الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أشكال اكتساب الثروة واستعجال الحوكمة

زهير الخويلدي

2018 / 12 / 4
المجتمع المدني


" الإثراء بلا سبب لا يستلزم أي شرط خاص بل يكفي أن يفتقر أي شخص فيثرى شخص آخر على حسابه دون مبرر قانوني"

من مظاهر تفشي الفساد في النسيج المجتمعي في الفترات الانتقالية التي تمر بها الشعوب هو بروز تفاوت صارخ بين الطبقات وحصول تفكك في الطبقة الوسطى ولاتكافئ في التطور بين الجهات وبين المركز والمحيط وسوء توزيع الثروة حيث يزداد ثراء الأغنياء و بؤس الفقراء ويختل التوازن التجاري والمالي ويمكن إضافة المال الفاسد عند تمويل الانتخابات والسياحة الحزبية البرلمانية عند تشكيل الحكومات.من المعلوم أن الفساد سواء كان تم عمدا وعن وعي أو بغير قصد وانفعالي وسواء حصل في القطاع العام أو ضمن القطاع الخاص هو فعل خطير يظل مرتكبه عرضة للملاحقة الجنائية ومحل تتبعات قضائية. من جهة ثانية الفساد هو سلوك مستهجن وعقلية مرفوضة يتصرف وفقها شخص أثناء قيامه بواجبه ويعمد إلى قبول هدايا ومنافع مالية في مقابل تقديم خدمة والتستر على تأخير أو على فشل في أداء مهمة معينة.كما يشكل الفساد جريمة لها آثار سيئة على السياق الذي تقع فيه ويتم من خلال اتفاق بين طرفين التعويض بشيء يمكن التصرف فيه والاستفادة منه مثل السكن المجاني وقرض بدون فوائد وتخفيض سعر الشراء. إن الإثراء بلا سبب هو الحصول على فائدة على حساب الغير وامتلاك ثروة بإلحاق خسائر بالمال العام وهو غنم بالضرر وكسب بدون بذل جهد مستحق وتلقي منفعة لا يستحقها وفق القانون وبلا استحقاق.في إطار السياق الحقوقي لقد وقع تعريف " الإثراء بدون سبب بأنه تلك الحالة التي تربو فيها ذمة شخص وتنقص ذمة آخر والحال أن لا سبب قانوني أو تعاقدي يبيح مثل هذا الإثراء فهو إثراء بدون سبب".
لعل السبب وراء ذلك يكمن في هشاشة الدول والصعوبات التي تواجهها في مستوى إدارة الشأن العمومي وبسط نفوذها على الأقاليم وتعرض السيادة القانونية إلى العديد من التحديات سواء من الداخل أو من الخارج وتشكل ظاهرة الاقتصاد الموازي وتعدد النشاطات التبادلية التي تتم خارج رقابة الإدارة الرسمية وتنامي التهريب وتصاعد وتيرة الاحتكار والقرصنة والأسواق السوداء والبضائع الوافدة والمستوردة. لقد انتقلت ملكية وسائل الإنتاج إلى فئة قليلة من الناس وبرز على السطح مالكون جدد ودخل إلى الأسواق التجارية والبورصات مراهنون وتناقص عدد المستثمرين وتعطلت بشكل لافت آليات الإنتاج والتوزيع والتبادل والاستهلاك واقتصرت على تصدير المنتجات الغذائية المدعمة والبضائع الزراعية المهمة.فكيف يمكن أن نفهم ظاهرة الإثراء السريع؟ وماهي العوامل التي ساهمت في تشكلها؟ ولماذا تناقصت معدلات النمو وتضاعفت الأزمة الاقتصادية وتراجعت قيمة العملة وتدهورت القدرة الشرائية للمواطن؟ وماهي الآليات التي يمكن اعتمادها للتصدي إلى هذا الانفلات؟ ومتى يتم تقسيم الثروات بشكل منصف؟
في هذا السياق يمكن تنظيم ورشات تفكير حول ظاهرة الإثراء غير المشروع من أجل تحليل هذا الواقعة المرضية وتشخيص العوامل المساهمة في تشكلها واقتراح بعض الأفكار للتوقي منها والتصدي لها.
يمكن التحرك ضمن حقول أساسية ساهمت في انتشار حالات انتهاك مبدأ النزاهة :
- الحقل القانوني: غياب قوانين منظمة وعدم تفعيل تشريعات ملزمة وواقية
- الحقل المالي: تنامي ظاهرة تبييض الأموال وصرفها خارج القنوات الرسمية.
- الحقل الاقتصادي: تكاثر الاخلالات في مواقع الإنتاج وتعدد التجاوزات في الحياة الاقتصادية.
- الحقل الاجتماعي: انخراط الكثير من الشرائح الاجتماعية المهمشة في الأنشطة الموازية.
- الحقل الثقافي: تشكل منظومة قيمية متحالفة مع الفساد الاجتماعي والتهرب الجبائي.
يتحمل مسؤولية انتشار الفساد في المجتمع من حيث المبدأ المسؤولون عن السلطة العامة وأولئك الموكلين إليهم مهمة خدمة عامة وأولئك المنتخبين علنيا من برلمانيين والذين يمثلون مناطقهم الجهوية والمحلية. غير أن تحول هذه الظاهرة إلى عادة متكررة وارتباطه بالسلوك اليومي للناس وارتباطه بالإثراء السهل والتملك غير المشروع يوسع من دائرة المساهمين في هذا المرض الاجتماعي وصيرورته جريمة منظمة. والحق أن هناك إثراء ايجابي مادي تتوفر فيه الأسباب المعلومة في اكتساب الثروة وإثراء سلبي غير مباشر ودون سبب مشروع وعن طريق التهرب الضريبي والتنصل من الديون ويخلف الإثراء المادي عند القلة انعدام الإثراء عند الغالبية وهناك إثراء معنوي دون حق بالاستفادة من الجهود الفكرية للآخرين.على هذا الأساس يجدر بالجميع الحرص على مقاومة الفساد واعتبار الإثراء اللاّمشروع ظاهرة مرضية تستحق التدخل الفوري والمعالجة الوقائية بالانطلاق من حوكمة النشاط الاقتصادي ومراقبة المعاملات المالية وتنظيم أنشطة السوق وتطبيق العدالة الجبائية على الجميع وإلزام مالكي رؤوس الأموال على رفع نسب الاستثمار والمساهمة في دعم المجهود الذي تبذله الدول في التنمية الثقافية والتطوير العمراني. فما السبيل للتعويض عن الأضرار والخسائر الحاصلة عن الإثراء بغير سبب وعن الكسب اللاّمشروع؟ ومتى يتسنى للمواطنين الحياة في مجتمع خال من الفساد يتم فيه تملك الثروة وتوزيعها بشكل مشروع؟ وكيف يمكن التمييز بصورة إجرائية بين ظاهرة الإثراء دون سبب وممارسة الفعل غير المشروع؟
كاتب فلسفي










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بينهم نتنياهو و غالانت هاليفي.. مذكرات اعتقال دولية بحق قادة


.. بسبب خلاف ضريبي.. مساعدات الأمم المتحدة عالقة في جنوب السودا




.. نعمت شفيق.. رئيسة جامعة كولومبيا التي أبلغت الشرطة لاعتقال د


.. في قضية ترحيل النازحين السوريين... لبنان ليس طرفًا في اتفاقي




.. اعتقال مناهضين لحرب إسرائيل على غزة بجامعة جنوب كاليفورنيا