الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
حكايات
نادية خلوف
(Nadia Khaloof)
2018 / 12 / 3
المجتمع المدني
هوايتي هي أن أكتب، ولو تمكنت الكتابة بكل لغات العالم لفعلت، لكن للأسف ليس في ثقافتنا إتقان اللغات، وإن أتقنت لغة ثانية فهي بجهود شخصية، وليست من ضمن الثقافة التي تلقيتها، ولكن للأماكن بصماتها، وحيثما ذهبت تمتّعت باللهجة المحليّة وتمتّعت بالحكايات الشعبية، لكن ثورة الشباب السوري الذي ذهب أغلبه إلى المقبرة مرغماً بعد أن كان يحمل الورد ، وأصبحنا رقيباً على بعضنا البعض جعلتني أتغير قليلاً، ثم اكتشفت كم كانت جريمتنا كبيرة .
أينما ذهبت أعجبت بالأماكن بدءاً من مدينتي الأمّ، وفي كل مكان ارتحلت إليه رأيته يقدّم لي أكثر من وطني ، ففي الإمارات تمكنت على النطاق الشخصي من تحقيق نجاح أهمّه عدم سقوط أسرتي بيد مجتمع يتطاول على من لا يستند إلى كتف رجل يقدّم المال، وقد كان بعض أقارب زوجي المتعلمين والذين ينادون بالثورة هم أول من شن عليّ الحرب، وقد ذكرتهم بالأسماء يومها، والبعض قدم لي عوناً كبيراً مثل ابن أخو زوجي مروان، لكن في النهاية إرادة النّجاح كنت أنا فقط من أملكها، وقد نجحت. لم نسقط في المستنقع العائلي وعشنا كرامتنا كعائلة.
الإمارات بلد صالح للعيش لمن يرغب. نحن لا نبيض الأموال، ولا نفتح شركات وهمية بل مجرد عاملين نتقاضى مرتبنا من صاحب العمل، وعلينا أن نصون أنفسنا من إنهاء العمل بطريقة محترمة.
كل الأماكن قدمت لي أفضل من سورية، وعندما وصلت إلى السّويد منهكة على شفا الموت فكّرت جيداً ورأيت أنّ الإحجام عن الرأي السياسي بالسّويد وأوروبا هام. لم نلجأ لهذه الدّول كي نعاند أنظمتها. عندما كنت أرى المظاهرات في كاتلونيا وكوردستان العراق من أجل الاستقلال الذاتي وكان السوريون يرفعون بإصبعهم المدموغة بالأزرق للتصويت بنعم لكردوستان، أو للمشاركة في مظاهرات كاتلونيا وحالياً في فرنسا كنت أستغرب منهم. هل فهمتم الوضع القانوني ؟ أم أنّكم مجرّد أدوات للتشويش؟ لا أدري ما هو الجواب.
لقد نجح في الانتخابات السويدية أربعة نواب سوريين لكنهم ينتمون للسريان الآشوريين، أو لمسيحيي الجزيرة، والكنيسة السّريانية عريقة فهي تفتح الباب لأبنائها معارضة وموالاة، وتحتضنهم في جميع المناسبات فتهدأ نفوسهم ، وكم كنت أتمنى لو أنتمي لتلك الكنيسة، فالسّريان، والأقباط، والسّيخ على سبيل المثال لهم جاليات فعالة في الغرب المتحضّر تدعم حضورهم في المكان وتساعدهم على إيجاد الفرصة المناسبة في العمل. صحيح كلنا سوريون، لكنهم مختلفون. قد لاي حبون بعضهم مثلنا، لكنّ تقاليدهم من يوم المجازر تفرض عليهم أن يقدموا الواجب تجاه أبناء كنيستهم بشكل عام، ولكل حادث حديث فليس الجميع متساوون. قد يقول قائل وأنت التي تنادين بالعلمانية؟
هل العلمانية تمنع الإيمان؟ وهل كل السريان أو الأقباط مؤمنون؟ لا.لكن بيئتهم حاضنة، وبيئتنا طاردة. حتى حفلاتهم الجميلة لا يمكننا اختراقها فنحن لسنا هم.
البارحة حضرت برنامجاً على السي ن ن حول جورج بوش الأب، ومما أثار انتباهي أنه تخرج من البحرية في عمر التاسع عشرة، وأن والدته كانت تقول له عليك أن تكون الأول في كل شيء ، لكن بتواضع. إنني هنا لا أتكلم عن جورج بوش الذي خاض الحروب، فالرؤساء في أمريكا ليس هم من يقرّر. أتكلم عن إنسان وصل إلى قيادة أول بلد في العالم، واستطاع أن يرمي نفسه من المظلة في عامه الثمانين احتفالا بمولده مع أن لديه مرض باركنسون، وقد قال لأولاده :" لم أقبّل امرأة سوى أمّكم" إذا لم نخض بالسياسة فلا شيء حول حياة الرجل الشخصية، لكننا نحبّ من يتزيف، فنزار قباني الذي أوصله والد زوجته الأولى للدبلوماسية تنكّر لها وبدأ يثيرها بشعره عن الحب. هي في النهاية امرأة ، وهنا لست في معرض النقد .
لا شك أن للتاريخ والجغرافيا تأثير في حياة الإنسان ، وتاريخنا سوري، وكذلك الجغرافيا. التقيت بإحدى الشّابات مع والدتها سألتها عن اسمها قالت: مايا سفانسكون. لم أعلق. سألتني ألم تستغربي من كنيتي. قلت لها: لا.
قالت لا أرغب أن يكون لي تاريخ أسود فوالدي هو من ضمن عوائل الشبيحة. تصوري أنه تخلى عنا وعاد إلى بلدته ، وقبل أن يتخلى عنا كان يعمل بالسعودية، ويأتي إلينا مرّة كل عام، وليته لم يأت . عندما كان يأتي كانت المشاكل تبدأ ولا تنتهي. صحيح أنه كان يرسل لنا النقود ، لكننا نعيش عيشة التقشّف فقد زرع في نفوسنا الخوف، لكننا لم نره إلا لماماً، ولم يمسح بيده على رأسنا قبل النوم، وتركنا نتصارع مع أمي حيث كانت هي الرجل والمرأة، ومع أن أنوثتها طاغية لكنه استطاع تدميرها لفترة لم تطل. هل عرفت اليوم لماذا غيرت كنيتي؟
قلت لها متفلسفة: لكنه والدك على كل حال. أجابت: ليته كان والدي! كم أنا بحاجة لأبّ! لكنه يخترع العذار كي يعيش دون مسؤولية ز نعم. إنه أبي البيولوجي لكنّني لم أعرفه في الماضي، ولا مجال لمعرفته بعد الآن فلا نحن عائدون إلى سورية، وليس باستطاعته المجيء لأنه اختار ذلك وليس لأن الظروف قاهرة . هو اختار بيئته، وفضلها علينا. صمتُّ، وصمتّ، ولم أنبث ببنت شفة.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. تقرير للأمم المتحدة: أكثر من 783 مليون شخص يعانون من الجوع ح
.. ثلثا مستشفيات غزة خارج نطاق الخدمة وفقا لتقرير الأمم المتحدة
.. ماذا تفعل سلطنة عمان لحماية عاملات المنازل الأجنبيات وضحايا
.. برنامج الأغذية العالمي: غزة بؤرة لمجاعة وشيكة هي الأخطر
.. بعد اتهامه بالتخلي عنهم.. أهالي الجنود الأسرى في قطاع غزة يل