الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما العمل؟

جورج حداد

2018 / 12 / 16
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية


اذا استثنينا بعض المؤسسات السياسية، التي كانت اصلا تعيش على هامش الحركة الوطنية والتقدمية ـ قياسا على الاعمال الفعلية، لا الادعاءات الكلامية ـ فهناك شبه اجماع على ان نكسة الخامس من حزيران 1967 سجلت بداية "ازمة نمو" جديدة للحركة التقدمية والوطنية والثورية العربية ككل، وفي كل بلد عربي على حدة. وبصرف النظر عن الارادة الذاتية لبعض القيادات، مهما كان من علو شأنها او تعاليها، فإن ازمة النمو التي اصبحنا نعيش في خضمها، تنعكس على البعض بصفتها "ازمة وجود" وعلى البعض الاخر بصفتها "ازمة اعادة خلق، او تجاوز للذات"، وعلى فئة ثالثة بصفتها "ازمة خلق جديد".
وفي تناقض وتفاعل هذه الاشكال الثلاثة للازمة، يجري استعراض وجرد شتى الآراء والمفاهيم السابقة، وطرح كل ما يخطر او لا يخطر في البال، من الشعارات والاقتراحات الجدية وغير الجدية على السواء.
لقد اخذ ماركس، منذ زمن طويل، على من سبقه من الفلاسفة، بأنهم جهدوا لتفسير العالم، بينما المطلوب هو تغييره. ومع ذلك، فربما ليس من العجب، ان يكون كثير من المحللين والمعلقين و"المنظرين"، لأي فئة او حزب انتسبوا، من المفسرين المتفرجين لا اكثر. ولكن العجب كله، بعد اكثر من ثلاثة ارباع القرن على وفاة كارل ماركس، وبعد مرور قرابة نصف قرن على نشوء الحركة الماركسية في بلادنا، ان يوجد "ماركسيون" "اقحاح"، ومقدمون ومعتمدون في الماركسية، ليسوا اكثر من مراقبين "خارجيين" للاحداث ـ برغم هوياتهم الوطنية ـ يفسرونها للغير ويعلقون عليها، دون ان تكون لهم بها علاقة، غير ما يشبه علاقة مبشري المسيحية الاولين بانتفاضات عبيد روما السابقين.
وقد نشرت جريدة "الحرية" في باب "وجهات نظر" (العدد 392، تاريخ 18/12/1967) "مناقشة حول الكفاح المسلح" بقلم "جماعة طانيوس شاهين". ومن خلال بيان حركة القوميين العرب، الذي سبق نشره في "الحرية"، تناولت "المناقشة" مجمل اوضاع الحركة التقدمية والثورية العربية، في خطوطها العامة. والجماعة هي ماركسية ـ لينينية، كما يبدو من "المناقشة" بوضوح. وللاسف ان الانطباع الاول، الذي تقدمه "المناقشة"، لا يبرئ واضعيها من صفة المتفرج، التي يتصف بها عندنا "الممثلون الرسميون المزمنون للماركسية ـ اللينينية". ويتجلى ذلك، بالاخص، من المتناقضات الاساسية التي تقع فيها "المناقشة"، ويبدو منها بوضوح تأثير الماركسية "التفسيرية".
تتسلسل "المناقشة" في الخط المنطقي التالي:
ـ1ـ الموافقة المبدئية على شكل الكفاح المسلح، باعتباره مظهرا من مظاهر العنف الطبقي واسلوبا رئيسيا للثورة.
ـ2ـ القول بخصوصية الكفاح المسلح ـ وغيره من اشكال النضال ـ تبعا للظروف الموضوعية في كل بلد.
ـ3ـ اعلان افلاس القيادات البورجوازية الصغيرة، بما فيها التي تطرح شعار الكفاح المسلح دون تحليل الواقع الموضوعي، والتأكيد على حتمية "صعود" البديل، حزب الطبقة العاملة والفلاحين وسائر الكادحين، اي الحزب الماركسي ـ اللينيني.
ـ4ـ الخلوص من كل ذلك الى ضرورة بناء الاحزاب الماركسية ـ اللينينية، بصفته المهمة الاولية، والقول بأن طرح شعار الكفاح المسلح، في الظرف الراهن، لا ينتج عنه سوى تأجيل تحقيق المهمة الاولية المشار اليها.
ونحن سنكتفي بتقديم بعض الملاحظات، الاستفسارية في الاكثر، راجين من اصحاب "المناقشة" توضيحها، اذا كان من رغبة لديهم في اتخاذ موقف واضح:
ـ1ـ ان الموافقة المبدئية قد تعني الشيء المقصود، وقد لا تعني شيئا، وقد تعني العكس. فلقد وافقت الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية، في مؤتمر بال (عام 1912) على شعار "الحرب على الحرب". ولكن لم يطبق هذا الشعار سوى حزب البلشفيك الروسي بقيادة لينين. واصبحت روسيا، بفضل ذلك، اول واقوى دولة اشتراكية في العالم. اما الاحزاب الاخرى، فانقسمت الى شيع، بعضها اتخذ مواقف "مسالمة" مائعة، وبعضها صوت على الميزانيات الحربية لبلاده واسهم في الحرب البورجوازية الاستعمارية، ضد الشعوب الاخرى.
كما ان الموافقة على حق الشعوب في تقرير مصيرها لم يمنع القيادات الشيوعية العربية (حتى ولو كانت تقصد العكس) من نقل الحصى الى كسارة المستعمرين الصهاينة، وذلك بالموافقة على تقسيم فلسطين، واقامة "وطن قومي" يهودي الوجه استعماري المضمون والهدف، بغض النظر عن حق الشعب الفلسطيني ومصيره.
ـ2ـ ان تناقضات النظام الرأسمالي الامبريالي، هي قانون موضوعي شامل ومطلق. في حين ان شكل، وتوقيت حل هذه التناقضات، هو ذاتي خصوصي ونسبي، تبعا لاختلاف الظروف ونسبة القوى المتصارعة، وتبعا لمعدن "فرق الصدام" الطبقية. والامة العربية، في جميع اقطارها، تخوض منذ سنوات طويلة معركة عنيفة، مكشوفة وضارية، ضد الامبريالية العالمية والصهيونية والرجعية المحلية. وهي معركة واحدة، من واجب الجميع الاسهام فيها بالاسلوب المناسب، تبعا للظروف الملائمة او الاكثر او الأقل ملاءمة. وفي هذا فقط تتحدد الخصوصية، اي في درجة وشكل الاسهام. اما غير ذلك، فلن يكون فقط مهادنة للعدو في احد قطاعات الجبهة، بل هو تسليم لهذا القطاع وتحويل له الى قاعدة يتمترس فيها العدو، وينطلق منها لضرب قطاعات الجبهة الاخرى.
ـ3ـ ان الظروف الموضوعية وحدها لا تؤدي الى الثورة. فالظروف الموضوعية هي كناية عن الضرورة العمياء غير الهادفة، وهي العامل السلبي الذي، في عمله بمفرده، يؤول حتما الى مزيد من السلبية، لا اكثر. والذين ينتظرون ان تدق الثورة ابوابهم، وهم في فراشهم نيام، يحلمون بالغد الافضل والمستقبل السعيد، هم أسوأ مظهر لتلك السلبية. فهؤلاء هم قدريون لا موضوعيين. ولقد تحدث لينين، في معرض تحليله العبقري للامبريالية، عن طفيلية الرأسمالية وتعفنها، في عصر الامبريالية. وها قد مضت سنوات طويلة على هذا القول، وسقط الاستعمار القديم، تحت ضربات الشعوب الفقيرة والجاهلة، ومع ذلك، لم تسقط الرأسمالية المتعفنة، بالرغم من جميع ازماتها المميتة، بل انها كانت تزداد قوة بمقدار ازدياد تعفنها، وفي حالات عديدة ـ كما في فرنسا مثلا ـ "جددت شبابها"، بدل ان تختنق في خياناتها في الحرب العالمية الثانية، وفي حروبها الاستعمارية ضد الشعوب في الجزائر والفيتنام ومصر الخ... وظهر "الاستعمار الجديد" تمييزا له عن "الاستعمار القديم" في حين كان يظن ان الامبريالية، بشكل "الاستعمار القديم" هي اعلى وآخر مرحلة من مراحل الرأسمالية.
لماذا كل ذلك؟
هل ان لينين أخطأ في تشخيصه للامبريالية، ام ان الامبريالية حصلت على قوة سحرية غير خاضعة للادراك؟!
كلا! بل السبب هو في ان الرأسمالية قد أعدَت بتعفنها اكثر من جيل من الاشتراكيين والشيوعيين، في البلدان الاستعمارية، الذين صاروا كالاطفال المدللين، لدى البورجوازية الاستعمارية، ولا بأس ان يعلو صراخهم "مطالبين" بالاشتراكية، طالما انهم لا يحملون اية آلة جارحة تعود بالضرر. وهكذا، في حين كانت البورجوازية الفرنسية تذبح 45 الف جزائري في ليلة واحدة، "احتفاء" منها بالنصر (على النازية)، كان المقاومون الفرنسيون (ضد النازية) ـ الذين لا نملك سوى احترامهم ـ يسلمون اسلحتهم بإيعاز من القيادات البورجوازية اياها، باسم "الوحدة الوطنية"(!). وفي حين كان الآسيويون والافارقة والاميركيون اللاتينيون، الفقراء، يسقطون بمئات الآلاف وبالملايين، في النضال الضاري لاسقاط الاستعمار والرأسمالية المتعفنة، كان العماليون والاشتراكيون وحتى الشيوعيين، في البلدان الاستعمارية والاوروبية، غاطسين في اقامة التحالفات الانتخابية، ويشاركون في ـ بل ويترأسون ـ الحكومات الاستعمارية والبورجوازية الائتلافية، ويساهمون في تدعيم الاحلاف العسكرية العدوانية (في ايطاليا مثلا: الاشتراكيون الحاكمون يؤيدون الحلف الاطلسي، والشيوعيون يؤيدون "الرفاق" الاشتراكيين)، بل ويعارضون الحركات التحررية الوطنية، او يقومون بأنفسهم بسحقها، دون ان ينسوا ـ طبعا ـ المطالبة بتنزيل فرنك من سعر شريحة "البفتيك".
ان الظروف الموضوعية في بلادنا هي ناضجة للثورة. وحراب المستعمرين والصهاينة والرجعيين كفيلة "بإقناع" من لم يقتننع. ولكن الثورة بحد ذاتها، ليست ظرفا موضوعيا، بل هي فعل ارادي ذاتي، تماما كما هي العملية الجراحية، بالنسبة للحالة المرضية. وليس المطلوب الان البحث في نضوج او عدم نضوج الظروف للثورة، لان هذه الظروف تحللت واهترأت، من كثر ما نضجت، والعدوان الاخير أوضح دليل على هذا التحلل والاهتراء "الظروفي"، بل المطلوب هو البحث والإعداد العملي، للمشاركة في معركة التحدي المصيري، التي تجابه شعوبنا العربية، من اجل تفجير الثورة الشعبية الشاملة، والوصول الى اليوم الذي تمسك فيه امتنا مصيرها، نهائيا، بكلتا يديها.
ـ4ـ وهنا نأتي الى موضوع القيادة، او ما سمته "المناقشة" البديل، اي حزب الطبقة العاملة الخ... كما يفهم.
فيتوجب علينا ان نسأل: هل يكفي جماعة ما، ان تتبنى النظرية الماركسية ـ اللينينية، وتسمي نفسها كذلك، كي تصبح فعلا حزب الطبقة العاملة والفلاحين وسائر الكادحين "الماركسي ـ اللينيني"؟!
ان تجارب غيرنا، ولكن بالاخص التجربة المرة لبلادنا، تضطرنا للتأكيد بأن تحبيذ الشيء، او تمنيه، او ادعاءه، ليس ابدا مرادفا لكينونته. فالدنيا بأسرها صفقت لغاغارين، وهو يخترق حجاب الارض. ولكنه كان غاغارين واحدا. وأمكنه فعل ما فعل، وامكنه التسمي باسم رائد فضاء لانه، اولا، استعد لذلك استعدادا نظريا وعمليا، ولانه، ثانيا، فعل ذلك.
وانتصار الثورة الاشتراكية، كحتمية تاريخية، هو فرضية نظرية مجردة، تبقى بدون تحقيق، الى ان يأتي من يعمل لتحقيقها ويحققها. وهكذا اي تجريد آخر. لذلك ليس من المحتم "صعود" حزب الطبقة العاملة نتيجة افلاس البورجوازية الصغيرة العربية، في قيادة الحركة الثورية. لان صعود او عدم صعود، هذا الحزب، او اي حزب، رهن بمعدنه هو. فقد صمد حزب البلشفيك بعد افلاس حزبي البورجوازية الصغيرة الروسية (المنشفيك والاشتراكيين الثوريين). وصعد الحزب الشيوعي الصيني بالاعتماد على البورجوازية الصغيرة الريفية (الفلاحين) بينما صعدت البورجوازية الصغيرة الكوبية (بقيادة كاسترو) الى مستوى الثورة الاشتراكية، بعد افلاس، وعلى انقاض القيادة الشيوعية (حزب الطبقة العاملة!؟) "الماركسية ـ اللينينية.
