الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فوبيا الحب

حبيب محمد

2018 / 12 / 13
المجتمع المدني


غالبا مانسمع أن العلاقات العاطفية خارج إطار الزواج هي حرام ، وأنها سبب الجحيم الذي تعيشه شعوب العالم الثالث ، وهو ماخلق موجة من الخوف المزمن تجاه الحب بمفهومه الفطري ، او فوبيا من أي ارتباط بين عشيقان فقط لأنهم افصحوا عن قناعاتهم وقرروا أن يمارسوا طقوسهم المفضلة على طريقتهم الخاصة حيث ان المشاعر المكبوتة والعاطفة المدمرة تتواجد بكثرة في المجتمعات المتشددة دينيا والضعيفة ثقافيا، والجامدة فكريا والفقيرة انسانيا، إذن الفكرة لاتعدو كونها حقد على الانسان السوي وتصنيفه بأنه شاذ ، لأن الشذوذ أصبح عقيدة ومنطق وواقع معاش، فليست هناك جريمة أكبر من أن تكون مختلفا عن القطيع ، برؤيته الصبيانية وتفسيراته البلاستيكية ، فلعنة الجغرافيا جعلتنا مشوهين فكريا وأخلاقيا، نعشق العنف، نقدس القتل، نشرب الدم ، نحارب الكلمة الحرة والآراء الواقعية بكل مجهوداتنا الموجودة ، لم نكتفي بذلك ، بل نحاول أن نصدر هذه الهمجية لبقية العالم ، إذا من الطبيعي جدا ، أن نكره العشق ، ونحتقر الحب ، ونلوم الإنسان ، ونغتال الفطرة السليمة ، ونصيح ليلا نهارا ان الزواج هو الحل لكل المشاكل والأزمات من جهل وفقر وتخلف واغتصاب وأمراض واوساخ واوبئة. ..
هذا حسب النظريات التقليدية التي تأيد فكرة التكاثر ، وكأن المشكلة في العدد!!

الزواج التقليدي كما نرى هو تيار موازي لمواجهة الحب ، لأنه ينطلق من أساسيات أن الغريزة هي الأهم والإنجاب هو الهدف وهكذا لا معنى للإنسان ، لأن جميع الكائنات الحية تتكاثر لكن الإنسان المفترض انه عاقل ومسؤول عن تصرفاته وقناعاته واختياراته وليس ملك لأحد ولا حتى موجه من طرف أي سلطة فيما يخص حياته الخاصة ومشاريعه المستقبلية ، من هنا كانت ضرورة الحكم الذاتي وتحكيم العقل النقدي والمحايد تجاه الزوبغات التراثية المنتهية الصلاحية..

المضحك حقا ، هو أننا أصبحنا اضحوكة أمام العالم ، نظن أننا في حرب مع العالم المتقدم وسلاحنا الوحيد هو القنبلة المنوية والتي لاتتعدى تلك الرمال المليئة بالبؤس ،

إذن علينا أن نضع النقاط على الحروف ونعترف أننا فعلا نعاني من تيه حضاري ، ولن تسعفنا المتراجحات المبهمة ، ولا العبارات الشائعة والخارجة عن سياق الزمان
فلكل مشكلة حل اذا فقط تم الاتفاق أنها مشكلة!! ، رغم ان شعوب الدول المتقدمة التي نلعن يوميا ونصفها بأنها كافرة تعيش في الحب وتعتنق الحياة ولهذا هي متطورة في كل المجالات ، حتى أن الزواج بالنسبة لهم رمزي وأحيانا مهمل ، لأن المعيار عندهم هو التفاهم ، والحب النقي ، بغض النظر عن المرجعيات الثقافية والدينية وحتى الناحية الإقتصادية ، أذا التخلص من العقلية الماضوية هي المؤشر الوحيد أن الشعوب سليمة نفسيا وعضويا ،

من هنا أصبح التخبط هو الحل الوحيد ، لإيهام المغيبين أن الحب يأتي بعد الزواج ، وكأن الزواج فعلا تم كما يفترض ، للأسف في مجتمعاتنا وخاصة المجتمع الموريتاني ، الزواج هو طابع بريدي مؤقت تأخذه وقت الحاجة والرغبة البيولوجية وترميه وقت ماتشاء ، لأن المنظومة المجتمعية أصلا مهترئة وتعاطيها مع هذا الموضوع يندرج في إطار المصالح الشخصية لا أكثر ، رغم الزخم الشعبي والتحضيرات العشوائية ، فمثلا قد ترى شخصا ليس لديه أي وظيفة ولا حتى مسكن ولايجد مايأكله، لكنه سيتزوج في نفس اليوم ، لأسباب عدة ، أن المرأة غالبا ليست متعلمة وان تعلمت ستظل تلاحقها التقاليد الموروثة والتي تجبرها على الزواج هكذا ، تكون امرأة نموذجية في تصورها الخاص وتكون محل نقاش العامة ، وبعد أن انتهت المهمة الممنهحة، لن تطول فترة ذلك الزواج ، وسيبتلى المجتمع بأجيال مصيرها الشارع مثل آبائها، والسبب الرئيسي هو غياب الحب وتقديس النشوة، فلو أن الحب موجود لكان هناك تكافؤ واحترام وتسوية للأوضاع الاقتصادية والعاطفية، كي نصنع مجتمعا متماسكا منتجا، يساهم في التنمية وزيادة مؤشر الرفاهية، لأن القضية ليست في الكم ،بل النوع فكثرة العدد ليست دليل على القوة العلمية أو الفكرية ، وإلا لكان العرب متفوقين علميا وتكنولوجيا على إسرائيل. .

ويبدو أن فوبيا الحب أصبحت من الأمراض المعدية، التي لاتفارق مجتمعات الذيل ، وهناك مغالطات كثيرة تم الوقوع فيها بإسم الحب ، فمثلا ، تجد فتاة تدعي أنها تحبك وهي لا ترى فيك سوى وعاء لجمع المال ، وفي الضفة الموازية هناك من يريد من المرأة فقط الاستمتاع بجسدها والنوم معها لا أكثر ، بهذه الأساليب الشهوانية تم اغتيال الحب ، وفقد الإنسان انسانيته، وجانبه السوي.

علينا أيضا أن نفهم أن الحب ليس قصائد ولا حتى مقاطع معلبة أو صور مفبركة، الحب هو أن ترى ذاتك ، هو أن تعرف انك فعلا أمام من يقدس الإنسان ويحترمه ويقدر المواقف ولايغتر بالمقتطفات الجوفاء، ولهذا أغلب الناس يعاني من متلازمة الفقر العاطفي التي تجعله متشبث بالوهم، ولايفرف بين العمق والسطح، التعريفات كثيرة جدا ، والعناوين الغرامية تزاحمك في شوارع الفيسبوك واتويتر ، لكن حين تنزل للواقع تدرك فعلا حقيقة الصدمة الحضارية التي صفعت بها هذه الشعوب المتناقضة، والتي لم تكلف نفسها يوما ان تنظر في مرآة الواقع ، نذكر هنا أن الحب كمفهوم يعتبر ظاهرة اجتماعية، لكن كأسلوب هو ضرورة من أجل التعايش والاستمرارية، ولسنا ضد فكرة الزواج كمشروع متكامل ، محصن بالحب ، والقوة والاقتصادية، فالزواج التقليدي هو عدو للحب وهو المسبب الرئيسي لفوبيا الحب ، لأنه ينطلق من سياق ميتافيزيقي يرى أن الشهوة هي كل شيئ، من هنا قنن المجتمع احتقار المرأة حيث تم تصويرها أنها آلة لشفط الأمراض النفسية والمكبوتات الذكورية التي لاتفارق العقل الجمعي ، كما ترون هناك حمى من الحب المزيف تماما كالتدين المزيف ، لأن الحب الحقيقي ليس له دين ولا عرق بل هو أسمى وأقدس من أن يخضع لتصنيفات الشعبويين ودعاة التمييع والنفاق .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يونيسف: نحو 4 ملايين طفل دون الـ 5 يعانون من سوء التغذية


.. مراسل الجزيرة: أي غارة إسرائيلية على رفح توقع شهداء وجرحي لت




.. لحظة اعتقال مواطن روسي متهم بتفجير سيارة ضابط سابق قبل أيام


.. واشنطن: طرفا الصراع في السودان ارتكبا جرائم حرب




.. عام على الحرب.. العربية ترصد أوضاع النازحين السودانيين في تش