الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عرض وقراءة في كتاب - الاغتيال الاقتصادي للأمم -، اعترافات قرصان اقتصاد (3)

عطا أبورزق

2018 / 12 / 17
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


رئيس وبطل بنما
بناء قناة مائيه عبر برزخ أمريكا الوسطى تربط بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادي لحساب كولمبيا، والذي تم الشروع فيها منذ العام 1881م وانتهى في العام 1889، سببت لكولومبيا كارثة مالية. هذا الفشل فتح شهية الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت "ثيودور روزفلت "، في بداية القرن العشرين طالبت الولايات المتحدة كولومبيا بالتوقيع على معاهدة يتم بموجبها تحويل البرزخ تحت إشراف اتحاد شركات " أمريكا الشمالية" الأمر الذي رفضته كولومبيا. في العام 1903م أرسل " روزفلت " الاسطول " ناشفيل " الحربي، حيث قام الجنود الأمريكان بالقاء القبض على المليشات المحلية التي تحرس القناة وقاموا بقتلهم جميعاً، وأعلنوا " بنما " دولة مستقلة، ونصبوا حكومة شكلية عميلة، وتم التوقيع على معاهدة القناة الأولى التي منحت الشرعية لوجود منطقة أمريكية على جانبي القناة مستقبلاً، وللتدخل العسكري، ومنحت واشنطن سيطرة فعلية على تلك الدول المشكلة حديثاً. تكمن المفارقة كما يقول " بركنز " بأن من وقع على المعاهدة ليسوا البنمين بل من وقعها هما وزير الخارجية الأمريكي والمهندس الفرنسي " فيليب بونو فاريللا " الذي كان عضوا في فريق العمل الأساسي ابان محاولة الفرنسيين شق القناة. وأجبرت بنما على الانفصال عن كولومبيا كي تخدم مصالح وأغراض الولايات المتحدة.
بعد نصف قرن ويزيد قليلاً من ممارسة أقلية من العائلات الثرية المدعومة من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) ووكالة الأمن القومي الأمريكي (NSA) للحكم في بنما، تمت الاطاحة "بأرنولفو أرياس " بعد انقلاب عسكري. تولى "عمر توريخوس " الحكم بعد ذلك. يتمتع " توريخوس " بشعبية كبيرة تجاوزت حدود بنما، فهو مدافع حازم عن حق بنما في الاستقلال وبسيطرة بلاده على قناة بنما. اتهم بتحويل بلاده إلى مأوى للفارين من الاضطهاد، ومنح حق اللجوء السياسي للاجئين السياسيين على جميع أصنافهم، بداية من أشد اليسارين عداوة لبينوشيه في شيلي إلى المليشيات اليمينية المناهضة لكاسترو. وقد طور سمعته كقائد كرس نفسه لحل الخلافات بين الأحزاب المتشاحنة في الكثير من دول أمريكا اللاتينية، لهذا كانت الناس يرون فيه رسول سلام في قارتهم. نزع " توريخوس " بنما من أن تبقى دمية في يد واشنطن وفي أي يد أخرى. لم يستسلم للإغراءات التي عرضتها موسكو أو بكين، وكان يؤمن بالإصلاح الاجتماعي ومساعدة الفقراء، ولم يؤيد الشيوعية، وكان مصمماً على كسب الحرية من الولايات المتحدة دون تحالف مع أعدائها.
يقول " بركنز " بأن المهمة التي أرسل من أجلها إلى بنما في هذا الوقت هي أنهاء مفاوضات أول خطة رئيسة شاملة للتنمية الحقيقية في بنما، وستفتح هذه الخطة للبنك الدولي وبنك التنمية الأمريكي، وهيئة المعونة الأمريكية USAID مجالات للاستثمار بمليارات الدولارات في قطاعات الطاقة ووسائل المواصلات والزراعة. ويؤكد بأن الأمر في جوهره ينطوي على خدعة ووسيلة لجعل بنما ترزح تحت الديون لتعود مرة أخرى لتصبح دمية في يد الولايات المتحدة.
يضيف " بركنز " بأن " توريخوس " أظهر له معرفة كبيرة وواضحة بالعديد من الحوادث التي حدثت في العديد من دول العالم بدأً من إيران وكيفية تدبير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA خطة للإطاحة برئيس الوزراء " محمد مصدق " في العام 1951م بعد أن حرضت عليه واتهمته بالشيوعية. وكيف أطاحت بـ " جاكوب أربينز " رئيس جواتيمالا بعد أن عمل على اصلاح قانون امتلاك الأراضي حيث كان 30% من السكان يمتلكون 70% من الأراضي، الأمر الذي أضر بمصالح شركة الفواكه المتحدة التي يمتلكها ( شركة زاباتا للبترول، وجورج بوش، والسفير الأمريكي في الأمم المتحدة في حينه )، حيث تتمتع بنفوذ واسع في أمريكا الوسطى، مما دفعها لترويج حملة شعبية واسعة ضد " أربينز " في الولايات المتحدة، وأمام الكونجرس الأمريكي، حيث أدعت بان " اربينز " جزء من مخطط روسي، وجواتيمالا محكومة سياسياً واقتصاديا للسوفييت، حيث قامت الولايات المتحدة بضرب جواتيمالا بالطائرات في العام1954 أدت إلى الأطاحة ب " اربينز " ونصبوا بدلاً منه الكولونيل " كارلوس كا ستيلو أرماس "، الذي خضع بشكل كامل لإرادة شركة الفواكه المتحدة، والغي قانون الأراضي، واسقط الضرائب عن فوائد الأرباح المستثمرة في جواتيمالا، والغى الانتخابات، وزج الالاف في السجون. وكذلك معرفته بعلاقة شركة "مين MAIN" بشركة بكتل التي تعد من أكبر الشركات الهندسية في العالم والتي تربطها علاقة وطيدة بنيكسون و فورد وبوش.
ويقول " بركنز ": لقد صدمني " توريخوس " بما أظهره من معرفة كبيرة وواضحة بحقيقة ما تقوم به شركتنا "مين MAIN" من تضخيم لحجم المشروعات التي نقدمها، ومعرفته بأن لعبة المساعدات لعبة خادعة، ورغم ذلك فقد طلب مني "توريخوس " مساعدة بلاده على أن يكون أدائها نموذجياً، وأن تكون مصالح فقرائهم في صلب اهتمامنا، وأن تصل خدمات الكهرباء والاتصالات والمواصلات إلى أفقر فقراء بنما وبسعر مدعم، ويؤكد "بركنز" بأنه خرج من لقاء " توريخوس" وهو متأكد من ان شركته " مين MAIN " ستوقع عقد الخطة الرئيسية لتنمية بنما، وأن هذا لن يثني " توريخوس" عن عزمه على استعادة القناة لسيادة بنما.
مفاوضات قناة بنما
يقول " بركنز " بأنه قرر بأن يكون صادقاً في تنفيذ ما اتفق عليه مع " توريخوس " بأن يأخذ مصلحة فقراء بنما في حساباته وهو يضع تقديراته لمشروع الطاقة التي ستنفذه شركته في بنما، ولهذا لم تنل تقديراته إعجاب مدراء شركته، فهي لم تصل لحد مستويات التضخم المعتادة، لكنه كما يقول ضمن لشركته (مين MAIN) استمرارية العمل وكسب عقود جديدة في بنما.
ويضيف بأن ما وعد به "يوريخوس" من استعادة القناة لسيادة بلدة قد تحقق بعد أن توصل لاتفاق مع الرئيس جيمي كارتر في العام 1977م وتم حسمه نهائياً بتصويت الكونجرس بفارق صوت واحد، وهذا قد اثار حفيظة وسخط المحافظين في واشنطن، وشنت منابر الوعاظ الدينيين حملة تحريض شرسة بحق كارتر، على اعتبار أن قناة بنما تعد بمثابة حائط الدفاع القومي، والرمز الدال على براعة الولايات المتحدة، فهي كما يقول "بركنز" الممر المائي الذي يربط ثروات أمريكا الجنوبية بثروات ومصالح واشنطن الاقتصادية.
يقول "بركنز" بانه في بداية الثمانينيات بعد اسقاط جيمي كارتر وصعود ريجان والمحافظين الجمهوريين للحكم، فإن نجاحات "توريخوس" التي حققها أولاً في استعادة القناة إلى أصحابها الشرعيين، وفي تسوية الخلافات بين إشتراكيي أمريكا اللاتينية والدكتاتوريين، وثانياً ثنائه على خطة يابانية لاستبدال قناة بنما الحالية بأخرى أكثر كفاءة قد أثارت حنق وحقد إدارة ريجان ورؤساء الشركات المتعددة الجنسيات، وعلى رأس هذه الشركات شركة بكتل، التي تربطها علاقات متينة مع قادة إدارة ريجان (جورج شولتز وزير الخارجية، وكاسبر وينبرجر وزير الدفاع)، حيث ستقصي الخطة اليابانية هذه الشركة عن الاسهام في ذلك المشروع الهندسي المربح والذي يعد مشروع القرن. لكل هذه النجاحات وغيرها قررت إدارة يجان التخلص من " عمر تريخوس" بحادث طائرة ونصبت بدلاً منه الجنرال " مانويل نوييجا ".
الولايات المتحدة تغزو بنما
بعد تولى مانويل نورويجا حكم بنما، بدأ ملتزماً بالسير على خطى سلفه ومعلمه كما يقول " بركنز"، ويضيف بأنه ابدى اهتماماً كبيراً في قضية الفقر والاضطهاد التي تعاني منهما أمريكا اللاتينية. وكانت أولى مشروعاته هو مواصلة استكشاف إمكانية شق قناة جديدة يمولها اليابانيون، ووجه هذا المشروع بمعارضة شرسة من واشنطن وشركاتها الخاصة.
بالرغم من الخدمات الجليلة التي قدمها نورويجا للولايات المتحدة وللمخابرات المركزية CIA إلا أن إدارة بوش الأب عمدت إلى شيطنته وإظهاره بمظهر الفاسد والمقامر الذي يشارك تجار المخدرات بالباطن، وقتله لخصمه السياسي هوجو سبادافورا بيد الوحدة جي -2 التي كان يترأسها. يقول " بركنز" استغل الرئيس جورج بوش الذي كان يعاني من تدني في شعبيته رفض نورويجا إعادة التفاوض وتمديد عمل مدرسة الأميركتين لمدة 15 سنة قادمة التزاماً منه بما صنعه سلفة " توريخوس " وشن على بنما حرباً كاسحهً قتل فيها الجيش الأمريكي الألاف من البنميين وشرد عشرات الألاف، ومنع خلالها الجيش الأمريكي وسائل الإعلام والصليب الأحمر والمراقبين الأجانب من الدخول للأماكن التي تم قصفها وتدميرها خوفاً من اكتشافهم لما ارتكبوه من جرائم. ويضيف "بركنز" بأنه برغم الضجة العالمية على غزو بنما وانتهاك واشنطن للقانون الدولي والتدمير الغير مبرر لشعب اعزل ولم يشكل أي تهديد أمني على الولايات المتحدة، إلا أن الشعب الأمريكي لم يكن يعلم ما تفعله بلادة مطلقاً وذلك نتاج ما مارسته إدارة بوش من حملة تعتيم إعلامي داخلي بهذا الخصوص.
يشير "بركنز" أن قناعته قد ازدادت بعد الغزو بأن ما حدث كان إشارة إلى أن السياسة الأمريكية ارتدت إلى الأساليب العتيقة في بناء الامبراطوريات، إلى درجة أن إدارة بوش قررت أن تزاود على إدارة ريجان وتظهر للعالم عدم ترددها في استخدام القوة من أجل تحقيق غاياتها، وكانت أيضاً بمثابة رسالة واضحة للعراق الذي رفض الانصياع لرغباتها وتعليماتها.
يتبع ....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما ردود الفعل في إيران عن سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز


.. الولايات المتحدة: معركة سياسية على الحدود




.. تذكرة عودة- فوكوفار 1991


.. انتخابات تشريعية في الهند تستمر على مدى 6 أسابيع




.. مشاهد مروعة للدمار الذي أحدثته الفيضانات من الخليج الى باكست