الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القهر والثورة: أية علاقة ؟ (3) قراءة في كتاب التخلف الاجتماعي مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور لمصطفى حجازي

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2018 / 12 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ج) اضطراب الديمومة
إن وجود الإنسان منغرس في المكان وصائر في الزمان، ولابد للسلوك الإنساني أن يتوافق مع جدلية الزمان والمكان وأن يتلاءم معها وجوديا، فالسيطرة على زمام المصير إزاء قانون الطبيعة وقانون السلطة الاجتماعية يستلزم فهم قوى الزمان والمكان، وبالتالي فالتخلف يبدو من هذه الزاوية كعجز متفاوت الدرجة عن هذه السيطرة.
ومن اللافت القول حسب عالم النفس مصطفى حجازي أن عجز الإنسان المتخلف عن التحكم بمصيره مرتبط باضطراب الديمومة، ونقصد بذلك أن الزمان جدلي، وليس تسلسليا يذهب من الماضي إلى المستقبل مرورا بالحاضر باتجاه واحد، فالماضي والحاضر والمستقبل تشكل الأبعاد الثلاثة للديمومة أو لنقل للتجربة الوجودية المعاشة زمنيا، فالماضي يحدد الحاضر والمستقبل، ولكن الحاضر يلون بخصائص تجربة الإنسان التاريخية، ويصبغ استشفافه لمستقبله من ناحية ثانية، كذلك فإن المستقبل يؤثر على نوع تجربتنا الحاضرة، وعلى إدراكنا له، كما يؤثر على إدراكنا لماضينا، إن كل من أبعاد الديمومة يتحدد بالبعد الباقيين، ويحددهما في آن معا، مما يجعلنا نعيش الزمن في أي لحظة كوحدة كلية لها لونها الوجداني المميز، فآلام الماضي تؤثر على الحاضر، فتجعله أشد وطأة، وعلى المستقبل، فتجعله أكثر مدعاة للقلق، إن أفراح الحاضر تدخل التفاؤل على المستقبل، كما أنها تخفف من معاناة الماضي، فالآمال التي يحملها المستقبل تخفف بدورها من وطأة المعاناة الحاضرة وتنسينا متاعب الماضي، فتلون أي بعد من أبعاد الديمومة، وينعكس سلبا أو إيجابا على الديمومة كلها، لكن هذا اللون يتحدد انطلاقا من الديمومة. إن طول معاناة الإنسان المقهور تؤزم وتضخم وتحجم من معاناة الحاضر وانسداد آفاق المستقبل، فهناك عجز أمام التسلط (عقدة النقص)، وأمام الطبيعة (انعدام الكفاءة)، وهذا ما يجعله فاقدا لمصيره في يومه وغده، إن هذه المعاناة من الممكن أن تولد توترا انفعاليا وتزداد العدوانية المقموعة وطأة، وتصل عتبة الانفجار، وهذا يثير قلقه من نتائج عدوانيته التي يخشى أن تفلت من عقالها، وهو لهذا السبب يضاعف جهده لقمع طاقاته الحيوية، فمن خلال مزيد من الرضوخ الاستسلامي طلبا للسلامة إزاء هذه الأزمة الوجودية يهرب المرء المقهور إلى الماضي لكي يجد عزاءه هناك، من خرافات ومماريات سحرية، أو يهرب من إطار الزمن، فيقوم ببعض الممارسات لكي تبعد عنه واقعه المرير: كالذكر، الدعاء، المخدرات، التخريف، أو التمسك بأوهام الخلاص السحري (زعيم منقذ، العناية الإلهية)، فضلا عن هذا يشيع في العالم المتخلف الاجترار السوداوي للمأساة الوجودية، وهذا الاجترار يجمد الزمن من خلال اجتياف مرارة الحياة، ومن هنا نفهم طغيان الحزن على الحالة المزاجية وعلى سبيل المثال: الأغاني الشعبية التي تدخل في إطار المراثي، ونجد ندرة للأغاني المطبوعة بالفرح، والشيء نفسه بالنسبة للقصص الشعبية التي تغني في المناسبات الدينية والوطنية، إنها مرآة للآلام الإنسان المقهور.
تتفاعل العقد المذكورة واضطراب الديمومة، وتزيد من حدتها حتى تصعب على الاحتمال، وهكذا يغرق الإنسان المقهور في استسلامه إزاء قوى أقوى منه، كلما زاد غرقه اشتد تخلفه بالضرورة لأنه يفقد العزم، ويقع في التخاذل، فينطوي على ذاته مجترا مأساته، لكن هذه المأساة لا تجتر إلا بقدر معين، وهي لا تسمح للإنسان المقهور بالاحتفاظ بالتوازن النفسي الضروري، وهكذا عاجلا أو آجلا، لابد للعدوانية أن تتراكم وهنا يدخل زمن الاضطهاد قبل الوصول إلى مرحلة التمرد والانفجار.

تابع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لابيد: كل ما بقي هو عنف إرهابيين يهود خرجوا عن السيطرة وضياع


.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #




.. خالد الجندي: المساجد تحولت إلى لوحة متناغمة من الإخلاص والدع


.. #shorts yyyuiiooo




.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #