الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القهر والثورة: أية علاقة ؟ (4) قراءة في كتاب: «التخلف الاجتماعي: مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور» لمصطفى حجازي

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2018 / 12 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


5) مرحلة الاضطهاد
تعتبر المرحلة الاضطهادية مرحلة وسطى بين القهر والتمرد، وتتميز بحالات رضوخ اضطهادي من جانب، وحالات رضوخ من جانب آخر، وتتوقف هذه المرحلة حسب بنية المجتمع والتركيب النفسي للفرد، إن بروز التيار الاضطهادي جاء كنتيجة للغليان الداخلي والتبخيس الذاتي، وبما أن الإنسان يحس بنوع من الكرامة والاضطهاد وصل إلى أوجه، لابد من تصريف يتجاوز الارتداد إلى الذات وتحطيمها كي يصل حد الإسقاط على الآخرين، لأنه لا يتحمل مسؤولية ذنبه، بل يحملها للآخر، ولكن ليس الآخر المتسلط، بل الشبيه، الآخر المقهور أو الأكثر قهرا، والهدف من ذلك تحطيم الصورة غير المقبولة عن الذات التي يعكسها الإنسان المقهور من هو أكثر غبنا منه، ولو الإفلات وهميا من ذل القهر، أما الاتجاه المتسلط فتبدأ العدوانية بالظهور نحوه، وإنما من خلال التعبير اللفظي والرمزي (غير المباشر)، هكذا يخلق مناخ عام من العنف يسبغ العلاقات الاجتماعية بطابعه، وهذه الحالة نجدها في الاستعمار والتسلط الداخلي والمحلي، مثلا يقول رؤوس الاستعمار والاستبداد المحلي: «اللطف لا يجدي معهم»، إذ يريدون منهم الخضوع والانبطاح والرضوخ للوضع القائم.
تتحول النفسية في مناخ العنف لتتخذ مظاهر متنوعة من الاضطهاد كالاستجابات المفرطة لما لا يتناسب مع حالتها المادية المباشرة كالاقتتال بين فردين على رأس ماشية، أو الصراع الطائفي بين الشيعة والسنة والمسيحيين كما حصل في لبنان سنة 1975، أو التطاحن بين قبيلتين حول موارد المياه، أو الاقتتال بين المشجعين الرياضيين، وبشكل أكثر خفاء تعمم علاقات اضطهادية من النوع الخوافي التطيري، ونتحدث هنا عن آلية الإسقاط التي تتضمن مظاهر الحسد، الغيرة، العين وما تتضمن من تعاويذ، إنه خوف من الآخر المثيل.
حينما تصيب الإنسان المقهور مصيبة مثل إصابة قطعان الغنم بمرض أو فقدان أحد الأولاد، أو انعدام الرزق يلصق هذه المآسي مباشرة بالآخر، كما أن الإنسان المقهور يضع نفسه في وضعية الإنسان المحظوظ ويرغب في الحلول محل صاحب الحظ، إنه في الواقع يسقط حسده المزمن لذوي الحظوة على شبيهه هو، ويتمنى أن يكون محسودا، إن هذه الممارسات ساهمت في إلقاء اللوم على الآخرين وحسدهم للتخفيف من المأزق الوجودي لدى الإنسان المقهور، وفي هذا الصدد يرى عالم النفس مصطفى حجازي أن هؤلاء الذين يلقى عليهم اللوم من طرف الإنسان المقهور ليسوا بأعداء حقيقيين، بالإضافة إلى الصلات التي تربطنا بهم مثل علاقات القربى الاجتماعية والاقتصادية والطبقية، إن العلاقة معهم ليست اضطهادية محضة ولا هي علاقة تعاطف خالص، إنها نوع من التجاذب العاطفي يختلط فيه الحب والجذب مع العداء والحقد، ولذلك فالحل الاضطهادي يظل واهيا، ولابد بعد فترة تطول أو تقصر من الوعي بمصدر المأساة الحقيقي، وهو المتسلط الداخلي وحليفه الخارجي، ويجب توجيه العدوانية والعنف نحو هذا المصدر، بعد فترة إعداد واختمار تنضج من خلالها إمكانية التمرد والعنف الانتفاضة.
تابع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يهود أمريكا: نحن مرعوبون من إدارة بايدن في دعم إسرائيل


.. مجلس الشؤون الإسلامية في أمريكا: الرد القاسي على الاحتجاج ال




.. نحو 1400 مستوطن يقتحمون المسجد الأقصى ويقومون بجولات في أروق


.. تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون




.. الجزائر | الأقلية الشيعية.. تحديات كثيرة يفرضها المجتمع