الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اطروحة الدبلوماسية الموازية -البارادبلوماسي- Paradiplomacy

علاء هادي الحطاب

2018 / 12 / 9
السياسة والعلاقات الدولية


اطروحة الدبلوماسية الموازية "البارادبلوماسي" Paradiplomacy
علاء هادي الحطاب
توطئة :-
قبل البدء في بيان مفهوم البارادبلوماسي ( الدبلوماسية الموازية ) كأحدى مبرزات العمل في مساحة العلاقات الدولية ضمن مفهوم الدبلوماسية، علينا اولا المرور بمفهوم الدبلوماسية تعريفا ووظائف ومهام وانواع ومن ثم نبحث في مفهوم البارادبلوماسي.
أولاً: تعريف الدبلوماسي:- هي أداة رئيسية تستخدمها الدولة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية والتأثير على الدول والجماعات الخارجية بهدف استمالتها وكسب تأييدها، وعرفها تيري دي مونبريال وجان كيلين في موسوعة الاستراتيجيا بأنها :- ( فن ادارة العلاقات بين الدول ذات السيادة، وفن الاحكام)، اما الدكتور عدنان السيد حسين استاذ الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية فقد عرفها في كتابه نظرية العلاقات الدولية بأنها :- ( فن التفاوض والتعامل السلمي مع الدول والمنظمات الدولية، في اطار العلاقات السلمية دون اللجوء الى الحرب). وعرفها اخرون بأنها:- ( مجموعة القواعد والأعراف الدولية والإجراءات والمراسم والشكليات التي تهتم بتنظيم العلاقات بين أشخاص القانون الدولي)
ثانيا: وظائف الدبلوماسية
1- السعي لجمع المعلومات التي يُنظر اليها بأنها ذات قيمة وفائدة عائدة على الدولة.
2- الدفاع عن الحقوق أبناء دولة ما يصنفون كجالية خارج بلادهم الأصلية.
3- إرسال المعلومات بشكل دوري من منطلق الإحاطة الخارجية.
4- يمثل الدبلوماسي دور الدولة أمام الدول الأخرى.
5- السعي لتحسين صورة الدولة الخارجية، وذلك بالتعبير عن تطلعات شعبها ومقترحاتهم في نمو الدولة وازدهارها.


البارا دبلوماسي Paradiplomacy (( دبلوماسية موازية ))
اولا:- التعريف
وهو مصطلح يشير إلي النشاط الخارجي المباشر للمدن والأقاليم والوحدات الإتحادية, الذي يسير جنباً إلي جنب مع الدبلوماسية التقليدية للدولة. ويظهر ذلك عندما تحصل الكيانات داخل الدول علي صلاحية ممارسة نوع من السياسة الخارجية في إطار الدستور والقوانين التي تسمح لها بالمشاركة كلاعب فاعل في الساحة الدولية بصورة مستقلة عن الدولة المركزية التي تنتمي إليها سعياً وراء المصالح الخاصة لمواطنيها، والبارادبلوماسي في العلاقات الدولية هي الدبلوماسية التي تعمل على المستوى دون الوطني أو على صعيد الحكومات الإقليمية دون تدخل الحكومة المركزية وذلك بهدف تعزيز مصالحها الخاصة، فالعولمة تدفع الجهات المحلية إلى التدخل بشكل متزايد في الشؤون السياسية الخارجية للبلد، والدبلوماسية الموازية بصفة عامة هي الدبلوماسية غير الحكومية سواء كان فردية أو مؤسسية.
ثانيا:- نشأة المفهوم
الدكتور بانايوتيس سولداتوس أستاذ القانون و العلوم السياسية بجامعة مونتريال الكندية هو من أوائل الأكاديميين الذين حاولوا دراسة العلاقات الخارجية للأقاليم داخل الدول ( ولايات, أقاليم, محافظات, مدن) اذ خرج بانايوتيس لأول مرة بمصطلح الدبلوماسية الموازية بعد مزجه لكلمة موازي (Parallel) وكلمة دبلوماسية ( Diplomacy)، ثم انتشر المفهوم بعد ذلك في الكتابات الأكاديمية عبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيتي كوليج الامريكية الأمريكي إيفو دوتشاتشك، ويمكن إرجاع نشأة الدبلوماسية الموازية الى العشرينيات من القرن الماضي عندما بدأت الأراضي الخاضعة للإمبراطورية البريطانية ( كندا وجنوب أفريقيا و أستراليا ) في إقامة علاقاتها الخارجية الخاصة، ثم برزت مقاطعة كيبيك الكندية في الستينيات كأحد فاعلي الدبلوماسية الموازية بعد توقيعها لإتفاقيات ثنائية مع فرنسا حول الشؤون الثقافية، ومؤخراً ظهرت ولاية ساوباولو البرازيلية بقوة علي الساحة الدولية خاصةً بعد توقيعها لإتفاقيات تعاون ثنائية في مجالات متعددة مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة في العام 2013م.

ثالثا:- اتجاهات البارادبلوماسي ( الدبلوماسية الموازية)
برزت ثلاث إتجاهات رئيسية للدبلوماسية الموازية كما صنفها البروفيسور "أندريه لوكور" وهي كالآتي:
أ‌- العلاقات الإقتصادية : تعمل الحكومة المحلية في هذا الإطار علي تطوير حضور دولي يغلب عليه جذب الإستثمارات الأجنبية إليها وفي ذات الوقت إستهداف أسواق جديدة لصادراتها ولا يُلحظ في هذا المستوي بُعد سياسي واضح أو إهتمام بالقضايا الثقافية، ونجد في الهند – على سبيل المثال وليس الحصر- أن بعض الحكومات الولائية (المحلية) حظيت بفرصة التفاوض المباشر مع المنظمات المالية الدولية مثل البنك الدولي (WB),والبنك الأسيوي للتنمية (ADP), وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية (UNDP) وذلك بتفويض من الحكومة المركزية لممارسة النشاط الخارجي.
ب‌- التعاون الفني و التعليمي و الثقافي و ما شابه ذلك: تحاول الحكومة المحلية في هذه الحالة التركيز علي عدة محاور في نفس الوقت, وهو ما تنحو اليه المدن والأقاليم في الدول النامية، وعلى سبيل المثال وقعت ولاية الخرطوم في السودان إتفاقية توأمة مع بلدية إنجمينا في تشاد لتبادل التجارب في مجال التخطيط العمراني وإصحاح البيئة وتقديم فرص دراسية لطلاب انجمينا في مجال الطب والصحة العامة, ولدينا في العراق تجربة مماثلة بين محافظة واسط العراقية من جانب ومحافظة ايلام الايرانية من جانب اخر اذ وقعت في الرابع من كانون الاول عام 2013 سلسلة اتفاقيات ثنائية، بمختلف القطاعات التجارية والخدمية، والعلمية والثقافية والطبية إلى جانب الاتفاق على تطوير المناهج وتبادل الزيارات بين الجامعات الإيرانية وجامعة واسط
ت‌- القضايا السياسية: تميل الحكومة المحلية في هذا الجانب إلى عكس هويتها المُمَيزة والتي تؤكد الشخصية الوطنية التي تمثلها وتُظهِر تميزها الثقافي و استقلالها السياسي، وهي جوانب قد تختلف نوعاً ما عن تلك التي تعكسها الحكومة المركزية، وربما كانت لدي الحكومة المحلية إعتبارات أخري تدفعها لممارسة هذا النوع من النشاط الخارجي لا علاقة لها بموضوع الهوية، ولدينا في تجربة اقليم كردستان امثلة عديدة في هذا الاطار من خلال عقد الاتفاقيات الثنائية بين اربيل وعدد من الدول الاوربية ففي الخامس من مارس عام 2013 عقد اقليم كردستان سلسة اتفاقيات مع فرنسا وتم عقد الاتفاقية في مقر ممثلية حكومة إقليم كردستان في باريس بحضور عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي .
رابعا:- ايجابيات وسلبيات البارادبلوماسي
أ‌- الايجابيات
للدبلوماسية الموازية عدد من الإيجابيات منها:-
1- أمكانية المساهمة في نزع فتيل التوترات والنزاعات بين المجموعات السكانية الحدودية عبر تنظيم حركة الأفراد والتجارة الحدودية
2- المساهمة في الحد من الطموحات الانفصالية لبعض الأقاليم الحدودية ذات الطبيعة الخاصة، اذ يؤدي التواصل المباشر عبر الحدود للمجموعات العرقية المتماثلة الى التخفيف من شهية الانفصال فعندها يُصبح إنشاء روابط سياسية واقتصادية وثقافية عبر الحدود كافياً سيساهم بعدم تشجيع النزعات الانفصالية حيث تلبي الدبلوماسية الموازية طموحات سكان الأقاليم داخل الدول في لعب دور مؤثر في السياسة الخارجية لحكوماتها المركزية
3- معظم الحكومات المركزية في العديد من الدول خاصة دول العالم النامي, لا تستطيع الإيفاء بجميع المتطلبات الاقتصادية والسياسية والثقافية لمجتمعاتها المحلية لأسباب مختلفة منها, فقر الدولة أو عدم توفر الخبرات أو لاسباب خاصة تختلف من دولة لأخري. مما يجعل هذه المجتمعات المحلية تعمل على السعي وراء مصالحها الخاصة اما عبر الطرق السلمية والقانونية أو عبر استخدام القوة كالتمرد المسلح على سبيل المثال
