الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التوتر بين الثقافي والحقوقي وإشكال عقلنة مستقبل حقوق الإنسان بالجنوب الشرقي المغربي

لحسن ايت الفقيه
(Ait -elfakih Lahcen)

2018 / 12 / 10
حقوق الانسان


في كل الأوساط الثقافية التقليدية، حيث تسود البنى القبلية المغلقة، يصعب إعمال حقوق الإنسان، أو الحق الطبيعي حين يجري تكييفه إلى القانون الطبيعي. فكلما واجهت الثقافة الطبيعة يحصل توتر عنيف لا يتلاشى، إلا بإعلان انتصار الثقافي، تلك هي طبيعة جدلية الانغلاق والانفتاح على الدوام. فحينما نصادف حقوق الإنسان تزاح جانبا، وينتصر العرف، وتتأسس الجريمة على الثقافة، لا مجال للديموقراطية وحقوق الإنسان. إنها إشكالية معقدة، طالما يعبر عنها بثنائية الخصوصي والكوني. ويعنينا بسط ملاحظة مفادها أن كل الخطط التي تنجز في المركز تقبر في الهامش، بعد أن تصدها القيم الثقافية صدودا. ومرد ذلك إلى أن هذه الخطط، لا تستحضر الثقافي ولا تنتبه إلى الهوية الثقافية للجماعات السكانية، لأنها لا تستحضر التعدد الثقافي الذي يفرض الإيمان بالاختلاف، وليس بالقوة والتعسف. ولنا في خطة العمل الوطنية في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان بالمغرب خير شاهد، حينما أريد قياس مدى إمكانية تنزيل تدابيرها بالهامش من لدن المجتمع المدني. أريد بسط موقف شخصي على شكل انطباعات نشأت من التجربة. ولم يكن روم هذا المقال تبخيس الأشخاص الذاتيين والمعنويين أشياءهم، إلا أن (شيئا من حتى بقي، في ذهني عالقا)، متصلا بالصعوبات التي تواجه إعمال حقوق الإنسان بالجنوب الشرقي المغربي، الذي أريد له أن يحمل اسم جهة درعة تافيلالت، في التقطيع الترابي الأخير. من أين أتاني القلق؟
دعيت من لدن الإخوة في المنتدى المدني للتنمية وحقوق الإنسان، بصفته جمعية حاملة «مشروع الأجندة المدنية لرصد مضامين خطة العمل الوطنية في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان وتتبعها وتفعيلها في السياسات العمومية وبرامج عمل الجماعات الترابية بجهة درعة تافيلالت». صاحب استجابتي للدعوة، أن جرى تكليفي بالمشاركة في الندوات المنظمة بأقاليم الجهة، الرشيدية، وميدلت، وتينغير، وورزازات (مع إقليم زاكورة)، بما هي مكون من مكونة المشروع، ولقد حصل أن أديت المهمة على وجه مغلف بقصد سليم، ومتصل بالاعتقاد بعدالة القضية التي حملها المشروع.
ليس هناك ما يعاب على المشروع الذي «أتى في إطار الشراكة بين المنتدى (المذكور) ووزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان»، والذي «يندرج ضمن التوصية الخامسة لخطة العمل الوطنية في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان 2018- 2021»، وهي تروم «التعريف بالخطة على نطاق واسع، وبمختلف الوسائل، وتيسير الاطلاع عليها».
وإعمالا لتلك التوصية جرني المنتدى في تنقله إلى منصات الإلقاء والعرض والآداء بالأقاليم المذكورة، بدءا من إقليم الرشيدية مساء يوم الثلاثاء 16 من أكتوبر من العام 2018، ووقوفا لاستراحة المحارب بإقليم ورزازات صباح يوم السبت 08 من شهر شتنبر من العام 2018. كان تكليفي بمداخلة بسيطة للغاية سمتها «خطة العمل الوطنية في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان: السياق والمرجعيات».
ولأن المشروع لم يحمل ما يشان به، فكذلك الشأن بالنسبة للآداء. وأفصحُ أن لا لوم على المنظمين الإخوة أعضاء المنتدى المدني للتنمية وحقوق الإنسان. إنهم جنود عملوا بقصد سليم لغاية تنفيذ المشروع، لكن خطة العمل الوطنية في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان حملت ضمن مضامينها ما يعرقل تنفيذها، للتوتر الذي سيحصل بين تلك المضامين والوسط الثقافي بالجنوب الشرقي المغربي. ولا شك أن الأنساق الثقافية التي أرساها التراكم عبر قرون من الزمان لقادرة على التهام كل ما هو متصل بالحق الطبيعي، أو القانون الطبيعي. والخطة المذكورة تأتي، بما هي عقلنة للمستقبل الحقوقي في المغرب، وهو تخطيط لا يخرج عن رسم تصور معقلن لمستقبل الشيء انطلاقا من معطيات الواقع. ولا غرو، فكل تخطيط مؤسساتي لا يمكن أن يكون إلا عقلنة للآداء في المستقبل، انطلاقا من رؤية الحال.
صحيح أن خطة العمل الوطنية في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان انطلقت من فعل التشخيص ضمن ورشات منتظمة بفندق حسان بالرباط يوم 25 من شهر أبريل من العام 2008، و26 منه، وكانت مرجعياتها قائمة، فوق ذلك، على تقارير كنحو تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة وتقرير 50 سنة من التنمية البشرية في المغرب، والاستئناس بمجموعة من الخطط، كنحو الخطة الحكومية للمساواة في أفق المناصفة المدعوة إكرام2، وذلك يكفي، بلا شك، إن أريدَ تأدية الواجب على وجهه. ورغم ذلك، لم تحو الخطة التشخيص الدؤوب مما جردها من إمكانية التطوير الذاتي.
ينتظم هذا المقال في محورين: محور أفضل أن ألمس فيه سياق خطة العمل الوطنية في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان، ومحور سأقف فيه على العناصر التي قد تلتهم الكثير من تدابير الخطة، وتطرح سؤالا حول مدى إمكانية عقلنة مستقبل حقوق الإنسان بالجنوب الشرقي المغربي الذي يحمل في التقطيع الترابي اسم جهة درعة تافيلالت..
01- خطة العمل الوطنية المغربية: السياق والمرجعيات
سأرسم في هذا المحور نص المداخلة التي ألقيتها بمدينة ورزازات صباح يوم السبت 08 من شهر دجنبر من العام 2018. وهي كالتالي:« استقر رأي ترجمة عبارة خطة العمل الوطنية في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان إلى الأمازيغية على الصيغة التالية: (aɣawas anamur n tdimuqratiyt d izrfan u fgan). ⵊ تعني (aɣawas) بالأمازيغية الخطة، وتعني (taɣawsa) القضية أو الشيء. يقول الشاعر الأمازيغي:
mƔar ihla ca ad ig amm wayyur
taƔasa tar lƐib ur talli
تفسيره:
ولو حسُن الشيء فأضحى يشبه القمر.
لا توجد قضية تخلو من العيوب
أحب انطلاق من مغزى البيت الشعري الأمازيغي، أن أتناول خطة العمل الوطنية في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان من حيث سياقها بما يطرح إشكالية. ولا أحب أن أعيد طرح ذلك الجدل الذي أثير في الخمسينيات من القرن الماضي حول كيفية الانتقال من مرحلة تاريخية إلى أخرى. فمن خلال ذلك النقاش برزت إشكالية: أي التناقضات أقوى في الانتقال، التناقض الخارجي أم التناقض الداخلي ؟ هناك من يرى أن التناقض الخارجي رئيسي في الانتقال من عصر إلى آخر، وهناك من تشبت بالتناقض الداخلي. ذروني أتفق مع هنري بيرين الذي رجح التناقض الخارجي مؤثرا فعالا، فحصل التغيير تدريجيا عن طريق الدفعات. وكلنا يعلم أننا نعيش، في عصرنا، مدا حقوقيا لا مثيل له، وذلك بفعل التدخل الخارجي إن بالتشجيع أو التهديد، وله الفضل في توجيه ثلة من الدول إلى احترام حقوق الإنسان.
شكلت سنة 1989 نهاية للنظرية الاستيعابية التي حملتها اتفاقية منظمة العمل الدولية، رقم 107 سنة 1957، بشأن حماية السكان الأصليين وغيرهم من السكان القبليين وغير القبليين، وإدماجهم في المجتمع العام للبلدان المستقل، إذ تهدف إلى «توفير إمكانات الاندماج الوطني»، أي: الاستيعاب، مع إشارتها، في المادة 2، إلى أنه «لا يجوز اللجوء إلى أساليب القوة والقسر كوسيلة للتعجيل بإدماج هؤلاء السكان في المجتمع الوطني». هدفت اتفاقية منظمة العمل الدولية المذكورة إلى طمس ثقافة الشعوب الأصلية ومحو هويتهم. انطلق عصر التعدد الثقافي ومأسسة حقوق الإنسان. وحصلت بعد، مضي أربع سنوات فقط، تحولا تُرى في انهيار الاتحاد السوفياتي، ونهاية العصر الباردة أو نهاية التاريخ حسن تعبير فرانسيس فوكوياما، فكاد كل شيء أن ينهار، وكاد كل شيء أن يتأسس من جديد، وفي هده الأجواء انعقد مؤتمر فيينا سنة 1993 لذلك شهد العصر هيمنة التعددية والهوية الثقافية.
حمل مؤتمر فيينا أربع عناصر بارزة في مسار التحول الذي شهده المغرب، كنحو عقلنة مستقبل حقوق الإنسان بالتخطيط ومأسسة حقوق الإنسان ومناهضة العنف ضد المرأة، فضلا عن التعدد الثقافي الذي سلفت إليه الإشارة.
أ‌- عقلنة مستقبل حقوق الإنسان
لعقلنة مستقبل حقوق الإنسان اعتمد مؤتمر فيينا مقترح أستراليا إعداد خطط عملية حول حقوق الإنسان، وكان إحدى توصياته. بيان التوصية بالحرف: «يوصي المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان بأن تنظر كل دولة في صياغة خطة عمل وطنية تبين الخطوات التي ستحسن بها الدولة بها تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها». وتقضي الخطة أن تبين الدولة الخطوات التي ستحسن بها الدولة تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، وأن تضع تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها في صلب السياسات العمومية، فإذا فعلت الدولة المغربية فعله تجد نفسها قد رسمت هيكل خطة العمل الوطنية في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان. إن إعداد الخطة لا يجري مفردا، ولا يتأسس على الأفكار وحدها. إنه فعل جماعي مؤسساتي ناتج عن التشاور والتماري وتبادل الرأي بين الوزارات والنقابات والمجتمع المدني والمؤسسات الوطنية. والخطة، بعبارة أخرى، تخطيط مؤسساتي يروم تفعيل المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
من مراجع خطة العمل الوطنية في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومضامين دستور سنة 2011، فضلا عن الاتفاقيات الجهوية. وتعمد خطة العمل الوطنية في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان على تقريرين مهمين:
- تقرير 50 سنة من التنمية البشرية في المغرب وآفاق سنة 2025، إذ يبسط عدة معرفية مرجعية، بما هي خلاصة تحليل علمي لحصيلة السياسات العمومية، في المغرب، في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ويقترح التقرير مسالك لاستشراف المستقبل، وتحديد المقاربات بغية إرساء شروط تنمية بشرية مستدامة مبنية على مشاركة واسعة للمواطنين والمواطنات في البرامج التنموية، وترسيخ قواعد حكامة عمومية وديموقراطية محلية وتوفير ظروف الاندماج في مسار مجتمع ديموقراطي.
- تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة الذي يعد، بالحق، مرجعا حقوقيا اعتمده دستور 2011، وسجلا للعدالة الانتقالية المغربية، إذ تحقق الانتقال من ماضي حقوقي تطبعه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، إلى حاضر تصالحت فيه الدولة مع ثلة من المواطنين الذين تعرضوا للانتهاك، فكانت المناسبة إعادة الثقة في الدولة وترسيخ أسس متينة للانتقال الديموقراطي.
كل مراجع خطة العمل الوطنية في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان جعلت من سمتها أنها تخطيط إستراتيجي مؤسساتي يهدف إلى إلى رسم السياسة على أسس الحق بدل الحاجة. إنه التخطيط الذي يعزز حقوق الإنسان ويحميها ويوطد الديموقراطية. وكلتا الممارستين الحقوقية والديموقراطية متمازجتين، إن لم نقل إنهما وجهان لعملة واحدة.
وتأتي خطة العمل الوطنية في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان لضمان الانسجام بين مختلف البرامج كتلك التي تروم تحسين ظروف عيش الأفراد، وتنشد تحقيق التماسك الاجتماعي وتنصب على التنمبة في كل مجالاتها، وتعتمد الحكامة الجيدة مقاربة لها من حيث المنهج.
ب‌- إرساء الديموقراطية ومأسسة حقوق الإنسان
صاحب السياق الدولي لخطة العمل الوطني في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان ،
انطلقت الخطة أجرأتها سنة 2018، وحصل بعد مضي 10 أشهر من زمان السنة الجارية تفعيل التدبير رقم 53 باعتماد مشروع يقضي تغيير المادتين 66 من قانون المسطرة الجنائية و460 منها، وذلك بإدراج إطعام الموقوفين في الحراسة النظرية في في المتن. ويعنينا أن مسار خطة العمل الوطنية في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان، يستصحب معه ويتقاطع وجوبا مع مسلسل إرساء الديموقراطية وحقوق الإنسان في المغرب. تزامنت توصية مؤتمر فيينا والممارسة الحقوقية في المغرب المتجلية في مأسسة حقوق الإنسان بإحداث المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان يوم 08 من شهر مايو من العام 1990، وإحداث ديوان المظالم، بمقتضى ظهير 10 من شهر دجنبر من العام 2001، لينهض بالوساطة بين الإدارة والمواطنين، وبين الإدارة وأي هيئة لها صلاحية السلطة العمومية. يقوم ديوان المظالم بالتحريات اللازمة مكن وقائع الأفعال ومدى التضررات الحاصلة. وإلى جانب المؤسستين جرى إنشاء مجلس الجالية المغربية في الخارج يوم 21 من شهر دجنبر من العام 2007 لغاية المراجعة الجذرية لسياسة الهجرة وذلك بإحداث جهاز ذي قوة اقتراحية يعنى بالسياسات العمومية التي تعني المغاربة المقيمين بالخارج، وخاصة في مجال الدين والهوية الثقافية.
وإلى جانب التأسيس انطلق مسلسل الإصلاحات والدمقرطة بإحداث المحاكم الإدارية وتغيير كثير من مقتضيات المسطرة الجنائية، والتمييز بين المعتقلين السياسيين ومعتقلي الحق العام، وتمييز حالة السجون وإعداد دراسات حول الاختفاء القسري، وجرى إصلاح مدونة الأسرة، وتجريم التحرش الجنسي.
ج‌- خطط العمل الوطنية: المضمون والأهداف
حملت خطة العمل الوطنية أسماء متعددة تنسجم والأسس التي اعتمدتها الدولة لبناء خطتها. ولنبين بعض الأمثلة:
حملت خطة الدول، استراليا، والبرازيل، وغواتيمالا، وأندونيسيا، وكازخيستا اسم «خطة العمل الوطنية لحقوق الإنسان». وتحب جمهورية أذربيجان «البرنامج الوطني للعمل من أجل رفع فعالية جماية حقوق الإنسان» اسما لخطتها، وفضلت الرأس الأخضر اسم« خطة العمل الوطنية لحقوق الإنسان والمواطنة». واستقر رأي موريتانيا على تسمية خطتها «برنامج العمل الوطني للنهوض بحقوق الإنسان وحمايتها». وتحب الصين أن تنفرد خطتها بهذا الاسم: «خطة العمل الصينية الوطنية لحقوق الإنسان».
وكما تعددت الأسماء التي تحملها خطط العمل الوطنية، تعددت مجالاتها، ولنأخذ بعض الأمثلة:
أعدت لبنان « خطة عمل وطنية لحقوق الإنسان». والناظر فيها يلمس شبها بينها وبين الخطة المغربية، من حيث مجالاتها، إذ تضم 21 موضوعا، كنحو استقلال القضاء، والسجون، وأماكن التوقيف، والحق في الصحة والتعليم والسكن والثقافة، وحقوق الطفل، وعقوبة الإعدام.
تضم «البرامج الوطنية لحماية حقوق الإنسان وتعزيزها» بموريتانيا فصلين أحدهما ينصب حول عناصر التشخيص، وتلمس الأخرى النهوض بحماية حقوق الإنسان وحمايتها وأهدافها والإطار المؤسساتي. وتستحضر الخطة الموريتانية الأولويات باعتماد التشخيص.
وإذا نظرنا في «برنامج العمل الوطني لحقوق الإنسان» لدولة الإكوادور، نلفى أجيالا حقوقية، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والحقوق الجماعية كنحو حقوق الشعوب الأصيلة، ووسائل الاتصال، وحقوق الإنسان المتصلة بالجماعة السكانية، من ذلك حقوق الأسرة والأطفال وحقوق النساء والمسنين، وحقوق الأقليات ذات الميولات الجنسية مثل المثليين، وحقوق الأجانب.
وركزت خطة العمل الوطنية الأسترالية على التعدد الثقافي، وحماية حقوق الإنسان في أستراليا بجميع أجياله والنهوض بها، ولم تغفل الحقوق الفئوية التي تخص الأطفال والنساء والشباب.
وفي الأخير تجدر الإشارة إلى «خطة العمل الوطنية لتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها» بجنوب أفريقيا التي تعرف اختصارا ب(NAP)، وتركز على الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحقوق التنموية، كم تركز جنوب أفريقيا على الجريمة لاستفحالها، وعلى الحكامة الأمنية وعلى الولوج إلى القضاء.
د– بنية خطة العمل الوطنية في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان
انطلق ورش خطة العمل الوطنية في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان يوم 25 من شهر أبريل من العام 2008، و26 منه في ظرف كلائم لانطلاق إعدادها، وحصل إرساء هياكلها وتحيينها عدة مرات.
تنتظم الخطة، في البدء، في توصيات تحولت، من بعد، إلى تدابير مستقر عدده في الصيغة الأولى في 215 تدبيرا، ليرتفع في العقبى بفعل التحيين المتكرر والمراجعة، إلى 430 . ولقد أريد لتلك التدابير أن ترتب في أربعة محاور:
- محور الحكامة والديموقراطية: يروم المحور تمكين المواطنين من تقوية قدراتهم، والمشاركة في تدبير الشأن العام، واحترام حقوق الإنسان، والمساواة وتكافؤ الفرص، وإعمال طرق الحكامة الجيدة، وإعادة بناء العلاقة بين المواطنين وأجهزة الدولة، وإعادة العلاقة بين المواطنين والهيئة المنتخبة.
- محور الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية: ينصب هذا المحور على البيئة والتربية والسكن والصحة والشغل والحقوق الثقافية واللغوية.
ج- محور الحقوق الفئوية والنهوض بها: ارتكز على شأن كل الفئات، كنحو الأشخاص المسنين والمهاجرين والأطفال والنساء المعنفات والشغل المتصل بهؤلاء.
- محور الإطار القانوني والمؤسساتي:
لاتزال صلاحيات المؤسسات الوطنية والهيئات في حاجة إلى تقوية القضاء وتعزيزه، إذ يحتاج إلى إصلاح، فضلا عن الحاجة إلى تقوية الضمانة الدستورية لحقوق الإنسان بتنزيلها قوانين ملزمة.
وعلى الرغم من وضوح مجالات الخطة وبساطتها، فإن فهمها لن يتعمق بدون سلك مسارها، والوقوف عند أساسها المرجعي والاشتغال على إعدادها، والوصول إلى تحيينها المتكرر، ثم الأجرأة».
02- التوتر بين الثقافي والحقوقي وإشكال عقلنة مستقبل حقوق الإنسان بالجنوب الشرقي المغربي
المتصفح لنص خطة العمل الوطنية في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان سيصادف مجالات يصعب تنزيلها لصلتها ومجالات أخرى، وإن لم تذكر في الخطة، فهي حاضرة في سياق الممارسة الحقوقية.
أ‌- فضاء المرأة
تشكل المرأة بالجنوب الشرقي المغربي فضاء للممارسة الثقافية والحقوقية. ولقد كانت المرأة قبل عصر التحولات وظلت مغلفة بغلاف ثقافي من القيم مجسد في مجموعة من التقاليد الشفاهية، والأعراف، أضفت عليها نوعا من التحصين. ومما لا شك فيه أن مس هذه القيم يعني انتهاك التقاليد الشفاهية أو المس بالهوية الثقافية. ولئن كان المغرب اجتهد في هذا الجانب بشكل ينسجم ومضمون إعلان فيينا وبرنامج عملها، الذي حسب العنف ضد المرأة انتهاكا من انتهاكات حقوق الإنسان الأساسية، وحمل مفهوم العناية الواجبة، أي:«مسؤولية الدولة في محاربة العنف القائم على النوع الاجتماعي»، ويتعين على الدول لذات المبتغى أن «تجتهد الاجتهاد الواجب في درء أفعال العنف على المرأة والتحقيق فيها والمعاقبة عليها، وفقا للقوانين الوطنية، سواء ارتكبت الدولة هذه الأفعال، أو ارتكبها الأفراد»؛
ولئن ظل المغرب، أمدا بعيدا، يصلح على المستوى القانوني رجاء في التوافر على قانون خاص بمحاربة العنف ضد المرأة، ينسجم والمعايير الدولية منذ سنة 2006، وتوفق في شهر نونبر من العام 2013، في تحرير مسودة قانون 103/13 أصبحت بيد الحكومة معروضة للنقد والتمحيص؛
لا يزال مجال المرأة مملوءا بمجموعة من العراقيل. وكلنا يعلم أن القانون 103/13، وقد أصبح مرجعا مفعولا، ابتداء من يوم 12 من شهر شتنبر من العام 2018، ينص على تجريم أفعال تبدو عنفا يلحق المرأة، من ذلك التحرش الجنسي، والإكراه على الزواج، والمضي أبعد من ذلك بتجريم بمحاربة كل من أمعن في مضايقة الغير في الأماكن العامة، أو غيرها من أفعال أو أقوال، أو إشارات ذات طبيعة جنسية، أو لأغراض جنسية، وهو القانون رغم ما يؤخذ عليه، يمكن القول إنه يعتني بالمرأة، ويعد إنجازا يضاهي مدونة الأسرة.
وبموازة ذلك، حملت خطة العمل الوطنية في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان تدبير «تعزيز حماية النساء ضد العنف على مستوى التشريع والسياسة الجنائية الوطنية» (التدبير رقم 382)، فضلا عن «الإسراع بإصدار القانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء»، (التدبير رقم 383). ولا يمكن إلا أن نظن أن القانون 103/13، قد نزله هذا التدبير (التدبير رقم 383) تنزيلا، ابتداء من يوم 12 من شهر شتنبر من العام 2018. وينسحب الموقف نفسه على تدبير «تعزيز الضمانات القانونية المتعلقة بتجريم التحرش الجنسي»، (التدبير رقم 386) . فإذا تمعنا فيما حمله القانون 103/13، وتدابير خطة العمل الوطنية في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان، مقارنة كل ذلك بالسياق الثقافي بالجنوب الشرقي المغربي، نلفى أن هناك بعض المبادرات الإيجابية، وإن أحاطت بها بعض المثبطات، كنحو بلوغ امرأة منصب رئاسة الجماعة الترابية بكل من إقليم زاكورة وإقليم ميدلت وتعيين امرأة رئيسة للجنة الجهوية لحقوق الإنسان، التابعة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، يوم 23 من شهر يناير من العام 2012. وبالمقابل، لا يزال تعنيف المرأة وجها من أوجه الكرامة لدى الرجال، من ذلك حرمانها من النفاقة، وهجرتها عقابا لها في المضجع، وإبعادها عن الأسرة إذا حصل أن حبلت خارج المؤسسة الزوجية، وحملت صفة (الأم العازبة)، وهي صفة ذات حمولة ثقافية قدحية. وإذا تجولت في بعض الأوساط القبلية ستجد تقليد (تقرفيت)، أي: الحب البارد بالأمازيغية، وهو سلوك يمكن القياس عليه أحكام التحرش الجنسي في القانون 103/13، وهل بمقتضى هذه الأحكام سيجري معاقبة ثلة من القبائل بالجنوب الشرقي المغربي؟ أو ليست (تقرفيت) حقا من الحقوق الثقافية لهذه القبائل؟ فما السبيل إلى تنزيل تدابير خطة العمل الوطنية في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان ذات الصلة بالتحرش الجنسي؟
وعن زواج القاصرات بما هو عنف ضد المرأة، أريد أن أستحضر سؤال تلميذ بورزازات عقب علي أن ذكرت في مداخلتي بالحرف: (سلف تعديل الفقرة الثانية من المادة 475 من القانون الجنائي المغربي، في بحر سنة 2014، إثر المعركة التي قادتها جمعيات المجتمع المدني، فكانت النتيجة بعد التعديل أن لا سبيل اليوم، في المغرب، لمرتكب جريمة الاغتصاب، إن ابتغى درء المتابعة القانونية على جريمة الاغتصاب، إن كان سن الضحية يقل عن 18 سنة، فالمتابعة قائمة، لا مفر منها). أقول عقب التلميذ، بالحرف: لكن يا أستاذ ما مصير البنت القاصر المعرضة للاغتصاب؟ لا أحد سيقدم على التزوج بها، ذلك أن القيم الثقافية بالجنوب الشرقي المغربي تحسبها امرأة غير محصنة، لذلك كان أولى بالدولة، يقول التلميذ، أن تحافظ على الفقرة الثانية من المادة 475 من القانون الجنائي. وفوق ذلك، يجري زواج القاصرات بشكل جماعي في ثلة من الأوساط، فهل يحق معاقبة هذه القبائل، إن هي تنظم نفسها بأعراف مرجعياتها تعود إلى ما قبل وصول ديانات التوحيد بلاد المغرب؟
ب‌- الحكامة الأمنية
جرى في مجال الحكامة الأمنية إعمال التدبير رقم 53 من خطة العمل الوطنية في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان، وذلك بالمصادقة يوم 25 من شهر أكتوبر من العام 2018 على مشروع قانون ذي الصلة بالتدبير المذكور، أي:«العمل على تأمين تغذية الأشخاص الموضوعين رهن الحراسة النظرية». إنه تدبير يخفف من المعاناة في طور ما قبل المحاكمة، إلا أن الحكامة الأمنية لم تغش أماكن التوقيف، فقد تلفى منها التي لا تليق بالسلامة الصحية للإنسان، وقد يسئ معاملة المتهم. وكثر الذين يعرضون على المحكمة وهم لا يعلمون شيئا عن المحاضر التي أنجزتها الضابطة القضائية ضدهم، إن هم لا يعرفون القراءة والكتابة، وما أكثر الذين لا يعرفون العربية. لذلك حسن الحرص على:«مراجعة المقتضيات القانونية بما يسمح بمرافقة الدفاع للشخص المعتقل بمجرد وضعه تحت الحراسة النظرية لدى الضابطة القضائية» (التدبير رقم 45). ولأن معظم الموقوفين يزعمون بالحق أو بالباطل أنهم معنفون وجبت «مراجعة المقتضيات القانونية بما يضمن إلزامية إجراء الخبرة الطبية في حالة ادعاء بالتعرض للتعذيب، واعتبار المحاضر المنجزة باطلة في حالة رفض إجرائها بعد طلبها من طرف المتهم أو دفاعه» (التدبير 47). وهناك مجالات لزم أن تمتد إليها الحكامة الأمنية بجهة درعة تافيلالت كنحو «تعزيز إجراءات حماية محيط المؤسسات التعليمية لحماية الأطفال واليافعين من أخطار المخدرات ومروجيها»، ومن ذلك أيضا ترشيد الحراسة بمحيط المؤسسات التعليمية، أن تكون تربوية، فمن الحراس من يشطط ويمارس جرم التحرش الجنسي أو المضايقة.
ج- الحماية القانونية:
تعاني الممارسة القانونية وخاصة في مجال التسيير الإداري من الهشاشة. وهناك من يقدم على رفع الشكايات ولا جواب لها، مما يقضي: «الإسراع بوضع منظومة مندمجة لمعالجة الشكايات بحقوق المرتفقين» (التدبير 373).صحيح أن مرسوما نزل يوم 23 من يونيو من العام 2017، رقمه 2.17.265 بتحديد كيفية ملاحظة المرتفقين واقتراحاتهم وشكاياتهم وتتبعها ومعالجتها لكن جل المؤسسات الإقليمية بجهة درعة تافيلالت تفضل ألا تجيب على الشكايات.
وقبل نزول قانون 103/13 الذي يجرم التحرش الجنسي، أقدمت مصلحة إقليمية تابعة لوزارة التربية الوطنية على توقيف مدير مدرسة ابتدائية يوم 12 من شهر شتنبر من العام 2017، ورغم حصوله على البراءة من لدن المحكمة لمتابعته لأجل ارتكاب جنحة التحرش الجنسي طبقا للفصل 503-1 من القانون الجنائي المغربي، والحال أن في الفصل موضوع المتابعة، وفي فقرته الأولى، بالضبط، يشترط لتوقيع العقاب لأجل جنحة التحرش الجنسي استعمال ضد الغير أوامر أو تهديدات أو وسائل للإكراه، أو أي وسيلة أخرى مع استعمال السلطة التي تخولها له مهامه، لأغراض ذات طبيعة جنسية. ورأت المحكمة أنه بناء على مجموعة من الحيثيات تصرح بعدم مؤاخذة المتهم من أجل ما نسب إليه، والتصريح ببراءته. والناظر أن حكم إدارة التعليم أسبق من الحكم القضائي، وأسبق من حكم المجلس التأديبي، إذ أقدمت على توقيف السيد المدير مؤقتا وبدون أجر منذ 12 من شهر شتنبر من العام 2017، وتلك واحدة من الأكراهات التي تحول دون التنزيل السليم لخطة العمل الوطنية في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان. وحصل يوم 05 من شهر أكتوبر من العام 2018 توقيف أستاذ بناء على الشنآن الحاصل بينه وبين مدير المؤسسة، من سمة الشنآن بين المواطنين، لذلك عرض على القضاء. لم تتردد الإدارة الإقليمية في توقيفه قبل عرضه على المجلس التأديبي يوم 28 من شهر نونبر ليصدر قرار توقيفه لمدة أربعة أشهر. ولقد حصل من قبل التقاضي بين موظف كان اشتغل بأسلاك وزارة التربية الوطنية بصفته أستاذ التعليم الابتدائي منذ سنة 1985 إلى غاية سنة2001، لينتقل إلى شغل مناصب إدارية بصفته رئيسا لمصلحة بالأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين منذ سنة 2001، إلى يوم 31 من شهر يوليوز من العام 2017 حيث حصل تبليغه بقرار حمل عقوبة في حقه تتمثل في إقصائه مؤقتا عن العمل لمدة ثلاثة أشهر مع الحرمان من كل أجره باستثناء التعويضات العائلية. وحكمت المحكمة بإلغاء القرار المذكور يوم 24 من شهر يوليوز من العام 2018. ويعنينا أن ثلة من إدارات التربية الوطنية بالجنوب الشرقي المغربي تصدر قرارات عقابية قبل المجالس التأديبية، فوق أن هذه المجالس شفاهية لا تحرر نسخ الأحكام ولا تعلل قراراتها، مما تمس محور الحماية القانونية من خطة العمل الوطنية في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان.
ودون الاسترسال في الأمثلة، مادامت الغاية من النماذج تكمن في تيسير الفهم، نخلص إلى أن الثقافي مثبط لكل ما له صلة بحقوق الإنسان لحصول التوتر بينهما، إذ هو امتداد لذلك الصراع التقليدي بين الطبيعة والثقافة. ومعنى ذلك أن تنزيل خطة العمل الوطنية في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان بالجنوب الشرقي المغربي يقضي مرور الوسط بمجموعة من التحولات التنموية تمس بالتغيير العقليات المتشبعة بقيم الثقافة غير العالمة المثبطة لإعمال حقوق الإنسان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة اعتقال فتاة فلسطينية من بلدة كفر مالك شرق رام الله


.. مفوض عام وكالة الأونروا يحذر من مجاعة بعد تردي الأوضاع في غز




.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - مفوض عام الأونروا يحذر من أن المج


.. اعتقال رئيسة وكالة مكافحة الفساد في الجبل الأسود بتهم تتعلق




.. لازاريني: المجاعة -تحكم قبضتها- على قطاع غزة • فرانس 24