الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفقر والتفقير وأثر الدين والفكر والمعرفة في مواجهتهما....ح1

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2018 / 12 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


عندما يحاصر الفقر مجتمع ومنهج التفقير المتعمد وتسيطر فكرة الغالب والمغلوب على علاقات المجتمع البينية، توقع أنهيارا تدريجيا لكل القيم الاخلاقية والمثاليات التي يتبجح بها بما فيها الدين وعلاقة المجتمع به، فكل القيم الرأسية وتاثيراتها الفاضلة لا يمكن ان تكون فاعلة ومنتجة سلوكيات تتماهى معها ما لم يكن هناك نوع من الاستقرار والتوازن بين أطراف المعادلة الاجتماعية، هذه الحالة المختلة جزء من النتيجة المتوقعة التي يسعى لها الحكام السياسيون والدينيون لتمكين فرض الهيمنة والتسلط على مقدرات الشعوب ورسم واقعها بما يلائمها هي لا بما هو واجب البسط والتعميم، إذا الفكرة ليست وليدة نظريات متشائمة تريد ان تكون أجتهادا تنظيريا يضاف إلى سلسلة النظريات الفكرية التي تعني بدراسة حالات مؤشرة ومؤثرة في حركة المجتمعات الإنسانية، بل واقع حال يظهر للعلن دون الحاجة للبحث والتقصي لما تملكه من حضور مادي وواقعي يدين منهج مختار بالتعمد.
فلا الدين بما يملك من قوة وقدرة على الضبط من خلال محددات الحلال والحرام والحق والباطل، ولا الفكر بطبيعته الناحتة في وعي الشعوب وصنع ثقافة حضارية مناسبة لحالة التطور والتجديد بقادر على أن يؤسس لمفاهيم متجددة وبانية لصيرورة المستقبل الموعود، ولا حتى المعرفة قادرة أن تعمل في تغيير وتصحيح المسار الأجتماعي طالما هناك فوارق طبقية تفرق تناقض صارخ يمالي ظاهرة السيد المالك والمسود الذي يسعى لأن يبقى على قيد الوجود بأقل ما يمكن من أساسياته وضروريات الاستمرار، الفقر بحد ذاته ليس نتيجة طبيعية وإن كان حضوره طبيعيا في مجتمعات غير قادرة أن تضبط توازنها الطبيعي بين مواردها وحاجة المجتمع، ولكنه يتحول إلى وباء قاتل وسلاح مزدوج حين يكون منهجا مختار على عمد كي يحقق لجزء من المجتمع غايات التسلط والعبودية.
التجربة الانسانية التاريخية تثبت أن التناقض الحاد بين ما هو مطلوب واقعيا وضروريا لبقاء المجتمع ككتلة إنسانية تسعى للتطور ومواكبة حالات التبدلات الكونية والتغيرات البدية بما يؤمن لها فرصة الوجود الحر، وبين رغبات ايديولوجيات عقدية أو فكرية تعتمد في عملها على تعميق الهوة بين المكونات أو الطبقات المتنافسة او المتصارعة لا تنتهي بأنتصار دائم لمن يملك مصادر القوة والمادة، بل في غالب اتجاهات حركة المجتمع تذهب لواقع تدمير روابط المجتمع وعلاقاته وتنشأ معها ميلا نحو تدمير الذات الاجتماعية لكل من ينتمي لها أو يرتبط بها، فيزداد هاجس الخرق وانتهاك الخطوط الحمر وتجاوز لحالات التضامن الاجتماعي اللازم، فيذهب البعض نحو السادية الاجتماعية التدميرية واخر يذهب نحو المازوخية ضد الذات الفردية والجماعية، وهما الاخطر بالتأكيد على المجتمع قيما وافكارا ووجودا.
ليس غريبا مثلا في مجتمع يتخذ من الدين والتراث والقيم التاريخية شعارات معلنة نجد أن غياب هذا الدين ومفعول التراث الايجابي أو التاريخ الجميل كما هو في الصورة المطروحة تصورا عن الحضور الخالق لروابط وقيم اعتمدها أو أراد لها أن تكون واقع وليس شعارات فارغة عن مضمون موجب، ونجد أيضا غياب حقيقي للشعور بالمسؤولية تجاه ما هو مقدس أو يعد كذلك مع ظهور مفردات الأنانية الذاتية بشكل غالب ومستفحل وكأن الدين والتراث والماضي التاريخي هو من اراد أن يكون الأختلال والتناقض والتزيف مراده الاول لتدمير حياة الإنسان.
الفاعل المحرك الديني او الحضاري الفكري والمعرفي غير مسؤول مباشر عن ما ينتج أجتماعيا بقدر ما يتحمل اللاعب الأساسي الذي يعتمد على تزييف الحقائق ليصل بالمجتمع إلى حالة اتناقض والتضاد والتخريب،وهنا نشير تحديدا إلى الرغبة البشرية في تحقيق النتائج المتوخاة من خلال أستغلال كل ذلك للتغطية على عيوب أساسية في بناء وحدات السلوك البشري اليومي، وأستهداف نتائج محددة تساهم في التخريب والتحريف كي يسهل قيادة المجتمع من خلال تدمير الوعي بالضرورة والوعي بخيار الحرية والتمرد والأنتقال بكل ذلك لواقع أكثر قدرة على تنمية المجتمع وتطويره بما يحقق مبدأ التوازن والمساواة النسبية بين أفراده.
لولا فكرة التجديد في القيم الأخلاقية العليا في المجتمعات البشرية وحسب قدرة الزمن على فرض التغيير وبسطه واقعا، لكان الكثير من الناس لليوم يؤمنون بأن أستباحة حياة ووجود وملك الغير من علامات البطولة الفردية التي يجب على المجتمع تمجيدها والأشادة بها، وكما يؤمن البعض الأخر بأن من حق رجل الدين أن يكون سيدا مصونا غير مسئول ليس لأنه عضوا يجابيا مفترضا له ذلك، ولا لانه الوحيد الذي أكتشف الله وعرفه من بين خلقه فيكون بذلك صاحب سبق وقدرة على الفعل المجدد، ولكن لأنه بوجوده المعنون بالاسم هو من يسعى لتدمير خطوط الانتقال وتهديم الجسور نحو المستقبل المنشود بتفاعله القوي مع حالات الفقر والتفقير، فهو لا يملك مشروعا تمويا ولا يستطيع أن يصنع محركات أنتاجية حيادية عن فكرة إيمانه بأن الله هو القادر وحده على التغيير والإرزاق وتغيير المجتمع دون مساهمة المجتمع فرد ومجموع، القيم الأخلاقية وحدها عندما تكون طبيعية ومتوازنة وتنمو في ظل أستقرار طبيعي وهي ملخص قدرة الزمن أن يقود العقل للوعي الحقيقي بما في الحول، ويزيد من فرص فهمه للواقع وليس فقط إنعكاس لقوى ورؤى وواقع يجري فينا دون أن نشعر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية على مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية


.. إسرائيلي يستفز أنصار فلسطين لتسهيل اعتقالهم في أمريكا




.. الشرطة الأمريكية تواصل التحقيق بعد إضرام رجل النار بنفسه أما


.. الرد الإيراني يتصدر اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية




.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن