الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا والأفاعي

محمد الحاج صالح

2018 / 12 / 10
الادب والفن


حكاية/ قصة
لي أنا شخصياً قصص مع الأفاعي جميعها مرعبة. هذه القصة هنا لا أعيها طبعاً، و لكنها الأولى من حكايايَ مع الحيايا.
تقول أمي عني إنني كنت في صغري عكس ما صرت عليه عندما شببت. تقول إنني كنت هادئاً في السنتين الأوليتين، هدوءاً أخافها أن يكون بي شيء غير طبيعي.
قالت إنها كانت و مجموعة من نساء القرية حول جرن "دق حب الحنطة".
في عملية الدق هذه يتم فصل قشر حبوب القمح، تمهيداً لجرش الحب والحصول على البرغل. و بالمناسبة كان في قريتنا جرنان واحد أسود و الأخر أبيض، و لذلك تسمت قريتنا ب"الجرن الأسود التحتاني". تحطم الجرن الأسود باكراً، وظل الأبيض إلى فترة متأخرة. هذان الجرنان تاريخيان، و جرى كشف وجودهما مع بئري الماء. البئران ظلا مصدر الماء للقرية سنين طويلة إلى أن جار السكان على المياه الجوفية بحفر الحفريات والارتوازيات بهدف التوسع بزراعة السقي. لا زال صوت شخيب العيون و هي تُسقط مائها في ذاكرتي، كان هذا الصوت يحدث بعد نشل كمية كبيرة من الماء مثل سقيا قطعان الغنم في العصريات.
قالت أمي كنتَ قد تعلمت للتو الجلوس، وكنت قد أجلستك في فيء الدار على طراحة صغيرة و الدنيا ضحى، و وضعت وسائدك الصغيرة واحدة خلفك و الأخريين كل واحدة إلى جنب من جنبيك، و وضعت بيدك "عاجة" من خام ملون محشوة بالقطن، و في العادة كان هذا كل ما يلزمك كي تتلهّى وتبقى صامتاً لا تبكي.
غالباً ما تتناب امرأتان على عملية الدقّ على الحب في جوف الجرن. تضربان بمياجن من خشب غليظ ثقيل باتساق و بتواتر منتظم.
لا يبعد الجرن حيث لـمّة النساء عن طرف بيتنا سوى مائة أو مائة وخمسين خطوة.
فجأة انتبهت إحدى النساء و أشارت إليّ. سمعت القصة منهن جميعاً. يقلن أنني كنت أفرفح بيدي مسروراً كما لو أنني ألعب مع القطة. كانت القطة، قطتنا، أمامي واقفة على قائمتيها الخلفيتين، و إحدى قوائمها الأمامية على أنفها وبالأخرى تضرب في الهواء باستمرار. كنّ يرين كيف تتمايل القطة وتناور ثم تضرب وتضرب. قلْن أنهن فرطن من الضحك على فَرْفَحتي في الهواء مثل جلعوط فرح ينتظر الزق من أمه، و على حركات القطة الغريبة الراقصة.
و فجأة أيضاً قالت إحدى النسوة العارفات المجربات: "حيّة حيّة... البِسّة تكاوِنْ حية".
يقلن جمدنا لحظة، و فهمنا فهجمنا عشيرة من النساء نلوح بالعصيّ و المياجن ونصرخ بأصوات مبحوحة. و فعلاً كانت الأفعى هنا و كانت القطة لا تزال في استنفارها مقوسة الظهر مكشرة وهي تصدر أصواتاً لا تشبه المواء، وكنتُ أنا ما أزال أرفرف بيدي الصغيرتين مسروراً بالمشهد، محولاً رأسي الصغير بين قطيع النساء تارة وبين قطّتي تارة أخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعاون مثمر بين نقابة الصحفيين و الممثلين بشأن تنظيم العزاءا


.. الفنان أيمن عزب : مشكلتنا مع دخلات مهنة الصحافة ونحارب مجه




.. المخرج المغربي جواد غالب يحارب التطرف في فيلمه- أمل - • فران


.. الفنان أحمد عبدالعزيز يجبر بخاطر شاب ذوى الهمم صاحب واقعة ال




.. غيرته الفكرية عرضته لعقوبات صارمة