الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد حدود العقل *

احسان طالب

2018 / 12 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



بداية ينبغي التفريق بين االطور والمجرد ، فمجرد الإنسان تشمل كل الأطوار زمانية ومكانية ، أما إنسان الكهف ، هومو، أريكتوس ، هوموسيبيان ، نياندرتال ، إنسان الثورة الرقمية ، إلخ هي أطوار ،هنا نلاحظ التعريف بالإضافة ما هو إلا أطوار تكوّن أجزاء من كلية مجرد إنسان هنا نلاحظ التعريف بالذات . ف" إنسان " معرف كأفهوم **تماما كأفهوم العقل . أما ما عرف بالإضافة فهو طور من مجمل أطوار .
من معضلات العقل البشري بنيته القادرة على تبني التناقضات المتصادمة ، النقد والتنزيه ، العلم والخرافة ، المنطق واللامعقول الخ . ،
فالغزالي أبو حامد دل بوضوح على استيعابه لمجمل منطق الفلاسفة ، لكنه كرس حياته للتقليد وتقييد العقل بنص بذاته ، وليس " النص" من حيث هو مادة للبحث . والتقليد مرادف مضاد للنقد أو لاستعمال وظائف العقل خارج حدود مفروضة عليه ، فالمقلد لا يفكر خارج السياق ، ويبقى رهين النسق مهما كان باليا أو قاصرا ، فالواقع الإنساني محاط بعالم متغير يتحدث تلقائيا كل لحظة ، العقل المقلد لا يتجدد أبدا بل يدور في حلقة مفرغة يعطل وظائف الإبداع والابتكار وصولا لتجميد وظيفة التفكر الأساسية وإلحاقها ب" نص" بذاته دون سواه ، بتلك الآلية ستنقلب وظيفة العقل الأساسية لتتحول إلى تفكير آلي نمطي ثابت بقواعد وأصول هي بحد ذاتها متحجرة ارتبطت بزمان ومكان محددين لا وجود لها بدون شروط وجودها الزمانية والمكانية .
أيضا ابن تيمية له كتاب نقض المنطق بين فيه علمه بحجج وبراهين الفلاسفة ، لكن خلاصة مذهبه ، التقيد بحرفية النص ، إلا ما ندر ، وله قاعدة لا عقلية ولا منطقية في فهم وتحديد صلب الشريعة وهي : كل فهم في الكتاب والسنة لا يتفق مع ما ورد فيه أثر صحيح عن الصحابة وبعض التابعين فهو خاطئ ولو كان صحيحا. فباب الاجتهاد مفتوح بصورة مواربة لا نصل إليه إلا عبر جسر وصول وحيد هو المأثور عن الصحابة فقط . ما يعني تلقائيا إخراج العقل عن وظائفه الأساسية كما في حالة التقليد الغزالية .
فالعقل عنده ما وافق صحيح نص وليس صحيح " النص " باعتبار النص هو ما نص عليه الأثر الصحيح عن الصحابة ، أي لا قيمة للعقول من بعدهم إلا اجتهادا في دحض مخالفيهم ، واجتهاد في نقض ما خالف نصا ، نصَ هو على تنصيصه .
لا يمكن لعاقل أن يقول بأن الغزالي أو ابن تيمية ليسا بعقلاء ، من حيث وجود الدليل على تعقلهم ، لكن ما آل إليه تعقلهم هو حرمان المسلمين من العقل إلا في حدود ما نص كل منهما على أنه الشرع ، أي ابطال العقل المسلم خارج دائرة أطروحاتهم .
وهذا ليس عيبا بهما فقط بل في المذاهب والطوائف الإسلامية الأخرى ،
فالقاعدة عند الجميع هي:
"نصنا" أي ما اعتبروه نصا وتاليا شرعا هو العقل وما خالفه لا معقول .
الطريف أن كل طرف منهم من دعاة اكتمال العقل داخل حدود " المنصوص" يرى نصه عقلا ونص الآخر لا عقل . فنصنا هو كمال العقل ونص غيرنا جهل .
تلك هي معضلة العقل البشري، ما لم يتحرر من تعقيل نص دون سواه، حتى ولو كان النص أيديولوجيا لا دينية، مادية وجودية طبيعية سيستمر بإنتاج عقول ممسوخة تشبه تلك الألعاب التي ينتجها معمل صيني رديء بالملايين كل يوم.
لا حدود للعقل !! فأنت لن تستطيع معرفة تلك الحدود إلا عندما تقف عندها ، عاجز أو ناقص معرفة ، كما أن من يحدد تلك الحدود هو بالواقع " عقل موسوم بمعرفة مسبقة محددة، لها سقف معرفة غائية لا قصدية .
قصدية العقل:
تعني سعيه المطلق ليكون عقلا أي متفكرا أي موجودا ، أما الغائية فهي سقف ، هدف تتحقق الغاية ببلوغه فالغاية من الغائية هي الغائية بذاتها ، أما الهدف من القصد فهو بلوغ ما بعد القصد فهناك قصد آخر .
ففي القصد هناك إرادة واعية حقيقية في الوصول إلى كشف للمستور أو المخبوء أو المجهول ، مثلا علم الفلك قصد وليس غاية فالعالم من حولنا لا حدود له بالمعرفة ، وكل معلوم يستفتح الباب لمعلوم آخر كان مجهولا . فالقصد هو ما بعد الغائية . ، هناك دائما شيء ما وراء الشيء . تريد القصدية الوصول إليه.
من يضع تلك الحدود أليس عقل تجاوز من سبقه ليقول لهم هناك شيء ما أو أشياء خارج المعرفة . هذا الأخير يدفع بالحدود نحو أفق أوسع ، ثم يليه من يدفع حدوده القديمة مستعينا بمن سبقه نحو الأوسع . هكذا فالعقل بما أنه تفكر مرتبط بالوجود هو متخط للحدود ببقاء الموجود الذي لا يفنى.
تعليل حدود العقل بحدود المعرفة إنما هو تنصيب الأصغر كمستوعب للأكبر ، بمعنى آخر المعرفة محدود بما وصلت إليه ، فهذا المحدود " الصغير" ليس حجة على العقل ـ الكبير ـ الذي أنشأ تلك المعرفةـ خلقا أو اكتشافا ـ فأصل بلوغ المعرفة استكشافا أو تقريرا هو العقل ، إذن منتج العقل ـ معرفة ـ لا يستقيم أن يكون سقفا ـ حد ـ للعقل .
حدود المعرفة:
مسألة زمانية وليس وجود ، المعرفة بما هي عوالم لدواخلنا وعالم ما يحيط بنا مباشرة ، وعالم ما يوجد حولنا خارج محيطنا مساوي لقْدر معرفتنا ، فتلك العوالم الآن تعادل معرفتنا وما نتصوره عن ما يمكن لنا بلوغه من معارف عنه ، تلك هي عوالم ما كشفناه أو قررناه بحدود "زمان " وليس بالزمان . العقل لا زماني ووجود لا مكاني. فهو متحرر من تلك الحدود بماهيته ، أما المعرفة فمحدودة بحدود زمانية ومكانية .
فرض حدود على عقل ما ـ مادي ، ميتافيزيقي ، علمي ، أيديولوجي ، تُخل بماهيته الأصيلة أي التفكر وتأسيس الفكر وإنتاج معرفة جديدة أو إضافية ،ما يفيد تاليا بأن حدود العقل هي مفروضة عليه ،وليست أصيلة فيه ، مانعة له من الحركة خارج الزمان والمكان . تتحول إلى أغلال تخرج العقل عن وظائفه الوجودية . ليصبح عقلا بعينه وليس مجرد عقل بماهيته. هذا التفريق يجعلنا نستوعب معضلة عقل البشري ، وليس " العقل " بذاته باعتباره موضوع ذاته وليس موضوعا خارج الذات .
المعرفة لها حدود بحكم ما هي عليه الآن ، أي أن معرفتنا اليوم هي المحدودة وليس مجرد معرفة ، تلك المتعلقة بمجرد عقل تبقى ذات منسجمة مع أفق قابل للانفتاح على الدوام .
يبقى الجواب على سؤال معضلة العقل البشري القادر بنيويا على تبني المتعارضات المتناقضة محتوى بفكرة نمط بعينه، فالفيلسوف الذي يؤيد الخرافة الأيديولوجية إنما يفعل ذلك لأسباب لا علاقة لها بمجرد العقل ، إنما بدوافع لا نهاية لها قد تكون عاطفية أو سياسية أو نتيجة لبلوغ "عقله " حدا خشي بعده من الضياع فنكث إلى الخرافة التي تجعل كل مجهول ومعلوم مرتبط بغائية محكمة لا ضرورة لتعقلها.

* استكمال مبحث النص والعقل .
** أقصد بالأفهوم معنى أشمل من " المفهوم " فهو يشمل عدة مفاهيم . وهو تفريق مدرسي ـ غير ملزم ـ يهدف لتوسيع مجال البحث والاستقصاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين في معرض البندقية


.. الهجوم على رفح أم الرد على إيران.. ماذا ستفعل إسرائيل؟




.. قطر تعيد تقييم دورها كوسيط في المحادثات بين إسرائيل وحماس


.. إسرائيل تواصل قصف غزة -المدمرة- وتوقع المزيد من الضحايا




.. شريحة في دماغ مصاب بالشلل تمكّنه من التحكّم بهاتفه من خلال أ