ـ5ـ تقع "المناقشة" في تناقضين اساسيين، نحب ان يكونا في الظاهر فقط، أولهما: الحديث عن بناء الاحزاب الماركسية ـ اللينينية بصورة مجردة. وكأنما هذا شيء جديد. مع ان مثل هذه الاحزاب موجودة، وقد نافت على الكهولة في عمرها. ويذكّر هذا التجاهل، بالتصريح الذي أدلى به زعيم شيوعي لبناني كبير وقديم، الى مجلة "الصياد"، بعد نكسة حزيران بقليل، وأعيد نشره في جريدة "الاخبار". وقد ورد في التصريح ـ بكل بساطة ـ التأكيد ايضا على ضرورة انشاء الحزب الطليعي في الجمهورية العربية المتحدة. ولم يكن عجيبا ان يتجاهل الزعيم الشيوعي (اللبناني)، حقيقة وجود حزب شيوعي مصري، في السابق، تهافت من نفسه، لان هذا الزعيم يتجاهل ايضا، ما فعله ويفعله الحزب الشيوعي اللبناني ذاته، قبل النكسة وأثناءها وبعدها، غير انتظار تطورات الاحداث، و"تفسير" الظروف، و"التكيف" مع الاحداث التي يصنعها "القدر" والآخرون!
وبالنسبة لـ"جماعة طانيوس شاهين" نعتقد انهم يقرون معنا، بأن تجاهل الشيء لا ينفي وجوده. وعلى هذا الاساس، فإن تجاهلهم لوجود الاحزاب الشيوعية العربية يحتمل افتراضين:
أ ـ إما انهم ينطلقون من مسلمة مسبقة، بإفلاس هذه الاحزاب التام والنهائي، وفقدانها صفتها الماركسية ـ اللينينية، وحينذاك يتوجب على "الجماعة" ـ وكل من يدعو دعوتها ـ ان تثبت قناعتها بالقول والفعل، كيما تقتنع الجماهير، بأن افلاس حزب شيوعي معين، هو افلاس فئة معينة، وليس افلاسا لفكرة الحزب الماركسي ـ اللينيني بصورة مطلقة. واذا لم تتوفر هذه القناعة، فلا يمكن بناء الحزب الجديد. اما المرور مرور الكرام، على تجربة تاريخية دامت نصف قرن، فلا يوحي ابدا بالجدية. نقول ذلك مع الاخذ بالاعتبار ان حسن النية قد يكون هو الباعث على عدم رغبة الخوض في المسائل "المزعجة". ولكن حسن النية لا يكفي، وحده، لتجسيد الاماني "النبيلة" و"النقية" في الواقع الملموس. وهو ـ بالمناسبة ـ لن يزيل الالتباس من اذهان الجماهير، في حال قيام حزب ماركسي ـ لينيني جديد الى جانب الحزب القديم. هذا، الا اذا كان هناك اكثر من ماركسية ـ لينينية واحدة، الامر الذي ليس في علم احد.
ب ـ أو انهم مقتنعون بـ"الصفاء النظري" الماركسي ـ اللينيني لدى الاحزاب الشيوعية العربية "الكلاسيكية"، ويرون انها ""مظلومة" بعدم تسليمها قيادة الحركة الثورية ـ خاصة وان البورجوازية الصغيرة قد افلست! ـ (وهذا بالضبط ما قصده الزعيم الشيوعي اللبناني في حديثه عن مصر)، وانهم يستحون من قول ذلك مباشرة، فيقولونه مداورة، تحت ستار المطالبة (ممن؟) ببناء الاحزاب الماركسية ـ اللينينية. وفي هذه الحالة، يجدر السؤال: ما الذي منع، ويمنع، الاحزاب الشيوعية، من تصدر الحركة الثورية العربية، واستلام زمام القيادة من البورجوازية الصغيرة؟ وما الذي جعلها تترك الحبل على الغارب، اجل، للبورجوازية الصغيرة "المفلسة" كل هذا الزمان؟
ان ميدان النضال مفتوح، يدعو ايا كان اليه. اما الذين ينسبون لانفسهم تبني النظرية الثورية الطليعية، دون ان ينتسبوا هم انفسهم عمليا اليها، فربما نسوا او تناسوا انه:
وما نيل المطالب بالتمني
ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
ـ6ـ والتناقض الاساسي الثاني في "المناقشة" يتناول فكرتها الرئيسية، في معارضتها بناء الاحزاب الماركسية ـ اللينينية، بالكفاح المسلح، وتقديمها المهمة الاولى على الثانية.
ويفهم القارئ من "المناقشة" ان ظروف الكفاح المسلح نضجت (كيف؟!) حيث قام او يقوم كفاح مسلح، ولم تنضج (لماذا؟!) حيث لا يقوم مثل هذا الكفاح. وهي ـ "المناقشة" ـ تفصّل بالنسبة للبلدان التي يقوم فيها الكفاح المسلح، وتتجنب ـ ولا نقول تتهرب من ـ التفصيل بالنسبة للبلدان التي لا يقوم فيها. وليس من شأننا هنا ان نبحث مسألة الاسلوب الانتقائي ذي الغرضية، في التحليل. ويكفينا، في موضوعنا، ان نحصر الامر في بعض ـ حتى بعض ـ البلدان التي مارست الكفاح المسلح، كفلسطين والجزائر، والذي لا فضل لاحد في ان يعترف به.
ان الاحزاب الماركسية ـ اللينينية (الشيوعية) كانت او هي موجودة، في تلك البلدان، قبل اندلاع الكفاح المسلح. فهل حل ذلك التعارض الذي تفترضه "المناقشة"؟ وهل ان تلك الاحزاب هي التي قادت او تقود ذلك الكفاح، الذي نضجت له الظروف، طالما هو قائم؟!
كلا! وكلا! ان التعارض يبقى، وانما بشكل معكوس. فليس طرح وممارسة الكفاح المسلح كان يعيق بناء الحزب الماركسي ـ اللينيني، وانما نوعية "البناء" الموجود هي التي كانت تعرقل الكفاح المسلح وتؤخره، ومن ثم تعيش على هامشه، وتتهافت وتسقط بنتيجته.
والتجربة المرة لفشل الاحزاب الشيوعية العربية الكلاسيكية، تتلخص في الخلط بين النظرية الثورية والحركة الثورية، اي بين الصورة والاصل، بين الدعاية والنضال، بين "الحكاية" والحياة. فليست الماركسية ـ اللينينية هي التي اوجدت الحياة، وانما الحياة هي التي اوجدت الماركسية ـ اللينينية. ومثال كوبا هو أنضج دليل على ذلك، حيث ان الثورة تطورت الى تبني الماركسية ـ اللينينية بدون، وحتى برغم، الحزب الماركسي ـ اللينيني الذي كان موجودا اي (الحزب الشيوعي السابق).
ومن لم يتعلم من هذه التجربة، باهظة الثمن، سيضيع قبل العثور على الحلقة المفقودة، التي يتوقف على ايجادها، والتمسك بها، ضمان عدم الانزلاق الى المهاوي نفسها.
وفي الاخير، تقتضينا الامانة للحقيقة والواقع، الاعتراف بأن "جماعة طانيوس شاهين" لم تكن السباقة الى الدعوة الى بناء الحزب الماركسي ـ اللينيني. و"الجماعة" تعرف ذلك جيدا، ولا ندري لماذا تجاهلته ايضا وايضا. فعدا الحزب الشيوعي الكلاسيكي، نشأ في لبنان مثلا، عدد من الاحزاب والتكتلات، ناهيك عن الحلقات، الماركسية ـ اللينينية، منها من انبثق من الحزب الشيوعي، ومنها من حزب البعث، ومنها من حركة القوميين العرب، وغير ذلك من المنابع الحزبية او اللاحزبية السابقة، هذا عدا عن بروز اتجاهات تزداد وضوحا، في حركة القوميين العرب، وحزب البعث، لتبني الماركسية ـ اللينينية، بصراحة ودون مواربة. حتى ان احد هذه الاحزاب يأخذ اسم "الحزب الشيوعي" مضيفا اليه عبارة (الماركسي ـ اللينيني) بين قوسين للتأكيد على هويته النظرية، عن طريق الامعان في رفع النبرة.
ولكن "بناء" هذه الاحزاب والتكتلات، ليس فقط انه لم يحل المشكلة، بل زادها إشكالا. وكل ما فعله هذا "البناء" ـ موضوعيا ـ هو انه طرح بكل حدة السؤال الآتي الملحاح، مزدوج المعنى:
ـ ما العمل؟
واذا كان في نية احد بناء حزب ماركسي ـ لينيني (!) جديد، يضيفه الى التشكيلة القائمة حاليا، فإنه لن يقرّب شعار الكفاح المسلح او الثوري غير المسلح، بل سيبعده اكثر. وكل ما سيفعله حينذاك، هو انه سيرسم علامة استفهام جديدة، في آخر السؤال إياه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا


.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024




.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال


.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري




.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا