الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس : رئيس تحت التهديد.

فريد العليبي

2018 / 12 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


‏ عندما يجتمع مجلس الأمن القومي في تونس ويلقي رئيس الدولة خلاله كلمة بمثل تلك الحدة فإن حدثا ‏جللا قد حصل ، أو في طريقه لكي يحصل ، ومناسبة الكلمة كانت الكشف عن الجهاز السري ، وهى ‏تؤكد احتداد الازمة السياسية ، التي خلافا لما تقوله حركة النهضة ورئيس الحكومة المتحالف معها عن ‏نهايتها بتغيير بعض الوزراء فإنها تتفاقم . ‏
ويدرك رئيس الدولة أن النهضة وضعت يدها على الحكومة والبرلمان ، وهي في طريقها للسيطرة على ‏قصر قرطاج ، بما يؤكد فرضية الانقلاب الصامت ، لذلك يحاول قطع الطريق أمامها باستثمار ما في يده ‏من أوراق ، ومنها ورقتي الجهاز السري والانقلاب ، ووضعهما بين يدي القضاء العسكري.‏
وقول الرئيس إن حركة النهضة وجهت اليه تهديدات في بيانها المؤرخ في 26 نوفمبر 2018 يؤكد ‏عمق الخلاف معها ، وهى التي اتهمت الرئاسة بترويج أكاذيب وتوظيف القضاء لغايات سياسية الخ...وقد ‏أجاب هو عن التهديد بالتعبير صراحة عن خيبة ظنه في تلك الحركة ، بذكر ‏‎ ‎عجز بيت من الشعر ‏العربي القديم ، جرى بعد ذلك مجرى الأمثال ، للإشارة الى من واتته الفرصة فاقتنصها ،عابثا سارحا ، ‏مرحا ، يقول فيه صاحبه الذي يرجح أنه طرفة ابن العبد مخاطبا قنبرة ( طائر ) أفلتت من فخ نصبه لها :‏‎ ‎خلا لك الجوّ فبيضي واصفري ( استعمل الباجي هنا كلمة فرخي ) فالنهضة خيبت أمل الرئيس الذي ‏وضع ثقته فيها منذ صفقة باريس، ودافع عنها في حضرة " الكبار " ، حتى إنه نفى مرة انتماءه اليها ‏لشدة اقترابه من شيخها ، صديقه الذي أكد أنه صوت له خلال الانتخابات الرئاسية الفارطة ولكنها قطعت ‏يده اليمنى ، ممثلة في رئيس حكومته ، الذي أضحى قبضة من قبضاتها ، تشهرها في وجه خصومها ، بما ‏في ذلك الرئيس نفسه ، وهى تتمادي في ذلك ، وبسيطرتها على قصر قرطاج عبر الانقلاب المفترض ، ‏تكون قد مرت من قطع اليد الى قطع الرأس !!.‏
ولكن ما لم يقله الباجي إلا تلميحا هو الأشد تعبيرا عن مقصده ، حيث يترك الخيبة جانبا ويتجه ناحية ‏مواجهة التهديد بالتهديد ، فقد كتب الشاعر الذي أحال اليه ، مخاطبا القنبرة اللئيمة :"لابدّ يوما أن ‏تُصادي فإصبري" ، بما فهم منه توعده النهضة بصيدها في الأخير، فقد قطعت يده و لن ينتظر حتى ‏تقطع رأسه !!.‏
‏ وهذا الصراع مرشح لمزيد التطورات خلال الأيام والأشهر القادمة ، وهو غير منفصل عن الأزمة ‏الاقتصادية الاجتماعية التي تهز البلاد ، وإقرار اتحاد الشغل الاضراب العام في جانفي المقبل . ورغم أن ‏البعض يحاول استثماره في صلة بالانتخابات القادمة إلا أنه قد يخرج عن السيطرة ، جراء الاحتجاجات ‏الاجتماعية المتصاعدة بين الفئات والجهات المحرومة ، وتغذيته من قبل قوى دولية وإقليمية وعربية ، ‏تسعى الى الاستفادة منه لحسم تناقضاتها في ساحة بعيدة عنها ، وهي تجد في تونس أرضا خصبة لذلك ‏‎.‎
ويبدو أن الباجي قائد السبسي قد اقترب من ادراك حقيقة مفادها أن من يلاعب الاسلام السياسي ويدخله ‏الى بيته يسقيه سمه ، فبورقيبة ذاق جرعة من ذلك السم ، وبن على أيضا ، وعربيا وقع كثيرون في الفخ ‏نفسه ، وشربوا من نفس الجرة ، ومن أشهرهم " الرئيس المؤمن " أنور السادات الذي قضى اغتيالا على ‏يد أولئك الذين أخرجهم من سجون عبد الناصر ومكنهم في أرض الكنانة فأفسدوها ، وعلى عبد الله صالح ‏في اليمن، الذي راقص ثعابين الاسلام السياسي من سنة وشيعة فانتهي نهاية بشعة على يدها فقد ‏استفاق بعد الأوان ، وواجه مصيره الذي كان ، وهناك أمثلة كثيرة أخرى.‏
وفي تونس يعرف عن الشيخ راشد الغنوشي ولعه بمخاتلة عدوه ، فالرجل صاحب ذهن مشبع بالتقية ، ‏وقلما يتطابق ظاهره مع باطنه ، وهو لا يفصح عما يفكر فيه إلا بعد أن يكون قد تجسد عملا ، متباهيا بما ‏أنجزه ، وهو لا يجد حرجا في قول وفعل الشئ وضده ، فبينما كان حزبه يهدد الرئيس ، كان هو يرسل ‏اليه وروده لتهنئته بعيد ميلاده ، وربما كان الباجي هذه المرة يضحك في سره ، وهو يستقبل الهدية ‏بانتباهه الى أن طائرة " التوافق " التي جناحاها النهضة والنداء كما وصفها الغنوشي، لم تطر أبدا في ‏سماء تونس، ومن طارت وحطت وتستعد لأكل كل حبات القمح التونسي ، هي " حمامة " الغنوشي دون ‏سواها ، وهو الذي دقت الآن ساعته ، لكى يدرك أن الحيلة في ترك الحيل .‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة شرقي نابلس وتحاصر أحياء في مدينة را


.. قيادي في حماس: الوساطة القطرية نجحت بالإفراج عن 115 أسير من




.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام