الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميلاد أخوية الغلاقات

إبراهيم رمزي

2018 / 12 / 14
كتابات ساخرة


ميلاد أخوية الغلاقات
لم ينتبه لاقتحامي عليه صومعته، مما دفعني لإثارة انتباهه بالتنحنح. بدا غير مستغرب لحضوري وكأنه كان يتوقّعه، وانطلق ـ بحماس منقطع النظير ـ يشرح لي ـ بكلام متلاحق يكاد يقطع أنفاسه ـ أنه منهمك في إعداد تصور لمشروع عالمي سيعزز التفاهم والتسامح بين الأجناس البشرية على اختلاف ألوانها وأديانها ومذاهبها السياسية والفكرية ...
قال إنه بصدد إطلاق نداء لعقد مؤتمر، تشارك فيه جميع دول المعمور بممثلين لها، يهتمون مثله بجمع الغَلّاقات.
صحت: ماذا؟ غلاقات؟
نظر إلي باستغراب واستنكار لمقاطعته: أجل، غلاقات .. سدّادات ..
لاحظ ما ظهر على وجهي من علامات السخرية من كلامه. فلوى شدقه احتقارا لي، وتابع بنبرة الواثق المعتد بما يقول: غلاقات القارورات والأواني التي تحفظ فيها السوائل .. من فلِّين وبلاستيك وخشب ومعدن .. هل تستطيع أن تحدد أعدادها وأحجامها وألوانها وأدوارها ومصائرها؟
وبعد هنيهة صمت، التقط خلالها أنفاسه، ومسح نظارتيه، عاد ليتابع: لم لا تخصص لها متاحف في كل الدول؟
تصنعت الجد وأنا أسأله: ما عدد الغلاقات التي عندك؟
قال بابتهاج: لا أعد بالواحدة، بل بالوزن، عندي ما يزيد عن خمسة أطنان.
أطلقت صفير الاستغراب، وسألت: كيف جمعتها؟
قال: أستغلّ نهايات الأسبوع للانتقال لمطرح الأزبال خارج المدينة، فأنتقي بعضا مما أعثر عليه منها .. لكن حين عرف "الميخاليون" الآخرون "هوايتي" بدأوا يجمعون الغلاقات، فيبيعون لي ما أعتبره منها متميزا ومتفردا. ثم صاروا يتبادلونها بينهم. مما يعني أنني ساهمت ـ دون قصد ـ في ميلاد تنظيم عفوي لهواة الغلاقات .. وذلك ما أوحى لي بفكرة خلق "تنظيمات" مماثلة تمتد علاقاتها إلى كل الدول ..
حدق في بإمعان .. منتظرا مني تنويها .. ولما لم أخرج عن صمتي، قال بتحدٍّ:
هل عانيت من إخراج غلاقة فلين من قارورة، في غياب الساحب المخصص لذلك؟
أردفت بدوري سائلا:
هل رأيت أطفالا صنعوا لعباً على هيئة عربات، وعجلاتها هي الغلاقات؟
عقّب بفتور:
هذه واحدة من فوائد الغلاقات، ونموذج من إعادة تدويرها.
سألته متصنعا الجد والاهتمام: ماذا تتوقع مستقبلا؟
وبدون تردد قال: عقد مؤتمر عالمي لجَمّاعي الغلاقات. تصورْ الرواجَ الإعلامي والسياحي والاقتصادي والثقافي والمعرفي حين يحضر وفد مكون من بضعة أشخاص، من كل دولة، محملين بمعارفهم عن الغلاقات، ومعهم عشرات النماذج من الغلاقات المتنوعة والمختلفة المتداولة في بلدانهم، يعرضونها للجمهور، ويسردون قصصا عن صنعها، ومميزاتها، وأدوات سحبها واستخراجها، وأماكن العثور عليها، وتبادلها، وكيفية تدويرها وبعثها لحياة ثانية واستعمالات جديدة؟ وتأثيرها على البيئة حين التخلص العشوائي منها؟ ثم يُختم ذلك بإنشاء "أخويات" ـ لتبادل الخبرات ـ محلية وإقليمية وعالمية.
قلت متحسرا: هل تخلصت البشرية من كل عاهاتها، لتُقبِل على التفكير في إلهاءات "مشروعك الإخواني أو الأخوي"؟
مراكش 10 ـ 12 ـ 2018








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعرف وصايا الفنانة بدرية طلبة لابنتها في ليلة زفافها


.. اجتماع «الصحافيين والتمثيليين» يوضح ضوابط تصوير الجنازات الع




.. الفيلم الوثائقي -طابا- - رحلة مصر لاستعادة الأرض


.. تعاون مثمر بين نقابة الصحفيين و الممثلين بشأن تنظيم العزاءا




.. الفنان أيمن عزب : مشكلتنا مع دخلات مهنة الصحافة ونحارب مجه