الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المتسول

حسن صالح الجيزاني

2018 / 12 / 8
الادب والفن


من بعيد بدت الحديقة زاهرة ومخضرة وارتفعت الاشجار من جهاتها . كان السياج الحديدي يسورها من كل جانب فبدت كانها مستطيلة الشكل ، قدرت مساحتها بمساحة ملعب لكرة القدم او اكثر قليلا ..كانت الحديقة غارقة في ظل الاشجار في هذه الساعة من الظهيرة القائظة ، انه الصيف الحارق بحرارته الشوارع والطرقات في ساعات الظهر .. ظل وديع تدغدغه نسمات عليلة سرّت ناظري ، كان الشارع المؤدي اليها خاليا الا مني انا الذاهب اليها ابحث عن بابها وخمنت انه في الجهة المقابلة لي تماما ، كان مغطى بنبات متسلق لا اعرف اسمه فبدا الباب كانه فتحة حفرت لنفسها اخدودا بين الاوراق المتكاتفة . لم المح شيئا يتحرك في المكان الخالي تماما وكانت نسمة هواء ، شعرت بها ، قد ضربت الاشجار فارتعشت قليلا واهتزت فتمايلت كما رايتها . سرت انوي الدخول لارتاح قليلا من الحر اللافح ، فقد جئت من قريتي البعيدة لا نجز عملا في المدينة وتاخر بي الوقت ، انتظر ساعة او اكثر لعودتي فيكون الجو قد تحسن قليلا . الوقت الحار هذا ليس غريبا عني ، فالصيف في قريتنا حار جدا وجاف ويفتقر الى الهواء او نسمة الريح الباردة وكاننا نعيش في صحراء مترامية ليس فيها غير الشمس واللهب والقيظ في الفصل من السنة الذي يجعلنا اجسادا تتهاوى عند نسمة ريح في الليل العذب . لمحت شخصا بملابس بالية وشعر اشعث ، يتحرك باتجاه الباب فاستغربت قليلا لاني ، لاني لم اره ولم المحه يتحرك قبل ذلك . رآني اتحرك نحو باب الدخول فانتظر قليلا ولم يدخل .. استغربت الامر ولكنه بدد مخاوفي واستغرابي حين وصلت اليه ودنوت منه .. القى علي التحية . فأطمأن قلبي و ارتحت قليلا وكا نت على وجهه ابتسامة زادت من اطمأناني واقتربت منه اكثر . قال لي :
ـ الباب مغلق ! كنت اتمنى ان اجلس في هذا الظل ، مشيرا الى الحديقة ، لابدد تعبي وغيظي من الحر !
قلت له :
ـ انا ايضا كنت اتمنى قضاء ساعة تحت الشجر .
رد بحسرة :
ـ اعرف مكانا اخر لكنه يحتاج الى نصف ساعة سيرا على الاقدام ..
وجدت ان الامر لا يستحق هذه المعاناة وفضلت الذهاب الى الشارع الرئيسي لاستاجر سيارة وانهي هذه اللوعة .
رايت في وجهه الحاحا غريبا على بالانتظار قليلا.. وكان يتصبب عرقا وهو يكاد يتوسل فتعاطفت معه ، كان متشبثا بالمكان لا يريد المغادرة . قلت له :
ـ اتنتظر طويلا ؟
ـ سابقى منتظرا حتى يفتح الباب .. اعتقد ان الامر لن يطول كثيرا . يقفل الحارس باب الحديقة خوفا من الاطفال المخربين الذين ياتون احيانا منسلين من بيوتهم ، انه اجراء احترازي .. ونظر الى ساعته .
قلت له باستغراب :
ـ الا يوجد لك بيتا تذهب اليه في هذا الحر ؟
رد وكانه يتهامس معي :
ـ لو كان مثل بيوت الناس لما جئت الى هنا !
قلت له :
ـ لماذا لا تذهب الى اقربائك مثلا وتنهي المشكلة . وضحكت ضحكة خفيفة !
رد بغضب :
ـ لا بيت عندي ولا اقارب!
ـ ولا اولاد ؟
ـ ولا اولاد !
كان الشارع يهجع تحت لهيب الظهيرة القاسية ، فيما كنت انوي الرحيل من المكان ، تكلم معي بحزن بالغ :
ـ كل يوم اجيء الى هنا ، المكان مريح وليس فيه ما يعكر مزاجي في هذا الوقت !
ـ كل يوم ؟
ـ نعم كل يوم ، الى وقت الغروب فانسحب الى مخدعي في البناية المجاورة ..
واشار الى بناية مهجورة قرب الحديقة .
قلت باستغراب :
ـ ولما لا تذهب اليها في هذا الوقت ؟
ـ لانها حارة جدا ولا يمكن لانسان ان يقضي فيها ساعة واحدة ! مهجورة لا ابواب ولا شبابيك وتنام فيها الكلاب والقطط وتتكوم فيها النفايات !
انها قدري ان اعيش فيها ، فليس لي بيت كما اخبرتك .
كانت كلمات الرجل تنزل علي كالصاعقة ، قلت له :
ـ ساطرح عليك امرا وانت حر فيما تراه مناسبا في جوابك !
بدت علامات الحيرة على وجه الرجل وقال :
ـ ارجو ان يكون امرا استطيع ان اجيبك عليه !
ـ هل يمكننك ان تذهب معي الى بيتي ؟ عندي ثلاثة اطفال صغار وزوجة مريضة !
ـ وما افعل في المجيء معك ؟
ـ تخلص من هذه الخربة مؤقتا لحين توفر مكان اخر افضل قليلا . فالله لا ينسى عباده .
ـ لا استطيع .. اعذرني .
ـ ما السبب ؟
لاني اعمل من اجل كسب قوتي اليومي وذهابي معك سيحرمني من رزقي !
تعجبت قليلا لكني حاولت ان اعرف منه ما العمل الذي يقوم به :
قال :
ـ اعتقد ان الناس في المدينة اكثر ويتعاطفون معي ويعرفونني . يجودون علي بنقود قليلة اعيش منها ..
ـ انت متسول ؟
ـ لا ، ولكني تعودت الامر واستسهلته !
فجاة حضر حارس الحديقة وفوجئت بالتحية التي القاها على الرجل وقال له عذرا لتاخري وارجو منك العفو والمسامحة . استغربت الامر ولكني وددت معرفة ما يجري . مد حارس الحديقة يده الى جيبه واخرج رزمة من النقود واعطاها للرجل قائلا له :
ـ هذه بدلات الايجار لعقاراتك هذا الشهر يا سيدي !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما


.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة




.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير