الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السُلطة بين مَدينية عَلاوي والعبادي، وتَرَيّف الجعفري والمالكي

مصطفى القرة داغي

2018 / 12 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


أشار الكثيرون وأشادوا خلال الفترة السابقة، التي تلت الانتخابات العراقية، وشَهدت تسَلّم السيد عادل عبد المهدي للسلطة، الى مسألة تسليم الدكتور العبادي للسلطة بهدوء وسلاسة وطريقة حضارية لم يفعلها سلفاه الدَعوجيان إبراهيم الجعفري ونوري المالكي. ورغم أن هذا الكلام صحيح جزئياً، إلا أن هنالك مَن سبقه إليه وفي ظل ظروف أصعب، وهو الدكتور أياد علاوي، الذي غادر السلطة بهدوء وإحترام، وسَلّمَها فور ظهور نتائج الانتخابات واتفاق الكتل السياسية في البرلمان على مرشّحي الرئاسات الثلاث، رغم أن الكتلة التي يفترض أنها فازت حينها كانت قد فازت بالتزوير، وتَحَيّز فتوى المرجعية لها، وكانت كتلة منافسة له وتُمَثل تيار سياسي وفكري مختلف. أما بالنسبة للدكتور حيدر العبادي، فرغم أن الأمر يُحسَب له، إلا أن رئاسة الوزراء لم تخرج من البيت الشيعي، وظل زيتهم في دقيقهم، فطبيعي أن يُسَلّمها بهدوء.
الفرق بين علاوي والعبادي من جهة، والجعفري والمالكي من جهة أخرى، هو الفرق بَين الـ شايف وعَينه مَليانة وشبعانة، والـ ما شايف وعَينه فارغة وجَوعانة. بَين الثقافة والجهل. وبَين التمدن والترَيّف. وبَين مَن رأيناه مُستعِداً لترك السُلطة بنفس راضية بعد أن أظهرت نتائج الانتخابات خسارته، ثم سَلّمها بوَجه تعلوه الابتسامة لمَن إختاره البرلمان خَلفاً له حتى إن كان مِن فكر وتيار سياسي مختلف، وبَين من قال أنه "هدية السماء للعراقيين / الجعفري"، أو هدَّد بأنه "لن يعطيها / المالكي" أي السُلطة، ورافضاً لفكرة تركِها حينما إكتشف خسارته في الإنتخابات، فسارع لاستغلال سُلطته التي تكاد تفلت مِن يديه لتزوير الدستور وشراء الذِمم، وخرج علينا بوجه مُكفَهِر ليَرعد ويُزبد، حتى تقمّصها مِن الفائز بكل وقاحة!
هذان النموذجان للساسة، وبغض النظر عن وجهة نظرنا الشخصية بِهم حُبّاً أو كُرهاً، يُوَضّحان لنا إحدى أهم إشكاليات السلطة في العراق منذ تأسيس دولته الحديثة، فهو يضُم شريحة تمثل غالبية عَددية مُجتمعية تجمع نوعِيّاً كل مكوناته، عَصِيّة على التطور ولطالما كانت عامِل عَرقلة له، وهي فخورة بلَعِب هذا الدور السلبي، كونها متشبثة بعاداتها وتقاليدها المتجذرة بأعماقها، والتي هي عبارة عن مزيج راكِد غير متجانس مِن قِيم العشيرة والدين، وتسعى لتعميمها على مُجمَل الحياة الاجتماعية في العراق. هذه الشريحة تعلم أن وصولها للسُلطة أمر مستحيل في ظل ظروف طبيعية سليمة مَبنيّة على مبدأ التداول السلمي للسلطة، وفق برامج انتخابية مدنية، وفي ظل انتخابات نزيهة، لذلك دأبَت ومنذ تأسيس الدولة العراقية على إيجاد السُبُل وابتِداعها لتَستحوذ على السُلطة بأي شكل، فانخرَطَت في صفوف التيارات الشمولية التي ذاع صيتها وعَلا صوتها أواسط القرن الماضي وبداياته، الشيوعية مِنها والقومية والإسلامية، لتُبَرّر سَرقتها للحكم وفق مَبدأ الشَرعية الثورية، مُدّعية ايمانها بمباديء ومفاهيم هذه التيارات، وهي في الحقيقة تسعى لهدَف واحد، وهو تعويض نقصها والوصول الى السُلطة وادارتها وفق رؤيتها التي يَغلب عليها التَرَيّف المَمزوج بعقُدة الكُره للمدنية، بدليل انها فور تراجع شَعبية هذه التيارات وفشَل تجاربها السياسية في الدول التي وصلت فيها الى السُلطة، وحال توفر الأجواء التي تنعش أمراضها المجتمعية، سقطت قشورها الايدلوجية وعادت لبِدائيتها وأخرَجَت ما بجوفِها مِن عُقد طائفية ومناطقية، فرأينا الشيوعي والقومي يَتحَوّل الى طائفي ومناطِقي. كما رأينا حِقدهم على المدن وأهلها، ليس فقط في بغداد رغم أنها المثال الأبرز، متمثلاً بإهمالهم لها وتقصيرهم المتعمد بتوفير الخدمات لساكنيها وتركهم ضحية للموت والإرهاب.
ختاماً تجدُر الإشارة الى نقطة مهمة في سياق هذا الموضوع، وهي أن مشكلتنا ليسَت مَع الريف، فهو يبقى نموذج مُجتمعي له خصوصيته المحترمة، ولكنها مع نموذج المُتَرَيّف الذي يسعى لتسويق نمط حياة الريف بتقاليده وعاداته التي أكل عليها الدَهـر وشَرِب، والتي زادهـا سوءاً اختلاطها غير المتجانس بمَفاهيم دينية مُنتهية الصلاحية، كنموذج أخلاقي وعَملي للعيش، رغم نَواقِصِه وسَلبياته التي تجاوَزَتها الحياة المدنية، لا بل ويَسعى لتطبيقه وفرضِه على المدينة التي سَبقته في سُلّم التطَور المُجتمعي بعُقود، بَدَل أن يَسعى للتعَلّم مِن المدينة والاستفادة مِن تجربتها لتحديث أفكاره ومفاهيمه وتطوير مُجتمعه وحياته العملية!

مصطفى القرة داغي
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اضطرابات في حركة الطيران بفرنسا مع إلغاء نحو 60 بالمئة من ال


.. -قصة غريبة-.. مدمن يشتكي للشرطة في الكويت، ما السبب؟




.. الذكرى 109 للإبادة الأرمينية: أرمن لبنان.. بين الحفاظ على ال


.. ماذا حدث مع طالبة لبنانية شاركت في مظاهرات بجامعة كولومبيا ا




.. الاتحاد الأوروبي يطالب بتحقيق بشأن المقابر الجماعية في مستشف