الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيوتو (٢)، هم الذين يطلقون سراح الشمس

منير المجيد
(Monir Almajid)

2018 / 12 / 17
سيرة ذاتية


بدأ يومي الثاني في كيوتو في المطعم المخصص للإفطار.
أول ما يُلاحظ هو ذاك الصمت المُطبق، الهمسات وحركة الضيوف الخفيفة اللصيقة بالأرضية الخشبية. لا ضجيج للصحون والملاعق.
مثل كل مطاعم فنادق الدنيا، كان هناك «بوفيه». الفارق في اليابان هو أن البوفيه تتألف من قسمين منفصلين، قسم الطعام الغربي، أخباز، سجق، بيض مسلوق أو مقلي، أجبان.
مُملّ يفتقر إلى الإبداع.
الثاني هو الطعام الياباني. الأرز دائماً حاضر، عدة أنواع من النودلز، شوربة الميسو الأبدية تُضيفُ إليها ما شئت: توفو، أعشاب بحرية وهكذا، أسماك نيئة ومطبوخة، لحوم دجاج وأبقار وخنازير. بالنسبة لي هذا القسم هو بيت القصيد.
كثير من الضيوف كانوا يرتدون الكيمونو والخف لإضافة المزيد من الكتومة على الجو. حتى الأطفال كانوا يتبعون الطقوس وتسمعهم يهمسون «إتاداكيماس» قبل البدء بتناول الطعام. يُقال أن الأطفال يتعلمون هذه الكلمة قبل «ماما» و «بابا».
حسناً، ليس لدي الوقت الكثير، فأمامي برنامج حافل اليوم. زيارة معابد المدينة وضواحيها.
المعروف أن معظم المعابد الحالية في كيوتو بناها رجال كان نفوذهم كبيراً حينذاك، قادة عسكريون، سياسيون، أغنياء وإقطاعيون.
فيها أكثر من ١٦٠٠ معبد، ١٧ منها هي كنوز وطنية وإرث ثقافي هام، وبعضها وضعته منظمة اليونسكو على لائحتها كإرث عالمي. أشهرها المعبد البوذي Byodo-in، والفضي Ginkaku-ji والذهبي Kinkaku-ji، و Kiyomizu-dera.
أردت أن أبدأ بالأخير (كي يو ميزُ-ديرا)، لأنه يقع على الجبال الشمالية التي تطل على المدينة.
قطار الضواحي، على خلاف الشنكسن المجنون، بطيء الإيقاع.
مدخل إلى الأجواء الروحانية التي أتوقعها من زيارة واحد من أشهر معابد اليابان.
هناك على جانبي الطريق المؤدي إلى المعبد حوانيت الهدايا التذكارية والأواني المطبخية الفخاريّة المصنوعة في قرى الجوار، ومطاعم صغيرة تُقدّم الرامن والسوبا والنودلز وبيرة مُثلّجة.
الطريق عثرٌ، وفي الأفق ترى البرج المستدق يرتفع شاقّاً الغابة المحيطة. الرؤية هناك ضبابية قليلاً، والغيوم القاتمة المستلقية على كتف الجبل تُنذر بمطر مفاجئ.
حينما بلغتُ الساحة الكبرى لمباني المعبد كنت قد استنفدت كامل طاقتي أيضاً، وازداد الضباب وجاءت نسمة عابثة ثم مطر. في الدكانة الصغيرة وضعوا دلواً في الخارج مليء بالمظلات، فالتقطت واحدة. بقية الزوار، الأذكى مني، سحبوا معاطفهم المطرية الشفافة مغطين رؤوسهم وأكتافهم.
من جهة يمين الساحة منحدر جبلي سحيق، وفي الجهة المقابلة المعبد الأكبر، يليه الأصغر «جيشو»، المخصص لآلهة الحب.
زيارة المعابد هي للتأمل، وفهم روح الأمم. بعض الزوار كانوا يقفون عند المذبح ويستغرقون في صلاة صغيرة. أنا كنت أفكر قليلاً وألتقط كثيراً من الصور.
أعدت المظلة إلى مكانها، وكان المطر قد صار رذاذاً خفيفاً، رجعت نحو محطة القطار الصغيرة المجهرية.
عرجت على «بيودو-ان»، الذي بُني، في الواقع، كبيت ريفي للسياسي ذوي السلطات الواسعة «فوجيوارا نو ميچيناغا» عام ٩٩٨، ثمّ حُوّل إلى معبد بوذي فيما بعد.
بقي على قائمة اليوم المعبدان الأشهر لدى السياح، الذهبي والفضي. اليابانيون يفضلون الفضي، بينما السياح يعشقون الذهبي. كلاهما ممتعان بسبب البناء الساحر ذي الشكل الأرستقراطي، والحديقة التي تحيط ساحة الرمل التي يسعى الرهبان إلى رسم أشكال هندسية عجيبة عليها بالعصا.
منظر انعكاس البناء المطلي بالذهبي على البحيرة الصغيرة بقربه، ومن ثمة إنعكاس أشجار الكرز بورودها البيضاء والوردية (الساكورا)، والأسماك الملونة التي تسبح بانتظار لا شيء، لن تراه في أي مكان سوى كيوتو.
حينما عدت إلى قلب المدينة، تعباً من الترف الروحي هذا، انتهى بي المطاف إلى منطقة الغيشا في حي «غيون». قلب المدينة النابض المزدحم. كان المساء قد امتد في كل مكان، والمطر جعل أضواء المدينة ، شارات المرور والسيارات تنعكس بلمعة محبّبة. زرت معبد «ياساكا-جينجا» بلونه الصاخب، متناغماً مع المنطقة والموقع.
في طريق العودة إلى الفندق، شممت رائحة لا يُخطئ أي شرق أوسطي فيها. شاورما وفلافل. وكأنني نُوّمتُ مغناطيسياً فتحت باب المُطيعم، فاستقبلني شاب بسحنة معروفة ورحب بي باليابانية.
طلبت بيرة «أساهي سوبر دراي» وتحدثت مع الشاب المنحدر من إيران، والذي، كما هو واضح، يعتدي على حرفتنا في الفلافل. طبعاً، بعد أن تذوقت واحدة لإشباع فضولي. لم تكن جيدة على الإطلاق. وحينما سألني عن رأيي، كذبت وقلت إنها جيدة. البيرة كانت جيدة بالمقابل، لأنها سدّت ثقب الجوع في معدتي التي اعتاشت على إفطار الفندق طيلة الوقت.
ذهبت في جولة في أنحاء المحطة (Kyotoeki)، وشعرت بألم في ساقي، وأصابتني حركة الناس السريعة بالدوار.
في شارع جانبي يقع بين المحطة وفندقي دخلت Izakaya Miho. وكلمة إيزاكايا تشمل تلك البارات التي تقدم كل أنواع المشروبات علاوة على وجبات صغيرة. تماماً مثل بارات التاپاس الإسبانية، أو مطعم «قصر البللور» في حي باب توما الدمشقي. بنسخته في زمن السبعينات بطبيعة الحال.
(يتبع)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انطلاق معرض بكين الدولي للسيارات وسط حرب أسعار في قطاع السيا


.. الجيش الإسرائيلي يعلن شن غارات على بنى تحتية لحزب الله جنوبي




.. حماس تنفي طلبها الانتقال إلى سوريا أو إلى أي بلد آخر


.. بايدن يقول إن المساعدات العسكرية حماية للأمن القومي الأمريكي




.. حماس: مستعدون لإلقاء السلاح والتحول إلى حزب سياسي إذا تم إقا