الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراع على الهوية المصرية (دراسة حالة لمهرجان نيروز)

محمد مسعد يحيي

2018 / 12 / 21
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


الصراع على الهوية المصرية (دراسة حالة لمهرجان نيروز)
هيروك ميوكاوا
ترجمة : محمد مسعد يحيي


في النصف الأخير من القرن التاسع عشر، تم إدخال مفاهيم جديدة للقومية والعرقية و"الأقلية" إلى الشرق الأوسط تحت التأثير الاستعماري الأوروبي. في مصر تم وضع المسيحيين الأقباط كمواطنين مصريين وتم تصنيفهم على أنهم مجموعة "أقلية" في نفس الوقت. نشأ هذا الغموض عن رؤيتين مختلفتين -هما الليبرالية والعرقية -للدولة القومية المصرية.
خلال هذه الفترة، برز الأقباط على أنهم مؤيدون أقوياء لليبرالية التي حصرت الدين في المجال الخاص، وبالتالي ضمنت لهم مكانة بوصفهم مواطنين مصريين مساوين لمواطنيهم المسلمين. في نفس الوقت، كانوا متحمسين لوضع أنفسهم كمصريين أصلاء، وتقديم الممارسات الثقافية القديمة كدليل على الانتماء. وفي كلتا الحالتين، رفض الأقباط تسمية الأقلية وحاولوا إظهار أنهم أعضاء كاملون ملتزمون في الدولة المصرية المولودة حديثًا.
في الدراسات السابقة المتعلقة بالأقباط في أوائل القرن العشرين، برزت المساواة والوحدة الوطنية والمشاركة القبطية في السياسة الوطنية كموضوعات أساسية (1). حيث تفترض الكثير من هذه الأدبيات أن الأقباط مصريون لأنهم -ببساطة -السكان الأصليين الذين عاشوا في مصر منذ العصور القديمة. ولكن في هذا الفصل، أركز بدلاً من ذلك على خلق هوية الأقباط المسيحيين العرقية بوصفهم مصريين "أصليين" حول منعطف القرن العشرين. إن حركة إحياء مهرجان النيروز في أوائل القرن العشرين، وإحيائها الثاني في الآونة الأخيرة، يمكن أن تكون بمثابة عدسة يمكن من خلالها مراقبة هذا البناء من "الأصالة الثقافية" المصرية وتوضيح كيف أجبرت التحولات الحديثة الأقباط على بناء نوع جديد الأثنية والتعامل مع وضعهم بوصفهم "أقلية".


القومية المصرية والفرعونية
في مطلع القرن العشرين، ظهرت فئتان من القومية المصرية الناشئة: فهم ليبرالي واسع النطاق للهوية الوطنية ورؤية "أثنية" أكثر تحديدًا للانتماء القومي. استمد الناشطون والكتّاب والمفكرون الأقباط من خيوط فلسفية لتشجيع رؤية جديدة للمشاركة القبطية في حركة وطنية مصرية ناشئة، لكنهم وضعوا أهمية خاصة للفهم العرقي للهوية المصرية التي ميزت التاريخ المصري القديم والجغرافي كمعلم أولي للهوية الوطنية المصرية الحديثة.
القومية المصرية الليبرالية في هذه الفترة عرفت المصريين بوصفهم الأشخاص الذين يعيشون في مصر، وليس لهم وطن آخر، وهم موالون لوطنهم بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية أو الدينية (2) حيث كانت القومية المصرية مبنية على النموذج الليبرالي الغربي. وبالتالي أيدت فكرة أن الانتماءات العرقية والأثنية والدينية يجب أن يتم تجاهلها في المجال العام، ويجب معاملة الأفراد الذين لديهم خلفيات مختلفة بالتساوي لأن هذه الانتماءات تنتمي إلى المجال الخاص.
كان أحمد لطفي السيد (1872-1963) هو المروج الرئيسي لهذا الاتجاه الليبرالي للقومية المصرية في أوائل القرن العشرين، حيث كان للرجل -المعروف باسم "أستاذ الجيل"-تأثير كبير في تطوير الفكر القومي المصري (٣). يستشهد "ويندل" برأي "لطفي السيد" في الجريدة التي كان يصدرها "الجريدة" بتاريخ ٢١ أكتوبر ١٩١١، بأن "على المصريين، ولأجل مصلحة البلد، أن لا يجعلوا الدين -في ظل هذه الظروف -أساس تصرفاتهم السياسية". يشير "كارتر" أيضاً إلى أن "لطفي السيد كان من أوائل الذين ساعدوا في وضع أساس لنظام سياسي يمكن للمسلمين والأقباط المشاركة فيه على قدم المساواة". (4)
لم يكن هذا التوجه يهدف فقط إلى إدخال المفهوم الجديد للدولة القومية المصرية فحسب، بل حاول أيضًا إنشاء أمة مصرية تدين بالولاء للدولة القومية المصرية من خلال دمج مختلف الجماعات الدينية والعرقية. حيث تم وضع المسيحيين الأقباط كمواطنين مصريين تحت هذا النوع من القومية (5). بالإضافة إلى المصريين الأصلاء، كانت الأقليات العرقية التي عاشت في مصر في ذلك الوقت -والتي تشمل سوريين ويونانيين وأرمن من الذين هاجروا إلى مصر في وقت مبكر من القرن التاسع عشر –يمتلكون وضعية المواطنين مصريين.
بالمقابل تطورت الرؤية المنافسة للوطنية المصرية "الأثنية" في ذات الوقت تقريبا، وخاصة في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين، حيث تم التركيز على بناء تاريخ وطني مصري إثني ومؤسسي للأدب الوطني. وكما هو معروف على نطاق واسع، فإن القومية المصرية العرقية تعلق أهمية على البيئة المادية، لا سيما وادي النيل، الذي كان ينظر إليه باعتباره المشكل الأساسي للشخصية المصرية. نقلاً عن كتب التربية المدنية المنشورة في العشرينات من القرن العشرين، حيث يشير جيرشوني وجانكوفسكي إلى أن "البيئة الطبيعية تم تحويلها إلى العنصر الأساسي في تشكيل وحدة الأمة". تداخل هذا الاتجاه العرقي للقومية المصرية إلى حد ما مع القومية الليبرالية في تعريف الأمة المصرية، ولكنها احتوت أيضا على بعض الاختلافات الأساسية، التي تهدف إلى تعزيز الهوية العرقية المصرية بين الناس الذين عاشوا على طول جيل وادي النيل بعد جيل. فنجد محمد حسين هيكل (1888–1956)، وهو مفكر مصري، يؤكد أنه عندما استقر الناس من النازحين من المناطق المجاورة مثل اليونانيين والأتراك في مصر، فإن البيئة الطبيعية جعلتهم أكثر مصرية عبر الأجيال حتى أصبحوا في نهاية المطاف مصريين متجانسين (6).
عززت الفرعونية، وهو فرع من الفكر القومي المصري "الاثني"، مفهوم الحضارة المصرية القديمة كأساس للهوية الثقافية والأثنية المصرية الحديثة. على عكس القومية المصرية العرقية المذكورة أعلاه، قامت فرعونية ببحث علاقات الدم بين المصريين القدماء والمعاصرين والتي خلقت تشابهات جسدية وعقلية بينهم. (7) وقد ساهم علم المصريات (لذي تطور بشكل كبير وسريع بعد فك رموز الكتابة الهيروغليفية بواسطة جان فرانسوا شامبليون (1790–1832).) والحفريات التي أجراها علماء الآثار الأوروبيون في القرن التاسع عشر) في ولادة هذا النوع من القومية المصرية.
في مصر في القرن التاسع عشر، كانت معرفة والاهتمام بمصر القديمة محدودة نوعًا ما، ولم يكن المصريون عمومًا يشاركون الأوروبيين في الافتتان بمصر القديمة. ولكن من خلال الاتصال مع أوروبا فأن المثقفين المصريين في ذلك العصر مثل رفاعة الطهطاوي (1801-1873) وعلي مبارك (1823-1893) تعرفوا على الحضارة المصرية القديمة. وقد تغير الوضع عندما تم اكتشاف مقبرة توت عنخ أمون عام 1922، والذي تزامن مع حصول مصر على استقلال أسمي عن بريطانيا بعد صراع قومي عنيف ضد الاستعمار. حيث أثار اكتشاف الكنوز القديمة في عام الاستقلال الانتفاضة الفرعونية بين المفكرين المصريين في العشرينيات والثلاثينيات على الرغم من أن الاتجاهات العربية الإسلامية الجديدة تخطت بسرعة الفرعونية في الخيال الشعبي بعد الثلاثينات.
لكن بالنسبة للمسيحيين الأقباط، كان للفرعونية أهمية خاصة في تقوية مكانتهم في إطار القومية المصرية. لأن الأقباط هم أقلية دينية من السكان الأصليين ويعتبرون من أحفاد المصريين القدماء الذين اعتنقوا الديانة المسيحية فيما بعد واحتفظوا بها بعد وصول الإسلام، فإن التركيز على السكان الأصليين والدم الصافي كان يبدو أساسًا قابلاً للتطبيق لوضع الأقباط على أنهم المصريين الأصلاء. وفي الواقع، فقد أعطى الأقباط اهتماما متزايدا لمصر القديمة، متأثرين بالوله الأوربي بمصر القديمة، حيث بدأوا يجادلون بأن العديد من تقاليدهم الدينية كان مصدرها مصر القديمة. فاللغة القبطية، على سبيل المثال، التي تم التخلي عنها منذ فترة طويلة كلغة منطوقة قبل بداية القرن التاسع عشر كانت لا تزال تستخدم في مزامير والشعائر الدينية في الكنيسة القبطية (8). وبعد فك رموز الكتابة الهيروغليفية، أصبحت العلاقة بين اللغة المصرية والقبطية أكثر وضوحًا واعتبر القبطية في المرحلة الخامسة من تطور اللغة المصرية (9). وبناءًا على هذه المعرفة الجديدة ، حاول اقلاديوس لبيب (1868–1918) ، وهو محاضر قبطي بالمعهد القبطي ، إحياء القبطية كلغة يومية وقد روّج لها بوصفها "اللغة المصرية الحقيقية" لكل من الأقباط والمسلمين في مجلته "عين شمس". وأكد أن "من أجل أن نطلق تحديد المصريين بشكل واقعي وليس اسميا، فإن على المرء أن يتعلم هذه اللغة المصرية، وأدبها، وحكمتها، وآثارها." (10) وقد قيل إن التراث الثقافي المصري القديم مثل اللغة القبطية والتقويم القبطي قد انتقل بين الأقباط في أشكال مسيحية.
أن التفسير القديم لموقع مصر القديمة بوصفها الأصل الإثني للمصريين وفر للأقباط قاعدة صلبة لوضع أنفسهم كمصريين كاملين وتعويضهم عن وضعهم الضعيف كمواطنين غير مسلمين. بالإضافة إلى ذلك، فإن إعادة تأويل مصر القديمة باعتبارها أصل لتقاليدهم الدينية قد وفر لهم أسسًا لوضع المسيحية القبطية بوصفها تراثًا ثقافيًا من الماضي العظيم وبالتالي جزءًا من الثقافة الوطنية المصرية. وعلى عكس الليبرالية، التي عززت المساواة بتجاهل الانتماء الديني للأقباط، فقد ربطت الفرعونية التقاليد الدينية القبطية بالماضي القديم العظيم، وبذلك ضمنت الهوية القبطية بوصفها مصرية بشكل أساسي و "أصلي".

مهرجان نيروز
اليوم، يعرف مهرجان نيروز المصري باسم مهرجان الشهداء. ويتم الاحتفال به داخل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في الحادي عشر من سبتمبر كل عام، والذي يقع في يوم رأس السنة الجديدة حسب التقويم القبطي. ومهرجان النيروز هو مهرجان مسيحي يحيي ذكرى الشهداء الأقباط الذين اضطهادهم الإمبراطور الروماني دقلديانوس في القرن الثالث كما أن التقويم القبطي، الذي يستخدم أساسًا نفس النظام الفرعوني لحساب السنة وله أسماء الأشهر الخاص بالتقويم المصري القديم، أطلق عليه بهذا الاسم عندما حددت الكنيسة القبطية عام 284 م، وهو العام الأول من حكم دقلديانوس، كما في السنة الأولى من التقويم القبطي للاحتفال بالاضطهاد (11). لذلك، فإن التقويم القبطي معروف أيضا باسم تقويم الشهداء، والاحتفال بيوم رأس السنة هو عيد الشهداء. ومع ذلك، فإن النيروز المصري، أو الاحتفال بيوم رأس السنة المصرية، له جذوره في مصر القديمة، حيث تم الاحتفال به سابقاً كواحد من مهرجانات النيل الرئيسية. كان يوم رأس السنة الجديدة في مصر القديمة يدعى ويبت رينبت "Wept Renpet" (بداية العام)، ويعتبر أحد أقدم المهرجانات في مصر القديمة (12). وكان مكرس للاحتفال بفيضان النيل وتجلى إيزيس.
ليس من الواضح ما إذا كان احتفال عيد رأس السنة الجديدة كان لا يزال يحتفل به في العصرين اليوناني الروماني أو القبطي، فعلى الرغم من أن الملاحظات حول الاحتفال بيوم رأس السنة الجديدة في التقويم القبطية تظهر في سجلات العصور الوسطى التي يرجع تاريخها إلى أوائل القرن العاشر (13). هذه المرة، تم تغيير اسم المهرجان إلى نيرو أو النوروز. ليس من الواضح متى تم تبني هذا الاسم أو من أين جاء. يجادل البعض بأنه تم أخذها من "الفاروز" الفارسي، ويقول آخرون إن نيروز هو شكل محرف من اسمها القبطي الأصلي (14). حيث يشير "عواد" إلى أن اسم نيروز بالقبطية هو "بداية العام" (15). ولكن الأرجح أن تسمية "نيروز" جاءت من "الفاروز" الفارسي.
في القرن الخامس عشر، أفاد المقريزي بأن النيروز احتُفل كمهرجان للنيل وأن احتفاله شمل طقوس شعبية صاخبة، بما في ذلك العنف. وأن مركزه كان موكب الأمير نيروز، الذي كان يمثل تجميع للحكايات الخرافية حول الشخصيات البارزة. على الرغم من أن المهرجان كان يعتبر بشكل عام قبطيًا، فقد احتفل به كل من المسلمين والأقباط. بسبب طبيعة الاحتفالات، التي تضمنت ارتداء الملابس (والتصرف بأسلوب أو طريقة) مرتبطة تقليديا بالجنس الآخر والتنكر والعنف، فقد تم حظر نيروز في مصر في العصور الوسطى في عام 1385 عندما أمر السلطان برقوق بإلغاء الاحتفالات. وبناء على ذلك، فقد اختفى المهرجان من القاهرة بحلول القرن الخامس عشر.
تم نسيان عيد النيروز كمهرجان للنيل في العاصمة، رغم أنه نجا في الأقاليم. فوفقا لشوشان، استمر الاحتفال بعيد النيروز كمهرجان للنيل في المناطق الريفية، وهناك أربع حالات على الأقل أبلغ عنها المسافرون والباحثون الأوروبيون بين القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين (16).


إحياء مهرجان نيروز
تم إحياء مهرجان النيروز في مصر الحديثة من قبل تادرس شنودة المنقبادي (1857–1932)، القبطي البارز من مدينة أسيوط. والذي كان معروفًا بأنه ناشط وطني، خلال ثورة عرابي عام 1881، حيث أرسل مساعدات غذائية لدعم معسكر عرابي. وبالإضافة إلي أنه كان داخل المجتمع القبطي أحد الإصلاحيين الذين عارضوا سيطرة رجال الدين على ممتلكات الكنائس (17).
أسس جمعية الحفاظ على التقويم القبطي في عام 1884. حيث تم قبل تأسيس هذه الجمعية إلغاء التقويم القبطي باعتباره التقويم الرسمي للحكومة في عام 1875، وأخذ التقويم الغريغوري مكانه. كان هدف الجمعية الحفاظ على التقويم القبطي وتسجيله واستخدامه، كما كان في الماضي (18). وكانت الجمعية أول من قام بإحياء نهضة نيروز في مصر الحديثة، حيث أقيم الاحتفال الأول في أسيوط في عام 1885.
كانت هناك جمعيات أخرى عززت إحياء النيروز. إحدى هذه الجمعيات كانت جمعية التوفيق التي كانت مقرها في القاهرة ولديها عدة فروع في مدن أخرى. حيث قامت بالاحتفال بعيد النيروز الأول في عام 1893، وبعد عامين من إنشائها. قامت الجمعية القبطية للازدهار، التي يوجد مقرها في القاهرة، بطباعة التقويم القبطي لأول مرة عام 1897، مستشهدة بأهميته في التقويم الزراعي والكنسي (19).
أدى إلغاء التقويم القبطية إلى إعادة ترسيخه بين الأقباط، وتم الترويج لإحياء الاحتفال بيوم رأس السنة الجديدة (النيروز) كوسيلة للتأكيد على أهميته الثقافية. فلطالما استخدم التقويم القبطي كتقويم زراعي في مصر بين الفلاحين من كلا الديانتين. ولأن التقويم الهجري هو تقويم قمري، فإنه لم يكن مناسبًا للزراعة، وقد استخدم التقويم القبطي لمعرفة فترات الأحداث الزراعية مثل فيضانات النيل والزرعة والحصاد. كل شهر من التقويم القبطي يمتلك أمثلة شعبية تسلط الضوء على مميزات الشهر. فعلى سبيل المثال، فإن شهر أمشير، الذي يصادف من فبراير إلى مارس حسب التقويم الغريغوري، ويعرف بشهر العواصف الرملية، يحمل أمثلة " "أمشير أبو الزعابير الكثير، أمشير يقول لبرمهات عشرة خد منى وهات منك عشرة نطير العجوز بين السفكات " وهو يعني أن شهر أمشير يأتي حاملاً العديد من العواصف، لكنه يعطي شعوراً بالصيف." (20) بالإضافة إلى ذلك، فلكل شهر شهيته، مثل حليب برمهات (مارس إلى أبريل) وتين أبيب (يوليو إلى أغسطس). كان التقويم القبطي مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالحياة اليومية للمصريين وله أهمية في توقع الأرصاد الجوية. في نفس الوقت، كان التقويم القبطي هو التقويم الكنسي للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، لذلك تم حساب المهرجانات المسيحية وفقا لذلك؛ حيث تم تكريس شهر كيهك كاملاً لمدح العذراء (الشهر المريمي)، لأن في يومه التاسع والعشرين ميلاد المسيح (21). لذلك، كان التقويم القبطي يمثل الثقافة الأصلية للثقافة المصرية، والمسيحية القبطية، ومصر القديمة في نفس الوقت. هذه الشخصيات المتشابكة للتقويم القبطي كان لها معنى كبير بالنسبة للأقباط. كان بمثابة وسيلة للمطالبة بالاعتراف خصوصيتهم ومصريتهم في نفس الوقت؛ كان إحياء مهرجان نيروز من قبل المنقبادي أحد تلك المحاولات لبناء الهوية المصرية.
انتقل المنقبادي إلى القاهرة في عام 1895 ليبدأ في إصدار صحيفة بعنوان "مصر" بناء على دعوة بطرس باشا غالي. كانت جريدة "مصر" هي المنشور القبطي الرئيسي في النصف الأول من القرن العشرين، جنبا إلى جنب مع الوطن والمنارة المصرية، وأصبحت فيما بعد واحدة من الصحف الرسمية الرئيسية لحزب الوفد. (22) واستمر المنقبادي في إحياء النيروز في القاهرة، وأعلن عن عيد النيروز يوم رأس السنة القبطية في جريدته كل عام. كما أصدر مجلة سنوية بعنوان "الهدية التوتية"، والتي أهدت هدية السنة القبطية الجديدة، بمناسبة يوم رأس السنة القبطية وتوزيعها في أماكن أقامه مهرجان النيروز.
احتفالات أحياء النيروز
وفقا لمقالات عن النيروز في مصر، فقد تم الاحتفال به بمبادرة من الجمعيات القبطية العلمانية مثل جمعية المنقبادي التي تأسست في أسيوط أو جمعية التوفيق والتي كانت واحدة من المروجين الرئيسيين للنيروز. كانت المجالات الرئيسية التي شاركت فيها هذه الجمعيات هي الرعاية الاجتماعية والتعليم، وكان قادة هذه الجماعات من بين الفرق الوطنية المتنامية التي ركزت على تقدم وتحديث مصر(23).
في المهرجان، دُعي قادة دينيين وأعيان بينهم مسلمون، وألقى المفكرون الخطب، وقدم طلاب المدارس المسرحيات وغنوا الأغاني. بعد ذلك، لم يتم الاحتفال بعيد النيروز بنفس الطريقة التي كان يحتفل بها في العصور الوسطي. كانت الغالبية العظمى من المشاركين من الأقباط، وتم تنظيم المهرجان بالتعاون مع الكنيسة القبطية. شملت الأماكن مقار الجمعيات القبطية والمدارس القبطية والكنائس القبطية. لم يتم الاحتفال بعيد النيروز فقط في القاهرة؛ حيث أفادت جريدة "مصر" في 13 سبتمبر 1899، أن مهرجان نيروز احتُفل به في الإسكندرية، والزقازيق، وقليوب، والسويس، بالإضافة لمدن أخرى، وكلها تقع على الدلتا. في اليوم التالي، أعلنت جريدة "مصر" عن الاحتفال بمهرجان النيروز في المنيا وفي 19 سبتمبر من نفس العام في قنا في صعيد مصر.
وفقا لجريدة "مصر" في أيام 12، 13، 14، 19 سبتمبر 1899، فإن مهرجان نيروز في ألقى فيه اقلاديوس لبيب، المنقح للغة القبطية، كلمة في الأقباط، وألقى خطاب آخر من قبل رئيس الشمامسة حبيب جرجس (1876 -1951)، والذي كان زعيم حركة المدرسة الأحد حتى عام 1910، وكان الضيوف بشكل رئيسي شخصيات قبطية قاموا بأدوار نشطة كأعضاء في المجتمع القبطي. لكن مع نهوض الحركة القومية وثورة 1919، لعب مهرجان نيروز دور في توفير فرصة لتأكيد الوحدة الوطنية بين المسلمين والأقباط. فابتداءً من عشرينيات القرن العشرين، جاء قادة سياسيون ودينيون رفيعو المستوى لحضور الاحتفال. في عام 1920 و 1923، تمت دعوة سعد زغلول (1859-1927) ، قائد ثورة 1919 ، لإلقاء خطاب في مهرجان نيروز الذي نظمته جمعية توفيق حيث كان حديثه في عام 1923 عن دور الأقباط في ثورة 1919، وحربهم ضد الاستعمار ، وأهمية الوحدة الوطنية. وفي عام 1942، تمت دعوة رئيس الوزراء مصطفى النحاس البطريرك يوساب الثاني إلى المهرجان، وفي عام 1952 تمت دعوة محمد نجيب، أول رئيس لمصر، والبطريرك يوساب الثاني.

مهرجان نيروز والمصرية
منذ عام 1910 بدأ المنقبادي في تقديم تعليقات حول النيروز الذي تم إحياؤه من وجهة النظر القومية. في جريدة "مصر" بعدد 14 سبتمبر 1916، وقال انه وضع مخطوطة من كلمته التي ألقاها بمناسبة النيروز في جمعية قبطية تدعى جمعية الإصلاح العامة بعنوان "أقدم مهرجان لأقدم الناس." في هذا الخطاب أكد أن كان نيروز
"أقدم مهرجان معروف في مصر، لا بل في العالم كله. ومع ذلك، بعد أن تم الاحتفال به كمهرجان علني لقرون طويلة، أنني اعتبره مهرجان الشعب المصري كله (الحمية المصرية)،... في هذه الأيام ، يُعتبر النيروز مهرجًا فريدًا للأقباط كما لو كان مهرجانًا دينيًا فرديًا على الرغم من عدم وجود علاقة له بالدين في حد ذاته.... "
النيروز هو احتفال بداية العام الزراعي المصري، سنة الري غمر الأراضي الزراعية. بدأ المصريون القدماء بدايتها وأشهر السنة القبطية الحالية في عهد الملك مينا. وقد طبقوا أيامًا وأشهرًا من هذا لزراعة التربة، والزرع، والري، وكل ما يتعلق بالزراعة. إلى هذا الوقت، لا يعرف المزارع المصري (الفلاح) والأشخاص العاديون سوى الأشهر والأيام القبطية في جميع أعمالهم.
في 15 سبتمبر 1916نشر ما تبقى من كلمته:
" وقد لوحظ هذا المهرجان القديم في مصر في جميع الأجيال السابقة. حتى الفرس، الرومان والعرب، جميعهم في فترة حكمهم كان عليهم الاحتفال بالنيروز بما يتفق مع الشعب المصري. شارك الخلفاء الفاطميين والعباسيين والأمراء العرب الذين تولوا هذا البلد في الاحتفال بهذا المهرجان، واستوعبت تكاليف الاحتفالات الكبيرة من ميزانية الحكومة.
في مصر في 10 سبتمبر 1918، وضع المنقبادي إعلانا لإعلام القراء بأن النيروز سيكون في اليوم التالي. وأعلن "غدا هو أكبر مهرجان من مصر، عيد الري، والزراعة، وكل ذلك مرتبط بمصر ونيلها وخصوصيتها " وبعد أن أشار إلى دور حكام مصر على مر العصور في استضافة ورعاية والإشارة إلى احتفالات النيروز، لكن "اليوم، بعض الجمعيات القبطية فقط مهتمة بإحيائه رغم أن من واجب كل مصري أن يتذكرها ويحتفي بها لأهميتها التاريخية والوطنية والزراعية".
في "مصر" في 10 سبتمبر 1924، في مقال بعنوان "عطلة الموظفين في يوم نيروز"، أشار المنقبادي إلى:
سمح لموظفين مصريين "قبطيين" مسيحيين بإجراء القداس في كنائسهم في يوم النيروز حتى الساعة العاشرة صباحا مثلما يحدث كل يوم أحد. ومع ذلك، فقد طالب العديد منهم بأن يكون عيد النيروز من كل عام عطلة رسمية لهم تكريما لأحد أقدم المهرجانات الوطنية المصرية. ثم أوفت وزارة المالية بمطالب موظفيها وقررت اعفائهم من العمل في يوم النيروز غدًا.
نأمل أن عطلة موظفي الخدمة المدنية في وزارة المالية تصبح معممة في جميع الوزارات والمكاتب، أو على الأقل من بين موظفي الخدمة المدنية القبطية تماما مثل إخوانهم في وزارة المالية، إذا لم يتم تعيين أنها عطلة من الوزارات لكونها عيد وطنيا لجميع (الأمة) الحق في التشارك في مظهرها المصرية واحتفالاتها.
مهرجان نيروز ليس مهرجانا دينيًا ولكنه مهرجان وطني عام (قومي). إنها بداية السنة الزراعية المصرية التي أتمنى أن تكون بداية لحريتنا واستقلالنا وقوتنا في الوحدة وتضامننا القوي."
من هذه المقالات، يمكننا أن نرى أن المنقبادي قد نشر التقويم القبطي ومهرجان النيروز كممثلين لمصر القديمة والثقافة المصرية الأصلية والمسيحية القبطية. يحتاج الأقباط لإثبات صحتهم في سياق القومية والإسقاط. لذلك، على الرغم من أن النيروز كان يعرف عموما باسم مهرجان شهداء المسيحية "، وبالتالي مناسبة دينية، رفض المنقبادي مرارا طابعه الديني وطالب بأن يتم تعريف إحياء النيروز باعتباره عيدا وطنيا. كان هدفه هو الحصول على اعتراف بالثقافة القبطية كجزء من الثقافة الوطنية عن طريق نزع المسيحية منها. وبعبارة أخرى، حاول أن يدمج الثقافة القبطية في مصر.
روّج المنقبادي لعلامات أخرى للهوية الثقافية القبطية كمصريين أصلاء، مما يوحي بأن السمات الثقافية المنسوبة إلى الأقباط ، مثل اللغة القبطية والتقويم القبطي ، لم تكن بالضرورة مسيحية ، وبمعنى ما كان يتم تقاسمها مع المسلمين. في 9 سبتمبر 1913، كتب منقبادي في جريدة مصر: "اليوم، أرسلنا رسالة إلى جريدة المؤيد المحترمة بهذه المناسبة (النيروز) ، نطلب منهم استخدام هذا التقويم (التقويم القبطي) مرة أخرى في مثل الصحف الأخرى لأنها توقفت عن استخدامه مؤخرا ، ربما بسبب الإهمال أو الغفلة. كما طلبنا نفس الطلب إلى جريدة الأهالي المحترمة، ونأمل أن يستجيبوا له لأنه من العار أن تتجاهل الصحف المصرية الروزنامة المصرية التي تحتوي على كل هذه الفضائل القديمة والمهمة، ومازال جدولاً للري" ، وفي 12 سبتمبر من العام نفسه ، أفاد المنقبادي أنه تلقى ردا من جريدة المؤيد "سنستخدم التقويم القبطي مرة أخرى في المؤيد من غدا ، استجابة لطلب من زميلنا الممتاز ومن أجل استحقاقات المزارعين ". أما بالنسبة لصحيفة الأهالي، فقد قال:" لقد بدأ وضع التقويم القبطي على الصفحة الأولى من بداية هذه السنة القبطية ". كان المنقبادي يحاول دمج الثقافة القبطية، التي كانت ممثلة في التقويم القبطي ومهرجان النيروز الذي أعيد إحياؤه، في هوية مصرية لا تزال قيد الإنشاء.
لقد كانت الثقافة القبطية متشابكة مع التراث الثقافي المصري القديم والثقافة المصرية الأصلية، ولم يكن من السهل بالضرورة فصل هذه الجوانب المسيحية القبطية. وقد نجح المنقبادي نظرياً في إبعاد المسيحية عن النيروز من خلال تقديمه كمهرجان قديم أعيد إحياءه، لكن محاولات إبعاد المسيحية عن الاحتفال بحد ذاتها لم تكلل بالنجاح إلى حد كبير. كما اعترف، فكان المنظمون جمعيات قبطية، وكانت أماكن الاحتفال عبارة عن منشآت يملكها الأقباط، وكانت نسبة الإقبال على الحضور قبطية بشكل كبير، رغم أن المسلمين كانوا مدعوون لحضور الاحتفالات. استغل الضيوف المسلمون في احتفالات النيروز الفرصة للتعبير عن دعمهم للوحدة الوطنية وألقوا خطاباتهم حول أهمية التضامن بين المسلمين والأقباط، كما رأينا في خطبة سعد زغلول في عام 1923. وبالنسبة للضيوف المسلمين، فإن مهرجان النيروز يمثل مناسبة لا تستهدف تأكيد جذورهم الفرعونية المشتركة مع الأقباط، ولكن لتأكيد أهمية الوحدة الوطنية من خلال حضور احتفال ينظمه الأقباط. لذلك لم يجتذب المهرجان عدد كبير من المسلمين، ولم تكن مشاركتهم واسعة الانتشار. واعتبر النيروز الذي تم إحياؤه مهرجانا قبطيا تم الاحتفال به على نطاق محدود ولم يتم الاعتراف به كعيد وطني.
في الثلاثينات من القرن العشرين، مرت الطفرة الفرعونية، وارتفعت القومية العربية كاتجاه شامل. حيث استند النظام الجديد الذي أنشئ بعد ثورة يوليو عام 1952 إلى القومية العربية والاشتراكية. من ناحية أخرى فإن الأعيان الأقباط الذين قادوا إحياء مهرجان نيروز (وكانوا من المؤيدين للقومية المصرية ومن الطبقات العليا والعليا الوسطى) حرموا من ساحات ممارسة أنشطتهم بعد ثورة يوليو حيث فقدوا قاعدتهم السياسية مثل حزب الوفد وتأثروا سلبا بالإصلاح الزراعي. ومع انخفاض تأثير الأعيان الأقباط العلمانيين، تحولت قيادة المجتمع القبطي إلى رجال الدين الأقباط. كما أن سقوط الأبطال الأقباط العلمانيين كان يعني أيضاً هبوط النيروز العلماني الذي تعيد إحياءه لأن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والتي تفضل الاحتفال به كمهرجان مسيحي تقليدي للشهداء، بدلاً من مهرجان النيل غير الديني.
كما ذكرنا سابقاً، تم الاحتفال بنيروز في 1942 و1952، بدعوة رئيس الوزراء ورئيس الكنيسة البطريركية الأرثوذكسية ثم رئيس الجمهورية. كانت جمعية توفيق هي المروج الرئيسي لمهرجان النيروز منذ أوائل القرن العشرين وحتى بعد انخفاض الحماس بين الجمعيات القبطية الأخرى في منتصف القرن العشرين. في عام 1962، احتفلت جمعية التوفيق بالنيروز تحت رعاية البابا كيرلس السادس (24). وفي عام 1973 احتفل المجتمع أيضاً بالنيروز، وتمت دعوة البابا شنودة الثالث، الكاردينال الأنبا إسطفانوس الأول سيداروس من الكنيسة القبطية الكاثوليكية، وعزيز يوسف سعد. وزير الري. حيث أشار البابا شنودة في كلمته "في واقع الأمر، يا إخواني، عندما حضرت هذا التجمع، اعتقدت أنه سيكون مجرد تجمع بسيط نظمته رابطة قبطية، ولم أكن أتوقع أن يتحول إلى احتفال وطني أو قومي (25) وهكذا، فإن الاحتفالات التي أعيد إحياءها والتي تهدف إلى وحدة المسلمين والأقباط في إطار الفرعونية لا تزال يحتفل بها في نطاق محدود في السبعينيات.

مهرجان نيروز في القرن الحادي والعشرين
وعلى الرغم من أن النيروز أعيد إحيائه فإنه فقد شعبيته حتى بين الأقباط أنفسهم، فإن الفرعونية لم تتبع نفس النمط. تغلّبت الفرعونية بين الأقباط وكثيراً ما استُخدمت كأساس للمطالبة بأنهم مصريون أصليون، خصوصًا في سياق الاحتجاجات ضد عدم المساواة والظلم. هذا النوع من الفرعونية ظهر في وقت واحد تقريبا مع إحياء المنقبادي النيروز. كما رأينا، لقد كانت فرعونية المنقبادي داعمة للوحدة الوطنية بين المسلمين والأقباط الذين اعتبروا أن لهم نفس الجذور. في الوقت نفسه، وكما يوضح بيلي مثالا على كيرياكوس ميخائيل، الذي وجه نداء إلى البريطانيين في حوالي عام 1910 بأن الأقباط كانوا يتعرضون للتمييز ضدهم في التوظيف في الخدمات المدنية، فإن النزعة الفرعونية بين الأقباط في بعض الأحيان كانت لديها نزعة انفصالية، خاصة عندما كانت تستخدم للاحتجاج. على التمييز ضد الاقباط (26) يمكن ملاحظة هذا الاتجاه في عدد من السياقات المختلفة، مثل (الأمة القبطية) في أوائل الخمسينات وبين بعض الأقباط المغتربين منذ السبعينيات.
إن محارب النيروز في أوائل القرن الواحد والعشرين، الأب متياس نصر من كنيسة القديسة مريم في حي عزبة النخل في القاهرة، هو أحد الناشطين الأقباط الذين يروجون للهوية الفرعونية والقبطية من خلال صحيفة الكتيبة الطيبية. ووفقًا لما ذكره إسكندر، فإن الصحيفة تنشر تحت إشراف الأب ماتياس، وقد أوضح محررها ب. عوض أن الجريدة "تستهدف الأقباط كقسم منفصل ومحدّد في المجتمع يعانون من مشاكل واحتياجات تتطلب وسائل إعلام خاصة بهم لخدمتهم". "تم أخذ عنوان الصحيفة من سير قديسي الشهداء الأقباط في القرن الثالث الذين استدعوا إلى الغال لمساعدة الإمبراطور الروماني ماكسيميان لكن تم إعدامهم بسبب رفضهم إيذاء المسيحيين المحليين. (27)
على الرغم من أن الفرعونية التي كانت تهدف إلى تدعيم الوحدة الوطنية في ظل ماضي الفرعونية المشتركة لم تتلاشى، فإن الفرعونية ذات النزعة الانفصالية أصبحت أكثر صخباً بعد تراجع النزعة الليبرالية في أواخر الثلاثينات مع تغير الوضع المحيط بالأقباط بشكل كبير. فخلال ثورة 1919 والعقد التالي، كانت المشاعر الوطنية داعمة للوحدة الوطنية بين المسلمين والأقباط للقتال ضد البريطانيين بهدف الحصول على الاستقلال. ولكن في الثلاثينيات من القرن الماضي، ومع الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي أحدثتها فترة الكساد الكبير، فإن الجماعات الدينية وشبه الدينية الجديدة مثل جماعة الإخوان المسلمين التي دعت إلى نظام اجتماعي واقتصادي قائم على الإسلام اجتذبت المزيد من شباب الطبقة المتوسطة. وفي الأربعينيات من القرن العشرين، انتشر التوتر الطائفي وكانت هناك عدة هجمات على الكنائس القبطية في القاهرة، بالإضافة إلى عرقلة الانتخابات كما شملت على اعتداءات جسدية (28).
تسارعت هذه التغييرات بعد صعود الحركات الإسلامية والزيادة العامة لحالة التدين في مصر منذ السبعينيات فصاعدا. استخدم الرئيس السادات (1970-1981) الإسلام والإسلاميين لتعزيز شرعيته التي كانت غير مؤاتيه للأقباط. ولأن الرئيس جمال عبد الناصر (1956 -1970) أضعف النخبة العلمانية المسيحية، والتي ضمت ممثلين أقباط في البرلمان، ومؤسسات ليبرالية مثل البرلمان نفسه، أصبحت الكنيسة القبطية تشارك في السياسة، وتمثل على وجه التحديد المصالح القبطية. كما هو معروف، خاض الرئيس السادات والبابا شنودة الثالث صراعاً قاسياً في السبعينيات ، مما أدى إلى إلغاء المرسوم الرئاسي الذي رشح البابا شنودة الثالث للباباوية واعتقاله في دير صحراوي. . كما تم منذ السبعينيات الإبلاغ عن عدد من الهجمات الإسلامية ضد الأقباط. ولكن أدي اغتيال الرئيس السادات من قبل جماعة إسلامية إلى تغيير موقف النظام من الإسلاميين، الذين أصبحوا العدو المشترك لكل من نظام مبارك والأقباط. ومع ذلك، فإن الوضع العام لم يتغير. هاجم الإسلاميون الأقباط خاصة في صعيد مصر في التسعينات؛ تحولت المشاكل المشتركة في المجتمعات المحلية إلى صراع طائفي، كما هو موضح في حادثة قرية الكشح في عام 2000؛ ولم تغير الحكومة المصرية من المعاملة التمييزية ضد الأقباط - على سبيل المثال ، تقييد بناء أو ترميم مباني الكنيسة (29).
في محيط من هذا القبيل، أصبح رجال الدين الأقباط يلعبون دورًا مهمًا ليس فقط كقادة روحانيين للطائفة القبطية ولكن أيضًا كقادة للرأي السياسي. غالبًا ما ينخرطون في السياسة من أجل تمثيل المصالح القبطية والأصوات القبطية. الأب ماتياس نصر، الذي احتفل النيروز بإحساس من الفرعونية، هو أحد هؤلاء الكهنة الذي تم تسيسهم بشكل كبير، وبالتالي يعتبر راديكالياً. في الوضع المتوتر الحالي، ظهرت الأنشطة السياسية لحماية الحقوق الجماعية القبطية بصور متشددة بشكل متزايد.

شهداء النيروز على الطراز الفرعوني
ذكرت صحيفة "اليوم السابع" اليومية في 12 سبتمبر 2009، أن الاحتفال بمهرجان نيروز كمهرجان للشهداء حدث بمبادرة من الأب متياس في حي عزبة النخل في القاهرة. حيث عقدت صلاة النيروز القبطية، تلها مظاهرة للمطالبة بإطار قانوني موحد لبناء الكنائس والاحتجاج على اختطاف القصر. كان الاحتفال مهرجانا مسيحيًا لإحياء ذكرى شهداء الأقباط في القرن الثالث وتجمعاً سياسياً. وكان الكهنة الذين حضروا المهرجان يلبسون "عنخ" أو "مفتاح الحياة"، الذي يعتبر مؤثراً في بعض أشكال الصليب القبطي، وكان بعض المشاركين يرتدون أزياء فرعونية وغيرها من القمصان التي تحمل شعار "عنخ" (30).
احتفل بالنيروز مرة أخرى في عام 2010. حيث ذكرت صحيفة أقباط متحدون، وهي صحيفة قبطية مغتربة، في 26 سبتمبر 2010، أن صحيفة الكتيبة الطيبية، التي يشرف عليها الأب متياس ، نظمت الاحتفال بالنيروز ، حيث بدء الاحتفال بإنشاد النشيد الوطني القديم لمصر. (1923 -1936) باللغتين العربية والقبطية. ثم ألقى الأب متياس خطابًا أكد فيه على أن الكنيسة القبطية كانت كنيسة الشهداء، والتعريف الذاتي النموذجي والكلاسيكي للكنيسة القبطية، وأشاد بشجاعة الشهداء وإيمانهم القوي. كما ذكر "الشهداء" المعاصرين الذين سقطوا في الحوادث الطائفية التي وقعت في قريتي الكشح ونجع حمادي وانتقد الإجراءات اللاحقة التي اتخذتها الحكومة.
كان احتفال نيروز في عام 2011 مختلفًا. حيث ذكرت اليوم السابع في 11 سبتمبر 2011 أن النيروز قد تم الاحتفال به في كنيسة القديسة مريم العذراء والقديس مينا في منطقة الزريب في شمال القاهرة الكبرى بمبادرة من الأب متياس. لأن المهرجان تم إجراؤه بعد ثورة 25 يناير التي عززت المشاعر القومية، حيث شارك في الاحتفال سياسيون ومفكرون ومجموعات سياسية مختلفة. وأعطى الاحتفال عنوان "نحن مصريون". ألقى الأب ماتياس خطاباً وقال: "سنرسل رسالة مفادها أن مصر للمصريين، وبالتالي شارك الكثير من المسلمين في هذا الاحتفال" (31). مع الأخذ في الاعتبار أن هناك إسلاميون متطرفون دعوا إلى إلغاء مهرجان شم النسيم ، وهو مهرجان آخر ينتمي لأصل مصري قديم (32)، كما دعوا لهدم التماثيل القديمة ، أعرب الأب متياس أيضا عن رغبته في أن يكون مهرجان نيروز عطلة وطنية لجميع المصريين ، على خلاف انتماءاتهم الدينية ، لأنه يمثل أصل التاريخ المصري ويتوافق مع بداية الموسم الزراعي. في هذا الاحتفال ، مرة أخرى ، كان الكهنة يرتدون شعار "عنخ" جنبا إلى جنب مع الصليب القبطي المعتاد ، وكان بعض المشاركين مرة أخرى يرتدون الأزياء الفرعونية والقمصان التي تحمل شعار عنخ.
الفرعونية والنضال لأجل المصرية
تظهر الأحداث الثلاثة لمهرجان نيروز في القرن الواحد والعشرين تشابك المسيحية القبطية وأحياء الصفات الفرعونية. حيث تظهر جميع الحالات بوضوح أنه تم الاحتفال بها كمهرجان للشهداء المسيحيين، ولكنها أظهرت أيضًا درجات متفاوتة من الفرعونية. في حالة مهرجان نيروز في عام 2009، لم تستخدم فرعونية لتوحيد المسلمين والأقباط. بدلاً من ذلك، كانت أداة للمطالبة بمصطلح "مصرية" للأقباط. وعلى النقيض من ذلك، كانت المزاعم الفرعونية في مهرجان نيروز في عام 2011 شبيهة بـأفكار "المنقبادي" ، حيث روجت لفكرة الوحدة الوطنية بين المسلمين والأقباط في إطار الفرعونية. الفكرة الأساسية لتعريف المصريين في هاتين الرؤيتان هي الفرعونية نفسها، وهي أنهم من نسل المصريين القدماء وورثة لتراثهم الثقافي العظيم، لكن الفرق يكمن في موقع المسيحية القبطية. في النوع الفرعوني السابق، لا تستثنى المسيحية القبطية من تعريف المصريين أو المصريين ولكنها تندمج في ذلك (33). وتهدف إلى إعادة تأكيد مصرية الأقباط المصريين فيما بينهم، والتي غالباً ما تزعزعها السياسات التمييزية للحكومة والهجمات العنيفة ضد الاقباط باسم الاسلام. على أساس هذا الشعور المصري، طالب الأب متياس والمشاركون في مهرجانات نيروز بالمعاملة المتساوية للأقباط. حيث يميل الأقباط الراديكاليين إلى الدعوة إلى هذا النوع من الفرعونية ، وبالتالي فهي مرتبطة بالانفصال القبطي. ومع ذلك، فإن هدفها الحقيقي هو تأكيد مصير الأقباط ودعم عقائدي لنضالهم لكسب مكانة المساواة داخل المجتمع المصري.
كان نيروز 2011، في ضوء تصاعد الهجمات الإسلامية المتطرفة، صراعاً على مصر. تم استخدام الهوية الفرعونية للتأكيد على المصريين الأقباط في نيروز في عام 2011 كما في السنوات السابقة؛ ومع ذلك، فقد كان أيضا احتجاجًا على ادعاءات الإسلاميين الراديكاليين الذين يرفضون التراث الثقافي المصري القديم على أساس أنهم غير إسلاميين. على الرغم من أن هذه المزاعم لرفض الصفات المصرية القديمة في الثقافة المصرية تعتبر إلى حد كبير غير مقبولة بين المصريين بشكل عام، فإن وجودهم يشكل تهديدًا خطيرًا لموقف الأقباط لأنهم ينكرون الأسلوب الأخير للأقباط في المطالبة بمصرهم "الأصيل".

