الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بئر حسن

علي دريوسي

2018 / 12 / 15
الادب والفن


في إحدى المرات اتفق أحمد ونزار على الذهاب للسباحة في البحر، كانت الشواطئ الصالحة للسباحة الآمنة قد احتلت من قبل أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين، صار الوصول إليها مكلفاً لا يتم إلا عبر منتجعاتهم، لهذا اقترح نزار على أحمد الذهاب إلى دكان لبيع الأدوات البحرية يمتلكه أحد معارف والديه، هناك سيخبر نزار أصحاب المحل بأن أباه هو من أرسلهما كي يبدّلان ملابسهما في مستودع المحل، ليتمكّنا من الدخول عبر الباب الرئيسي أو عبر السياج إن اقتضى الأمر إلى نادي الضباط القريب من المحل، وكأنّهما من أولاد أحد الضباط الكبار الذين عادوا لتوهم من التسوُّق أو اللعب خارج المنتجع.

آن وصلا وانطلت الحيلة على أصحاب المحل دخلا إلى المخزن، أقفلا الباب خلفهما وشرعا بتغيير ملابسهما، كان المخزن مُعَبَّأ بأدوات السباحة ولوازمها بالإضافة إلى صناديق المشروبات الغازية من سينالكو وكراش وبعض المواد الغذائية، بحث الصديقان في البداية عن مايوهات سباحة مناسبة لهما، ارتدياها ثم فتحا بأسنانهما زجاجتي سينالكو وأكلا بعض قطع الشكولاته إلى جانبها، دخلا إلى مسبح نادي الضباط دون مشاكل وتمتعا بيومهما، حين عادا من السباحة إلى المخزن كافأا نفسيهما بزجاجتي كراش وقطعتي شكولاته إضافيتين، ولم يكتفيا بذلك بل خلع كل منهما مايوه السباحة، عصره من الماء العالق، وضعه في جريدة وحشره في ملابسه كأنّه ملكه، وهكذا تكرّرت غزواتهما إلى نفس المخزن مرتين أو ثلاث دون أن يُفتضح أمرهما.

حين كانا يعودان من مغامراتهم الظريفة في المدينة إلى منزل نزار الصغير نسبياً، الكائن في منطقة "بئر حسن" والذي يعيش فيه أكثر من اثني عشر ولداً، لم يكن بوسعهما الاسترخاء في إحدى الغرف القليلة، فما كان منهما إلا التوجُّه غالباً إلى الحديقة الصغيرة، التي تحيط بالبيت وتفصله عن الشارع العام، في إحدى شجيرات الزيتون المتواجدة فيها بنى نزار عرزالاً، سمّاه "الكوخ المحترق"، كانا يجلسان فيه، يقرآن ألغازهما البوليسية ويتحدّثان عن أحلامهما بالرحيل إلى مصر، إلى مدينة المعادي تحديداً، حيث يعيش المغامرون الخمسة وكلبهم زنجر والشاويش فرقع، ذات مرة انقطع حبل استرسالهما فجأة وساد الصمت، إذ وصلهما صوت المغنية أم كلثوم قادماً من الغرفة المجاورة وهي تصرخ بصوتها الجنائزي الخلّاب: "يا حبيبي يالله نعيش في عيون الليل"، فما كان من نزار إلا أن زفر زفرة حارة فيها آهة ولوعة، أمسك بقلم الحبر، حرَّره من غطائه، رفعه عالياً ليفجّ به رأسه وينز الدم تضامناً مع آهات المغنية وتعبيراً عن حاجته لكلمات الحب، إذ كانا على عتبة الدخول إلى كهف المراهقة آنذاك.

وذات يومٍ مشمسٍ حدث أيضاً أن مرّ شاب أسمر ضخم الجثة مرتدياً بذلة عسكرية بيضاء من أمام بيتهم، ألقى الضابط نظرة خاطفة على بنات صاحب البيت، وهن يحتسين القهوة على البالكون، ثم تابع طريقه، انزعج الأب، مالك البيت وربّ الأسرة، من سلوك الشاب الطائش، صرخ بابنه نزار كي يأتي سريعاً، أمره بأن يتعرَّى من ثيابه ويمشي أمام بيت عائلة الضابط الشاب من باب المجاكرة والتحدِّي، وإلا سيحرق له العرزال وقصصه البوليسية، رفض نزار الانصياع لأوامر أبيه، فما كان من الأب إلا أن صفعه على وجهه، ثم خلع ملابسه وبقي بسرواله الأبيض، وطفق يمشي في الشارع الرئيسي عِزِّ الظهيرة، من أمام بيته إلى بيت الشاب جيئة وذهاباً، وهكذا إلى أن هدأت موجة غضبه، ونسي أمر العرزال وأسراره وقصصه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما


.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة




.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير