الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 3

دلور ميقري

2018 / 12 / 19
الادب والفن


امرأته، هيَ مَن أعلمته أول مرة بوجود دفتر كبير لدى زوجة أخيها، " يحتوي على قصص شبيهة بما تكتبه أنت "، بحَسَب تعبيرها. في واقع الحال، أنّ " سلوى " لم تقرأ له شيئاً عدا نصف دزينة قصائد حب، كان قد أرسلها إليها في فترة الخطوبة عبر خدمة الماسنجر. فلما عاين انعدام اهتمامها بالقراءة الأدبية، فإنه كفّ عن لفت نظرها إلى جديد كتاباته. مع الأيام، لاحظ أنه من العبث محاولة إثارة اهتمامها بأيّ موضوع جديّ، جدير بالجدل والنقاش. كان إذاً قد نسيَ أمر الدفتر، حينَ ذكّرته صاحبته به في غير قليل من التردد. لاحَ أن " حسنة " كانت خجلة من وضع نفسها إلى جانبه؛ هوَ الكاتب المشهور ـ كذا!؛ على الأقل، هذا ما باحت به آنَ سلّمته ذلك الدفتر قبيل سفرهما إلى الصويرة بعربة عديله. وإنها صغرى البنات، هذه المرة، التي أعلمت " سلوى " بحيازة زوجها للدفتر. هذه الأخيرة، نقلت نظرة ضاحكة بين رجلها وعشيقته، ولم تزِد على التعليق بنبرة مداعبة : " أحْ ياني عليكِ، يا حسنة! هل تبغين التباهي أمام دلير، بأنك تمتلكين مثله مَلَكة الكتابة؟ ".
مذ وقت بعيد، كان قد انتبه إلى جانب سيء في خلق " لمى "، ألا وهوَ التجسس على الآخرين. على الرغم مما تبديه من ود تجاهه ( ولا مِراءَ أنه صادق )، فإنها دأبت على إزعاجه بمسلكها المَوْسوم. قبل أعوام، كانوا يقضون جانباً من شهر الصيام في الضاحية نفسها، هنا في الصويرة. أحس أحياناً بتتبعها إياه خفيةً إلى الدكان، كي تأكّد شكّاً كان يُساورها حيال حقيقة التزامه بشعيرة رمضان؛ أنه مثل زوج شقيقتها الكبرى سواءً بسواء، الذي يدّعي الصومَ أمام الآخرين، ولكنه في الخفاء يختلسُ ما طابَ له من طعام وشراب!
ذات صباح، لمحها هنالك في سوق الضاحية. وكانت تهم بالزوغان عن عينيه، لما عمد إلى مناداتها باسمها. ولكنها مشت نحوه بخطوها المألوف، الثابت الواثق، دونما أن تتمكن في المقابل من إخفاء بسمة ساخرة على شفتيها السميكتين. خاطبها بنبرة رقيقة، كعادته معها غالباً، دافعاً إليها كيساً صغيراً من النايلون: " هذا البونبون للأولاد. ممكن أن تعطيه لهم، لو سمحتِ؟ ".
من نتائج تجسسها عليه فيما مضى، أنها وضعته أكثر من مرة في موقف محرج أمام امرأته. وكانت " سلوى " قد صعدت ذات ظهيرة حارة إلى حجرة نومه، ثمة في الصالة العلوية بمنزل الأسرة. كان إذاً يستعد للتوجه إلى الحمّام، لأخذ دُش قبل حلول ساعة الغداء، لما خاطبته وفي عينيها نظرة لوم: " لا تفتح صفحات إباحية، لأنّ اللابتوب يخصّ لمى! ". أثار كلامها ضحكه. إلا أنه أمام نظرتها العابسة، ردّ بالقول: " النت، قُطع صباحاً قبل أن أغلق الجهاز. فلما فتحته أختك لاحقاً، وجدت صفحتي الخاصة بالفيسبوك ". ثم أستطرد موضحاً: " ولمى كما تعلمين فضولية، فراحت تبحث هنالك حتى وقع نظرها على ما ظنت أنها صفحة إباحية. الحقيقة، هيَ صفحة عامة، تديرها مجموعة شيعية عراقية. وكما تعلمين، أن الكاتب يحتاج دوماً لمعلومات تخص موضوعاً ما يهتم بدراسته وتحليله.. "، ولم تدعه يكمل كلامه على أيّ حال. إذ أوقفته، بأن هزت رأسها مع نطق مفردة التأكيد باللهجة الدارجة: " واخا ". بعيد مغادرتها الصالة بقليل، حضرت صاحبة اللابتوب وهيَ تحمل الجهاز بين يديها: " أنده عليّ إذا فرغت منه "، قالتها بنبرة تتكلّف الحياء والاعتذار. كدأبه أحياناً معها، سحبَ حينئذٍ من محفظته ورقة مالية ودسها في يدها. فعل ذلك وهوَ يتسلم الجهاز، قائلاً لها كيلا تشعر بالحرج: " أمس كنتُ في كارفور، ووجدتُ هنالك تخفيضات كثيرة! ".

***
كانت " لمى "، من ناحية أخرى، تكنّ كراهية شديدة لكنّة الدار. إنها تكبرها بعام واحد. ومع ذلك، اعتادت أن تعاملها كما لو أنها " أميل "؛ الصبيّ المشاغب، الذي تعهدت رعايته لنحو أربعة أعوام في منزل أسرته. ولو تركنا المجازَ جانباً، يُمكن القول أنّ هيئة " حسنة " أقرب للصبيّ منها إلى البنت؛ على أقل تقدير، كما كانت تبدو لعينيّ الصهر السوريّ، وذلك في أوان حلوله بالمنزل. إذ كانت نحيلة القوام. تخفي صدرها، الضامر أصلاً، داخل قميص رقيق، وتبدو أيضاً هزيلة الردفين بالبنطال. كذلك الأمر مع شعرها القصير، وكانت تجمعه إلى الخلف بوساطة حلقة مطاطية. في أحد تلك الأيام، كان قد وصل للتو من المطار مع امرأته واستقبلا بآيات الترحيب في منزل أسرتها. عند ذلك انتبه إلى ما خيّل إليه ـ أنها كنّتهم ـ وكانت راقدة على الأريكة، ويدها فوق جبينها. فلما استبطأ نهوضها لتحيته، مثلما ألفه منها وبكثير من الحرارة، فإنه سأل امرأته بصوت منخفض: " يلوح أنّ حسنة مريضة؟ "
" ولكنه شقيقُ حسنة، هذا..! "، قالتها مقهقهةً بصوت مسموع. الحال، أنّ زهدَ الكنّة آنذاك في الاهتمام بأنوثتها، أرجعه في بادئ الأمر إلى نشأتها الريفية. ولكنه أنتبه مع مرور الأيام إلى ملبسها ذاك، المَوْصوف، وأنها قلّما كانت تظهر بغيره، سوى في حفلة من الحفلات. فيما بعد، لما ربطتهما علاقة سرية، فإنها شددت ذات مرة على ما كان يُدركه قبلاً من طبع رجلها: " إنه في غاية الشح، ولم أحصل منه يوماً حتى على ثمن سروال داخلي! ".
وعودة إلى مسلك صغرى البنات مع " حسنة "، بالوسع القول أنّ الأخيرة كونها طيبة وصبورة، فلم ينجم عن ذلك أي مشادة مستطيرة. بل وكانت في بعض الأحيان تحامي عنها قدّام حماتها، أثناء جدال ما، مانعة يدها القاسية من الوصول إلى هدفها. لقد كانت " لمى " الوحيدة بين أشقائها، لناحية عدم الرهبة من هيبة الأم وسطوتها. " للّا منيفة "، كانت من جانبها تعزو الأمر إلى ما أسمته مرةً، " وصية رجلي المرحوم لها بمراعاة ابنته الأثيرة ". شهدَ يوماً مختتمَ إحدى مجادلات البنت المدللة مع والدتها، التي جدّت ثمة في البيت التحتاني. كان إذاك يقرأ في حجرته. وما لبثَ، لحظة تعالي الصراخ والعويل على حين فجأة، أن همّ بالخروج للتدخل. ولكنه تجمّدَ عند باب الحجرة، وكانت إحدى قدميه خارجها: " لمى "، سببُ المشكلة، لاحت عندئذٍ خِلَل درابزين المنوَر في حالة رثة؛ ممزقة الثوب من جزئه العلويّ، وقد اندلق منه ثدياها العاريان، البالغان الضخامة، بينما هيَ تعول من الألم والمهانة. تلكم لم تكن المرة الأولى، التي تخرج فيها الوالدة عن طورها. ولم يكن كذلك أيضاً، العرضُ العاري لجسد البنت على مرأى من الصهر.
مثلما جرى التنويه قبلاً، أن الأسرة كانت تتعامل معه كأحد أفرادها. فضلاً عن وضع خاص، مرموق، حظاه منهم إن كان على خلفية ما يُبديه من سخاء أو من لطف. وشعرَ بأنّ له دالّة على الجميع؛ ربما باستثناء " أنغام "، وكانت لحُسن حظه تقيم في حيّ آخر. من ناحيته، كانت تلك المعاملة الرائعة تفرض عليه التحلي بالمجاملة طوال الوقت، علاوة على عبء تحمّل بعض المعاناة الناجمة عن اختلاف العقلية وطريقة الحياة عموماً. على الرغم مما ربطه من عواطف بريئة بابنتيّ الأسرة، العازبتين، إلا أنه كان يجد ذاته مُحرجاً قدّام مواقف معينة لم يستطع خلالها أن يغض من طرفه.
نوهنا في مكان آخر أيضاً، أنه كان في سنواته المراكشية الأولى دائم التواجد نهاراً في حجرة " حياة ". ثمة في ركن وراء بابها، تم وضع جهاز كومبيوتر على طاولة خشبية وكان يستخدمه لتنضيد مقالاته وموضوعاته الأدبية. ولقد همّ ذات مرة بالخروج من الحجرة ليتجه إلى المطبخ، وكان السكون يهيمن على الدار في ذلك الوقت المبكر. أوقفه عند العتبة منظر " لمى "، ما جعله يتراجع إلى طاولة الكتابة: كانت متمددة على الأريكة، بوضع مقابل لباب حجرته، مغمضة العينين تستمع عبر سماعة موبايلها لأغنية ما. كانت بغلالة بيضاء رقيقة، وقد أبعدت بين ساقيها العاريتين ليظهر جلياً سروالها الداخليّ ذي اللون نفسه.
شقيق " حسنة "، كان يحل في المنزل زائراً ومقيماً لعدة أيام. هذا الفتى الجميل، كان آنذاك في حدود الخامسة عشر من أعوام عمره. ومع كونه رقيقاً حيياً، بدا أنّ جسده مشتعلٌ بأوار المراهقة والتي يُضرمها خصوصاً ما يتاح للشباب عادةً من فرص الاطلاع على النت. ذات يوم، أمسك بناصية أمر ذلك الشقيق وكان يتلصص على صغرى البنات وهيَ تستحم. إذ خرجَ من حجرة الكومبيوتر، متجهاً إلى المطبخ، حينَ انتبه لوقوف الفتى على السطح وكان يطل برأسه من وراء الدرابزين. حجرة الحمّام، كان لها نافذة عريضة تترك مفتوحة أثناء الطقس الحار. بدا للوهلة الأولى، أن المستحمة بطبعها المعروف، المستهتر، لم تهتم بسحب ستارة النافذة. إلا أنّ قدحَ الفضول فاض في نفسه أخيراً، ما جعله يرتقي الدرج حافياً وصولاً إلى الردهة الضيقة، الكائن باب الحمّام على ركنها الأيسر. وكانت ثمة فتحة واسعة نوعاً في الباب، نتيجة عبث " أميل " بالمقبض مؤخراً، ما استدعى ثم انتزاعه من مكانه بهدف إبداله بآخر. وهو ذا يتلصص بدَوره على المستحمة، ولو أنه برر ذلك ضمنياً ببراءة فهم الموقف. لم يرَ " لمى " في حوض الاستحمام، مع أن صوتَ كلّ من الدُش وجهاز التسخين الغازيّ يشي بجريان الماء. بلى، كانت جالسة على البيديت، عارية ومبتلة البدن بالطبع. حالاً، أدرك معنى جلوسها هنالك؛ كون البيديت يظهرها بشكل واضح، من خلال النافذة، لعينيّ الواقف على السطح!
كون امرأة أخيها الصغيرة تلزم المطبخ في غالب الأوقات، فالمفترض أنه لم يغب عن بال " لمى " وجود الصهر السوريّ شبه الدائم في الدار نهاراً. كذلك أعتقد هوَ في تلك الأيام، قبل أن يُحيط علماً بإطار العلاقات الاجتماعية في هذا البلد. أكثر من واقعة، كان قد توقف عندها آنذاك.. وفيما بعد، أيضاً. مرةً نزل إلى البيت التحتاني ظهراً، وكان قد لاحظ قبلاً الصمتَ المهيمن على عموم الدار. الكنّة، التي أسقطت جنينها حديثاً، كانت متكورة على نفسها في الأريكة المحاذية لجهاز التلفاز. كان يهمّ بالدخول للمطبخ، عندما جذب بصره لمعان اللحم الناصع من بين طيات البطانية، ما جعله يتراجع بحذر قصد العودة إلى عرينه العلويّ. في الهنيهة نفسها، إذا " لمى " تنتصب فجأة أمام باب حجرة نومها، لتخاطبه وهيَ تتمايلُ متثائبة: " سلوى، خرجت مع ماما إلى السوق.. ". ثم ما لبثت أن تقدمت من تلك الأريكة، فأصلحت من وضع الغطاء على الجزء الأسفل من جسد المريضة النائمة. فعلت ذلك وهيَ تبتسم في وجهه، وربما عاينت ما اصطبغ هنالك من اللون الأحمر.
" لقد أسقطتُ جنيني عامدةً، منتهزة فرصة صدمة البيت بحدث إجهاض أنغام "، أنبأته العشيقة الصغيرة بهذا السر، ثمة في المقهى البحريّ، حينَ جرى لسانه مصادفةً إلى واقعة الأريكة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - هل الفنان محمد علاء هيكون دنجوان الدراما المصري


.. كلمة أخيرة - غادة عبد الرازق تكشف سر اختيار الفنان محمد علاء




.. كلمة أخيرة - الفنانة سيمون تكشف عن نصيحة والدها.. وسر عودتها


.. كلمة أخيرة - محدش باركلي لما مضيت مسلسل صيد العقارب.. الفنان




.. كلمة أخيرة - الشر اللي في شخصية سامح في صيد العقارب ليه أسبا