الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحريف التواتر فى العصر الأموى وتطوره

أحمد صبحى منصور

2018 / 12 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تحريف التواتر فى العصر الأموى وتطوره
مقدمة :
قريش حرّفت تواتر ملة ابراهيم بالتجارة بالدين والصّدّ عن المسجد الحرام وعبادة الأولياء والقبور المقدسة وإلحاقها بالمساجد . نزل القرآن بالتصحيح ، ولكن ما لبث أن عاد التحريف أشدّ بموت النبى وتحكم الخلفاء الفاسقين القرشيين . الخلفاء الفاسقون الأوائل ( أبو بكر وعمر وعثمان وعلى ) كان تحريفهم العملى فى الصلاة بأن جعلوها صلاة شيطانية تحض على الغزو الاحتلال والسلب والسبى والاسترقاق . ثم جاء الأمويون فحكموا حكما إستبداديا وراثيا فأضافوا نوعيات أخرى من التحريف فى الصلاة وفى دور المساجد ، إستهدفت الاستغلال السياسى لدعم الحكم الأموى الاستبدادى الوراثى والذى إبتدعه الأمويون مختلفين عمّن سبقهم من الخلفاء السابقين . هذا الابتداع والتحريف ـ الذى إنصبّ على الصلاة وملحقاتها ودور المسجد ـ أدّى الى ردّ فعل لدى المعارضة السياسية للأمويين كما أنه تطور بعد العصر الأموى فى عصور الخلفاء اللاحقين والسلاطين .
هذا موضوع نزعم أنه لأول مرة يتم بحثه ، ولذا سيكون كالعادة مجرد تمهيد نرجو أن يبنى عليه الباحثون الجادُّون . ونعطى بعض التفصيلات .

بداية الاستغلال السياسي للصلاة فى العصر الاموي
اللعن :
1 ـ أدخل معاوية لعن على ابن ابى طالب ضمن شعائر الصلاة فى الجمعة وغيرها. واصبح ذلك من لوازم صلاة الجمعة الرسمية ، ولم يكن ذلك سهلا فى البداية ، وكان من أسباب مقتل حجر ابن عدى الكندي هو احتجاجه على الوالى المغيرة ابن شعبة ، ثم زياد ابن ابيه لتنفيذهما لعن على على المنبر فى خطبة الجمعة.
2 ـ وقد تفنن جبابرة الغلاة الأمويين فى تنفيذ لعن على فى الصلاة . واتخذوا منها وسيلة لاذلال شيعة على. ويذكر المسعودي ان زياد ابن ابيه والى الكوفى لمعاوية جمع الناس وأمرهم بلعن على ، فمن أبي منهم عرضه على السيف ، أى قتله ( مروج الذهب ج 2 ، 20 )
3 ـ وتحايل بعضهم على الافلات و النجاة من القتل، فيروى ابن سعد ان الحجاج ضرب الفقيه عبد الرحمن ابن ابي ليلة واهانه وقال له : العن الكاذبين على ابن ابي طالب و عبد الله ابن الزبير و المختار ابن عبيده ، فقال عبد الرحمن : لعن الله الكذابين ، وسكت. ثم ابتدأ و قال : على ابن طالب ، وعبد الله ابن الزبير و المختار ابن عبيدة. فقال الأعمش ، وهو الرواى لهذا الخبر، فعلمت حين ابتدأ فرفعهم ، لم يعنهم ، اى لم يقصدهم باللعن : الطبقات الكبري لابن سعد ج6 ، 76)
4 ـ الوحيد من خلفاء بنى أمية الذى منع لعن على هو عمرو بن عبد العزيز. يقول ابن سعد : ( كان بنو أمية يشتمون عليا ، فلما ولى عمرو ابن عبد العزيز أمسك عن ذلك ، فمدحه كثير عزة قائلا :
وليت فلم تشتم عليا ولم تخف بريا ولم تتبع مقالة مجرم
( الطبقات الكبري ج 5 ، 267) . والشاعر كثير عزة كان شيعيا .
وقال عنه المسعودي : ( ترك عمرو ابن عبد العزيز لعن على على المنابر وجعل مكانه : ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل فى قلوبنا غلا للذين آمنوا ) ، وقيل بل جعل مكانها ( ان الله يأمر بالعدل و الاحسان ) ( وقيل بل جعلهما جميعا ، فاستعمل الناس ذلك فى الخطبة الى هذه الغاية ): مروج الذهب 2 ، 144) . أى ظلت الى عصر المسعودي تقال الآيتان الكريمتان مكان لعن على .
وقال السيوطي : ( كان بنو أمية يسبون على ابن ابى طالب فى الخطبة، فلما ولى عمرو ابن عبد العزيز ابطله وكتب الى نوابه بابطاله ، وقرأ مكانه : ان الله يأمر بالعدل و الاحسان فاستمتر قراءتها فى الخطبة الى الآن) ( تاريخ الخلفاء 387 ) أى استمرت الى عصر السيوطي ت 910).
5 ـ وكان وقع اللعن شديدا على ذرية على ابن طالب فى العصر الاموي . يروى ابن سعد انه قيل لعلى زين العابدين ابن الحسين ابن على ابن ابى طالب : كبف أصبحتم ؟، فقال : اصبحنا فى قومنا بمنزلة بنى اسرائيل فى آل فرعون . اذ كانوا يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم ، وأصبح شيخنا و سيدنا يتقرب الى عدونا بشتمه او سبه على المنابر )(الطبقات الكبرى ج 5 162 – 162 ) .
6 ـ وكان هشام ابن اسماعيل واليا على المدينة لبنى أمية ، فكان يؤذى على زين العابدين و اهل بيته ، ويخطب على المنبر و ينال من على. فلما تولى الخلافة الوليد بن عبد الملك عزله وأمر به ان يوقف للناس ، اى يوضع فى مكان عام ، ليضربه الناس كيفما شاءوا . فكان هشام ابن اسماعيل فى محنته يخشى ان ينتقم منه على زين العابدين وآله من ذرية على ابن ابى طالب او ان يأمر الناس بالانتقام منه وهو مسموع الكلمة. ولكن على زين العابدين جمع ولده واهله ونهاهم عن التعرض لهشام وغدا على زين العابدين مارا لحاجة ، فمر على هشام وهو موقوف فلم يتعرض له بسوء . فناداه هشام ابن اسماعيل قائلا : " الله يعلم حيث يجعل رسالته.".!! وتوفى على زين العابدين سنة 94 : ( الطبقات الكبرى ج5 163)
7 ـ استمر لعن على ابن ابي طالب على المنابر طيلة العصر الأموى عدا السنتين اللتين حكم فيها عمر ابن عبد العزيز . ولأن الناس تعلموا الصلاة على أيدي الولاة الأمويين فى هذا العصر فقد اعتقدوا ان لعن على من أساسيات الصلاة وكان صعبا ارجاع بعضهم عن هذا اللعن فى العصر العباسي. يقول المسعودي أن أهل مدينة ( حرّان ) رفضوا الصلاة بدون لعن على ، وقالوا : لا صلاة بدون لعن ابو تراب ، وابو تراب هو لقب على وظلوا على ذلك عاما كاملا فى بداية العصر العباسي ( مروج الذهب : ج2 : 193) .
8 ـ وإذا كانت الدولة العباسية قد أبطلت لعن على إلا أنها إضطهدت ذريته سياسيا وحربيا ، بل إن اللعن أعيد مرتين فى الخلافة العباسية ففى سنة 212 أمر الخليفة المأمون بلعن معاوية ( مروج الذهب ج2 ، 356 : 157 ) وبعده بنحو قرنين تقريبا أمر السلطان السلجوكى طغرلبك بلعن جميع المذاهب على المنبر يوم الجمعة ، وكان معتزليا . واستمر اللعن طيلة حكمة قال القزوينى ( فشق ذلك على المسلمين ، وفارق إمام نيسابور وذهب إلى مكة وكذلك الأستاذ أبو القاسم القشيرى ودخل على الناس من ذلك أمر عظيم ثم انقطع ذلك بعد موت طغرلبك ) ( أثار البلاد وأخبار العباد صــــــــ 447 ) .
الأمويين وإضاعة الصلاة :-
1 ـ غلب على الأمويين إستغلال الصلاة سياسيا لمصلحتهم فى لعن على ، أو فى إستخدام القصاص بعد الصلاة لأستمالة العوام .
2 ـ وبعض الخلفاء الأمويين كان متهما بالفواحش وترك الصلاة ، ومنهم يزيد بن معاوية وحين ثارت المدينة على يزيد وخلعت طاعته ، وكان زعيم الثوار عبدالله بن حنظلة الإنصارى ، وقد خطب فى قومه قبيل موقعة الحرة قائلا عن يزيد ( إن رجلا ينكح الأمهات والبنات والأخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة والله لو لم يكن معى أحد من الناس لأبليت لله فيه بلاء حسنا ) """ الطبقات الكبرى لأبن سعد ج5 ، 47 – تاريخ المنتظم ج6، 19 ) .
وقد وقعت موقعة الحرة سنة 63 هــ وفيها انتهكت حرمة المدينة وكان من القتلى زعيم الأنصار يومئذ ابن حنظلة .
3 ـ وتكرر نفس الإتهام لبنى أمية ، قاله سعيد بن جبير فى موقعة دير الجماجم ، قال : قاتلوهم على جورهم فى الحكم وخروجهم من الدين وإماتتهم الصلاة "" طبقات ابن سعد ج6، 185 "" وكان على مثال يزيد بن معاوية خليفة أموى اخر اشتهر بالفسق والفجور وترك الصلاة وانتهاك حرمة المصحف الشريف ، إنه الخليفة الوليد بن يزيد بن عبدالملك وقد ثار عليه ابن عمه يزيد ين الوليد بن عبد الملك وخلعه من الحكم وقتله .
4 ـ إلا أن إهتمام الأمويين تركز على صلاة الجمعة لإستغلال خطبة الجمعة فى الدعاية السياسية والهجوم على خصومهم ، وهم أول من ابتدع التوظيف السياسى لخطبة الجمعة والذى ما زال ساريا ، ومعلوم أن النبى محمدا عليه السلام كان يخطب الجمعة بقراءة بعض سور القرآن الكريم وخصوصا سورة ( ق). ولم يتم تدوين خطب الجمع ضمن ما سجلوه من أحاديث النبى لأنها كانت من سور القرآن .
5 ـ وتركيز الأمويين على استغلال الخطبة فى الجمعة سياسيا كان على حساب صلاة الجمعة نفسها إذا كانوا يطيلون الخطبة حتى يمل الناس ويضيع وقت الصلاة ويحل موعد صلاة العصر . ومن يحتج كان مصيره سيئا فى أغلب الأحوال .
5 / 1 : وفى حدود سنة 90 هجريا قتل الأمويون زياد بن جاريه وكان من أفاضل التابعين فى دمشق. وسبب قتله أنه دخل مسجد دمشق وقت صلاة الجمعة وقد تأخرت بهم الصلاة والخطبة لا تزال قائمة ، فقال للخليفة الوليد بن عبدالملك : " والله ما بعث الله نبيا بعد محمد عليه السلام أمركم بهذه الصلاة .. فأدخلوه حجرة وقطعوا رأسه) ( تاريخ الوافى بالوفيات للصفدى 15-14 ).
5 / 2 : واشتهر الحجاج بن يوسف بالفصاحة والتطرف فى سفك الدماء ، وقد تولى إمارة الحجاز ثم العراق لعبدالملك بن مروان وبنيه . وفى ولايته على الحجاز كان عبدالله بن عمر ابن الخطاب يصلى خلفه فى الحرم المكى ، فلما رآه يؤخر الصلاة امتنع عن الصلاة خلفه . ويروى ابن سعد فى الطبقات الكبرى أن الحجاج كان يخطب الجمعة فظل فى خطبته حتى أمسى ، فناداه ابن عمر : " أيها الرجل الصلاة ". فأقعدوه ، ثم ناداه الثانية فأقعدوه ، ثم ناداه الثالثة فأقعدوه ، فقال ابن عمر للناس وقد ملوا " أرأيتم إن نهضت أتنهضون ؟ فقالوا نعم . فنهض ابن عمر فنادى فى الناس وفى الحجاج : " الصلاة الصلاة ..فإنى لا أرى لك فيها حاجة. " فنزل الحجاج من على المنبر وصلى بالناس ، ثم دعى بابن عمر فقال له " ما حملك على ما صنعت؟ فقال ابن عمرو " إنما نجىء للصلاة فإذا حضرت الصلاة فصلّ الصلاة لوقتها ثم بقبق بعد ذلك ما شئت من بقبقة " ( 4-110 ، 117 ) .وجدير بالذكر أن الحجاج بعدها دس إلى ابن عمرو من طعنه خلسة فى الحرم برمح مسموم فمات منه .
6 ـ وفى غير صلاة الجمعة وإطالة خطابها كان الحجاج مثل سائر الخلفاء الأمويين لا يأمر بإقامة الصلاة وإتمام ركوعها وسجودها . وةقد سئل فقيه المدينه وكبير التابعين فيها سعيد ابن المسيب : " ما شأن الحجاج لا يبعث إليك ولا يحركك ولا يؤذيك ؟؟ " فقال سعيد " أنه دخل مع أبيه المسجد فصلى صلاة لا يتم ركوعها ولا سجودها فأخذت كفا من حصى فحصبته به " الطبقات الكبرى لابن سعد 5-95 " .
7 ـ وتفرّد عمر بن عبدالعزيز بإهتمامه بالصلاة والحث عليها فى إتمام ركوعها وسجودها ، بل أنه بفضل عمر بن عبدالعزيز فإن ابن عمه الخليفة سليمان بن عبدالملك اشتهر بالأمر بالصلاة وقد كان عمر بن عبدالعزيز هو المستشار الأول لسليمان فى خلافته وقد وثق فيه سليمان حتى أنه عهد إليه بالخلافة .
قيل عن سليمان بن عبدالملك " كان عمر بن عبدالعزيز هو المستشار الأول لسليمان فى خلافته حتى أنه عهد إليه بالخلافة . " وقيل عن سليمان بن عبدالملك " كان عمر ابن عبدالعزيز هو المستشار الأول له ، أحيا الصلاة لأول مواقيتها ، وكان بنو أميه قد أماتوها بالتأخير ( السيوطى تاريخ الخلفاء 359 ) .
وقد عاش سليمان فيما بين ( 60-99 هــــ ) ودامت خلافته ثلاثة سنين لم تكن له فيها من مآثر إلا إهتمامه بالصلاة . وقد كتب سليمان للولاة " أن الصلاة كانت قد أميتت فأحيوها وردوها إلى وقتها " وقال عنه التابعى ابن سيرين : " سليمان بن عبدالملك افتتح خلافته بخير وختمها بخير . افتتح خلافته بإحياء الصلاة وختمها بأن استخلف عمر بن عبدالعزيز . " ( الصفدى الوافى بالوفيات 15، 403 ) .
أما عمر بن عبدالعزيز فقد كان اهتمامه بالصلاة لا يبارى بلغ من ذلك حرصه على صلاة المساجين ، فكتب لولاته أن لا يقيد أحد بقيد يمنعه من إتمام الصلاة . ( طبقات اب سعد 5، 271 ) . وكانت العادة قبل عمر بن عبدالعزيز وبعده إهمال المساجين حتى الموت غالبا ، وقد قتل الحجاج الوالى الأموى الشهير مائة ألف سجين صبرا . أى تركهم يموتون فى السجن فأتى عمر بن عبدالعزيز يرعى المساجين حتى فى الصلاة .
8 ـ وأحس الأمويون أن موقفهم من الصلاة يسىء إليهم ويستغله المعارضون لهم فى التشنيع عليهم وفى حشد الخصوم والثوار ضدهم . فأذاعوا حديثا منسوبا للنبى محمد عليه السلام ينسبون روايته إلى صحابى مجهول اسمه قبيصة بن وقاص يقول "" يكون عليكم أمراء من بعدى يؤخرون الصلاة فهى لكم وهى عليهم ، فصلوا معهم ما صلوا بكم إلى القبلة "" وقد ظل هذا الحديث ساريا إلى أن دونه ابن سعد فى الطبقات الكبرى بعد حوالى قرن من الزمان خلال الدولة العباسية ( الطبقات الكبرى 7 ، 38 ) .
9 ـ ولقد كان أبوبكرعياش من المخضرمين الذين أدركوا الدولتين الأموية والعباسية إذ عاش حوالى مائة عام ( 97-193 ) وأدرك حكم هارون الرشيد وقد قال له الرشيد : " إنك أدركت أمر بنى أمية وأمرنا ، فاسألك بالله أيهما كان أقرب للحق ؟ " فقال : " يا أمير المؤمنين أما بنو أمية فكانوا أنفع للناس منكم وأنتم أقوم بالصلاة منهم" . ( الصفدى ، الوافى بالوفيات 10 ، 243 )
المعارضة والاستغلال السياسى لتهاون الأمويين فى تأدية الصلاة
1 ـ ومع عمل الأمويين على استغلال الصلاة سياسيا مع باقى الشعائر الإسلامية الأخرى فقد إشتهر بعضهم بالتهاون فى تأدية الصلاة أو فى إمامتها بالتعبير التراثى .
