الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقابلة ما بعد الوفاة مع سمير أمين Posthumous Interview with Samir Amin الحلقة السابعة

ابراهيم منصوري

2018 / 12 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


إليكم في ما يلي تفاصيل الحلقة السابعى من حوار مجلة "فك الارتباط" (Deconnection Journal) بعد الوفاة مع الاقتصادي المقتدر سمير أمين.

• رئيس المجلس العلمي: مرحباً بك مرة أُخرى، دكتور أمين، في إطار الحلقة السابعة من حوارنا "البوستهيوم". وعدتَنا في الحلقة السابعة أنك ستُسْهِب في شرح التخلف في علاقته بالروابط المعقدة (Articulations complexes) بين مركز النظام الرأسمالي ومحيطه...

• سمير أمين: إن ظاهرة التخلف ونعتها مفاهيمياً بهذا الاسم لم يظهرا في الوعي الفكري للإنسان إلا بعد الحرب العالمية الثانية رغم أن الظاهرة نفسها ربما ترجع إلى آلاف السنين. إلا ان المتخصصين في العلوم الاجتماعية، خاصة علماء الاجتماع ومعهم حتى الاقتصاديون الكلاسيكيون، غالباً ما كانواْ يتقاطعون في رفض تدخل علم الاقتصاد في هذه النازلة. وفي هذا الإطار، غالبا ما كان الاقتصاديون الكلاسيكيون من أمثال "أدام سميث" و"ديفيد ريكاردو" و"جون ستيوارت ميل" يبدؤون تنظيراتهم في الاقتصاد السياسي بتاريخ البشر البدائيين المتوحشين الذين لا يملكون حتى ذرة واحدة من الرشادة الاقتصادية (Rationalité économique ) لكي يبينوا معنى السلوك الاقتصادي الرشيد في المجتمعات المتحضرة. وبهذا المعنى فإن الاقتصاديين الكلاسيكيين والنيوكلاسيكيين (Classiques et néoclassiques) قد خلقواْ بالفعل اقتصاداً سياسياً كونياً ولا تاريخيا (Ahistorique) في نفس الوقت مع تعريفه كعلم للتبادل الاتجاري (Science de l’échange marchand ) وكحقل معرفي مبني أساسا على فرضية الرشادة؛ ولكن هذه الفرضية التي يعتبرونها حقيقة كونية (validité universelle) لا يمكن أن تنطبق على مجتمعات ما زالت لم تصل إلى درجة كافية من الرشادة الفردية والجمعية، مما يحتم على الاقتصادي إقصاءها من البحث. أما ثلة من علماء الأنتروبولوجيا فيعتقدون جزماً أن المجتمعات المتخلفة بما فيها التجمعات البدائية لا يجب أن يبحث فيها الاقتصادي نظراً لما يسمى بوحدة الفعل الاجتماعي ( Unité du fait social)، أي أن المضامير (Les sphères) الاقتصادية والسياسية والقانونية والإيديولوجية مترابطة بما يكفي لتفضيل تحليل عام لهذه المجتمعات عوض سجنها في إقطاعية الاقتصادي (Le fief de l’économiste). بعد الحرب العالمية الثانية، ظهرت مدارس فكرية جديدة تحاول فهم التخلف انطلاقا من النظرية الكلاسيكية نفسها معتقدة أن لحاق المجتمعات المتخلفة بركب العالم المتحضر لن يتم إلا بطريقة خطية (Voie linéaire)، أي باتباع نفس المسار الذي سلكه الغرب، بالمعنى العام أن التخلف ما هو إلا تأخر في التنمية. إلا ان جماعة من علماء الأنتروبولوجيا حشرواْ أنفسهم في علم الاقتصاد معتقدين أن آليات التحليل الاقتصادي المبتكرة من طرف الكلاسيكيين والنيوكلاسيكين، بما فيها مبادئ التعظيم (Maximisation) والسعي وراء تحقيق الدرجة المثلى (Optimisation) والمرونة (Elasticity) والعرض والطلب والاستهلاك والرأسمال (Supply, demand, consumption and capital)، يمكن أن تُسْتعمَل في التحليل الاقتصادي للمجتمعات المتخلفة رغم أنهم غالباً ما يعترفون أن مَعْلَمَات (Paramètres) سلوك التعظيم والسعي إلى الدرجة المُثلى قد تختلف في هذه المجتمعات بالمقارنة مع العالم المخملي المتقدم. هذه هي وجهات نظر المدارس الفكرية في ظاهرة التخلف قبل أن يتدخل الفكر الماركسي في الموضوع ويطور آليات تحليلية جديدة، بل إن الفكر الماركسي قلب كل الموازين في هذا الحقل المعرفي مفاهيمياُ ومنهجيا وتفنناً في دمج علوم متعددة إلى جانب علم الاقتصاد من أجل تمحيص أرقى للظاهرة...

• رئيس المجلس العلمي (مُقَاطعاً): ما هو الجديد في هذا التنظير الماركسي في علاقته بظاهرة التخلف؟

• سمير أمين: إن التحليل الماركسي الذي يتقاطع أحياناً مع التيار البنيوي (Courant structuraliste) يرى أن هناك ترابطاً وثيقاً بين المجالات الاقتصادية والإيديولوجية والسياسية من جهة وخصوصيات القواعد الاجتماعية السائدة في كل مجتمع على حِدَة، بحيث ان أية محاولة للتفكير الاقتصادي القُح على أساس مُصْطَلَحَي التبادل الاتجاري (Merchant Exchange) والرشادة الاقتصادية (Economic Rationality) لن تكون إلا فاشلةً فشلاً ذريعاً. كما أن الاقتصادي الحقيقي الذي يُعْمِلُ عقله ولا يطلقه في إجازات طويلة جداً لا يغفل قيد أُنْمُلَة عن تحليل المفاصل المِحْوَرِية (Articulations) بين جميع المجالات المعرفية قبل أن يسْبُر أغوار البُؤَر المُحددة (Sphères déterminantes) ليتضح له بعد ذلك أن المجال الاقتصادي على مستويات الإنتاج والتبادل وتوزيع المداخيل (Income distribution) لا يُمكن الاستغناء عنه البتة إذا أردنا فعلاُ أن نفهم المجتمعات؛ وهذا ما يُفضي في الأخير إلى أهمية تحليل أنماط الإنتاج (Analyse des modes de production). وبما أن الاقتصاد المُعاصر يشتغل كنظام عالمي أو في إطار ما نسميه بالْعَوْلمة (Globalization)، فما على الاقتصادي إلا أن يبذل المزيد من الجُهْد حتى يتمكن من الوصول إلى الفكرة التي مفادها أن تركيبة أنماط الإنتاج تتمفصل داخل النظام الاقتصادي العالمي وانطلاقا من نواته الصلبة (ٍSon noyau dur) التي يشكلها مركز النظام الرأسمالي نفسه، بمعنى أن الاقتصاد العالمي تتمفصل فيه تشكيلات اقتصادية واجتماعية (Formations économiques et sociales) على شكل شبكة من المتروبولات (Métropoles) والأقمار (Satellites) التابعة لها، أي على شاكلة أنماط إنتاج مُهَيْمِنَة ومُهَيْمَن عليها (Modes de production dominés et dominés). ولهذا فإن التخلف يبدو كالمظهر (Apparence) الذي تطل به أنماط الإنتاج الرأسمالية وما قبل الرأسمالية عبر تمفصلها ملأ النظام الاقتصادي الرأسمالي على الصعيد العالمي...


• رئيس المجلس العلمي (مُقَاطِعاً مرة أخرى): ولكن، كيف يمكن فهم هذه التمفصلات (Articulations) بنيوياً؟

• سمير أمين: كنت سأمر إلى هذه النقطة قبل أن تقاطعني للمرة الثانية. على كل حال، يجب أن تفهم ويفهم القارئ الكريم أن ظاهرة التخلف تتمظهر عبر خاصيات بنيوية ملتصقة به؛ وتتمثل أساساً في الهيمنة عليه عبر تحكم مركز الرأسمالية في الإنتاج وتوجيه هذا الأخير لخدمة حاجيات المركز على حساب المُحيط مع تفاوت مُهْوِل في الإنتاجية (Productivité) بين الطرفين. وأعني هنا طبعاً إنتاجية عامِلَي العمل والرأسمال. وتجدر الإِشارة هنا إلى أن التخلف كنتيجة للتمفصل غير المندمج (Articulation non intégrée) لأنماط الإنتاج لا يجب اعتباره كحالة فحسب بل كمسلسل (Process)، أي أن ينبوع التخلف يجب البحث عنه في اندماج التشكيلات الاقتصادية والاجتماعية ما قبل الرأسمالية في مسلسل التطور التاريخي للنظام الرأسمالي العالمي. إن التخلف ما هو في الأساس إلا ظاهرة ناجمة عن ضعف موضوعي في القوى الإنتاجية (Forces productives) ببلدان المحيط من جهة، ولكن، من جهة أخرى وبالأساس، يجب تفسير التخلف عن طريق فهم أحسن لاندماج أنماط الإنتاج ما قبل الرأسمالية في نظام رأسمالي عالمي مهيْمِن ما فتئ يعيق كل محاولة لتحسين قوى الإنتاج ببلدان المحيط. ولنعبر عن هذه الفكرة بطريقة أخرى أكثر إجمالاً وتفهيماً، فإن التخلف في حقيقة الأمر ما هو إلا ظاهرة ناتجة عن تلاقي أنظمة اقتصادية واجتماعية تقليدية مع أنظمة إنتاج رأسمالي أكثر تطوراً بحيث يشبه هذا التلاقي تجميع اسماك صغيرة جداً مع أحوات ضخمة تفترسها بلا هوادة. إنها التنمية اللامتكافئة (Développement inégal) بامتياز. وفي هذا الإطار، أود أن أضيف أن التحليل الماركسي لا يلغي أهمية الحواجز السوسيو-ثقافية (Blocages socio-culturels ) في تفسير ضعف قوى الإنتاج ببلدان المحيط، إلا أن هذا الضعف لا يجد معناه الحقيقي إلا في الهيمنة الامبريالية الرهيبة التي تكرس العراقيل السوسيو-ثقافية نفسها.

• رئيس المجلس العلمي: لقد ذكرتني هنا يا أستاذي العزيز بكتابك القيم حول "التنمية اللا متكافئة" والمنشور بدار "مِينوِي" في بباريس تحت عنوانه الفرنكوفوني "Le développement inégal : Essai sur les formations sociales du capitalisme périphérique ". في الحلقة القادمة، سنطلب من الدكتور سمير أن يُسْهِبَ أكثر في شرح نظريته حول التنمية اللا متكافئة بحثاً عن أفاق للخروج من التخلف الذي ما زال يلقي بثقله على بلدان الجنوب. شكرا سيدي سمير على هذا الحوار الشيق؛ وإلا اللقاء في الحلقة القادمة.

• سمير أمين: شكرا جزيلاً سيدي مع أمل اللقاء بك مجددا مع العلم أننا سنتجاذب أطراف الحديث إذاك حول التخلف والتنمية اللامتكافئة دون أن ننسى تعاليم المادية التاريخية (Matérialisme historique) التي تذهب إلى أن لكل مستوىً لتطور قوى الإنتاج مستوىً يماثله على صعيد تطور العلاقات الاجتماعية للإنتاج (Rapports sociaux de production)، كما أن لكل نوع من علاقات الإنتاج إيديولوجية معينة: لا بد من وجود ترابطات معقدة بين البنيات (Interdépendances complexes entre les structures). ويذكرني هذا بما قاله العلامة ابن خلدون حين عرف البنية على أنها مجموعة علاقات بين عناصر متعددة بحيث أننا إذا أزحنا ولو عنصراً واحداً ووحيداً من هذه البنية فإنها ستتغير حتماً وجذرياً. هذا المنهاج هو الذي سنسلكه عند التطرق بإسهاب لظاهرة التنمية اللامتكافئة في الحلقة القادمة مع جزيل الشكر والامتنان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: حماس تمارس إبادة جماعية ورفضت جميع المقترحات المتعل


.. الدكتور مصطفى البرغوثي: ما حدث في غزة كشف عورة النظام العالم




.. الزعيم كيم يشرف على مناورة تحاكي -هجوماً نووياً مضاداً-


.. إيطاليا تعتزم توظيف عمال مهاجرين من كوت ديفوار وإثيوبيا ولبن




.. مشاهد جديدة وثقتها كاميرات المراقبة للحظة وقوع زلزال تايوان