الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا خروج على النص.. قصة قصيرة

أحمد الشطري
شاعر وناقد

(Ahmed Alshtry)

2018 / 12 / 6
الادب والفن


أصدر الباب صوتا عاليا وهو ينغلق خلفه مع اول خطوة يضعها خارج منزله، لكنه لم يلتفت الى الوراء، ولم يشعر بانزعاج من ذلك الصوت، سار في الشارع الخالي بخطى واثقة، احس بخفة جسمه، وبدا له ان مجرد نسمة خفيفة ستحمله مثل طائر صغير ليحلق في السماء، رغم انه كان يسير كل يوم في ذات الشارع بخطى ثقيلة، ومتعثرة احيانا بالمطبات المنتشرة فيه، لكن الشارع في ذلك اليوم كان خاليا من كل شيء، من المارة، والمطبات، والروائح الكريهة، كان كل شيء فيه جميلا، الهدوء الذي يسوده، والهواء المنعش، والرائحة الزكية، والارضية النظيفة، والمصقولة، وكأنها طليت بقطع من حجر المرمر، كانت الدهشة تتملكه، فهو لا يعرف ما الذي غير كل شيء في ليلة واحده، تلفت يمينا، ويسارا لعله يجد احدا؛ ليسأله لكنه لم يعثر على اي احد، فالشارع كان خاليا تماما الا منه، فكر بالعودة لبيته؛ ليسأل زوجته لعله يجد عندها خبرا ما، لكنه تذكر انها خرجت من المنزل قبله كعادتها في الذهاب الى دائرتها البعيدة، كان الطريق الى محل عمله يمر عبر ساحة كبيرة تتوسط المدينة، وتلتقي عندها كل شوارعها الرئيسية، ورغم ان الفصل لم يكن شتاء، الا ان السماء كانت تنث رذاذا اشبه بالرذاذ المنبعث من قنينة عطر، لكنه لم يحس بالبلل، او باي اثر لذلك الرذاذ، فقط كان يشعر بالانتشاء، وبين لحظة، واخرى كان يردد مع نفسه: ما الذي حصل يا الاهي!؟ لماذا كل شيء جميل هذا اليوم!؟
لكن سيل اسئلته انقطع لحظة اقترابه من الساحة الكبيرة، واخذت عيناه تجحظان، ما هذا الذي يراه!؟ لماذا الناس يجتمعون في هذا المكان بهذه الهيئة الغريبة!؟
اغمض عينيه، ثم اعاد فتحهما، لكن المنظر لم يتبدل، دعك عينيه بقوة؛ ليتأكد من انه لم يكن نائما، ثم اعاد النظر، ولكن المنظر هو نفسه، والناس يسيرون مبتسمين، وكأن كل شيء طبيعي، لا أحد ينظر الى احد باستغراب، ولا احد يحاول ان يدنو من احد، او يزاحمه، او يفعل ما يمكن ان يعكر الاجواء الهادئة، رغم ان الرجال، والنساء كانوا عراة تماما، لا شيء يستر اجسادهم، ولكن وجوههم بدت خالية من اي اثر للحياء من ذلك العري، او الشعور بالغرابة، يا الاهي هل اصيب الناس بالجنون ام ماذا!؟ تساءل مع نفسه، ألهذا بدت الشوارع غير الشوارع التي اعرفها!؟ والاجواء غير الاجواء التي اعهدها!؟ هل انا في مدينة اخرى غير مدينتي!؟ ولكنها هي ذاتها، قالها لنفسه بتأكيد جازم، هذه ساحتها الكبيرة، وذاك الشارع الذي قطعته هو نفسه شارعنا، ربما تغيرت اشكالهما، ولكنهما هما ذاتهما. هل هو يوم القيامة الذي يتحدثون عنه، لا يمكن، فما قرأته عن ذلك اليوم لا يتفق مع هذا المنظر سوى بمشهد العري.
لاح له بين المارة صديق قديم، فصاح به بصوت مرتفع، اثار استغراب جميع المارة، فرمقوه بنظرة استنكار، احدهم تبسم بوجه قائلا: رجاء اخفض صوتك كي لا تزعج الآخرين.
امسك بيد الرجل بقوة، ولكن الرجل سحب يده باشمئزاز،... من فضلك اريد ان أسألك سؤالا. فهز الرجل رأسه بالإيجاب مبتسما. قال: لماذا الناس عراة هكذا هذا اليوم!؟
ضحك الرجل، وبدت عليه علامات الاستغراب، وهو ينظر اليه من اسفل الى اعلى، ثم سار مبتعدا عنه. لم ترق له نظرة الرجل اليه، واعتلج في صدره شيء من الغضب، والاستنكار، نظر الى نفسه؛ ليتأكد ان كان ثمة خلل في ملابسه، فوجد نفسه عاريا ايضا، انتابه احساس بالخجل، والارتباك، وحاول ان يغطي عورته بيديه، ولكنه تذكر أن كل الذين من حوله هم عراة مثله، رفع رأسه، وسار باعتدال، وعلى ثغره ابتسامة ساخرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما


.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا




.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما


.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في




.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة