الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا سيفعل العرب بعد جفاف آبارالبترول؟

طلعت رضوان

2018 / 12 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ماذا سيفعل العرب بعد جفاف آبارالبترول
طلعت رضوان
بعد التحالف السعودى/ الاماراتى/ الإسرائيلى..وبعد أنْ حقــّـقتْ السعودية والإمارات (العربية) انتصاراتهما بعودة اليمن إلى ما قبل العصورالوسطى، فإنّ السؤال: أليست الأنظمة (العربية) خارج التاريخ؟ وهل يكون فى هذا السؤال أدنى مُـبالغة؟ وأليس قتل العرب لبعضهم البعض هوامتداد للتاريخ القديم؟..وإذا كانت الأنظمة (العربية) تتشـدّق بأنها (حامية الإسلام) فهل كانت غزوات العرب ضد شعوب الشام والعراق ومصر..إلخ لنشرالإسلام؟ أم لنهب موارد تلك الشعوب؟ ولعلّ ما حدث من اعتداء نبى الإسلام (محمد) وأتباعه على قافلة قريش يكون فيه (المفتاح) لفهم ما حدث من اعتداءات على باقى الشعوب.
وقد طرح د.عبد الهادى عبد الرحمن فى كتابه (جذورالقوة الإسلامية) سؤالا لم يطرحه إلاّ أصحاب العقول الحرة، حيث كتب ((كيف استطاع العرب وهم أقل حضارة وتقدمًـا أنْ يغزوا ويحتلوا أجزاءً ضخمة من أكبرامبراطوريتيْن فى ذلك العصر؟ ولهما تاريخ حضارى كبير، وأكثرامكانيات من جميع النواحى العسكرية والاقتصادية والثقافية؟
ثم نقل بعض التفسيرات (أحادية الجانب) من أصحاب العاطفة الدينية، حيث أنّ التفسير الدينى يضع (العقيدة الإسلامية) القائمة على (الجهاد) والرغبة فى الموت..وهذا التفسيريتجاهل أصحابه العوامل الأخرى..والتى قد تكون أكثرأهمية..ويستتبع تلك الاجابة سؤال عن الامبراطورية التى قادها التتار..وهم يجتاحون العالم شرقــًـا وغربـًـا: من الصين وحتى مصر، فدمّروا وحرقوا فى طريقهم تراث الشعوب الثقافى والحضارى؟ فأى عقيدة تلك التى حرّكتْ الجحافل التترية لاجتياح العالم القديم؟ كما أنّ العقيدة الإسلامية كانت حديثة النشأة..وكانت تحتاج لوقت طويل لتتمكن من نفوس العرب، أولئك الذين قال القرآن عنهم أنهم أسلموا ولم يؤمنوا، بل إنّ (الأعراب) فى شبه الحزيرة اتخذوا موقفــًـا سلبيًـا من حركة (الفتوح/ الغزوات)
كذلك فإنّ اتساع حركة (الفتوح) قد تـمّ على أيدى بنى أمية والذين اتخذوا من الإسلام مظاهره واسمه أكثرمن تمكنه من قلوبهم وسلوك قادتهم قبل الإسلام وبعده..وفى هذا الشأن ذكرطه حسين ((هم لم يظهروا على العالم إلاّبالإسلام، فهم محتاجون إلى أنْ يعتزوا بهذا الإسلام ويرضوه ويجدوا فى اتصالهم به ما يضمن لهم هذا الظهوروهذا السلطان الذى يحرصون عليه..وهم فى الوقت نفسه أهل عصبة وأصحاب مطامع ومنافع، فهم مضطرون إلى أنْ يُـراعوا هذه العصبية ويلائموا بينها وبين منافعهم ومطامعهم ودينهم)) (الأدب الجاهلى– ص 118) وكان تعقيب د.عبد الهادى ((لعلّ هذا القول يؤكد ما ذهبنا إليه..وهنا يـُـهمل أصحاب التفسيرالدينى العناصرالأخرى والتى يـُـمكن أنْ يكون لها دورحاسم فى ذلك الانسجام والتماسك الذى شمل الجيش الإسلامى.
ويرى آخرون أنّ العامل الاقتصادى كان المُحرك الأقوى لدوافع (الفتوحات) عند العرب (المسلمين) وقد بلغ الأمرببعضهم إلى اعتبارهذه الأخيرة وكأنها إحدى الهجرات السامية المتأخرة التى اعتادتْ على قذفها شبه الجزيرة الجدباء، فالخطبة المنسوبة إلى خالد بن الوليد أمام جنوده قبيل إحدى المعارك ضد الفرس فى العراق وقال فيها ((ولولم يكن إلاّ المعاش لكان الرأى أنْ نــُـقارع هذا الريف حتى نكون أولى به..ونولى الجوع والاقلال من تولاه ممن إثاقل عما أنتم فيه)) (ص192، 193) وأعتقد أنّ كلام خالد بن الوليد فيه المفتاح للتعرف على أسباب غزوالشعوب التى لديها الطعام (نتيجة الزراعة) وهذا الجوع هوما جعل نبى الإسلام عندما سُـئل عن الفأرة التى سقطتْ فى الطعام أنْ يقول ((القوها وما حولها فاطرحوه وكلوا سمنكم)) (صحيح البخارى رقم 235، 236) وهوما جعل نبى الإسلام يُـبيح شرب بول الإبل (صحيح البخارى رقم 233) ويؤكد ذلك قول عائشة زوجة نبى الإسلام ((ما شبعنا من طعام قط إلاّبعد فتح خيبر)) وهوما جعل ابن خلدون يكتب أنّ العرب ((كانوا أبعد الأمم عن أحوال الدنيا وترفها..وعاشوا فى الحجازفى أرض غيرذات زرع ولاضرع..وكانوا ممنوعين من الأرياف وحبوبها لبعدها واختصاصها بمن وليها من ربيعة واليمن..فلم يكونوا يتطاولون إلى خصبها.. ولقد كانوا كثيرًا ما يأكلون العقارب والخنافس ويفخرون بأكل العلهز..وهووبرالإبل يـُـمهونه بالحجارة فى الدم..وقريبًا من هذا كانت حال قريش..ولكن بعد أنْ زحفوا إلى أمم فارس والروم..واستباحوا دنياهم فعاشوا فى النعيم..حتى كان الفارس (العربى) الواحد يـُـقسّم له فى بعض الغزوات ثلاثون ألفــًـا من الذهب أونحوها..فاستولوا من ذلك على ما لايأخذه الحصر.. وقال المسعودى: أيام عثمان اقتنى الصحابة الضياع والمال فكان له يوم قــُـتل عند خازنه خمسون ومائة ألف ديناروألف ألف درهم..وقيمة ضياعه بوادى القرى وحنين وغيرهما مائتا ألف دينار..وخلــّـف إبلا وخيلا كثيرة..وبلغ الثمن الواحد من متروك الزبيربعد وفاته خمسين ألف دينار..وخلــّـف ألف فرس وألف أمة (= عبدة)..وكانت غلة طلحة من العراق ألف ديناركل يوم...إلخ)) (ابن خلدون– المقدمة- المطبعة الأزهرية- بجوارالأزهرعام1930- ص170)
ونقل د.عبد الهادى عن البلاذرى فى (فتوح البلدان) أنّ أبا بكردعا أهل ((مكة والطائف واليمن وجميع العرب بنجد والحجازيستنفرهم (للجهاد) ويـُـرغبهم فيه وفى غنائم الروم..فسارع الناس إليه بين محتسب وطامع وأتوا المدينة من كل صوب)) وكلام أبى بكرواضح لا لبس فيه : الاغراء أو الاغواء ب (الغنائم) ليـُـحبــّـب إليهم الغزو.
وإذا كان العامل الاقتصادى أوحتى الدافع الدينى، سبب الانتصارعلى الروم والفرس، فإنّ أصحاب العاطفة الدينية تجاهلوا (مُـعطيات الواقع) حيث كانت الامبراطوريتان الرومانية والفارسية قد تفكــّـكتا بفعل صراعاتهما، فالصراع الدائم بين الروم والفرس، والصراع على السلطة داخل كل امبراطورية على حدة، والصراع الشعبى مع السلطة داخل الامبراطوريتيْن، كل تلك العوامل أدّتْ إلى تراخى قبضة الروم والفرس– بشكل ما– عن شعوب البلاد الرازحة تحت الاحتلال، وضاعف من هذا احساس الامبراطوريتيْن بالأمن فى مواجهة عالم ضعيف حولها، فأتاح ذلك لتلك القوة الأقل امكانيات وأقل تحضرًا..وكل تلك العوامل أتاحتْ للعرب أنْ يقتلعوا النمرالبيزنطى العجوز..وتخنق دول الفرس الغارقة فى مشاكلها (د.عبد الهادى- ص195) وأضاف أنّ العربى اعتاد قتال الآخرين..وكان وهويعتدى يفتخرباعتداءاته..وكان وهويغزوالآخرين يعتزبذلك الغزوبدءًا بمستواه القبلى..ولذلك لم يكن الأمرغريبًـا على هذا العربى..وهويُـهاجم الآمنين خارج حدوده، فذلك أمرتاريخى قديم انزرع فى أعمق أعماقه.. لأنّ العربى كان غازيًـا للعالم الخارجى..وهولا يحمل صفته كعربى فقط..وإنما يحمل (راية الإسلام) وباسم هذه الراية يكتسب شرعية الأسر..وأخذ الغنائم والجزية والخراج.
وأنّ من بين أسباب تماسك (الجيش الإسلامى) هووزن الهيكل العشائرى، فهذا الوزن كان يعكس ركود ما يُـسمى ب (الصراع الطبفى) فالوحدة الأساسية فى جزيرة العرب كانت هى العشيرة..وكل عشيرة أوقبيلة تــُـمثــّـل وحدة اقتصادية مستقلة عن الأخرى، فلا ترى الآخرين إلاّكغرباء عنها.. بينما كانت التمايزات الطبقية فى دولتىْ الروم والفرس قد وصلتْ إلى حد إثارة الثورات والحروب الأهلية الضارية..والتى كانت تنخرفى بنية تماسكها نخرًا واضحـًـا من ثورة أوتمرد (ص 196)
ويرى د.عبد الهادى أنّ من بين مصادرقوة (الجيش الإسلامى) 1- السيطرة الكاملة على كل القبائل العربية 2- كان محدا يعتمد أساسـًـا على الغارات والغزوات وإخضاع القبائل والسيطرة على مخازن الحبوب والأراضى والمراعى والمنازل وقطعان المواشى الكبيرة والصغيرة..كما كان الوضع قبل الدعوة المحمدية، حيث كانت القبيلة المُــنتصرة تستولى على خيرات القبيلة المهزومة..كحق ناتج عن العنف (المسلح) أى (حق) الحرب، لذلك فرض الإسلام الخراج والجزية (نقلا عن أحمد صادق سعد فى كتابه حول النمط الآسيوى– ص 59) وأضاف د.عبد الهادى: وقد ازداد هذا المصدربشكل واسع عبرعملية (الفتوحات/ الغزوات) لبلاد الأنهارمن خلال الجزية المفروضة على الرؤرس من (أهل الكتاب) و(العجم) والمجوس، وكانت المسائل اجتهادية، وقال الإمام الشافعى ((أقله محدود وهوديناروأكثره غيرمُحدد..وبحسب ما يُـصالحون عليه)) وهوما فرضه عمربن الخطاب وطبـّـقه عمروبن العاص الذى قال لصاحب إخنا فى مصر، ردًا على سؤاله حول مقدارالجزية ((أخبرنا ما على أحدنا من الجزية)) فأشارعمروبن العاص إلى ركن الكنيسة وقال ((لو أعطيتنى من الأرض إلى السقف ما أخبرتك ما عليك، إنما أنتم خزانة لنا..إنْ كثركثرنا عليكم وإنْ خفــّـف عنا خفــّـفنا عنكم.. لأنّ مصرقد فــُـتحتْ عنوة)) (ابن عبد الحكم – فتوح مصروأخبارها (مؤسسة دارالتعاون- عام 1974- ص 106) وعندما عزل عثمان عمروبن العاص عن الولاية وعينه كقائد عسكرى (فقط) أى أنه غيرمسئول عن جمع الجزية قال لعثمان ((أنا إذن كماسك البقرة من قرنيها وغيرى يحلبها)) (المصدرالسابق– ص 121) وما قاله عمروبن العاص أكبردليل على أنّ الغزووالاحتلال لاعلاقة لهما ب (نشر الإسلام) إنما الهدف هونهب موارد الشعوب، كما أنّ كلام عمربن العاص فيه المفتاح لفهم عقلية الغازى العربى.
وعندما كان الشعب الذى يعجزعن دفع الجزية للعرب، فإنّ عمروبن العاص سنّ تشريعـًـا قال فيه ((عليهم أنّ يبيعوا من أبنائهم وبناتهم فى جزيتهم)) (ابن عبد الحكم – 116) وذلك عندما غزا برقة..ولما غزا عمروبن العاص مصرقال لرسل المقوقس ((بيننا وبينكم ثلاثة خصال: الدخول فى الإسلام، وإنْ أبيتم فأعطيتم الجزية عن يد وأنتم صاغرون أونقاتلكم)) وعندما وافق المقوقس على أداء الجزية، استشارعمروبن العاص أصحابه فقالوا له ((لاتجيبهم إلى شىء من الصلح أوالجزية حتى يفتح الله علينا وتصيرالأرض كلها لنا..فيـئـا وغنيمة..كما صارلنا القصروما فيه)) (ابن عبد الحكم القرشى– مصدرسابق – ص53، 55)
ولم يكتف الغزاة العرب ب (الجزية) إنما سنّ عمربن الخطاب آلية (الضيافة الاجبارية) حيث أرسل إلى عمروبن العاص رسالة قال له فيها ((للمسلمين (يقصد العرب) حق النزل لجماعتهم حيث نزلوا ومن نزل عليه ضيف واحد من (المسلمين) أوأكثرمن ذلك، كانت لهم ضيافة ثلاثة أيام مُـفترضة عليهم..وأنّ لهم أرضهم وأموالهم.. لايُـعرض لهم فى شىء منها فشرط هذا كله على القبط خاصة..وحصوا (أى أحصوا) عدد القبط يومئذ خاصة من بلغ منهم الجزية وفــُـرض عليه ديناران..فكان جميع من أحصى يومئذ بمصرأعلاها وأسفلها من جميع القبط فيما أحصوا وكتبوا أكثرمن ستة آلاف ألف نفس (أى 6مليون) فكانت فريضتهم يومئذ اثنى عشرألف ألف دينارفى كل سنة)) (ابن عبد الحكم القرشى– ص 55) أى أنّ مصركانت تدفع للغزاة العرب 12 مليون ديناربسعر القرن السابع الميلادى.
ويرى أصحاب العاطفة الدينية الإسلامية أنّ العرب (دخلوا) مصرلسببيْن 1- نشرالإسلام 2- طرد الرومان الذين كانوا يضطهدون المصريين وينهبون خيراتهم..وإذا كان السبب الثانى لا خلاف عليه..وأنّ الرومان غزاة ومحتلون ونهبوا شعبنا (المصرى) فهل تغيّـرالوضع مع العرب؟ ذكرابن عبد الحكم (القرشى) أنّ ((عمروبن العاص لما (فتح) مصرقال لقبط مصر: إنّ من كتمنى كنزًا عنده فقدرتُ عليه قتلته..وأنّ قبطيـًـا من أهل الصعيد يُـقال له بطرس ذكر لعمروأنّ عنده كنزًا، فأرسل إليه فسأله فأنكروجحد فحبسه فى السجن.. ثم ضرب عمروبن العاص رأسه.. فقتله)) (ابن عبد الحكم– ص 65)
لم يكتف الغزاة العرب بفرض الخراج والجزية، إنما سنّ لهم عمربن الخطاب آلية لم تخطرعلى ذهن الغزاة الذين حلّ العرب مكانهم، تلك الآلية ذكرها ابن عبد الحكم (القرشى) حيث كتب ((عن فلان عن فلان عن عبد الله بن عمربن الخطاب أنّ عمربن الخطاب أرسل رسالة لعمروبن العاص قال لها فيها ((أنْ يختم فى رقاب أهل الذمة بالرصاص..ويُـظهروا مناطقهم ويجزوا نواصيهم ويركبوا على الأكف عرضـًـا..ولا يدعونهم يتشبّـهون بالمسلمين فى لبوسهم)) وأنّ عمربن الخطاب كتب إلى أمراء الأجناد أنّ الجزية ((أربعون درهمـًـا من أهل الورق..وأربعة دنانيرعلى أهل الذهب..وعليهم من أرزاق (المسلمين) من الحنطة والزيت مديان من الحنطة وثلاثة أقساط من زيت فى كل شهرلكل إنسان (عربى) سواء كان من أهل الشام والجزيرة..وودك وعسل لا أدرى كم من الودك والعسل عليهم من (البز) والكسوة التى يكسوها أميرالمؤمنين الناس..ويضيفون من نزل بهم من أهل (الإسلام) ثلاث ليال..وعلى أهل العراق خمسة عشرصاعـًـا لكل إنسان..وأنْ يختم فى أعناق أهل الجزية)) (ابن عبد الحكم– ص 105)
وإذا كان العرب (دخلوا) مصرلنشرالدين الإسلامى كما يقول أصحاب العاطفة الدينة، فلماذا احتلوا مصرولم يعودوا إلى جزيرتهم العربية؟ ولماذا أصروا على أخذ الجزية والخراج؟ ولماذا ينسبون أى كلام لا يُـعجبهم إلى (المستشرقين) فهل السيوطى وابن ماجه والطبرى وابن كثير.. إلخ من (المستشرقين)؟ وهل ابن عبد الحكم (القرشى) من المستشرقين؟ وهل كان يتعمّـد (تشويه) العرب والإسلام عندما ذكرالرسالة التى أرسلها عمربن الخطاب إلى عمروبن العاص وقال له فيها بعد البسملة ((إنى فكرتُ فى أمرك والذى أنت عليه.. فإذا أرضك (مصرأصبحتْ أرض عمروبن العاص) أرض واسعة عريضة رفيعة قد أعطى الله أهلها عددًا وجلدًا وقوة فى بروبحر..وإنها قد عالجتها (الفراعنة) وعملوا فيها عملا مُـحكمًا مع شدة (عتوهم وكفرهم) فعجبتُ من ذلك وأعجب مما عجبتُ أنها لاتؤدى نصف ما كانت تؤديه من الخراج قبل ذلك على غيرقحوط ولاجدب..ولقد أكثرتُ فى مكاتبتك فى الذى على أرضك من الخراج..وظننتُ أنّ ذلك سيأتينا على غيرنزر..ورجوتُ أنْ تفيق.. فإذا أنت تأتينى بمعاريض تغتالها.. لاتوافق الذى فى نفسى..ولستُ قابلا منك دون الذى كانت تؤخذ به من الخراج قبل ذلك..إلخ)) (فتوح مصروأخبارها– ص 109)
ومع ملاحظة أنّ ابن عبد الحكم وضع لهذه الرسالة العنوان التالى (استبطاء عمربن الخطاب عمروبن العاص فى الخراج) فهل اختلف الغزاة العرب عن الغزاة السابقين؟
ولأنّ عمروبن العاص عاش فى مصر، وأدرك معنى وأهمية (الدورة الزراعية) التى لا يعرفها عمربن الخطاب، لذلك كتب إليه بعد البسملة ((لعبد الله عمرأميرالمؤمنين من عمروبن العاص..قد بلغنى كتاب أميرالمؤمنين الذى استبطأنى فيه من الخراج والذى ذكرفيه عمل (الفراعنة) واعجابه من خراجها على أيديهم ونقص ذلك منها منذ كان الإسلام..ولعمرى للخراج يومئذ أوفروأكثر والأرض أعمرلأنهم كانوا على (كفرهم وعتوهم) أرغب فى عمارة أرضهم منا منذ كان الإسلام..وذكرتُ أنّ النهزيخرج الدرفحلبتها حلبـًـا قطع ذلك درها..والله يا ابن الخطاب لأنا حين يُـراد ذلك منى أشد على نفسى غضبـًـا..ولكنى حفظتُ ما لم تحفظ ..ولوكنتُ من يهود يثرب ما زدت.. يغفرالله لك ولنا..وسكتُ عن أشياء كنتُ بها عالمًـا وكان اللسان منى ذلولا..إلخ)) (ابن عبد الحكم- مصدرسابق – ص 110) فهل هذا كلام (مستشرقين)؟ وهل ابن عبد الحكم (القرشى) ألــّـف تلك الرسائل المُــتبادلة بين عمروعمرو؟ وتدور حول (الخراج) وليس حول (نشرالإسلام) أم فيها اعتراف من عمرو ب (حلب) مصرحتى انقطع درها؟
وبالرغم رسالة عمروالصريحة التى أكــّـد فيها أنّ أرض مصرتمّ (حلبها) حتى (انقطع درها، فإنّ عمربن الخطاب لم يقتنع بكلام عمروفكتب إليه من جديد ((من عمربن الخطاب إلى عمروبن العاص..فقد عجبتُ من كثرة كتبى إليك فى ابطائك بالخراج وكتابك إلىّ..وقد علمتَ أنى لا أرضى منكَ إلابالحق البين..ولم أقدمك إلى مصرلتكون لك طعمة ولا لقومك..ولكنى وجـّـهتك لما رجوتُ من توفيرك الخراج..وإذا أتاك كتابى هذا فاحمل الخراج..فإنما هوفيىء (المسلمين) وعندى من قد تعلم قوم محصورون..والسلام)) (فتوح مصر- ص 110) كلام عمربن الخطاب شديد الوضوح لايحتاج تفسيرولاتأوليل..لقد أرسل عمروبن العاص إلى مصرمن أجل الخراج وليس من أجل نشرالإسلام.
ماذا فعل عمروبن العاص؟ كتب إلى عمر((لعمربن الخطاب من عمروبن العاص..فقد أتانى كتاب أميرالمؤمنين يستبطئنى فى الخراج ويزعم أنى أعند عن الحق وأنكب عن الطريق..وإنى والله ما أرغب عن صالح ما تعلم..ولكن أهل الأرض استنظرونى إلى أنْ تــُـدرك غلتهم فنظرتُ..فكان الرفق بهم خيرًا من أنْ يخرق بهم فيصيروا إلى بيع ما لاغنى بهم عنه.. والسلام)) (ابن عبد الحكم– مصدرسابق- ص 110) فى هذه الرسالة يبدوعمروبن العاص شديد الواقعية، لأنه عاش (على أرض الواقع) وتأكــّـد من عدم وجود محصولات زراعية يمكن أنْ يُرسلها لابن الخطاب، ولذلك استجاب لطلب المصريين الذين طلبوا منه (مهلة) حتى يتم جنى المحصول الجديد.
وتستمرالرسائل بين عمربن الخطاب وعمروبن العاص، كتب الأول ((إلى العاص ابن العاص..فإنك لعمرى لاتــُـبالى إذا سمنتَ أنتَ ومن معك..وأنْ أعجف أنا ومن معى..فيا غوثاه ثم يا غوثاه)) فكتب إليه عمروبن العاص ((أما بعد..فيا لبيك ثم يا لبيك..أتيتك عيرأولها عندك وآخرها عندى..مع إنى أرجوأنْ أجد السبيل إلى أنْ أحمل إليك فى البحر)) أى يتمنى أنْ يُـرسل له المزيد من الطعام عن طريق البحر..وكان تعقيب ابن عبد الحكم ((ثم إنّ عمرًا ندم على كتابه فى الحمل إلى المدينة فى البحر..وقال إنْ أمكنتُ عمرمن هذا خربتْ مصرونقلها إلى المدينة.. فكتب إليه ((إنى نظرتُ فى أمرالبحرفإذا هوعـُـسرلايلتئم ولايُـستطاع)) (ابن عبد الحكم– مصدرسابق – ص 113)
وأنا أتذكــّـرجيدًا وأنا فى الابتدائى أنّ المدرس كان يحكى لنا رسالة عمرإلى عمرووهوسعيد وفرحان بتجريف مصرلصالح العرب الذين لم يُـفكــّـروا فى حل مشكلة الطعام إلاّبالغزوونهب موارد غيرهم من الشعوب..ولكن المدرس لم يذكرلنا رد عمروبن العاص وندمه على (قافلة البحر) واعتذاره لعمربأنّ هذا ((عـُـسرلايلتئم ولايُـستطاع)) والأهم هوقولعمروبن العاص ((إنْ أمكنتُ عمرمن هذا خربتْ مصرونقلها إلى المدينة))
فهل اقتنع عمربن الخطاب برسالة عمروبن العص..واعتذاره عن قافلة البحر؟ لا لم يقتنع حيث كتب من جديد ((إلى العاص ابن العاص..فقد بلغنى كتابك تعتل فيه فى الذى كنتَ كتبتَ إلىّ به من أمرالبحر..وأيم الله لتفعلنّ أولأقلعنك وأبعث من يفعل ذلك)) وكان تعقيب ابن عبدالحكم ((فعرف عمروأنه الجد من عمربن الخطاب، ففعل..وأرسل إليه عمربن الخطاب رسالة ثانية قال له فيها ((لاتدع بمصرشيئــًـا من طعامها وكسوتها وبصلها وعدسها وخلها إلاّ بعثتَ إلينا منه)) (ابن عبد الحكم– مصدرسابق– ص 113) حافظ عمروبن العاص على منصبه ولم يهتم بخراب مصركما سبق أنْ كتب..وهكذا تحقــّـقتْ نبوءة عمروبن العاص (خراب مصرلصالح العرب) الذين استمرأوا الغزووالاحتلال..ونهب موارد غيرهم وخاصة من عرق الفلاحين.
وهل ابن عبد الحكم (القرشى) من (المستشرقين) عندما ذكرالواقعة التالية التى لم تخطرعلى ذهن مؤلفى مسرح العبث ((كتب حيان إلى عمربن عبد العزيزيسأله أنْ يجعل جزية موتى القبط على أحيائهم.. فسأل عمرعراك بن مالك فقال عراك: ما سمعتُ لهم بعهد ولاعقد وإنما أخذوا عنوة بمنزلة العبيد..فكتب عمربن عبد العزيزإلى حيان أنْ يجعل جزية موتى القبط على أحيائهم)) (ابن عبد الحكم– القرشى– مصدرسابق ص 67) أى أنّ عمربن عبد العزيزلم يختلف عن غيره من الخلفاء فى نهب مصر، لدرجة أنّ (الميت) يدفع (الجزية) وهوفى قبره عن طريق ابنه أووالده أوأمه..إلخ..ومع ملاحظة أنّ ابن عبد الحكم وضع لهذا الفصل عنوان (من قال أنّ مصرفــُـتحتْ عنوة) فذكرالعديد من الشهادات الى تؤكــّـد أنّ مصرتـمّ غزوها بقوة السلاح وشريعته..وأنّ المصريين ((بمنزلة العبيد))
كتب أصحاب العاطفة الدينية الإسلامية أنّ (الجزية) كانت مفروضة على (أهل الكتاب فقط) الذين رفضوا اعتناق الإسلام، بينما كتب التراث العربى/ الإسلامى تؤكد أنّ ما حدث على أرض الواقع كان غيرذلك.. والدليل أنّ عبد الملك بن مروان كتب إلى عمربن عبد العزيز وطلب منه ((أنْ يضع الجزية على من أسلم من أهل الذمة.. فكلــّـمه ابن حجيرة فى ذلك فقال: أعيذك بالله أيها الأميرأنْ تكون أول من سنّ ذلك بمصر، فوالله أنّ أهل الذمة ليتحمّـلون جزية من ترهـّـب منهم فكيف تضعها على من أسلم منهم؟ فتركهم عند ذلك)) أى وافقهم على أنّ المسيحى الذى اعتنق الإسلام لايُـعفى من أداء (الجزية) والسبب كما قال جباة (الجزية) لعمربن عبد العزيزأنّ ((الإسلام قد أضرّبالجزية)) وقد تأكــّـد ذلك من الواقعة التى ذكرها ابن عبدالحكم حيث كتب ((أنّ رجلا أسلم فى عهد عمربن الخطاب فقال: ضعوا الجزية عن أرضى..فقال عمربن الخطاب: لا.. إنّ أرضك فــُـتحتْ عنوة))
ونقل ابن عبد الحكم أقوال من أكــّـدوا على فرض الجزية حتى على من اعتنقوا الإسلام فكتب ((وكانت الجزية تؤخذ ممن أسلم)) (ابن عبد الحكم– مصدرسابق – ص106، 107) وهكذا تبدوالحقيقة سافرة، لاتستطيع مساحيق الأصوليين محوها ((الإسلام أضرّبالجزية)) وهذا معناه (بالمصرى الفصيح) أنّ الغزاة العرب لم يكن هدفهم (نشرالإسلام) بفدراهتمامهم الأول والأخيربتحصيل الجزية والخراج، أى نهب عرق الفلاحين..وهوما فعلوه فى الشام والعراق والمغرب ومصر..وكل الدول التى احتلوها..وهكذا يتأكــّـد للعقل الحرأنّ (الفتوحات= الغزوات) العربية / الإسلامية..كان هدفها نهب ثروات الشعوب– بسسب موقعها ومواردها– وكانت مصرمن بين تلك الدول التى طمع فيها العرب بسبب خيراتها..والنتيجة أنّ مصر(منكوبة بخيراتها)
والسؤال هوماذا ستفعل الأنظمة (العربية) ونحن فى الألفية الثالثة بعد أنْ تجف آبارالبترول؟ هل سيعودون لرعى الغنم من جديد؟ وأليس ذلك معناه خروهم من التاريخ؟ كما تنبــّـا الماركسى الاستثنائى المحترم د.فوزى منصورفى كتابه (خروج العرب من التاريخ) وهوالكتاب الذى لم يلتفت إليه أصدقاؤه الماركسيون..ولم يهتموا بقراءته.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س