الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللقاء الصدمة مع الحضارة الاوروبية الصاعدة

فارس إيغو

2018 / 12 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


البداية، كانت مع الرحالة المسلمين (العثمانيين والمغاربة) (1) الذين زاروا أوروبا وحملوا معهم أخبار الجديد الحاصل هناك، قبل أن يكتشف المسلمون ما يحدث في العالم مباشرة مع الحملة الفرنسية على مصر نهاية القرن الثامن عشر، وجيوش نابليون تدك حصون المماليك الذين كانوا يحكمون مصر، وتدك علومه الجديدة حصون التراث الإسلامي العريق، الذي علت مجلداته الغبار السميك والكثيف لتوقف الاجتهاد فيه منذ قرون.
لم تهدأ هذه الصدمة التي بدأت نظرية مع الرحالة المسلمين، وعملية مع حملة نابليون على مصر، حتى جاءت صدمة أخرى لتكرس هذا الزلزال الذي ضرب هذا العقل، أي صدمة الاستعمار، الذي امتد لفترة طويلة وشمل تقريباً كل العالم العربي والإسلامي (2)، وتيقنت معه هذه الحضارة وهذه المجتمعات بأنها فعلاً دخلت وتدخل في أفول حضاري وشيك على الانهيار.
في خضم الحملة الاستعمارية على العالم العربي والإسلامي، سيضرب زلزال آخر آثاره ما تزال تفعل فعلها في العقل والنفس العربية والإسلامية، هو زلزال سقوط الخلافة الإسلامية العثمانية المريضة في الاستانة عام 1924؛ صحيح أن الخلافة العثمانية لم يكن قد تبقى منها في الواقع، على قول ابن خلدون، إلا رسمها أي آثارها. إلا أن الخلافة العثمانية لم تكن رسماً فقط، لم تكن كياناً سياسياً وجغرافياً ولم تكن كياناً دينياً حضارياً فقط، بل كانت مزاجاً نفسياً؛ البعد النفسي لهذا الرسم كان مترسخاً بقوة في النفوس. تصوروا المجتمعات الإسلامية وقد تشكلت ذهنيتها ونفسيتها، خلال أربعة عشر قرناً في مؤسسة الخلافة الدينية، وفجأة ينهار هذا الكيان الذي كان يعطي معنىً لهذه الذهنية وهذه النفسية؛ فبين عشية وضحاها، ستصبح المجتمعات الإسلامية في حالة يتم وحداد وحزن، وسوف تمتد آثاره منذ لحظة السقوط الى يومنا هذا؛ إنه الفراغ في القلوب المؤمنة التي أدخلوا في وعيها أن الخلافة هي جزء من العقيدة، ومن هنا نفهم الصدمة المضاعفة التي أحدثها كتاب الشيخ علي عبد الرازق > عام 1925، بل يمكن إرجاع كثيراً من المظاهر التي تسم هذه المجتمعات، وهذه المشاكل والتحديات التي تواجهها هذه المجتمعات، تعود الى هذا الفراغ؛ وربما تكون التجربة الكارثية للدولة الإسلامية، دولة أبوبكر البغدادي في العراق وبلاد الشام، وما خلفته من قتل وحشي ودمار هائل في العمران المتشقق والمتصدع أصلاً، قد تكون هذه الدولة المتوحشة، هي الدواء المر لذلك الجرح الذي بقي نازفاً منذ العشرينيات من القرن الفارط.

مع الاستعمار وسقوط الخلافة العثمانية، سوف يتفكك هذا العالم العربي الإسلامي، سيتفكك على أسس جديدة، صحيح أن هذه المجتمعات لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام هذا السقوط، وأمام هذا الانهيار، بل سرعان ما نظمت صفوفها وأعادت ترتيب أمورها وبدأت تواجه هذا الزلزال الذي ضرب المجتمعات على كل المستويات، وكانت الفترة بين منتصف القرن التاسع عشر حتى انقلابات الضباط الأحرار في بداية الخمسينيات مرحلة واعدة بالإصلاحات وبداية انطلاقة لنهضة على أسس إصلاحية في كل المجالات الاجتماعية، ونشأة مستأنفة بحسب اللغة الخلدونية، إلا أن عصر الأيديولوجيات القومية واليسارية، والذي أعقب زلزال "النكبة" عام 1948 ، أدى الى تصحير وتجفيف كل الفضاءات المدنية التي بدأت بالنمو والتطور خلال فترة قصيرة في ظل الملكيات شبه الدستورية والنظم البرلمانية في سورية ومصر والعراق ولبنان والمغرب والكويت، وكانت الهزيمة الكبرى في الخامس من حزيران عام 1967، لتشكل بداية أفول الأيديولوجيات القومية والصعود السريع للاسلام السياسي والراديكالية الدينية، وتحول السلطات القومية الحاكمة في العديد من الجمهوريات الى طغم عسكرية أمنية فاسدة، جمدت مجتمعاتها وقمعت أي صوت معارض، وكانت السبب الرئيسي في الانفجار الشعبي الكبير عام 2011.
(1) وأهم هذه الرحلات كانت بعثة محمد جلبي أفندي (ت: 1730)، الذي أوفده السلطان العثماني في مهمة رسمية الى فرنسا عام 1723، ونقل انطباعاته عن هذه الرحلة في مخطوطة قام بتحقيقها ودراستها الباحث الأردني زيد عبد الرواضية، تحت عنوان > (منشورات الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، 2015).
(2) بقيت أفغانستان والأراضي التي شكلت فيما بعد المملكة العربية السعودية (ربما لوجود الأماكن المقدسة الإسلامية فيها)، هما المنطقتان الوحيدتان اللتين لم تتعرضا للاستعمار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزارة الدفاع الأميركية تنفي مسؤوليتها عن تفجير- قاعدة كالسو-


.. تقارير: احتمال انهيار محادثات وقف إطلاق النار في غزة بشكل كا




.. تركيا ومصر تدعوان لوقف إطلاق النار وتؤكدان على رفض تهجير الف


.. اشتباكات بين مقاومين وقوات الاحتلال في مخيم نور شمس بالضفة ا




.. على الهواء مباشرة.. مراسلة الجزيرة ترصد عملية إطلاق النار في