2 ـ وفى مقابل تهاون الأمويين بالصلاة لجأت المعارضة إلى المزايدة على الأمويين فى الصلاة بأن إشتهروا بالخشوع فيها وإحيائها . ومع أن الخشوع فى الصلاة علاقة خاصة بين المصلى والخالق جل وعلا الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور إلا أن المعارضة قاموا بتوظيف التظاهر بهذا الخشوع إتهاما للأمويين بطريق غير مباشر بالخروج على الإسلام .
3 ـ ولجأت المعارضة الى وضع أحاديث ضد الأمويين تستغل تهاونهم فى الصلاة :
3 / 1 : منها حديث نسبوه لعمر بن الخطاب ، يقول : " لا إسلام لمن لم يصل " ( الطبقات الكبرى 6/ 109 ).
3 / 2 : ووضعوا حديثا يطعن فى معاوية وأبيه أبى سفيان . يقول الحديث فى رواية عاصم عن النبى ــ بزعمهم ــ ( إن الصحابة فى المسجد غضبوا وقالوا : " نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسول الله".! فسأل الراوى : " لماذا ؟" فقالوا : " معاوية مرّ قبيل فأخذ بيد أبيه ورسول الله على المنبر ، يخرجان من المسجد ، فقال رسول الله فيهم قولا ".) هذا ما رواه ابن سعد فى : ( الطبقات الكبرى: 7 / 55 ) . وهذا توظيف لتأليف الأحاديث فى الصراع السياسى . ومعروف أن معاوية أسلم مع أبيه وأمه بعد فتح مكة ، ومات النبى بعدها بقليل فى المدينة ، ولكن هذا الحديث المصنوع يجعل النبى محمدا يغتابهما فى غيابهما و بعد خروجهما ، وأنه غضب عليهما وغضب الله عليهما وغضب المسلمون .وهذا التزيد والمبالغة فى الغضب لم يحدث حين سمع المسلمون نبأ قافلة أو تجارة فغادروا صلاة الجمعة وتركوا الرسول قائما وفق ما جاء فى سورة الجمعة. لم ينزل فيها هذا الغضب الحاد.! .
4 ــ وبينما تهاون الحكام الأمويون فى إمامة الصلاة فقد تفنن المحكومون فى إحيائها بالكم وبالكيف .
4 / 1 : اشتهر بعضهم بكثرة الصلاة ومنهم أبو بكرالغسانى الذى كانت أمرأته لا تُفلّى ثيابه لإنشغاله بالصلاة ، على حد قول ابن سعد ( 7/ 107 ) ولو أنصف أبو بكر الغسانى لتذكر قول الله تعالى ( وثيابك فطهر ) بدلا من أن يترك ثيابه معسكرا للقمل والبراغيث والبقّ .
4 / 2 : وبعضهم تفنن فى الخشوع فى الصلاة بإطالة السجود وإطالة القيام وبعض الروايات هنا حافلة بالمبالغة .
4 / 2 / 1 : تقول فى بعضهم " ما رأيت عمرو بن مرة فى صلاة إلا ظننت أنه لا ينصرف حتى يستجاب له ( الطبقات الكبرى لإبن سعد 6/ 220 ) .
4 / 2 / 2 : وقيل عن مسلم بن يسار أنه : " كان قائما يصلى فى بيته فوقع إلى جانبه حريق فما شعر به حتى طفئت النار. " وقد توفى عام 100 فى خلافة عمر بن عبدالعزيز( ابن سعد 7/ 135 ) ،
4 / 2 / 3 : وقيل عن مسلمة الإبراشى بإختصار أنه ( من أخشع الناس فى الصلاة ). ذكر هذا إبن سعد فى الطبقات : ( 7 / 2 / 110 )
4 / 2 / 4 : أما يحيى بن ثابت الذى كان قليل الحديث وصاحب قرآن وتوفى سنة 103 فقد قال عنه ابن سعد أنه كان يبلغ فى صلاته " كأنه يخاطب رجلا " ( الطبقات الكبرى : 6/ 206 ) أى يحرص على التركيز على النطق بالكلمات وتوضيحها فى الصلاة كنوع من التدبر والخشوع .
5 ـ وجعلوا البكاء المسموع فى الصلاة من أبرز الدلائل على الخشوع فيها نكاية فى الأمويين .
5 / 1 : وقد قال بعضهم أن كان يسمع صوت بكاء عمر بن الخطاب وهو يؤم الناس صفوفا، والراوى كان فى أخر الصفوف ويسمع بكاء عمر وهو يقرأ من سورة يوسف قوله تعالى (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّـهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿٨٦﴾) ( ابن سعد 6 / 86 ) فكيف كان يسمع صوت بكاء عمر بن الخطاب ( بدون ميكروفون ) إلا إذا كان بكاء عمر بن الخطاب صراخا .!
5 / 2 : وهناك رواية لابن سعد تقول أن " ثابت اللبنانى " كان يقرأ فى صلاته (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ﴿٣٧﴾ الكهف ) وكان ينتحب ويرددها وهو فى صلاة الليل ؟ ( ابن سعد 7،2،4) . المفهوم أنه يصلى ليلا منفردا فى جوف الليل .. فأين كان الراوى لهذه الرواية ؟ . وإذا كان ثابت البنائى هو الذى يحكى هذا عن نفسه فهو من الذين يراءون ويزكون أنفسهم ..
علامات السجود على الوجوه
1 ـ ولقد ذكر رب العزة جل وعلا فى القرآن الكريم صفات الصحابة فى عهد النبى محمد عليه السلام : (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّـهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖتَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴿٢٩﴾ الفتح ). أى كان من وصفه جل وعلا لهم (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) ومن حيث الظاهر المرئى قال جل وعلا عنهم : (تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا ) أما من حيث الباطن فليسوا جميعا من أهل الجنة فالله تعالى قد وعد الصالحين منهم فقط بمغفرة وأجر عظيم : (وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) .
2 ـ وفى العصر الأموى إنتشرت علامات السجود مزايدة سياسية على الأمويين المتهاونين فى الصلاة ، وأصبح من شيماء بعض الكارهين للأمويين ان يكون سيماهم على وجوههم من أثر السجود . وتناسوا أن لله جل وعلا وحده مرجع الحكم على الخشوع بغض النظر عن المظاهر . وتكاثرت الروايات :
2 / 1 : يقول ابن سعد عن أبان بن عثمان " كان بين عينيه أثر السجود قليلا " ( الطبقات الكبرى : 5 / 113 )
2 / 2 : وقال أحدهم عن عبد الله بن يسر المازنى : " رأيت فى وجه عبدالله بن يسر أثر السجود ( ابن سعد 7 / 2 / 133 ) .
2 / 3 : وقيل عن عطاء بن رباح ( كان بين عينيه أثار السجود ) ( 5/ 246) .
2 / 4 : وقال بعضهم عن حكيم عمير : " رأيت فى جبهة حكيم بن عمير أثر السجود " ( 7 / 2 / 160 )
2 / 5 : كل ذلك معقول ويمكن تصديقه . أما هذا الخبر فيحتاج إلى جهد جهيد لتصديقه ، يقول ابن سعد " كان العفيش بن عقبة ليسجد حتى أن العصافير ليقعن على ظهره وينزلن ما يحسبنه إلا جزم حائط ) ( 6، 144 ) .. هل يجوز ( إنسانيا ) خداع العصافير بهذا الشكل ؟
3 ـ آثرنا أن نأتى بأمثلة عن الخشوع من تاريخ الشخصيات المغمورة اما المكتوب عن الشخصيات المشهورة فهو أكثر عددا وأكثر فى المبالغة ، ولا يتسع المقال لتفصيلها ، فنكتفى بالقليل :.
3 / 1 : عن أئمة العلويين نذكر بعض الروايات من المعارضة الهاشمية لبنى أمية فيما يخص الصلاة :
3 / 1 / 1 : روى الحسين بن على زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب ان أباه على زين العابدين قال لإبن عمه محمد بن على : " كم مرّ على جعفر؟. " ( ابن محمد بن على ) فقال : " سبع سنين ". قال : " مروه بالصلاة "( الطبقات الكبرى : 5 / 162 ) أى يتعلم الصلاة من السابعة من عمره . وقد اخترعوا حديثا بهذا المعنى فيما بعد .
3 / 1 / 2 : واشتهر ( على زين العابدين بن الحسين بن على ) بالورع . ولهذا حمل لقب ( زين العابدين ) . وقالوا عنه : " كان إذا قام للصلاة أخذته رعدة. فقيل له: " مالك " ؟ قال : " ما تدرون بين يدى من اقوم ومن أناجى .." (5،160 ) .. وهى رواية تستلزم الضحك بل القهقهة إذا تدبرناها وعقلناها ، فالمعنى أنه كان كلما قام للصلاة ارتعد وسئل نفس السؤال وأجاب نفس الإجابة، أى كان يفعل ذلك خمس مرات كل يوم ، ويرتعد خمس مرات ، ويسألونه خمس مرات ، ويجيبهم نفس الإجابة خمس مرات ، وهو لا يملّ وهم لا يملُّون .. وسبحان الله الذى يعلم السر وما أخفى ...!!
4 ـ ويبدو لى أن هذه الرواية الساذجة صيغت فى العصر العباسى ، ووضعها الشيعة لمقابلة الروايات الأخرى التى وضعها العباسيون فى مناقب ( عبدالله بن عباس) جد الخلفاء العباسيين والذى أسبغوا عليه علما وأحاديث ما أنزل الله جل وعلا بها من سلطان ، كل ذلك تقربا لأحفاده الخلفاء العباسيين ، هذا مع أن ابن عباس كان صبيا فى مكة وقت أن مات النبى محمد عليه السلام فى المدينة. وإختصت بعض الروايات أيضا العباس عم النبى . وهذه
الروايات التى حيكت فى العباس بن عبدالمطلب وأولاده خصوصا عبدالله بن عباس تستحق الدراسة . والخلفاء العباسيون ينتمون إلى محمد بن على بن عبدالله بن عباس ، وقد كان يسكن فى قرية الحميمية بالأردن اليوم . ونكتفى بالقليل :
4 / 1 : ومن تنويعات المدح التى قيلت فى ( على بن عبدالله بن عباس ) جد الخلفاء العباسيين : " أنه كان أجمل قرشى على وجه الأرض ، وأكثرهم صلاة ، وكان يقال له السجاد لكثرة عبادته وفضله ، وقيل أنه كان ليصلى فى اليوم والليلة ألف ركعة " أى أنه جمع بين الكم ( ألف ركعة ) والكيف ( السجاد ) . مفروض على مسيلمة الكذاب أن يرفع عليهم دعوة قضائية لأنهم يستحقون لقب الكذاب أكثر منه .!
4 / 2 : ثم تتسع الرواية لتشمل كل بنى العباس فى العصر الأموى قبل قيام دولتهم . يقول ابن سعد : " سمعت الأشياخ يقولون : والله لقد أفضت الخلافة إليهم وما فى الأرض أحد أكثر قارئا للقرآن ولا أفضل عابدا وناسكا منهم بالحميمية "" ( الطبقات الكبرى 5، 230 ) .
وهذه كذبة عريضة تبدأ بالقسم بالله جل وعلا . وقد قال جل وعلا عن المنافقين الذين كانوا يحلفون بإسمه جل وعلا كذبا : (وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّـهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴿٤٢﴾ التوبة ) . ثم إن هذه الكذبة أكثر إتساعا من الصحراء الكبرى ولكن قالها أولئك الأشياخ ببساطة وسهوله . وابن سعد لم يذكر أولئك الشيوخ الذين سمع منهم فى العصر العباسى والذين زعموا لأنفسهم علم الغيب وما تخفيه الصدور، وأعطوا حكما عاما شاملا لكل من يعيش على وجه الأرض فى عصر الأجداد العباسيين فى العصر الأموى ...
وهكذا أفرط الأمويون فى إماتتة الصلاة فأفرط بعض خصومهم فى إحياء الكذب والإفتراء والمراءاة .!!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 12345


.. لابيد: كل ما بقي هو عنف إرهابيين يهود خرجوا عن السيطرة وضياع




.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #


.. خالد الجندي: المساجد تحولت إلى لوحة متناغمة من الإخلاص والدع




.. #shorts yyyuiiooo