الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيرين وفرهاد: الفصل السابع 1

دلور ميقري

2018 / 12 / 5
الادب والفن


عليه كانَ أن يُنتزَعَ أخيراً من قوقعة العزلة، المحوَّطة بمشاعر الإحباط جرّاء تعثّر المهمة الأدبية، الملقاة على كاهله. ناهيك عن تأنيب الضمير، المتسببة به هذه وتلك من نسوة الأسرة. فشله في الاتصال بأيّ من أبطال السيرة، المفترض أنهم ما زالوا مقيمين في المدينة الحمراء، سلّمه إلى الكسل والفراغ. على أنّ ظهور " لويزة " في الدار، على حين فجأة، أيقظ هذه المرة غرائزه أقوى من ذي قبل. لولا جسدها المثير، المترائي عن كثب بكلّ أعطافه الصارخة في شهوته، لما كان ممكناً حتى محاولة تنشيط الذاكرة كي تستعيد وقائع من أعوام إقامته المراكشية.
صباحاً، أنتبه إلى جو الكآبة المهيمن على المنزل. لاحَ أنهم عادوا إلى العراك، ثمة في البيت التحتاني، المفعم بعبق الندّ المحترق. ومع أن اليوم عطلة الموظفين، أخذه على غرّة وجودُ " لوحا " في الصالة، وكان جالساً هنالك على طرف الأريكة المحاذية لجهاز التلفاز. بملامح وجهه المألوفة، المتجهمة، كان ذكرُ الدار ينقل بصرَه بين الأم وشقيقاته الثلاث. امرأته " حسنة "، ما لبثت أن أنقضت على المشهد، منبثقة من مدخل الصالة المعتم، بعدما تدحرجت أقدامها بخفة فوق الدرج المتصل مع البيت العلويّ. عيناها الجميلتان، المشعتان بالمكر والبراءة معاً، جالتا بدَورهما على الحاضرين قبل أن تحطا على هيئة زوجها، الواجمة. ولكن " دلير " أفتقدَ وجودَ صاحبة الكفل الملكيّ، فخمّنَ أن رجلها ساقها وابنتها إلى منزلهم في ساعة متأخرة من الليلة البارحة.
" لماذا لا تستحم؟ لدينا متسع من الوقت قبل حضور السيارة "، جاءه صوتُ امرأته مخترقاً الصمتَ الثقيل في الصالة. كانت فكرة جيدة، تخلصه من ذلك الجو المحرج. دقائق على الأثر، وفيما كان جسده تحت الدُش، إذا بالصوت ذاته يصدر من وراء الباب ليستحثه على العجلة: " حضرَ موسى مبكراً. سأنقل حقيبتك بنفسي إلى السيارة، وما عليك إلا ارتداء ملابسك بسرعة ". ذلك كان السائق، المتعهّد تقديم خدماته لعدد من النُزُل السياحية بما فيها رياض الصهر الفرنسيّ. " موسى "، كان شاباً على درجة من الثقة بالنفس حدّ الغرور والصلف، شأن الكثيرين أمثاله ممن يحتكون طوال الوقت بالأجانب. شخصيته، في التالي، شاءت أن تذكّر محقق السيرة بأشباهها؛ وخصوصاً " سيمو "، الزوج الأول للمرأة الغامضة ذات الثوب الأحمر. وإنه هذا الأخير، كما ألمحنا قبلاً، مَن سيقابل المحقق ثمة في مدينة الصويرة وضمن ملابساتٍ لا تقل غموضاً.

***
نزل إلى البيت التحتاني، وكان قد مضى نحو عشرين دقيقة على رحيل الركب. كان قد أخبرهم بأنه سيتأخرُ مضطراً، لحين الفراغ من تصنيف بعض الأوراق الخاصّة. امرأته، خففت من سخط والدتها بالقول: " سيلحقنا بسيارة أجرة إلى محطة الأوتوبيس، وأصلاً موسى جاء مبكراً ". ثم ألتفتت إليه، توصيه: " عند خروجك، تأكّد فقط أنك غلقت باب المنزل جيداً ". على ذلك، فإنه أعتقدَ أن الجميع خرجوا لدى إطلالته مجدداً على الصالة الأرضية. فكم أدهشه، حدّ الإجفال، مرأى " حسنة " وكانت جالسة هنالك على الأريكة الأقرب لمدخل الصالة. رفعت رأسها، لترمقه بنظرة تفيض رقة. شفتاها النضرتان، اللتان بلون الورد، فغرتا من ثمّ على هذه الغمغمة: " تأخرتُ أيضاً هناك، بسبب عارض صحي طارئ ". قالتها، مومئة برأسها إلى ناحية مرحاض البيت التحتاني. وكان هذا قد شيّد في عامٍ أسبق، كون الأم وصويحباتها لا يرتحن للآخر، الإفرنجي، المنصوب فوق في الحمّام مع غيره من مفردات الحضارة الحديثة. أدرك معنى تعبيرها، وأنه كناية عن العادة الشهرية، مما فاقمَ من شعوره بالتململ. هذا، على الرغم من أن علاقته بكنّة الدار أضحت أقرب للتبسط والإلفة منذ تكفلها التغطية على دروس الرسم تلك، المعلومة.
" لوحا مضى مع سلوى وابنكما بالتاكسي، على أن نوافيهم إلى المحطة قبل الساعة التاسعة "، عادت لتوضّح جليّة الأمر. تطلع إلى ساعة المطبخ، وكانت تتجاوز الثامنة بقليل. سألها على سبيل الفضول، ما لو كانت " حياة " معهم. هزت رأسها بعلامة الإيجاب، قبل أن ترد بالقول: " وستلحقهم أنغام مع أميل في سيارة زوجها، هذا إذا لم يكونوا قد انطلقوا فعلاً ". ومع أنها كانت تتكلم بعفوية، إلا أنّ داخل " دلير " كان على شيء من الريبة فيما يتعلق بالسبب الحقيقي لتأخرها: " كأنما تبغي مكايدة رجلها، بهذه الحركة الجديدة الطائشة ". ثم آبَ تفكيره إلى جانب آخر، يستحق الكثير من التوقف: " ولكن، لِمَ لم ينتظرها هوَ ويدع شقيقته وابنها يمضيان لوحدهما في سيارة الأجرة؟ ".
بعد قرابة نصف الساعة، آنَ طرقت يدُ " أميل " اللجوجة على باب الدار، كانت المرأة الصغيرة ما تنفكّ في مكانها على الأريكة. كان إذاك يحس بدقات قلبها، وهيَ مستلقية على صدره مثل هرة صغيرة تبحث عن الرطوبة والطمأنينة. الصالة، وكانت قد فارقتها آخرُ شهقات النشوة، التي هزت أركانها الأربعة، لم تزل في المقابل محتفظة بالرائحة الحريفة لرحيق الذّكّر في هذا الصباح المفعم بعبق عود الندّ المحترق.

> مستهل الجزء الثالث/ الفصل السابع، من رواية " الصراطُ متساقطاً "












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا