الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم الخطأ والصواب

احمد شاكر

2018 / 12 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لكل امة منظومة من القيم، تُخلق من عادات وتقاليد ودين ومذاهب تحكم اخلاقها وتشريعاتها وتحدد لها قوانينها واعرافها. منظومة مترسخة عميقا في نفوس الافراد والجماعات، يتحدد على إثرها أنماط سلوكياتهم وطبائع نفوسهم وسمة غرائزهم.
ولا يستثنى من هذه الحقيقة فرد ولا جماعة؛ إلا طفل لم يتعلم بعد ما يجدر به أن يفعل، فيتصرف على سجاياه غير مبال بأي محددات لسلوكه، أو مفكر مستقل لم يفقده نضجه عدم انتماء طفولته، فتكون ذاته نابعة من الداخل غير آتية من الخارج كالبقية مكتسبين ذواتهم من الجماعة.
وهو مع ذلك لا يشبه الطفل في كونه لا منتمٍ أصيل بل يكون أهون من بقية الافراد في كونه متبنٍ لمنظومة قيمه الخاصة التي خلقها لنفسه بدلا من السير على نمط ما يحترمه المجتمع عليه من سلوكيات كبقية الافراد. وهذا الأخير عندما تتوفر فيه بعض الشروط يكون ذو دور فعال في توليد وتسعير القيم.
ونتيجة لقوة الغرس الاجتماعي لمنظومة القيم هذه والالتزام النفسي الذاتي باحترامها ومراعاتها في السلوك فأن الافراد في المجتمعات عموما والجماعات التقليدية خصوصا يميلون إلى التمييز بين الأشياء على أساس ما تمثله من اضداد.
فهم ينظرون إليها من زاوية القيم الأخلاقية المحددة بالعادات والتقاليد باعتبارها حسنة وسيئة؛ او على هدي تشريعات الدين بتصنيفها حلال وحرام أو خطأ وصواب.
إلا أن هذه المحددات تتداخل فيما بينها، ويربط بعضها ببعض رابطة وثيقة، فتستوحي إحداها من قيم الأخرى حتى يصعب على البسطاء الفصل بينها أحيانا. فالدين ما هو الا محاولة ثورية للتعديل على أخلاقٍ سبقته في عاداتِ وتقاليد الناس، حتى يختفي الطابع الثوري منه في نفوسهم، بعد ان يعتادوا عليه وتتصبغ به عاداتهم وتقاليدهم. فتتكون بعد فترة من الزمان قيمٌ أخلاقية جديدة، تختلف عن الأولى في مميزاتها، مستعينة بما يوفر لها الدين من غطاء أكتسب شرعيته مع الزمن. حتى يثور دين أو مذهب جديد مرة أخرى ويعدّل بدوره على هذه الأخيرة أيضا.
ثم يأتي القانون معتمدا بما تفوض له تعاليم الدين والأخلاق، ليحدد ما هو قانوني او مخالف للقانون. ولا يكون مخالفا لها إلا نادرا - كما في حفظه لحقوق الأقليات كالمثليين او منع تجارة الرقيق-، إلا أن اختلافاته هذه تكثر كلما كثر تنوع الجماعات المختلفة في الأمة أو الشعب. ولأنه مُطبق من سلطة عليا تفرض نفسها على الافراد، وليس نابعا من التزام نفسي ذاتي منهم، فهو أقل المحددات غرسا في نفوسهم، وأسرعها زوالاً بمجرد زوال السلطة التشريعية المنفذة له.
وباختلاف تقييم المحددات الثلاث لما هو صواب وعدم صواب، تنتج جماعات مختلفة في المجتمعات، تؤلف وحدات متماسكة عند النظر لعلاقاتها بالجماعات الأخرى، بحسب ميول أفرادها وما يتبنون من فكر وقيم. وبإطلاق افراد الجماعة مصطلح صواب واشباهه من المصطلحات الإيجابية على سلوكياتهم وتجريد الجماعات المختلفة منها ونعتهم بنقيضها من النعوت، تبرز ظاهرة العداء تجاه الآخرين.
ولان حتى الافراد داخل الجماعة الواحدة يتفاوتون في مدى ترسخ هذه القيم داخل نفوسهم، ولان ’’عدم الصواب‘‘ هو ’’ ممارسة لسلوك تكرهه الجماعة‘‘ كما يعرفه رسل وبدعوته عدم صواب، فإن الجماعة – وأقتبس منه -
تبرر لنفسها إيقاع العقوبة والانتقام بأناس هم موضوع كراهيتهم، في الوقت ذاته ونظرا لأن الجماعة على صواب تحديدا، فإن ذلك يعزز من تقديرها لذاتها، في اللحظة التي ترخي فيها العنان لدافع القسوة لديها. هذه هي سيكولوجيا إعدام الناس دون محاكمة، والأساليب الأخرى التي يعاقب فيها المجرمون.
لهذا فان جوهر مفهوم الصواب والحق وفر منفذا للسادية بإخفاء القسوة تحت عباءة العدالة.-








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الطائرات من دون طيار الفاعل الرئيسي الجديد في الحروب


.. سيول جارفة ضرب ولاية قريات في سلطنة عُمان




.. دمار مربع سكني بمخيم المغازي جراء القصف على غزة


.. المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: سنرد على إيران وقاعدة نيفاتيم




.. بايدن ينشغل بساعته الذكية أثناء حديث السوداني عن العلاقة بين