الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ظاهرة السمنة

حبيب محمد

2018 / 12 / 3
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


في موريتانيا هناك اعتقاد سائد ، أن السمنة هي معيار جوهري للجمال ، حتى أن هذه النظرة التقليدية تحولت إلى عادة مقدسة واجبارية ، ويعود ذلك أساسا لطبيعة المجتمع الموريتاني الذي يعيش في بيئة صحراوية والذي يحمل مفاهيم موروثة وافكار جاهزة تجاه كل مايحيط به ، وقد مرت هذه الظاهرة السيئة بعدة فترات حتى قبل انتشاء الدولة الحديثة ، فكان هناك مايسمونه باللهجة المحلية “لبلوح” وهو مصطلح يطلق على الممارسة القسرية أو استخدام العنف وأحيانا أنماط أخرى لأجل تسمين الفتاة ، وظلت هذه العادة السيئة منتشرة إلى يومنا هذا لكنها لم تعد كما كانت لأنها كانت تقاوم بالرفض من بعض الأوساط خاصة المتعلمة إلا أنه مع دخول الناس للمدن وتقلص الحركة السكانية في الريف مقارنة بالسابق وانتشار المناهج الحديثة لم تعد هناك ضرورة ماسة للقوة من أجل فرض فكرة السمنة على الفتاة ، بل أصبحت هناك ذاكرة جمعية تؤيديها بشكل تلقائي ،



وهو مازاد من خطورة الوضع ، وحتى من الناحية الانتروبولوجية تعد السمنة ميزة بدوية للجمال والأناقة لكن هذا في حقبة ما حين كان العقل البشري في تصوره المحدود انذاك ونظرته الضيقة في ذلك الوقت ومع تطور الفكر الإنساني ، اتضحت خطورتها..

أما اليوم في موريتانيا ، أخذت هذه المعضلة أشكالا أخرى ومضامين إذ تم وضعها في قالب “الطبقية” ، حيث تفسر غالبية المجتمع ذلك بأن الفتاة السمينة هي من طبقة غنية ، وغيرها من طبقة فقيرة وهو ماخلق صراعا نفسيا له اوجه اقتصادية واجتماعية داخل المجتمع وأحيانا داخل الأسرة الواحدة ،



وبهذا اصبحنا نبجل الشكل ونترك الجوهر ، أصبحنا نمجد الحجم ونترك القيمة ، وهذه ميزات المجتمعات المنعزلة عن العلم والتمدن واهمال القدرة الفكرية او المعرفية اي مايقدمه الإنسان من انتاج وإنجاز بغض النظر عن عرقه أو تركيبه الخارجي ..



وماساعد على استفحال هذه الظاهرة هو العقلية الذكورية التي ترى المرأة مجرد آلة لإنتاج الأطفال ومكانها الفراش أو المطبخ ، وهذا ماجعل التخلي عن التعليم في سن مبكرة جدا ظاهرة متفشية ، لأن الفتاة تمت تربيتها على أنها دمية فقط ويجب أن تكون في مكان ما في وقت ما في مرحلة ما من عمرها والا فإنها ستكون منبوذة اجتماعيا ، ودينيا ، وما جعل كل هذه الممارسات في تزايد هو التأصيل لها من ناحية التراث وهنا تصبح في قائمة المسلمات ولا جدال فيها ..

وبعد نفاد مفعول المبادرات التقليدية التي تشجع على البدانة ، ظلت ضرورة وجود هذه العادة عامل أساسي في حياة الفتاة الموريتانية ، كي لا تفقد مكانتها المهمة حسب فهمها، ولهذا أصبحت تلجأ للمركبات الكيمائية والأدوية من أجل نفس السبب هو أن تصبح منتفخة ، لكن هنا الأمر يختلف تماما لأن هذه الأدوية في الغالب تكون مضادات للحساسية ” anti histaminique ” , أو مضادات التهاب “anti inflammatoires ” أو الأدوية التي تحتوي على هرمون الكورتيزون بشكل مصنع أو هناك من الأدوية التي تستعمل لأغراض كمسكنات الألم المركزية “les antalgiques cantraux” ، مثلا في حالات كثيرة من هذه المركبات تظهر تأثيرات غير مرغوبة وهي عبارة عن آثار جانبية تتمثل في حبس الماء والصوديوم في الجسم مما ينتج عنه وذمات وزيادة في الوزن ، تظن الفتاة أنها أصبحت سمينة لكنها للأسف أعراض حادة وقد تتطور لمضاعفات أقلها خطورة هو خلل في النشاط الهرموني وتوقف بعض الغدد عن العمل تدريجيا وتأثيرات على القلب والكلية والجهاز المناعي وتزداد الخطورة أن كانت الفتاة تستعمل أدوية أخرى مما ينجم عنه تداخل دوائي غير مبشر وقد يؤدي للوفاة. .

وحتى منظمة الصحة العالمية في تقرير لها أدرجت الأشخاص الذين يعانون البدانة في قائمة ذوي الاحتياجات الخاصة ، ولمعرفة الحالة الطبيعية للشخص بدنيا عادة نرجع لمؤشر الكتلة الحجمية الذي له علاقة بالوزن والطول ،



وكما اسلفت أيضا من أضرار السمنة كذلك :

السكري وارتفاع ضغط الدم

السرطانات بمختلف أشكالها “المستقيم والبروستات” عند الرجل “الرحم والثدي عند المرأة” …

الروماتيزم والالتهابات المزمنة ، السكتة القلبية والدماغية ، حصى المرارة ، وضيق التنفس وغيرها من الأمراض …



وهناك أمور لها علاقة نوعية بموضوع السمنة مثل النظام الغذائي ، والموروث الشعبي والخمول وأحيانا يكون هناك عامل وراثي وان كان نادر ، وحسب بعض الدراسات الرسمية هناك أرقام مخيفة جدا حيث أن كل 5 فتيات بينهن ثلاثة مصابات بمرض السمنة وهذا شيئ يجعلنا في موقف صعب ويتطلب منا أن نبين أضرار هذه الظاهرة على الجنسين وليس فقط المرأة. .

ولمواجهة هذا المد الشعبوي الوبائي علينا أن نتخذ عدة تدابير واستراتيجيات جدية وبرامج توعوية هادفة ، وسأسرد هنا نصائح للحد من السمنة :

ممارسة الرياضة ، او اي نشاط يحث على حرق السعرات الحرارية الابتعاد عن الوجبات الدسمة قدر الإمكان ، التقليل من الحلويات ، الراحة النفسية والنوم المبكر


إذا على الفتاة الموريتانية أن تفهم أننا أصبحنا في عصر آخر له متطلباته وحفاظا على صحتها النفسية والعضوية أن تتخلى عن هذه الظاهرة المرضية وان تقنع نفسها ومجتمعها بأنها مرض وليست جمال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة


.. قوات الاحتلال تعتقل شابا خلال اقتحامها مخيم شعفاط في القدس ا




.. تصاعد الاحتجاجات الطلابية بالجامعات الأمريكية ضد حرب إسرائيل


.. واشنطن تقر حزمة مساعدات عسكرية جديدة لإسرائيل وتحذر من عملية




.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة شرقي نابلس وتحاصر أحياء في مدينة را