الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا دليل على تشاؤم شوبنهاور

داود السلمان

2018 / 12 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


العالم او المفكر او الفيلسوف، حينما يقدم ما يقدم للمجتمع من عصارة فكره، وخلاصة تجربته في الحياة، وقمة عطائه في التجربة والابداع، ثم يدرك، على بينة ويقين، أن ما قدمه غير مرحب به من قبل هذا المجتمع: اما لسوء فهم واما لعدم ادراك واما لغاية أخرى. فماذا ننتظر من هذا المعني بالأمر؟، هل يفرح ويبتسم ويشد على يد المجتمع، ويرفع له قبعته، ويطأطئ له رأسه؟. أم يتهم المجتمع بما يحلو له أن يتهمه، وبالتالي يعتزله ولا يراه أهلا للخير والعطاء، ثم ينزوي الى ركن يبعده عن اجواء هذا المجتمع، ويفرغ نفسه بالكامل للبحث والدراسة والتجربة؟. هذا ما فعله المجتمع الالماني- آنذاك- بالفيلسوف آرثر شوبنهاور، وهذا ما فعله شوبنهاور مع المجتمع.
فهو اذن ليس ما فعله مسألة تشاؤم، وانما أراد معاقبة ذلك المجتمع برمته، أنْ صح التعبير. فشوبنهاور، في سنة 1831م عندما انتشر مرض الكوليرا في برلين أسرع بالفرار منها متجهًا إلى فرانكفورت، فعاش فيها 27 عامًا حتى ساعة موته، كما هو معلوم، ولو كان متشائما ويائسا، لظل في برلين وفضل الموت حتى يتخلص من عبأ الحياة، لكنه لم يفعل.
فليس صحيحاً القول أنه، وفي سن السابعة عشرة لما مات والده منتحرًا، وأُصيبت جدته لأبيه بلوثة عقلية، ربما بسبب حزنها المُفرط على ابنها المُنتحر، انقلبت حياة شوبنهاور إلى حياة شقاء بعد أن فقد أبيه، وأيضًا بسبب خلافاته المستمرة مع أمه، كل هذا قد سبب له حالة من القنوط حتى غاص في اعماق الشؤم، واخذت فلسفته تنحو هذا المنحى. وطبعا، نحن لا نتفق مع هذا الرأي ابداً، ونراه رأي خاطئ.
أحد الباحثين، وهو حلمي القمص يعقوب، يذم شوبنهاور من حيث يمدحه، ويمدحه من حيث يذمه، فيقول فيه "نادى بالتشاؤم، لكنه لم يحيا حياة التشاؤم، ولم يقم بتمثيل البطل ولا أحد الأفراد البارزين في التشاؤم". فعبارته: " لكنه لم يحيا حياة التشاؤم" نستدل منها على ان شوبنهاور فعلا لم يكن قط متشائماً وهذا كلام واضح. ويضيف، وهو في موقف ذم لشوبنهاور:" كان يحبذ الانتحار، وبالرغم من أنه عاش وحيدًا تنتابه الوساوس والمخاوف، وكان أحق إنسان بالانتحار، لكنه لم ينتحر، بل أنه كان يتمنى العمر الطويل"(1).
وقوله: أنه كان يحبذ الانتحار، كلام باطل وهو افتراء على الرجل، وقد اشرنا في المقال الاول الى أن شوبنهاور كان يبغض الانتحار ولا يحبذه لأحد فعل ذلك، ربما انه يتذكر مأساة والده.
ما تنبأ به شوبنهاور من أن فلسفته سوف تصبح محط انظار الفلاسفة وطلاب الفلسفة والدارسين، وسوف يلمع اسمه في سماء نجوم الفلسفة، وسيخلد كما تخلد مما سبقه من عظماء، وخصوصا عظماء الفلسفة، ككانط وديكارت واسبينوزا، وقبلهم افلاطون وارسطو، لهو أكبر دليل على تفاؤله بالحياة وبمستقبل فلسفته التي قضى سني عمره وهو يحيك خيوطها، وينسج حبالها على ضوء ايامه المتداعية. ولنا ايضا عودة اخرى للخوض في هذا السجال.
هامش:
(1) راجع الرابط: https://st-takla.org/books/helmy .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س