الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أضواء على رواية غصن الزيتون لمحمد عبد الحليم عبد الله

فارس حميد أمانة

2018 / 12 / 12
الادب والفن


أضواء على رواية غصن الزيتون لمحمد عبد الحليم عبد الله

هذه سلسلة من عدة مقالات عن الروائي المصري الكبير محمد عبد الحليم عبد الله أتناول فيها عرضا لأشهر رواياته التي تناولتها السينما المصرية أبدؤها بعرض موجز لحياة الروائي الاجتماعية والأدبية مع عرض لكل فيلم مأخوذ عن رواية مع عرض لشخصيات الرواية نفسها ..

الجزء الأول : رواية غصن الزيتون

مقدمة موجزة عن الروائي

يعتبر محمد عبد الحليم عبد الله من أشهر الروائيين المصريين في القرن الماضي وأحد رموز الرواية الحديثة في العالم العربي وقد لمع اسمه جنبا إلى جنب مع العديد من الروائيين والكتاب المصريين في تلك الفترة من أمثال يوسف السباعي وإحسان عبد القدوس وثروت أباضة وعبد الحميد جودة السحار وتوفيق الحكيم وغيرهم . وقد تشابه معهم في طرحه لمشاكل المجتمع المصري السائدة حينها إلا انه تميز عن الكثيرين بأسلوبه التحليلي الرائع وكتابته للحوارات بلغة عربية سليمة وليس باللهجة المصرية كالتيار السائد حينها كما تميز به مثلا إحسان عبد القدوس .

يعتبر الروائي عبد الله من أكثر الروائيين المصريين الذين تحولت أعمالهم الأدبية إلى أفلام سينمائية لثراء الشخصيات في رواياته وعلاقتها بالبيئة التي نبعت منها . ومن الأفلام المصرية الشهيرة التي أخذت عن رواياته أفلام لقيطة وغصن الزيتون وشجرة اللبلاب والليلة الموعودة ومسلسل للزمن بقية وغير ذلك . يطرح الروائي عبد الله رواياته عن لسانه أي أن يكون هو الراوي للقصة وهذا أسلوب تميز به عن الكثير من معاصريه حيث أن الرواية تكون أكثر صدقا وتأثيرا على السامع عندما يتحدث بها صاحبها من أن يرويها الكاتب عن شخص ما إذ لا يترك تفصيلا أو نأمة شعور إلا ويخبر عنه .

ولد الروائي محمد عبد الحليم عبد الله في 3 شباط من عام 1913 في كفر بولين بمحافظة البحيرة وتخرج من مدرسة العلوم العليا عام 1937 .. كتب العديد من الروايات والقصص القصيرة وترجمت أعماله إلى اللغات الانكليزية والفرنسية والايطالية والألمانية والصينية والفارسية .. توفي الروائي عبد الله في 30 حزيران عام 1970 عن عمر ناهز 57 عاما وهو في أوج عطاءه الأدبي بعد إن حصل على عدة جوائز أدبية خلال حياته كما منح الرئيس المصري الأسبق أنور السادات وساما رفيعا إلى عائلته بعد وفاته .

رواية غصن الزيتون :

لاشك أن لغصن الزيتون مغزى كبير سأتناوله نهاية التحليل .. يتحفنا الروائي بجملة على الصفحة الأولى من الرواية : لا تجعلنا نحب من لا يحبوننا حتى لا تشقينا بالحب مرتين يا الهي .. إن المتمعن في الجملة يضع نصب عينيه وجود علاقة حب غير متكافئة أو غير متوازنة وان نتيجة الارتباط مع عدم التكافؤ هذا سيؤدي إلى نتيجة سلبية سيما إذا عرفنا من خلال تسلسل أحداث الرواية أن الخلل والسبب سيكون الشك باستمرار الخيانة الزوجية اثر علاقة من الزمن الماضي ..

ولكي أجعل قارئ المقال على تصور أوضح أوجز الرواية بشكل سريع .. تدور حوادث الرواية عم 1945 فعبده بطل القصة شاب في الخامسة والعشرين من عمره هو مدرس في إحدى مدارس البنات هو الشخصية الرئيسة في الرواية وجمال أفندي مدرس زميل في نفس عمر البطل يتميز بالروح المرحة والوسامة والجمال وتأثيره الساحر على الطالبات وهن مراهقات بأعمار حرجة .. يتميز جمال أفندي بميزة حب التمثيل والكتابة وهذا ما كان يؤهله للقيام بنشاطات لا صفية منها تمثيل مسرحيات تكون غالبا من تأليفه وإخراجه وتمثيله مع عدد من الطلبة ومن بينهم بالطبع شخصية عطيات بطلة القصة ..

تدور في أذهان زملاء جمال أفندي أفكار عن علاقات حب بينه وبين الطالبة اللامعة الجميلة عطيات وغالبا ما يكون حديث زملاءه أثناء الجلوس في المقهى بعدم وجوده طبعا .. هنا يتبين للقارئ طبيعة كل شخصية من الشخصيات الثلاث الرئيسة .. فمن ناحية تجد شخصية الشاب اللعوب الذي تحاك حوله الحكايات وفي الطرف الآخر تتناغم معه شخصية المراهقة الجميلة عطيات .. تشكل الشخصيتان في أذهان المدرسين ومن بينهم عبده ثنائيا جميلا ومنسجما بل محببا ومثيرا للخيالات اللذيذة .. من الطرف الآخر تجد شخصية المدرس عبده المتردد والواقع بين فكي كماشة طرفها الحب الآسر الفتاك وطرفها الآخر الشك الذي يمزق الروح .. حب آسر للمراهقة عطيات التي لم تتجاوز ستة عشر عاما من عمرها وشك بصحة علاقتها الآثمة بمدرسها جمال أفندي ..

هنا يسيطر صراع نفسي قوي بين الانقياد للقلب أو القرار الذي يقتضيه العقل سيما إذا ابتدأت الرواية بجملة : قد تكون قصة غيرك هي الفصل الأول من قصتك لنفهم أن ملابسات علاقة جمال أفندي وعطيات هي الفصل الأول من قصة بطلنا المدرس الشاب عبده . إن الروائي يعرض لنا في الرواية شخصية البطل القلقة كما يعرض علينا صراعه مع نفسه المتقلبة الأهواء ملائكية حينا وشيطانية حينا آخر .. وليس أفضل من شيء سوى ذكر مقطع يريد البطل أن ينتقم فيه من غريمه جمال أفندي الذي لا يجد شيئا يذمه فيه فيبدأ بمدح سيرته بغيابه طبعا فينثال الزملاء الذين يغارون من شخصية زميلهم اللعوب جمال أفندي فيبدأون بذمه وذكر ما تبتدعه ألسنتهم فيزيد البطل عبده بالمدح ليزداد الزملاء بالقدح والذم فيشعر عندها عبده بالسرور والرضا يملأ قلبه وهو ينتقم من غريمه بهذه الطريقة الغريبة والخفية أيضا .. أعتقد أن محمد عبد الحليم عبد الله نجح إلى حد بعيد في التجسيد الحي للنفس البشرية بكل نوازعها الشريرة المكبوتة وقد تكررت أشكال التجسيد تلك بأشكال وأفعال متعددة كما يلحظ من يقرأ الرواية بتمعن .

ينقل الشاب اللعوب جمال أفندي إلى مدرسة أخرى فتطلب المدرسة من عبده أن يحل محله فيجد البطل نفسه بمواجهة المراهقة الجميلة عطيات التي ترسل له رسائل حب بريئة فيقع في غرامها متجاوزا علاقتها بجمال أفندي .. تشعر عطيات في السنة الأولى من الزواج بالحب وتأمل بحياة زوجية هانئة وكذلك عبده إلا أن الشك والغيرة لا يموتان في قلب العاشق الشاب عبده .. ما يزيد من ذلك رجوع غريمه جمال أفندي إلى العمل في القاهرة ويساهم بجهده وعلاقاته بتوظيف الأخ الأصغر لعطيات بإحدى الوظائف .
يتفجر الوضع لاحقا بين الزوجين خصوصا بعد وفاة طفلتهما الوحيدة المريضة لتتحول الحياة بينهما إلى جحيم بسبب شكوك الزوج باستمرار العلاقة بين زوجته وجمال أفندي رغم محاولات الزوجة إصلاح الوضع وإصرارها على عدم وجود علاقة حب سابقة بينها وبين مدرسها السابق جمال أفندي .. يطلق البطل زوجته بعد أربع سنوات من تفاقم المشاكل لنستنتج أن زواجه منها لم يكن بدافع الحب الحقيقي بل بدافع الرغبة الجسدية وما تثيره فيه أحاديث زملاءه عن الشاب اللعوب من خيالات حامية أي لم يكن زواجا متكافئا أبدا .

