الدونية، ومن هنا شيوع تعظيم السيد لكي يسقط في شره وطمعا في رضاه، على اعتبار أن الإنسان المتخلف يعيش في عالم اللارحمة، وقد يفقد فيه هذه الأخير إنسانيته، فبدل علاقة أناـ أنت، هناك علاقة أناـ ذاك الشيء التي تتضخم فيها ذات السيد على حساب العبد المقهور، ونجد نموذجا لذلك في التسلط الإقطاعي أو التسلط الاستعماري، فلا حوار إلا بالسياط، وينظر إلى المستعمرين (فتح الراء) أنهم جبناء، وبقدر ما ينظر إلى هؤلاء وفق هذه النظرة حتى يصيروا كائنات اتكالية، وهذا يقوي لدى المستعمر أسطورة تفوقه مثل نظرة إسرائيل إلى العرب.
استنادا على هذا الطرح، فبقدر ما تتضخم أنا السيد ينهار الرباط الإنساني بينه وبين العبد، وبالتالي تنضاف للإنسان المتخلف علاقة تسلط أخرى متفاعلة مع قسوة الطبيعة تشكل قانونا لحياة هذا الإنسان على مختلف مستوياتها. وتتسم علاقة الرئيس بالمرؤوس بهذا النمط الرضوخي التسلطي كما تتسم به علاقة الرجل بالمرأة، والكبير بالصغير، والقوى بالضعيف، والمعلم بالتلميذ، ورجل الشرطة بالمواطن، إن كل سلطة سواء كانت مرتبية أو طبيعية تصطبغ بهذه الصبغة، تثبت علاقة القهر بما تحمله من عنف داخل الحياة النفسية (الانفعالية، العاطفية، الذهنية )، حتى الحب في البلدان المتخلفة والنامية يعاش تحت شعار التسلط والرضوخ (تسلط المحبوب، رضوخ الحبيب )، إن كل الخصائص التي سوف نقدمها في هذه الورقة تنبع من هذا الواقع المحوري: التسلط والاستكانة، وما يتبعهما من انعدام جذري للشعور بالأمن، فإذا أخذنا بالمنهج التاريخي نجد أن واقع الإنسان المتخلف قابل لأن ينتظم في أنماط ثلاثة من الوجود، فمن مرحلة الرضوخ إلى مرحلة التمرد والثورة، لابد من المرور بمرحلة اضطهادية، وسنجد لكل مرحلة بنيتها النفسية والاجتماعية وخصائصها المميزة التي تعكس بمجموعها جانبا من الوجود المتخلف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد