الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاغتيالات في العراق من وجهة نظر غربية

سمير عادل

2018 / 12 / 3
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


قبل كل شيء يجب ان نشكر المخابرات الايرانية النشطة لتنظيمها سلسلة اغتيالات سياسية عن طريق الاحزاب الاسلامية وميليشياتها في العراق، فلولاها لما عاد المشهد السياسي في العراق الى الواجهة الاعلامية وتسليط الضوء عليه. فالتقرير الذي نشرته صحيفة "ديلي تيلغراف " البريطانية قبل ايام يتحدث عن التصفيات السياسية ضد الاصوات المعارضة لتمدد نفوذ الجمهورية الاسلامية في العراق. وتصدر التقرير معظم وسائل الاعلام العربية والعالمية المختلفة.
في الحقيقة ان هذه التصفيات الجسدية ليست جديدة في العراق، ليس من قبل المخابرات الايرانية واذرعها فحسب بل من قبل جميع المخابرات الدولية التي تجد في العراق ساحة لتصفية الحسابات السياسية وبعث الرسائل المختلفة الى القوى الاقليمية والدولية المتصارعة فيما بينها. ولكن الجديد في التقرير انه يشير الى ان الشخصيات التي لاقت حتفها هي مؤيدة بأشكال مختلفة للنفوذ الغربي او تفتح الطريق للنفوذ الغربي او مناوئة للنفوذ الايراني في العراق. واغفل التقرير بشكل كلي على الاقل منذ ٨ تموز من هذا العام تصفية العديد من نشطاء وفعالي الاحتجاجات الجماهيرية في البصرة والمحامي الذي دافع عن المتظاهرين المعتقلين واغتيال عدد من النساء وبشكل منظم.
بيد ان للحقيقة وجه واحد لا غير، ولكن هناك من يرى لها اوجه مختلفة، وهذا لا ضير فيها، وهي هل ان المخابرات الغربية بما فيها الاسرائيلية منذ غزو واحتلال العراق لم تعبث بأمن وسلامة الجماهير في العراق وكانت تقف مؤدبة وترصد انتهاكات حقوق الانسان من قبل المليشيات التابعة للجمهورية الاسلامية كي تكتب التقارير وتعطيها للمنظمات المعنية بحقوق الانسان مثل العفو الدولية وهيومان وتش رايتس ومجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة، الم تلعب دورا وعن طريق فرق الموت التابعة لها على غرار فرق الموت الاسلامية التابعة لايران في تصفية الاصوات المعارضة للنفوذ الايراني. وهل كان تمدد داعش واستيلاءه على ثلث مساحة العراق وتصديره للنفط وبيعه في الموانئ العالمية، حدث بقدرة قادر ام بدعم المخابرات الامريكية والسعودية والقطرية والتركية! اي بشكل اخر، فبقدر ما تجد مفاتيح المليشيات التابعة لسلطة الاحزاب الاسلامية الحاكمة في العراق في قم-طهران فبنفس القدر يمكن ان تجد مفاتيح داعش وعصابات الاسلام السني في انقرة-واشنطن-الدوحة-دبي- الرياض.
اي ان الاغتيالات والتصفيات الجسدية وحقوق الانسان بشكل عام تعتبر نسبية بالنسبة للغرب، وتحددها مصالح الانظمة السياسية فيه. فالضجة العالمية التي تدور رحاها اليوم حول مقتل جمال الخاشقجي لم تحرك ساكنا لدى جميع الدوائر الغربية حول قتل المتظاهرين السلميين في البصرة من اجل فرصة عمل ومياه شرب نظيفة، وبعدها تصفية النساء في العراق وقبلها تهشيم رؤوس المثليين وقبلها تصفية الحلاقين وقبلها قتل الاطباء وقبلها اغتيال ضباط الجيش السابق وهلمجرا. لم نسمع او نقرا ان دولة غربية واحدة تحدثت او دعت الى فتح تحقيق عن ما يدور ولم تفرض عقوبة اقتصادية او سياسية على المشتبه بهم في اغتيال مئات البشر في العراق. ولم نسمع توبيخ واحد ضد حكومة العبادي التي قتلت بدم بارد او غضت الطرف عن المليشيات التي صفت ١٩ محتج في تظاهرات البصرة. وليس هذا فحسب بل ان ترامب واثناء لقائه العبادي مؤخرا وحسب موقع "اكسيوس" الامريكي الالكتروني، طالب بدفع تكاليف غزو العراق، الذي رد الاخير بأن حكومته اعطت الامتيازات لشركات النفط الامريكية في العراق كعرفانا للجميل. وترامب الذي اعتبر غزو العراق خطأ يدرك لولا وجود جيوشه في العراق وفي المنطقة لما تحول الاسلام السياسي الى غول في السلطة وفي المعارضة، ولما استطاعت احزابه ورموزه وشخصياته ان تنهب وتسرق دون حساب. فترامب يريد حصة له من الخزائن المباحة لقاء الخدمات التي تقدمها ادارته لاضفاء شرعية على حكومة وسلطة واحزاب اسلامية وقومية قالت الجماهير لها في ١٢ ايار لا لحكمها ولا لفسادها. وهذا يكشف عن سر تغاضي الطرف عن التصفيات الجسدية والاغتيالات التي قامت بها او غضت الطرف عنها حكومة العبادي ضد المتظاهرين في البصرة.
الا ان غض الطرف عن الاغتيالات في البصرة مرتبط ايضا بتهديد مصالح ومشاريع صندوق الدولي والمؤسسات المالية العالمية التي تريد تحويل العراق الى نموذج لاقتصاد السوق، الذي مفاده عمالة رخيصة بأجور متدنية مثلما نشاهده باستماته الحكومة بعدم تحويل عمال العقود الى عمال دائمين للحفاظ على اجورهم المتدنية التي تقدر ب ٣٠٠ الف دينار شهريا وعدم منحهم الحقوق التقاعدية والضمان الاجتماعي، وتنصل الدولة من جميع مسؤوليتها تجاه المجتمع من الصحة والتربية والتعليم والخدمات. فعندما يتم تصفية الفعالين ونشطاء الاحتجاجات يعني اسكات الاصوات المعارضة لتلك المشاريع، الاصوات المعارضة لافقار المجتمع، والاصوات المعارضة لنهب الشركات النفطية الغربية وبالتنسيق على اعلى المستويات مع سلطة الاحزاب الشيعية الحاكمة.
دعنا لا نتوهم بالتقرير الذي نشرته صحيفة "ديلي تلغراف" وبغض النظر عن مصداقيته من عدمها، ولا نفرح قلوبنا بما جاء فيه، فأنه يعكس مشهد التنافس والصراع بين النفوذ الايراني والنفوذ الغربي في العراق، وليس له اية علاقة بحقوق الانسان والدفاع عن الحريات السياسية.
ان الطريق نحو ايقاف مسلسل الاغتيالات والتصفيات الجسدية هي تشكيل جبهة واسعة من الاحزاب والقوى السياسية والاتحادات والمنظمات العمالية والجماهيرية والمجتمع المدني وحقوق الانسان وشخصيات تحررية لترفع صوتها من اجل الدفاع عن الحريات السياسية وحق الانسان في الحياة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله ينفذ هجوما جويا -بمسيّرات انقضاضية- على شمال إسرائي


.. متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يغلقون جسرا في سان فرانسيسكو




.. الرئيس الانتقالي في تشاد محمد إدريس ديبي: -لن أتولى أكثر من


.. رصدته كاميرا بث مباشر.. مراهق يهاجم أسقفًا وكاهنًا ويطعنهما




.. ارتفاع ضحايا السيول في سلطنة عمان إلى 18 شخصا