الخلاصة
إن اكتشاف الحضارة المصرية القديمة وإعادة تفسيرها باعتبارها الماضي المشترك لجميع المصريين، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية، أنجبت الفرعونية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وهو ما تم قبوله على نطاق واسع من المصريون المنتمين لكلا الديانتين، ولكن كان له معنى خاص للأقباط. حيث لعب دورا هاما في ضمان مصيرهم. عبر وضع الأقباط كأحفاد للمصريين القدماء وورثة للتراث الثقافي المصري القديم، المتمثل في التقويم القبطي واللغة القبطية، من بين علامات ثقافية أخرى.
كان إحياء مهرجان نيروز في أوائل القرن العشرين مبنيًا على هذه الهوية الفرعونية، وكان يهدف إلى تعزيز الاعتراف بالثقافة القبطية من قبل المجتمع المصري الأكبر كجزء من الثقافة الوطنية المصرية. لكن كان من الضروري نزع السمة المسيحية حتى يتقاسمها جميع المصريين. ولكن في النهاية، فشلت محاولة جعل عيد النيروز -الذي تم إحياؤه -عطلة وطنية، لكن مفهوم الهوية الفرعونية ترسخ بين الأقباط الذين ما زالوا اليوم متمسكين به.
في المقابل، كان إحياء مهرجان نيروز في القرن الحادي والعشرين، فرصة للأقباط لتأكيد مصيرهم، الذي اهتز بسبب الصراع الطائفي الأخير. كما في الفترة السابقة، كما كان الهدف من إعادة تنظيم المهرجان هو الحصول على اعتراف الأقباط من المجتمع المصري الكبير والحكومة باعتبارهم مصريين "أصلاء" كاملين، وبالتالي تعزيز المساواة في المعاملة للمجتمعات القبطية التي تواجه مستقبلاً سياسياً غامضاً.


1. Barbara Carter, The Copts in Egyptian Politics, 1918–1952 Samira Bahr, Al-Aqbat fi al-Hayat al-Siyasiyya al-Misriyya.
2. Charles Wendell, The Evolution of the Egyptian National Image: From Its Origins to Ahmad Lutfi al-Sayyid, 233, 242–43, 259.
Israel Gershoni and James P. Jankowski, Egypt, Islam, and the Arabs: The Searc for Egyptian Nationhood, 1900–1930, 15. كان معروفًا أيضًا بموقفه ضد التيار الإسلامي عند مصطفى كامل (1874-1908). والتيار القومي العربي (14 ، 18 ، 97).
4. Wendell, Evolution of the Egyptian National Image, 233 Carter, Copts in Egyptian Politics, 94.
5. Gershoni and Jankowski, Egypt, Islam, and the Arabs, 8.
6. Ibid., 131, 137 (quote), 148. 254 / Notes to Pages 124–36
7. Ibid., 165.
8 . سقطت اللغة في القرن الحادي عشر في الدلتا وفي القرنين الرابع عشر والسابع عشر في صعيد مصر. تم الإبلاغ عن آخر المتحدثين الأقباط من قرى نقدة وزينيا في القرن الثامن عشر. انظر Emile Ishaq, “Coptic Language, Spoken,” 606a.
9. Rodolophe Kasser, “Language(s), Coptic,” 148b.
10. ‘Ayn Shams 1618 AM/1901 CE: 44.
11. فيما يتعلق باستخدام الاضطهاد من قبل دقلديانوس لبناء الأسطورة التأسيسية للكنيسة القبطية الأرثوذكسية ، انظر Arietta Papaconstantinou (دكتور/ أريتا باباكوستانتينو)، "التأريخية والتاريخية وصنع الكنيسة" للشهداء "في مصر الإسلامية المبكرة". وجاء التقويم القبطي ليسمي تقويم الشهداء في النصف الثاني من القرن الثامن.
12. يوم رأس السنة الجديدة موجود في قائمة المهرجانات الخاصة بالسلالة الخامسة (2494 -2345 قبل الميلاد). See A. Spalinger, “The-limit-ations of Formal Ancient Egyptian Religion,” 253–54
13. Boaz Shoshan, Popular Culture in Medieval Cairo, 42–43.
14. Subhi ‘Abd al-Malak and Nabil ‘Adli, eds., Al-Nayruz . . . ‘Id Misri Qadim, 55 Rufa’il Sami, “‘Id al-Nayruz: Tarikh wa Wataniyya wa ‘Aqida,” 91.
15. Girgis Filuthaws ‘Awad, Al-Nayruz: Al-Khutba alqaha Girgis Filuthaws fi ihtifal jam‘iyat al-tawfiq al-fara‘iya fi al-Iskandariya bi-ra’s sana 1612 lil-shuhada’, 29.
16. Shoshan, Popular Culture in Medieval Cairo, 50–51.
17. Lama‘i al-Mati‘i, Mawsu‘a 100 Shakhsiyya Misriyya, 156.
18. Nagib Kirlus al-Manqabbadi, “‘Id li-Kull al-Misriyyin: ’Id al-Nayruz Ta’kid li- Huwiyyat-na wa Wahdat-na al-Wataniyya,” 79–80.
19. ‘Abd al-Malak and ‘Adli, Al-Nayruz, 128.
20. Ahmad Abdel-Hamid Youssef, From Pharaoh’s Lips: Ancient Egyptian Language in the Arabic of Today, 68–73.
21. Youhanna Nessim Youssef, “The Coptic Calendar,” 451.
22. Carter, Copts in Egyptian Politics, 44–45.
23. Vivian Ibrahim, The Copts of Egypt: The Challenges of Modernisation and Identity, 101, 112.
24. Mustafa al-Barada‘i and ‘Adli Sharabi, “Al-Ihtifal bi-‘Id al-Nayruz fi Jam‘iyyat al-Tawfiq,” 33.
25. Subhi Shukri, “Fi al-Ihtifal al-Kabir bi-‘Id al-Nayruz,” 41.
26. C. A. Bayly, “Representing Copts and Muhammadans: Empire, Nation, an Community in Egypt and India, 1880–1914.”
27. Elizabeth Iskander, Sectarian Conflict in Egypt: Coptic Media, Identity and Representation, 32.
28. Sana S. Hasan, Christians versus Muslims in Modern Egypt: The Century-Long Struggle for Coptic Equality, 48, 52–53.
29. Ibid., 103–4, 209–10. Notes to Pages 136–42 / 255
30. The website article is accompanied with some pictures of the participants. See al-Yawm al-Sabi‘ (2009).
31. Al-Yawm al-Sabi‘ (2011).
32. This festival celebrates the advent of spring, is celebrated on Monday following the Coptic Easter, and is established as a national holiday.
33. حاولت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بناء العلاقات بين المسيحية القبطية والمصرية عن طريق دمج تاريخ الكنيسة بالتاريخ الوطني المصري. See Sebastian Elsasser, The Coptic Question in the Mubarak Era, 113–21.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آثار القصف الإسرائيلي على بلدة عيترون جنوبي لبنان


.. ما طبيعة القاعدة العسكرية التي استهدفت في محافظة بابل العراق




.. اللحظات الأولى بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا في حي السلط


.. مصادر أمنية عراقية: 3 جرحى في قصف استهدف مواقع للحشد الشعبي




.. شهداء ومفقودون في قصف إسرائيلي دمر منزلا شمال غربي غزة