الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش الفستان… طاقيّةُ التقيّة

فاطمة ناعوت

2018 / 12 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



أخي المؤمن، أختي المؤمنة: هل سببتَِ وشتمتَِ ولعنتَِ "رانيا يوسف" اليومَ؟ إن لم تفعلْ فاعلمْ أن ذنوبَكَ قد منعتك. لا تنسَ لعنَها اليومَ أيضًا بأبشع الكلمات وأكثرها فُحشًا، حتى نعرفَ أنك تَقِيٌّ عفيفٌ وملاكٌ كريم.
أعتذر عن السخف السابق. ولكن الشاهد أن حالنا لم يكن بعيدًا عن العبارة الساخرة بكثير.
بدايةً، نشكرُ الَله أن زلزالَ الفستان قد انتهى أو كاد. ونشكرُ اللهَ أن المحامين الذين لاحقوا "فستان" الفنانة "رانيا يوسف" قضائيًّا لسجنه عامين، قد تكرّموا بسحب دعاواهم؛ رغم تحديد موعد الجلسة بسرعة الصاروخ، بعدما تحقّقت أهدافهم، التي تتلخص على الأغلب في: 1- تحقيق بعض الشهرة بذكر أسمائهم في الصحفُ والمواقع، 2- تقديم أنفسهم للمجتمع بوصفهم أربابُ الفضيلة وحُرّاس العفاف ووكلاء الله على الأرض، 3- إنعاش مكاتبهم الشاغرة بقضايا صارخة؛ لضمان ذيوع الصيت وترويج البائر. ثم نشكرُ اللهَ على البيان الثاني الرصين لنقابة المهن التمثيلية، الذي صحّح البيان الأول المرتعد.
أُقرُّ وأعترفُ بأن "رانيا يوسف" ليست صديقتي، ولم ألتقِ بها في حفل أو عرض خاص أو مهرجان. كما أعترفُ أنني مُقلّةٌ للغاية في متابعة التليفزيون والمسلسلات والأفلام العربية، فأكادُ لم أعرفها إلا بعد "زلزال الفستان" الشهير. كما أقرُّ بأن هذا المقال ليس لتبرئة الفستان أو إدانته. فأنا أعرف جيدًّا قيمة هذه الزاوية التي منحتها لي جريدة "المصري اليوم" المحترمة؛ لأكتب فيها عن أمور أشدّ خطورة من فستان كشف عورة مجتمع، كان في سابق عهده يُعلّم الدنيا ويضيء مشاعلَ الحضارة في أنحاء الأرض. هذا المقال ليس عن فستان عارٍ، بل عن "طاقيّة التقيّة" التي اعتمرها المجتمعُ العربي بكامله في دراما مسلسل الفستان.
وبعد. الحقيقة لم يشغلني تأمل الفستان، إنما أتعسني تأملُ ردود فعل المجتمع العربي على سوشيال ميديا. والسؤال الذي أوجّهه للسبّابين اللاعنين: هل فحصتم أنفسكم وتأملتم سلوككم وأصلحتم أخطاءكم، قبل الاندفاع بسرعة البرق لفحص فستان سيدة والتقاط مكامن العُري وتأمل تفاصيل جسد؟ هل تأكدتم أنكم أنقياءُ بلا خطايا قبلما تفتحون أذرعكم وترمون أحجاركم وتلبسون ثيابَ الوعّاظ المُصلحين في مجتمع، بكل أسف أقولها، لم يتعافَ بعد من الفساد والرشاوى والتحرش والمخدرات والبلطجة واستغلال المناصب وسوء التعليم وتدني الصحة والهوّة الواسعة بين تُخمة الأثرياء وعَوَز المعدمين، الذين نحلم فقط بأن نُخرجهم من تحت خط الفاقة ليتحولوا إلى فقراء؟!
أيها اللاعنُ العزيز، قبل أن تسبَّ فستانًا عاريًا، هل تأكدت أنك لست غارقًا في الصغائر والدنايا والعُريّ الأخلاقيّ؟ هل فكرت في نظافة لسانك قبل تنظيف أسنانك في الصباح، وتصحيح سلوكك قبل التربُّع على عرش الواعظين؟
سَلْ نفسَك من فضلك:هل تعمل ثماني ساعات في اليوم، أم 27 دقيقة فقط كما تقول الإحصاءات؟ هل تتقن عملك كما أمرك الله، أم ترتشي؟ هل تحترم جارك وتبتسم في وجهه؟ هل تحافظ على المرافق العامة احترامًا لوطنك؟ هل تحترم حقَّ المختلف عنك عقديا أم تمارس عليه الطائفية والمذهبية والعنصرية؟ هل تغض بصرك عن النساء، أم تتحرش بهن؟ هل تساعدُ الضعيف وتُجلُّ الُمسنَّ؟ هل ترحم الحيوان وتحترم الأخضر؟ هل تُلقي قمامة في الطريق؟ هل تحافظ على نظافتك الشخصية أم تزعج من حولك؟ ألفُ (هل) وهل تضيقُ عنها الصفحاتُ.
من المحزن أن ننسى أن الفضيلة تبدأ من اللسان وتحتلَّ القلب وتنطلق من العقل وتسكنُ في السلوك. من المخجل أن نزعم أننا حُماة العفاف بينما الألسن تقطر سُمًّا وقيحًا وبذاءات. كيف ندعو إلى العفّة بألسن غير عفيفة؟! القليلُ مما قرأت من الحملة المسعورة ضد رانيا يوسف أكّد لي أن الكلَّ قرّر أن يتطهَّر من خطاياه على جسدها. الكلُّ اعتمر "طاقية التقيّة" البهلوانية وراح يعظُ ويلعن، وهو مؤمنٌ أنه بقدر ما يسبُّ بقدر ما يغفر اللهُ له خطاياه! تحوّل الفستانُ إلى ناشنكان في ساحة رمي الجمرات بالحرم الشريف. ولسنا حرمًا شريفًا، وليست رانيا يوسف شيطانًا. فهي لم تقتل ولم تسرق ولم ترتش ولم تخن وطنًا. واللهِ لو وجّه اللاعنون عُشر لعناتِهم للفستان، إلى المتحرشين واللصوص والفاسدين والمتطرفين، لانصلح حالُ مصر. لكن، بكل أسف، زلزال الفستان قد كشف إلى أي قدرٍ نحن منافقون وغير صادقين، لا مع أنفسنا ولا مع الله.
تصحيح سؤال مفتتح المقال: “عزيزي المصري: هل تسببتَ اليومَ في دموع إنسان؟" كان هذا هو السؤالَ الاستنكاريّ لسلفنا الصالح الكريم، الجدّ المصري القديم.

