الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تطور القبيلة في الاسلام ( 2 )

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2018 / 12 / 21
مواضيع وابحاث سياسية



فْسر ظهور نظام القبيلة في الإسلام ، تفسيرات شتى ، تتباين بالتحيّز والموضوعية ، تبعا لميول المؤرخ ، واتجاه الكاتب . ولعل اشهر التفسيرات وأكثرها انتشارا بين الأوساط القبائلية والشوفينية ، نظرية ابن حزم الاندلسي ، وهي كنظرية عنصرية ، لم يكن من الغريب ان تشيع بين المستشرقين الغربيين ، ومن تأثر بهم من دعاة الفكر القومي في البلاد العربية .
يقول ابن حزم : " والاصل في اكثر خروج هذه القبائل عن ديانة الإسلام ، ان الفرس كانوا من سعة الملك وعلو اليد على جميع الأمم ، وجلالة الخطير في انفسهم ، حتى انهم كانوا يسمون انفسهم الاحرار والابناء ، وكانوا يعدون سائر الناس عبيدا لهم ، فلما امتحنوا بزوال الدولة عنهم على ايدي العرب ، وكانت العرب اقل الأمم عند الفرس خطرا ، تعاظمهم الامر ، وتضاعفت لديهم المصيبة ، وراموا كيد الإسلام بالمحاربة في أوقات شتى ، ففي كل ذلك يظهر الله سبحانه وتعالى الحق ، فرأوا كيْده على الحيلة انجع ، فأظهر قوم منهم الإسلام واستمالوا اهل التشيع ، بإظهار محبة اهل بيت رسول الله ، واسْتشْناع ظلم علي ، ثم سلكوا بهم مسالك شتى حتى اخرجوهم من الإسلام ....
وقد سلك هذا المسلك أيضا عبدالله ابن سبأ الحميري اليهودي ، فانه لعنه الله ، اظهر الإسلام لكيْد اهله ، فهو اصل إيثارة الناس على عثمان ، واحرق علي ابن ابي طالب منهم قبائل ، واعتصموا بالإلهية ، ومن هذه الأصول الملعونة حدثت الإسماعيلية والقرامطة ، وهما مجاهرتان بترك الإسلام جملة ، قائلتان بالمجوسية المحضة ، ثم مذهب مزدك الموبذ الذي كان على عهد انو شروان بن تيماد ملك الفرس ، وكان يقول بوجوب تأسي الناس في النساء والأموال " ( الفصل في الملل والاهواء والنحل 115:2 ) .
لم يكن ابن حزم اول من ردّ ظهور القبيلة في الإسلام الى " ابن سبأ " الذي نسب اليه قابليات خارقة لم تتوفر للأنبياء ، كقدرته لاستمالة الناس ، وتوجيههم كيفما شاء ، وكأنهم قطيعا من الأغنام .
لكن الوقائع التاريخية ، تكذب هذا التفسير الساذج ، لظهور القائل والمذاهب في الإسلام ، لان الخلاف الديني السياسي ، ظهر اول ما ظهر ، بين المسلمين الاوائل انفسهم ، قبل ان ينتقل الى اهل الأقاليم المفتوحة ، والاقوام المقهورة ، كالفرس مثلا .
وقد شاعت اسطورة " السبئية " ، بين مؤرخي الإسلام من غير الشيعة ، حتى أخذ بها كُتّاب مرموقون ، عُرفوا بالنزاهة والتجرد ، عن الافتراء الذي نسبه ابن حزم الى الإسماعيلية ، والقرامطة ، والمزدكية ، والأزارقة ، والشيعة عموما .
فقد أورد الطبري وهو صاحب مدرسة عقلانية محايدة ، روايات يُستشفّ منها ، ميله الى ارجاع الخلاف المذهبي ، الى مساعي عبدالله بن سبأ ( انظر تاريخ الطبري 4 : 230 – 341 ، 346 ...الخ ) .
لكن الطبري يورد أيضا خلافا لغيره من المؤرخين ، روايات أخرى اكثر صلة بالظروف الاجتماعية التي ظهرت فيها المدراس المذهبية ، والتجمعات القبائلية ، فأشار الى عوامل تكوينها ، مثل تراكم الغنائم الحربية بأيدي قلة متنفذة من المسؤولين ، وحرمان أكثرية المهاجرين الجدد الى الامصار الإسلامية من المستلزمات البسيطة للحياة . وهذه تفسيرات اقرب للقبول ، واكثر انسجاما مع التكوين التاريخي للمجتمع العربي الإسلامي .
ومن الجانب الاخر ، فقد طرحت المدارس الإمامية تفسيرا آخرا ، لأصول الانقسام المذهبي وبظهور نظام القبائل في الإسلام ، ردّته الى انكار مكانة الامام على علي ابن ابي طالب ، وغصب حقه الوراثي في خلافة الرسول ، باعتباره افضل المؤهلين لهذا المقام ، واقرب المرشحين رحما بالنبي ، فأوردت تبريرات شهيرة لدعم رايها هذا ، منها وجود النص على امامة علي في خطبة غدير خمّ ، ومنها ترجيح مذهب الوراثة في الملك والإمامة .
لكن هذا الرأي ، لم يحض بموافقة مدارس أخرى ، انكرت مبدأ الوراثة السياسية ، وقالت ان المبدأ الذي نص عليه القرآن في امامة المسلمين ، هو مذهب الشورى . وقد احتج أبو بكر بهذا المبدأ عندما رفض تسليم ارض ( فدك ) الى ورثة النبي ، حيث استند الى حديث نبوي يقول :
" نحن معاشر الأنبياء لا نورث ....( انظر البلاذري ، فتوح البلدان ص 44 ، ياقوت معجم البلدان . مادة : فدك ) .
وقال أصحاب هذه المدارس ، ان الخلافة بالبيعة ، لمن يُجمع عليه اهل الحل والعقد من المسلمين ، ويوردون حججا لترجيح قولهم هذا ، منها قبول الامام علي بيعة الخلفاء الثلاثة ، من قبله ، ومنها حجج أخرى يطول سردها .
فنحن هنا ، لسنا في معرض مناقشة التبريرات النظرية ، والفقهية لإمامة الفاضل او المفضول ، ولا الدفاع عن قبيلة من القبائل العربية ، ولا الدفاع عن مدرسة مذهبية معينة ضد أخرى ، لان هذا ليس محله ، ويتطلب دراسات علمية مستفيضة ونزيهة ، بل ما يعنينا كباحثين ، مستنبطين ، ومحللين ، هو تحديد المغزى السياسي والاجتماعي للصراع المذهبي ، ومنه القبلي العربي ، فنرى ان ظهور المذاهب في الإسلام ، ونفخه في النعرة القبلية ، يعود في رأينا الى حقيقتين أساسيتين :
( يتبع )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة شرقي نابلس وتحاصر أحياء في مدينة را


.. قيادي في حماس: الوساطة القطرية نجحت بالإفراج عن 115 أسير من




.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام