الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طروحة البارادبلوماسية ونظريات بناء الدولة

محمد ارمين كربيت

2018 / 12 / 15
السياسة والعلاقات الدولية


برت البشرية العديد من المراحل التأريخية والتجارب الكبيرة التي وصلت بها الى يومنا هذا. فالنظام العالمي الجديد بالشكل الذي نراه اليوم بكل تعقيداته ليس الاّ ثمرة تلك المراحل التأريخية وتراكم المعرفة حول كيفية تنظيم شؤون العامة داخليا وخارجيا.
ان وجود العلاقات بين الدول ليس بالشئ الجديد، ولكن القوانين التي تحكم هذه العلاقات تتجدد باستمرار نظرا لتطور الدول والحاجة الملحة لتمشية المصالح المشتركة بينها وبين الخارج. ومن هذا المنطلق، طرأت على العلاقات الدولية تغييرات كثيرة منها دخول عوامل ومفاهيم جديدة تعطي الادارات الاقليميّة أو المحليّة الحق في ممارسة النشاط الثقافي والتجاري وحتّى السياسي في بعض الاحيان مع الخارج.في غضون العقود الاربعة الماضية، برز مفهوم البارادبلوماسيّة في العلاقات الدوليّة وأصبحت أداة مهمة نتيجة حاجة الادارات الاقليميّة والمحليّة لتنظيم نشاطاتها مع الخارج.
انّ العمل البارادبلوماسي يأتي مرادفا للعمل الدبلوماسي في كثير من الاحيان(لكن بمرتبة أقل)، لهذا تهتم الدول الكبرى بعلاقاتها البارادبلوماسيّة (مثلا علاقات اقليم كيوبك الكنديّة مع فرنسا) وتوظيفها كرافد من روافد العمل الدبلوماسي العام. وحسب البروفيسور ايفو دوجاسيك من جامعة نيويورك و البروفيسور بنايوتيس سولداتوس من جامعة مونريال الكنديّة، يوجد عدّة أنواع من البارادبلوماسيّة، فهناك المايكرودبلوماسيّة الترانسفرونتال (علاقات بين اقليم و دولة)، المايكرودبلوماسيّة الترانسرجنال (علاقات بين اقليم و اقليم)، البارادبلوماسيّة العامّة (نسج علاقات سياسيّة خارجيّة من قبل اقليم) وأخيرا البروتودبلوماسيّة (فتح البروتو سفارة أو البروتوقنصليّة).
وبالرغم من أن الممارسة الدبلوماسية نفسها تعتبر حقاً أصيلاً للدولة كعضو مكون للمنظومة الدولية, إلا أن التطورات الحديثة في العلاقات الدولية دفعت إلي الواجهة نشاط خارجي متزايد للأقاليم والولايات داخل الدول. حدا ذلك بمفكري العلاقات الدولية لمحاولة دراسة هذه الظاهرة الجديدة نسبياً في أدبيات العلاقات الدولية. وتوصلت تلك الدراسات إلي مفهوم جديد في العلاقات الدولية يسمي بالبارادبلوماسي
الدبلوماسية الموازية: هي تلك الجهود غير الرسمية المبدولة في المجال الدبلوماسي والتي تعنى بها الفواعل غير الرسمية من منظمات غير حكومية وهيئات المجتمع المدني ووسائل الاعلام و جماعات الضغط …الخ. واللذين يتمتعون بدرجة معينة من التخصص في مجالات مختلفة وذلك بهدف تنفيذ السياسة الخارجية عن طريق الاتصال و التعاون و الحوار الدولي.
وهو مصطلح يشير إلي النشاط الخارجي المباشر للمدن والأقاليم والوحدات الإتحادية, الذي يسير جنباً إلي جنب مع الدبلوماسية التقليدية للدولة. ويظهر ذلك عندما تحصل الكيانات داخل الدول علي صلاحية ممارسة نوع من السياسة الخارجية في إطار الدستور والقوانين التي تسمح لها بالمشاركة كلاعب فاعل في الساحة الدولية بصورة مستقلة عن الدولة المركزية التي تنتمي إليها سعياً وراء المصالح الخاصة لمواطنيها.
التشير بعض المراجع إلي أن الدكتور بانايوتيس سولداتوس أستاذ القانون و العلوم
السياسية بجامعة مونتريال الكندية هو من أوائل الأكاديميين الذين حاولوا دراسة العلاقات الخارجية للأقاليم داخل الدول ( ولايات, أقاليم, محافظات, مدن). حيث خرج بانايوتيس لأول مرة بمصطلح الدبلوماسية الموازية (Para-diplomacy) بعد مزجه لكلمة موازي (Parallel) وكلمة دبلوماسية Diplomacy). ثم انتشر المفهوم بعد ذلك في الكتابات الأكاديمية عبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة
ستي كولج الامريكي ، الامريكي ايفو دوتشاتشك.
وبالرغم من ان المفهوم غير معروف بشكل كبير, ولم يتم التطرق إليه بصورة واسعة خاصة في الكتابات الأكاديمية باللغة العربية, إلا أن الظاهرة التي يتحدث عنها قديمة نسبياً و أضحت في الوقت الحاضر أكثر جلاءاً في العلاقات الدولية بصورة لا يمكن تجاهلها. وتُلقي الدبلوماسية الموازية الضوء علي الأهمية المتنامية لإشراك الحكومة المركزية للمكونات الشعبية وشبه الرسمية في صياغة وإنفاذ سياسة الدولة حول الشأن الخارجي والذي صار مؤخراً يميل إلي اللامركزية في ظل العولمة خاصة بعد دخول كيانات مثل المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني في النشاط الدولي.
يمكن إرجاع نشأة الدبلوماسية الموازية الي العشرينيات من القرن الماضي (1920) عندما بدأت الأراضي الخاضعة للإمبراطورية البريطانية ( كندا و جنوب أفريقيا و أستراليا ) في إقامة علاقاتها الخارجية الخاصة. بعد ذلك بعدة عقود ظهرت هونج كونج الصينية في خمسينيات القرن العشرين كأحد رواد الدبلوماسية الموازية بعد أن منحتها بريطانيا العظمي الحكم الذاتي رسمياً وأصبح لديها صلاحية التفاوض المباشر علي الإتفاقيات التجارية مع الدول الأجنبية. وتمتلك هونج كونج في الوقت الحاضر العديد من المكاتب التجارية في عواصم مثل جنيف و بروكسل و واشنطون ونيويورك وعدة مدن أخري، كما تشارك في المنظمات الدولية مثل منظمةالتجارةالعالمية. (WTO)
ثم برزت مقاطعة كيبيك الكندية في الستينيات (1960) كأحد فاعلي الدبلوماسية الموازية بعد توقيعها لإتفاقيات ثنائية مع فرنسا حول الشئون الثقافية. و في الثمانينيات (1980 ) والتسعينيات (1990 ) من القرن الماضي مارست بعض الأراضي الألمانية مثل بافاريا و بادن فورتيمبيرج الدبلوماسية الموازية مع عدد من الدول الأسيوية ( الصين و الهند و اليابان و فيتنام), و الأفريقية (جنوب أفريقيا), و الأمريكية الشمالية و الجنوبية ( كندا و الولايات المتحدة و البرازيل و المكسيك ), إضافة للعديد من الدول الاوربية .
ومؤخراً ظهرت ولاية ساوباولو البرازيلية بقوة علي الساحة الدولية خاصةً بعد توقيعها لإتفاقيات تعاون ثنائية في مجالات متعددة مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة في العام 2013م. وتحتل مدينة ساوباولو المرتبة التاسعة عالمياً من حيث الكثافة السكانية, بينما تحتل المرتبة الأولي بين مدن أمريكا اللاتينية من حيث الكثافة السكانية والثراء, وهذه مميزات قد تدفع العديد من الدول للسعي لإنشاء علاقات ثنائية معها. ومن المتوقع أن توقع ولاية ساوباولو إتفاقيات مشابهة مع عدد من الدول مثل كندا وفرنسا والمانيا إلي جانب بعض الدول الأسيوية.
يُنظر الي الحكومات المحلية ( إقليم, ولاية, محافظة, مدينة) عادة بإنها تنفذ وتطبق السياسة العامة للدولة داخلياً. و أحياناً تلعب هذه الحكومات المحلية دوراً يقع داخل إطار المفهوم الدولي عندما توقع إتفاقيات مع كيانات خارج حدود دولها. وتختلف الطريقة التي تمارس بها الحكومات المحلية علاقاتها الخارجية تبعاً لإختلاف الطبيعة المميزة لكل إقليم.
إلا أنه يمكن تمييز ثلاث إتجاهات رئيسية للدبلوماسية الموازية ، كما صنفها البروفيسور أندريه لوكور في دراسة له بعنوان: القضايا السياسية للدبلوماسية الموازية: دروس من الدول المتقدمة، وهي كالآتي:
• العلاقات الإقتصادية: تعمل الحكومة المحلية في هذا الإطار علي تطوير حضور دولي يغلب عليه جذب الإستثمارات الأجنبية إليها وفي ذات الوقت إستهداف أسواق جديدة لصادراتها؛ مثال ذلك: في الهند أن بعض الحكومات الولائية حظيت بفرصة التفاوض المباشر مع المنظمات المالية الدولية مثل البنك الدولي, والبنك الأسيوي للتنمية, وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية ( UNDP) وذلك بتفويض من الحكومة المركزية لممارسة النشاط الخارجي.
• التعاون الفني و التعليمي و الثقافي و ما شابه ذلك: تحاول الحكومة المحلية في هذه الحالة التركيز علي عدة محاور في نفس الوقت, وهو ما تنحو اليه المدن والأقاليم في الدول النامية، على سبيل المثال توقع بعض الولايات/بلديات إتفاقية توأمة مع ولايات/بلديات من اجل تبادل التجارب في مجال التخطيط العمراني وإصحاح البيئة وتقديم فرص دراسية للطلاب في مجال الطب والصحة العامة, وإيفاد معلمين... الخ
• القضايا السياسية: تميل الحكومة المحلية في هذا الجانب إلي عكس هويتها المُمَيزة والتي تؤكد الشخصية الوطنية التي تمثلها وتُظهِر تميزها الثقافي واستقلالها السياسي، وهي جوانب قد تختلف نوعاً ما عن تلك التي تعكسها الحكومة المركزية، وربما كانت لدي الحكومة المحلية إعتبارات أخري تدفعها لممارسة هذا النوع من النشاط الخارجي لا علاقة لها بموضوع الهوية.
أهمية البارادبلوماسي/الدبلوماسية الموازية
يري بعض مفكري السياسة الدولية ان الدبلوماسية الموازية يمكن أن تُأثر سلباً علي وحدة وتماسك الدولة في المنابر الدولية بإعتبارها نشاط خارجي للحكومات المحلية مواز لنشاط الحكومة المركزية؛ خاصة إذا تعارض توجه الحكومة المحلية مع توجه الحكومة المركزية، وغالباً ما يحدث ذلك إذا لم تتوفر آلية للتنسيق بين الحكومة المركزية والحكومات الولائية, إلا أن للدبلوماسية الموازية عدد من الإيجابيات كذلك,منها:
اولاً: أمكانية المساهمة في نزع فتيل التوترات والنزاعات بين المجموعات السكانية الحدودية عبر تنظيم حركة الأفراد والتجارة الحدودية علي سبيل المثال: حيث تساهم مثل هذه العلاقات الخارجية عبر الحدود في معالجة القضايا الخلافية التي تُثير التوترات و النزاعات.
ثانياً: المساهمة في الحد من الطموحات الانفصالية لبعض الأقاليم الحدودية ذات الطبيعة الخاصة.اذ يؤدي التواصل المباشرعبر الحدود للمجموعات العرقية المتماثلة الي التخفيف من شهية الانفصال. و يظهر ذلك في حالة اقليم الباسك الأسباني و الذي يركز بصورة كبيرة علي التعاون مع منطقة الباسك الفرنسية باعتباره مجتمعا واحداً منقسماً في بلدين متجاورين. وهذا الوضع الذي تنقسم فيه مجموعة عرقية معينة بين دولتين موجود في الكثير من الدول والمجتمعات حول العالم وخاصة في دول العالم الثالث حيث توجد العديد من القبائل المشتركة, والأمثلة معروفة في معظم تلك الدول. وهنا تظهر أهمية الدبلوماسية الموازية, لأنه عندما يتم عزل الأقليات العرقية عن السلطة السياسية و الاقتصادية في دولة ما فانها غالباً ما تَنظُر الي المجموعات التي تتبَع لها عبر الحدود. وعندها يُصبح إنشاء روابط سياسية واقتصادية وثقافية عبر الحدود كافياً لعدم تشجيع النزعات الانفصالية. حيث تلبي الدبلوماسية الموازية طموحات سكان الأقاليم داخل الدول في لعب دور مؤثر في السياسة الخارجية لحكوماتها المركزية, والتي تنعكس عليها بالضرورة. وهكذا تكون الحكومة المركزية قد لبت مطالب الاقليم للمشاركة في السياسة الخارجية مع الاحتفاظ بحق رفض أي نشاط خارجي قد لا يتفق مع الدستور والسياسة العامة للدولة.
ثالثاً: معظم الحكومات المركزية في العديد من الدول خاصة دول العالم النامي, لا تستطيع الإيفاء بجميع المتطلبات الاقتصادية والسياسية والثقافية لمجتمعاتها المحلية ؛ويرجع ذلك لأسباب مختلفة منها, فقر الدولة نفسها أو عدم توفر الخبرات لدي الحكومة المركزية لفهم تعقيدات المجتمعات المحلية أو لاسباب خاصة تختلف من دولة لأخري. مما يجعل هذه المجتمعات المحلية تعمل علي السعي وراء مصالحها الخاصة اما عبر الطرق السلمية والقانونية أو عبر استخدام القوة ( التمرد المسلح على سبيل المثال).
رابعاً: تعمل بعض الأقاليم داخل الدول علي الترويج لنفسها دولياً بإعتبارها كياناً مستقلاً ثقافياً أو دينياً عن المركز الذي تنتمي إليه. ويظهر هذا في محافظة كاتالونيا واقليم الباسك الاسباني علي سبيل المثال. وبدأت مؤخراً في الوطن العربي تظهر قضايا حقوق ثقافية و دينية خاصة بالأقليات غير العربية أو غير المسلمة, أو قضايا خاصة بالأقليات المذهبية (مثل الشيعة في الدول ذات الأغلبية السنية). وتمتد الحالات من المغرب ( قضية اللغة الأمازيغية في مواجهة العربية), وموريتانيا (المواطنين ذوي الأصول الإفريقية في مواجهة ذوي الأصول العربية), مروراً بمصر ( قضية الأقباط وقضية الدعوة للثقافة الفرعونية في مواجهة المسلمين والثقافة العربية), والعراق وسوريا (القضية الكردية في مواجهة العروبة), وكل هذه قضايا مُلِحة في الوقت الراهن مع المتغيرات الجارية ويمكن ان تؤدي لمشاكل أعمق إذا لم يتم وضع حلول ناجعة ودائمة لها.
أحد هذه الحلول المطروحة هي إعادة صياغة دساتير بعض الدول لتقنين الدبلوماسية الموازية مثلما فعلت الارجنتين و النمسا و المانيا و بلجيكا و الإتحاد الروسي وسويسرا و الولايات المتحدة الامريكية. حيث يمنح الدستور السويسري علي سبيل المثال الولايات المكونة للإتحاد السويسري صلاحية عقد بعض المعاهدات الدولية بشرط ألا تتعارض مع غايات الإتحاد و حقوق الولايات الاخري. كما يأخذ دستور دولة الامارات العربية المتحدة للعام 1971 بهذا الإطار حيث تُجيز المادة 123 من الدستور للأمارات الأعضاء في الإتحاد إبرام إتفاقيات محدودة ذات طبيعة إدارية محلية مع الدول المجاورة لها علي ألا تتعارض مع القوانين الإتحادية وبشرط إخطار المجلس الأعلي للإتحاد مُسبقاً.
خامساً: بعض المنظمات الدولية الإنسانية مثل اليونسيف (UNICEF) أصبحت تفضل التعامل اللامركزي مع الحكومات المحلية بدلاً من الحكومات المركزية لضمان الوصول الي حل جذري لمسببات المشاكل الصحية و التعليمية, بدلاً من وضع الحكومة المركزية كوسيط بينها و بين المجتمعات المحلية. ويعني ذلك لبعض الدول النامية إمكانية جذب مساعدات إضافية من اليونسيف عبر السماح لها بالتعامل المباشرمع الحكومات المحلية.
اخيراً نستطيع القول أن مصطلح الدبلوماسية الموازية أو (البارادبلوماسي) يُكَمِل نوعاً ما ما نقص مصطلح الدبلوماسية عن تغطيته من أشكال العلاقات الدولية غير التقليدية.
وتوفر الدبلوماسية الموازية فرصة للأقاليم داخل الدول النامية في الشرق الأوسط و أفريقيا واسيا ودول أمريكا اللاتينية للإستفادة من العلاقات الخارجية مع الأقاليم والدول الغربية المتقدمة في مختلف مجالات التنمية. كما يمكن للأقاليم داخل الدول النامية الإستفادة من العلاقات الخارجية بين بعضها البعض لتقوية العلاقات بين الشعوب وتبادل الخبرات. ومن المهم أيضاً للدول النامية أن تركز علي العلاقات الخارجية عبر الحدود بصورة خاصة, حيث تسهم هذه العلاقات في حل العديد من المشاكل مثل تلك المتعلقة بالبيئة وبالقبائل المشتركة وبحركة الأفراد والماشية, خاصة حركة القبائل الرعوية في أفريقيا والتي تدخل في نزاعات مسلحة بين حين وآخرمع المجموعات الزراعية.
تمنح للدبلوماسية الموازية كذلك فرصة للحكومات الواقعة تحت عقوبات آحادية مثل السودان للإلتفاف حولها عبر تشجيع الولايات والمحافظات للدخول في إتفاقيات تعاون ثنائية مع الولايات المتحدة علي سبيل المثال في مجالات مثل المنح الدراسية والبعثات الطبية والتنمية الصناعية والزراعية, وذلك في حدود المصالح الوطنية. ويحتاج تطوير الدبلوماسية الموازية الي إجراء بعض التعديلات في المؤسسات القانونية و الادارية في الدولة لتقنين الممارسة, إضافة لخلق قنوات تنسيقة بين الحكومة المركزية و الحكومات المحلية بصورة تؤدي إلي الإستفادة القصوي من هذا النشاط الخارجي الجدي.
نظريات بناء الدولة
مرت نظرية السيادة بمراحل متعددة، فبعد أن كان نطاق سيادة الدولة على شعبها وإقليمها مطلقا، فإن تطور العلاقات الدولية على مر الزمن حمل معه تعديلا على هذا النطاق بصورة تدريجية.
إن السيادة الوطنية في الوقت الراهن اهتزت، لكونها عرفت العديد من التحديات على صعيد العديد من القطاعات سواء في المجال الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي، سواء أرادت الدول ذلك أم أبت، مما يجعلنا نتساءل حول أوجه التأثير على مظاهر سيادة الدول خلال فترة النظام العالمي الجديد.
تمثل العولمة عملية مدارة أي أنها تتمثل في مجموعة من الأنشطة الغائية التي تقع خلفها إرادة واعية والتي تستهدف تحقيق غايات معينة، وهكذا يمكن القول بأن ثمة إرادات تدبر هذه الأنشطة تحقيقا الغايات محددة واعتماد أعلى الوسائل والأساليب والأدوات الملائمة وعلى قدر تباين هذه الوسائل الأدوات من حيث طبيعتها تتعدد وتتنوع أبعاد ظاهرة العولمة، وتمثل هذه الدراسة محاولة لرصد هذه الأبعاد المختلفة للعولمة وهي أبعاد سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية، وعسكرية، وسكانية واتصالية وتكنولوجية وبيئية ومعرفية
وقد كان من نتائج تراجع مبدأ السيادة الوطنية للدول أن تزايدت إمكانية التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى،14فقد تعددت وتنوعت مبررات التدخل الأجنبي من ذلك مثلا، التدخل لاعتبارات إنسانية، والتدخل لحماية حقوق الإنسان وحقوق الأقليات العرقية، والتدخل بدعوى مقاومة الإرهاب الدولي ... الخ ، ولعل من أبرز الموضوعات التي تثار في هذا الصدد عدم وجود معايير واضحة على حقها في أن تقرر الأخذ بأي من الخيارين على أساس مصالحها في كل حالة على حدة، أي بصورة انتقائية على مقتضى مصالحها، وهو ما يؤدي إلى ما يعرف بمشكلة ازدواجية المعايير أو بسياسة "الكيل بمكيالين " والأمثلة الدالة على ذلك كثيرة.
تزايد الدور الذي تلعبه بعض الهيئات الداخلية أو دون الدولية أي الكيانات المحلية أو البلدية في العلاقات الدولية على نحو يتجاوز أحيانا الدور الذي تمارسه الحكومات المركزية ذاتها، فهناك عدة مقاطعات كندية وصينية وبعض الولايات الأمريكية التي توفد مبعوثين أو ممثلين لها لدى الدول الأخرى، وتمارس هذه البعثات التمثيلية دورها باستقلالية نسبية عن البعثات الدبلوماسية الرسمية لدولها، إضافة إلى ذلك فهناك ما يزيد عن خمسين حكومة إقليمية (من حكومات الولايات) في الدول الأوربية التي تربط فيما بينها بعلاقات مباشرة من خلال مجالس الأقاليم الأوربية ولجنة الاتحاد الأوروبي.
تزايد دور الهيئات فوق الدولية أو متعدية القومية فعلى سبيل المثال من الملاحظ أن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي قد وسعا من نطاق نشاطهما الأصلي، وهو برامج التنمية والاستقرار النقدي العالمي ليشمل التدخل في توجيه السياسات والبرامج الاقتصادية في العديد من الدول بدعوى تحقيق الاستقرار الاقتصادي ، أو ما عرف ببرامج التكيف الهيكلي التي تفرض على الدول الأخذ بسياسات معينة (ذات توجيه ليبرالي)، وقد تعدي الأمر مجرد اقتراح السياسات إلى حد إرسال مبعوثين أو مراقبين للتأكد من مدى التزام الحكومات بتعليمات صندوق النقد أو البنك الدولي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تحشد قواتها .. ومخاوف من اجتياح رفح |#غرفة_الأخبار


.. تساؤلات حول ما سيحمله الدور التركي كوسيط مستجد في مفاوضات وق




.. بعد تصعيد حزب الله غير المسبوق عبر الحدود.. هل يعمد الحزب لش


.. وزير المالية الإسرائيلي: أتمنى العمل على تعزيز المستوطنات في




.. سائح هولندي يرصد فرس نهر يتجول بأريحية في أحد شوارع جنوب أفر