***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - فستان الهنا
طاهر مرزوق ( 2018 / 12 / 8 - 22:52 )
أستاذة/ فاطمة
أعيب عليك أن توجهى أسئلة للسبابين واللاعنين وكأنهم غلطوا فى البخارى؟ ألا تعلمين أن كل المسلمين من أمة محمد ستدخل الجنة رغم أنف الكافرين والحاسدين؟
الفستان لم يكشف عورة مجتمعنا المصرى بل كشف عورة ثقافة المجتمع الدينية التى يعيش بها كل مسلم، ويفرضها النظام السياسى الأزهرى على أفراد المجتمع المؤمن حسب الفقهاء بأن كتاب الله يحتوى بين دفتيه كل العلوم؟ وأن الحضارات السابقة كانوا كفاراً؟
أشكرك على تنبهك إلى تصحيح الخطأ الذى وقعتى فيه وكان أحتمال أن يقوم المحامون بعد أعتذار الفستان أن يرفعوا عليك قضية كبرى، والسبب هو أن المصريين أندثروا والموجودين حالياً على أرضها لا ينتمون إلى مصر وهويتهم ليست مصرية، بل هويتهم إسلامية قومية عربية!!
يا أخت فاطمة خللى بالك من لسانك علشان وقعتى فى الغلط تانى، وقلتى:( واللهِ لو وجّه اللاعنون عُشر لعناتِهم للفستان، إلى المتحرشين واللصوص ..، لانصلح حالُ مصر.)، كونى صادقة وأسألى نفسك: منذ متى توجد آلهة تستجيب لللاعنين والأدعية التى يرفعها أصحاب الأديان ضد الكفار وأن ييتم أولادهم ويرمل نساءهم؟ خليكى واقعية شوية وسيبى الله فى حاله!!
شكراً لك


2 - انتى شخصيا ذقتى بعض من هذا المُرّ
حازم (عاشق للحرية) ( 2018 / 12 / 9 - 10:21 )
أستاذة فاطمة انتى نفسك ذقتى القليل من تلك النار حين طلع لك من تحت الارض محامى يرفع عليكى قضية حسبة -محامين يملكون كل الوقت لمطاردة الفنانات و المثقفين و المطالبين بالتنوير و المواطنة و العلمانية- ، لن نصمت ببساطة بعد اليوم لكل من سيههدنا بكرباج الحرام و الحلال و قيم المجتمع من وجهة نظره هو، دعاة الفضيلة هؤلاء غالبا ورائهم كوارث يخفونها بالبروباجندا الأخلاقية التى يروجونها و خلق حدوتة رأى عام منها. يسعدنا وجود ناس مثلك فى بلدنا ، بدونكم كانت حياتنا أصبحت جحيم اكثر مما نحتمل

اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س