4- بعض المنظمات الدولية الإنسانية مثل اليونسيف (UNICEF) أصبحت تفضل التعامل اللامركزي مع الحكومات المحلية بدلاً من الحكومات المركزية لضمان الوصول الي حل جذري لمسببات المشاكل الصحية و التعليمية, بدلاً من وضع الحكومة المركزية كوسيط بينها و بين المجتمعات المحلية، ويعني ذلك لبعض الدول النامية إمكانية جذب مساعدات إضافية من اليونسيف عبر السماح لها بالتعامل المباشر مع الحكومات المحلية.
5- تعمل بعض الأقاليم داخل الدول علي الترويج لنفسها دولياً بإعتبارها كياناً مستقلاً ثقافياً أو دينياً عن المركز الذي تنتمي إليه. ويظهر هذا في محافظة كاتالونيا واقليم الباسك الاسباني على سبيل المثال. وبدأت مؤخراً في الوطن العربي تظهر قضايا حقوق ثقافية و دينية خاصة بالأقليات غير العربية أو غير المسلمة, أو قضايا خاصة بالأقليات المذهبية (مثل الشيعة في الدول ذات الأغلبية السنية)، والعراق وسوريا (القضية الكردية في مواجهة العروبة) وأحد هذه الحلول المطروحة هي إعادة صياغة دساتير بعض الدول لتقنين الدبلوماسية الموازية مثلما فعلت الارجنتين و النمسا و سويسرا حيث يمنح الدستور السويسري علي سبيل المثال الولايات المكونة للإتحاد السويسري صلاحية عقد بعض المعاهدات الدولية بشرط ألا تتعارض مع غايات الإتحاد و حقوق الولايات الاخري.
ب‌- السلبيات
1- يمكن أن تُأثر سلباً علي وحدة وتماسك الدولة في المنابر الدولية بإعتبارها نشاط خارجي للحكومات المحلية مواز لنشاط الحكومة المركزية.
2- احتمالية تعارض توجه الحكومة المحلية مع توجه الحكومة المركزية، وغالباً ما يحدث ذلك إذا لم تتوفر آلية للتنسيق بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية
الخلاصة :-
أخيراً نستطيع القول أن مصطلح الدبلوماسية الموازية أو (البارادبلوماسي) يُكَمِل نوعاً ما ما نقص مصطلح الدبلوماسية عن تغطيته من أشكال العلاقات الدولية غير التقليدية، وتوفر الدبلوماسية الموازية فرصة للأقاليم داخل الدول النامية في الشرق الأوسط و أفريقيا واسيا ودول أمريكا اللاتينية للإستفادة من العلاقات الخارجية مع الأقاليم والدول الغربية المتقدمة في مختلف مجالات التنمية، كما تمنح للدبلوماسية الموازية كذلك فرصة للحكومات الواقعة تحت عقوبات آحادية مثل السودان للإلتفاف عليها عبر تشجيع الولايات والمحافظات للدخول في إتفاقيات تعاون ثنائية مع الولايات المتحدة على سبيل المثال في مجالات مثل المنح الدراسية والبعثات الطبية والتنمية الصناعية والزراعية، ويحتاج تطوير الدبلوماسية الموازية الى إجراء بعض التعديلات في المؤسسات القانونية والادارية في الدولة لتقنين الممارسة, إضافة لخلق قنوات تنسيقة بين الحكومة المركزية و الحكومات المحلية بصورة تؤدي إلى الإستفادة القصوى من هذا النشاط الخارجي الجديد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رداً على روسيا: بولندا تعلن استعدادها لاستضافة نووي الناتو |


.. طهران تهدد بمحو إسرائيل إذا هاجمت الأراضي الإيرانية، فهل يتج




.. «حزب الله» يشن أعمق هجوم داخل إسرائيل بعد مقتل اثنين من عناص


.. 200 يوم على حرب غزة.. ومئات الجثث في اكتشاف مقابر جماعية | #




.. إسرائيل تخسر وحماس تفشل.. 200 يوم من الدمار والموت والجوع في