لا تنتهي الرواية هنا بل تستمر مع استمرار حياة عبده الرتيبة ليشاهد صورة زوجته السابقة يوما ما في إحدى الجرائد مع خبر يفيد بأن عطيات قتلت طعنا بالسكين في عدة مواضع بصدرها وبطنها على يد عشيقها الذي استأجر لها شقة .. هنا نتوقف قليلا عند هذا المقطع .. فعبارة عدة طعنات في صدرها وبطنها تدل على غضب العشيق القاتل الذي لم يكتفي بطعنة أو طعنتين كافيتين لقتلها! فهل اكتشف خيانتها مع شخص آخر ؟ إن محمد عبد الحليم عبد الله يتركنا هنا في حيرة وتساؤل عن تلك النهاية البشعة وأسبابها .. انه يترك لنا الباب مفتوحا للتساؤلات والتأويلات وهذا مصدر من مصادر قوة حبكة القصة .. سيتخيل بعض القراء إن عبده قد دفع بزوجته بكل تلك الشكوك والغيرة إلى مصير مؤلم ونهاية أشد إيلاما .. وسيتخيل البعض أن عطيات امرأة لعوب وخائنة بطبعها وتستحق تلك النهاية الحتمية .

وأيضا .. هل انتهت الرواية هنا ؟ كلا .. أعود إلى بداية المقال وسبب وضع محمد عبد الحليم عبد الله عنوان " غصن الزيتون " لروايته .. غصن الزيتون يرمز دائما للسلام .. فبعد صراعات شديدة للنفس البشرية يتعرف عبده على روحية زميلته في العمل ويكتشف صدق حبها له فيتصالح مع نفسه ليختم لنا روايته الرائعة تلك بجملة هي النتيجة على حسب ظني : هل يكون السلام إلا حبا وهل يكون الحب إلا سلاما؟

فيلم غصن الزيتون

أنتج هذا الفيلم بالأسود والأبيض عام 1962 وهو من تمثيل أحمد مظهر الذي يمثل دور البطل الشاب عبده وسعاد حسني التي تمثل دور الطالبة المراهقة عطيات مع عمر الحريري بدور الشاب اللعوب جمال أفندي جنبا إلى جنب مع ممثلين بارعين آخرين .
لم يكن الفيلم نسخة مطابقة مئة بالمئة لمجريات الرواية وخاصة النهاية فالمشاهد المصري وكذلك المشاهد العربي يميل بطبعه للنهايات السعيدة للأفلام .. فقد حور المخرج النهاية لنجد أن البطل أحمد مظهر في فورة غضبه يقرر قتل غريمه عمر الحريري وعند زيارة غريمه في شقته وانهياره صارخا بأنه " أي عمر الحريري " هو سبب تعاسته في حياته الزوجية فيعترف له الحريري بأنه على علاقة حب بإحدى قريباته منذ فترة طويلة إلا انه لم يستطع الزواج بها لعجزه " ويقصد عجزه الجنسي الذي يعيق الزواج " وأخرج له التقارير الطبية التي تؤيد كلامه فما كان من أحمد مظهر إلا أن اعتذر منه ورجع ليصالح زوجته ويسترضيها فتقبل طبعا .. مع هذا يبقى الفيلم من أروع الأفلام المصرية التي تعالج موضوعات المجتمع ومنها الشك والغيرة.
لقاؤنا معكم في الجزء الثاني بعنوان " شجرة اللبلاب " ..













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع


.. سر اختفاء صلاح السعدني عن الوسط الفني قبل رحيله.. ووصيته الأ




.. ابن عم الفنان الراحل صلاح السعدني يروي كواليس حياة السعدني ف


.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على




.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا