الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سؤال السيادة الوطنية في السياق اليمني الراهن.. دراسة تحليلية نقدية (3-10)

عيبان محمد السامعي

2018 / 12 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


الحلقة الثالثة:

أدوار الفاعلين الاقليميين والدوليين في اليمن:
قبل الشروع في تناول تلك الأدوار, يجدر بنا أن نوضح ــ وبشكل مختصر ــ المقصود بمفهوم الدور ومحدداته.
فالدور (Role) مفهوم مستل من علم الاجتماع ويعني مجمل النشاط والسلوك الذي يمارسه الفرد في المجتمع.
ونستخدم مصطلح الدور ــ هنا ــ للإشارة إلى مجمل النشاط والسلوك الذي تمارسه دولة ما انطلاقاً من اعتبارات براجماتية أو أيديولوجية, وقد يتضمن أبعاداً سلبية أو إيجابية أو خليطاً من الاثنين.
فيما يلي استعراض لأدوار الفاعلين الاقليميين والدوليين في اليمن:

أولاً: الدور الإيراني في اليمن:
شكّلت الثورة الإيرانية التي اندلعت عام 1979م انعطافة حادة في تاريخ إيران المعاصر, فقد أطاحت بنظام الشاه الموالي للغرب واستبدلته بنظام الملالي, يقف على رأسه المرشد الأعلى "الخميني", الذي ابتدع "ولاية الفقيه" كأيديولوجيا سياسية رسمية للنظام الجديد, وبناءً على هَديها صار المرشد "إماماً معصوماً" فوق النقد وفوق الدستور وفوق القوانين, بعبارة أخرى: جرى إضفاء القداسة على السياسة!
مع استتباب الوضع الداخلي في إيران بُعيد الثورة الخمينية, بدأ النظام الحاكم يمد بصره نحو المنطقة العربية بغيّة إيجاد موطئ قدم له, وفي سبيل تحقيق ذلك, وظّف النظام الإيراني خطاباً شعبوياً مخاتلاً لاستمالة الشارع العربي, وإظهار نفسه كمدافع عن القضية الفلسطينية, وكخصم لدود للدول الغربية أو "قوى الاستكبار العالمي", والترويج لنفسه بأنه يقود حالة انبعاث وصحوة اسلامية.
هذا الخطاب لامس شغاف بعض الشباب اليمني الزيدي الذي بدأ يتردد على إيران في الثمانينيّات بهدف الدراسة في المراكز الدينية بمدينة "قم", وكان من بين هؤلاء: حسين الحوثي مؤسس الحركة الحوثية ومحمد عزان مؤسس منتدى الشباب المؤمن, وهو منتدى هَدِفَ لإحياء المذهب الزيدي[30] كردة فعل لقيام مقبل بن هادي الوادعي الزعيم الروحي للسلفية اليمنية وبدعم من النظامين اليمني والسعودي بتأسيس معهد "دار الحديث" في منطقة دماج بمحافظة صعدة أقصى شمال اليمن تلك المحافظة التي توصف بـ"كرسي الزيدية".[31]
بدأ النفوذ الإيراني يظهر إلى السطح مع تحوّل الحركة الحوثية من حركة دعوية إلى حركة جهادية مسلحة, وشروعها بفرض سيطرتها على بعض المديريات التابعة لمحافظة صعدة, وانخراطها في ست جولات من الحروب الدامية خلال الأعوام (2004 – 2010م) ضد نظام علي عبدالله صالح, الذي وظّف هذا الصراع لتحقيق عدة أهداف آنية خاصة به, منها التهرّب من الاستحقاقات الداخلية, والتنصّل عن القيام بالإصلاحات الاقتصادية والسياسية, وابتزاز الخارج ولاسيما المملكة العربية السعودية بهدف الحصول على مساعدات مالية وتسليحية.
وتشير الكاتبة السياسية ميساء شجاع الدين إلى أنه منذ الجولة الرابعة من حروب صعدة التي اندلعت في حزيران/ يونيو عام 2007م, بدأت الحركة الحوثية "تأخذ شكلاً اكثر تنظيماً وتدريباً، وصارت تتلقى تدريبا عسكرياً واموالاً بشكل منتظم من إيران عن طريق حزب الله اللبناني".[32]
وفي الجولة السادسة من الحرب التي بدأت في آب/ أغسطس 2009م وانتهت في شباط/ فبراير 2010م تدخلت السعودية عسكرياً إلى جانب النظام اليمني ضد الحركة الحوثية, وفي المقابل اتخذت إيران موقفا اعلامياً صريحاً مؤيداً للحركة الحوثية.[33]
ويمكن سرد وقائع إضافية تكشف حالة تنامي النفوذ الإيراني في اليمن بالصورة الآتي:
- في تموز/ يوليو 2012م, أعلنت السلطات اليمنية عن ضبط شبكة تجسس إيرانية تدير عمليات تجسس في اليمن والقرن الإفريقي.
- في آذار/ مارس2013م أصدرت محكمة يمنية بحبس مواطنيّن يمنيين اثنين بتهمة التخابر مع إيران.
- مارست السفارة الإيرانية في صنعاء أنشطة استقطابية مكثفة بين عامي (2012 – 2014م), إذ تمكنت من استقطاب قيادات سياسية وعشائرية وناشطين شباب وتقديم الدعم المادي والإعلامي لهم, وتسفيرهم إلى لبنان وإيران وسوريا لتلقي دورات تدريبية سياسية وإعلامية.
كما تمكنت من استقطاب قيادات سياسية وشخصيات برلمانية وإدماجهم في شبكات مصالح انتفاعية وإنشاء منابر إعلامية وفضائيات أبرزها: قناة الساحات التي يديرها البرلماني سلطان السامعي, ودعم "جبهة إنقاذ الثورة" التي يتزّعمها البرلماني الليبرالي أحمد سيف حاشد. كما قدمت إيران تمويلاً سخياً لبعض تيارات الحراك الجنوبي التي ترفع شعار فك الارتباط.
- بتاريخ 23 كانون الثاني/ يناير 2013م, أعلنت السلطات اليمنية عن إلقائها القبض على سفينة "جيهان1" وهي سفينة إيرانية، محمّلة بالأسلحة كانت في طريقها إلى ميناء ميدي الذي يسيطر عليه الحوثيون.
- كثّفت إيران قبيل انقلاب 21 أيلول/ سبتمبر 2014م "وحدات التهريب الإيرانية التابعة لفيلق القدس (الوحدة 400 والوحدة 190) من تعزيز وجودها العسكري في اليمن من خلال إرسال خبراء وخلايا تجسس, فضلاً عن إرسال شحنات عسكرية لتعزيز قدرات جماعة الحوثي العسكرية, ومنها سفينة (جيهان واحد) الشهيرة التي كانت الحكومة اليمنية قد ألقت القبض عليها مطلع عام 2013م, وعلى متنها عشرات الأطنان من الأسلحة المتطورة القادرة على إسقاط طائرات عسكرية ومدنية, بالإضافة إلى مادتي (السي فور, والسوربتول) شديدتي الانفجار اللتين تخلطان مع مواد أخرى لصناعة القنابل والأحزمة الناسفة والعبوات المتفجرة."[34]
- عشية سقوط العاصمة اليمنية صنعاء بأيدي الحوثيين في أيلول/ سبتمبر 2014م, أدلى "علي رضا زاكاني" المسؤول الإيراني المقرّب من المرشد علي خامنئي بتصريح أفاد فيه بأن صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة التي دخلت في كنف إيران بعد بغداد وبيروت ودمشق.
- بُعيد انقلاب أيلول/ سبتمبر 2014م قامت اللجنة الثورية العليا (سلطة الانقلاب) بإبرام اتفاق مع إيران قضى بتوسيع وتطوير ميناء الحديدة (أكبر ميناء في اليمن)، وإنشاء جسر جوي بين صنعاء وطهران لتسيير 14 رحلة أسبوعية.
- قام حزب الله اللبناني بتقديم دعم لوجستي لمقاتلي الحركة الحوثية خلال الحرب الجارية, وقد بُثّت أشرطة فيديو على مواقع الانترنت والفضائيات التلفزيونية قيام قيادات ميدانية تنتمي لحزب الله بتدريب مقاتلين حوثيين.
- مع تناقص القدرة التسليحية للانقلابيين بفعل الضربات الجوية للتحالف العربي والتي دمرت جزءاً كبيراً من الترسانة العسكرية, والمعارك التي يخوضها الجيش الوطني وتمكّنه من استرداد مساحات واسعة من البلاد, لجأت إيران إلى تسيير شحنات عسكرية عبر الممرات البحرية, ابتداءً من مضيق هرمز, مروراً بميناء (بلاد البنط) الصومالي, ومنه إلى ميناء (الحديدة) اليمني على البحر الأحمر.[35] وقد تمكنت القوات البحرية التابعة للتحالف العربي من ضبط بعض السفن والقوارب المحملة بالأسلحة والمعدات العسكرية كانت في طريقها إلى ميناء الحديدة. وهناك شكوك من أن تدفق السلاح للحوثيين يأتي أيضاً من خط آخر, من بحر العرب عبر سلطنة عُمان إلى محافظة المهرة الواقعة شرق اليمن.
- ويُعتقد على نطاق واسع أن إيران قدمت للحوثيين دعماً لوجستياً وتقنياً أمكنهم من تطوير قدرة الصواريخ الباليستية التي كانت بحوزة الجيش السابق, حتى باتت هذه الصواريخ قادرة على ضرب العمق السعودي.
- وفي هذا السياق, أكد تقرير فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن الدولي الصادر بتاريخ 26 كانون الثاني/ يناير 2018م أن الحوثيين يتلقون دعماً مستمراً من إيران, مفيداً أنه "وثَّق مخلفات قذائف ومعدات عسكرية متصلة بها, وطائرات عسكرية مسيّرة من دون طيار ذات أصل إيراني جُلبت إلى اليمن". وأن إيران قامت بإمداد الحوثيين بقذائف تسايرية قصيرة المدى من نوع بركان 2ح (2H-Borkan) وطائرات من دون طيار من نوع (أبابيل ـ T).[36]
ويرمي النظام الإيراني من خلال هذه النشاطات إلى تحقيق جملة أهداف في اليمن, أهمها:
1- إيجاد موطئ قدم له في اليمن, والاستفادة من موقعها الجيوسياسي, والتحكّم بمضيق باب المندب لاستكمال حلقات السيطرة على خط الملاحة الدولية الذي يمتد من الخليج مروراً ببحر العرب فالبحر الأحمر, بعد أن بسط هيمنته على مضيق هرمز واستمرار احتلاله لجزر إماراتية, هي: الطنب الكبرى والطنب الصغرى وجزيرة أبي موسى.
2- استخدام الحركة الحوثية كمخلب قط لإلحاق الأذى بالسعودية, ووضع السعودية بين فكي كماشة بعد أن باتت العراق تحت النفوذ الإيراني المطلق.
3- كسب أوراق تمكّن النظام الإيراني من تحسين شروطه التفاوضية مع الدول الغربية حول الملف النووي ورفع العقوبات الاقتصادية عنه. صحيحٌ أن صفقة الاتفاق النووي التي أبرمتها إيران مع الدول الغربية منتصف عام 2015م, قد أتاح لها لعب دور تأثيري واسع في المنطقة العربية ومنها اليمن. لكن الأصح أن إيران ما كان لها أن تتمتع بهذا النفوذ لولا "ضعف الدولة اليمنية, والاختلاف السياسي الداخلي, وغياب المشاريع الاستراتيجية للدول المجاورة, لاسيما دول الخليج"[37].
لقد استفادت إيران من هشاشة الدولة اليمنية, والفراغ السياسي الذي تركته الأحزاب السياسية, وغياب المشروع الوطني الجامع والانقسام السياسي الحاد في البلاد للقيام بأدوار سلبية ألحقت بالغ الضرر بالدولة اليمنية وبالكيان الاجتماعي الوطني وتأزيم منطقة الجزيرة العربية.

الهوامش والإحالات:
[30] ينظر: ميساء شجاع الدين, الحوثي وإيران: إصطفاف شيعي أم حلف سياسي؟, مقال.
[31] من المفيد هنا ذكر بعض التفاصيل: لقد كان مقبل الوادعي من المنتمين للمذهب الزيدي, وعندما ذهب إلى السعودية بحثاً عن مصدر للرزق, تأثر بالتعاليم الوهابية, وبدأت تتشكل لديه هوية جديدة, وقرر الالتحاق بالجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة حتى صار "مشبَّعاً" بالعقائد والأفكار الوهابية, بعدها عاد إلى اليمن مطلع ثمانينات القرن الفارط, وشرع بتأسيس دار الحديث بمنطقة دماج التابعة لمديرية الصفراء بمحافظة صعدة, المعقل التاريخي للزيدية. (للاستزادة, راجع: د.أحمد محمد الدغشي, السلفية في اليمن.. مدارسها ومرجعياتها العقائدية وتحالفاتها السياسية, مركز الجزيرة للدراسات والدار العربية للعلوم "ناشرون", ط1/2014م, ص32 وما بعدها.)
وبُعيد قيام الوادعي بتأسيس دار الحديث تنامت أهميته لدى السعودية, إذ ارتبط بعلاقات وطيدة بمسؤولين سعوديين ورجال مقربين من دوائر الحكم السعودي, أبرزهم ربيع بن هادي المدخلي. (د.أحمد محمد الدغشي, ص51).
ومما يكشف حجم أهمية الوادعي لدى النظام السعودي, عندما زار الوادعي بين عامي 2000- 2001م السعودية واستقبله مسؤولون سعوديون بحفاوة وكان في مقدمة هؤلاء وزير الداخلية ــ حينذاك ــ الأمير نايف بن عبدالعزيز, وعبدالعزيز آل الشيخ مفتي السعودية. (بتصرف: د. الدغشي, ص54)
[32] ميساء شجاع الدين, مرجع سابق.
[33] نفسه.
[34] عاتق جار الله, النفوذ الإيراني في اليمن, مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات, ص7.
[35] نفسه, ص18.
[36] راجع: نص التقرير متوفر على الرابط الآتي:
https://www.un.org/sc/suborg/ar/sanctions/2140/panel-of-experts/reports
[37] عاتق جار الله, مرجع سابق, ص8.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية


.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس




.. إيران تحذر إسرائيل من استهداف المنشآت النووية وتؤكد أنها ستر


.. المنشآتُ النووية الإيرانية التي تعتبرها إسرائيل تهديدا وُجود




.. كأنه زلزال.. دمار كبير خلفه الاحتلال بعد انسحابه من مخيم الن