الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التأثير النفسي لمقالات الدكتور الوردي

وعد عباس
كاتب وباحث

(Waad Abbas)

2018 / 12 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ما زال عالمُ الاجتماع الدكتور علي الوردي (رحمه الله) يقلق خصومه ، فيُحَرِّمون اقتناء كتبه والاطلاع على أفكاره ، بذريعة أنها تؤدي إلى الانحراف العُقدَي ، بينما يستلذُّ محبوه حتى الساعة بقراءة ما جاد به فكره الاجتماعي الفريد ، إذ أثار الرجلُ مسائلَ اجتماعية لم يسبقه أحدٌ إليها سيما فيما يخص المجتمع العراقي ، فتعرَّضَ بالنقد والتحليل لجوانب دينية ، وتقاليد اجتماعية ، لم يكن غيره يجرؤ على التطرق إليها بالدراسة والتفسير فضلا عن نقدها أو مهاجمتها .
نال الوردي شهرة واسعة أرجعها باحثون إلى أسلوبه في الكتابة ، الذي يتسم بالسلاسة لخلوّه من الحذلقات اللغوية التي تُعَسِّرُ الفهم ، وتؤخِّرُ الإدراك ، واستعماله التهكم والاستهجان ، واستناده إلى مواقف حدثت حقيقةً في مجتمعنا لا في الخيال ولا في المجتمعات الأخرى ، عدا أنه تناول مواضيع َ اجتماعية ودينية تشد القارئ إليها ، وترغبه فيها .
ورغم كَثرةِ ما كُتِبَ عن أفكار الدكتور وأسلوبه وطريقته في الحياة ، إلا أن أحداً لم يشرح الأسباب النفسية الخفية التي تجعل الإنسان يتأثر فكريا ونفسيا بكتابات الوردي وأطروحاته ، فما وجدنا إلى اليوم شخصاً قرأَ أفكاره إلا وتأثرَّ بها فاتخذ من كاتبها موقفاً من اثنين (حباً أو كرهاً) ، ونادراً ما نجدُ شخصاً يمر على كتاباته مرور الكرام .
إن رد الفعل النفسي (حُب – كره) الناجم عن قراءة أفكار الوردي يعود بالدرجة الأساس إلى أسلوبه في النقد ، الذي يعتمد التهكم والاستخفاف ، فضلا عن استعماله أمثلة واقعية مرَّت بنا جميعا ، الاًمر الذي يجعلها تؤثر في جهازنا النفسي ، فنشعر أنه يستهزئ بنا ، وحين يساوينا بالمجتمعات المتخلفة ، ويقارنها بما وصلت إليه بعض الشعوب من تَقدُّم ، نشعر نفسياً بالعار والذُّل لأننا نعتقد بتلك الممارسات الدينية والاجتماعية ، ونعجب لعقولنا كيف كانت تعتقد بتلك الأعراف ، فنتبنى أفكاره ونتوحد معه ومعها ، كي نشعر بأن نقده اللاذع لا يشملنا ، ونبدأ بإشاعتها بين الناس محاولة منا لإسقاط انتقادات الوردي لأمور ٍ موجودة في دواخلنا على المجتمع ، والإسقاط هو : "حيلة نفسية دفاعية ينسب فيها الفرد عيوبه ورغباته حتى يبرئ نفسه ويبعد الشبهات عنها" ، وهنا تنخفض درجة القلق ونشعر بشيء من الارتياح .
ورغم ذلك فإن كثيراً من أفكاره تُجبرُ الأفراد على التعامل مع بعض الأمور بازدواجية ، ففي وقتٍ يحبذ فيه الفرد تطبيقها ، يمنعه ما غُرس في شخصيته منذ مرحلة مبكرة من عمره ، خذ مثالاً شخصا يتكلم بآراء الوردي ويدعو إلى تحرر المرأة وبالمقابل تمنعه مكبوتاته البدوية من تطبيق تلك الآراء على نساء بيته .
أما الأشخاص المتعمقون في الممارسات الدينية والاجتماعية ، الذين يتسمون بالتعصب والانغلاق المعرفي ، فإنهم يتخذون سبيل العداء والكراهية مباشرة ، ويعتقدون أنه الطرف البادئ بتلك العداوة لأنه هاجم عقائدهم واستخفَّ بهم وبما يؤمنون ، سيما وإن أسلوبه في النقد يترك وقعاً قوياً ومؤلماً
وبين كاره ومحب ، يعيش الوردي وأفكاره إلى اللحظة ، وتمارس كتاباته التأثير النفسي ذاته ، وتعاد طباعة كتبه كما لو كان شخصا بيننا جسدا وروحا ، فالرحمة والخلود لعالمِنا الكبير .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هي نعمت شفيق؟ ولماذا اتهمت بتأجيج الأوضاع في الجامعات الأ


.. لماذا تحارب الدول التطبيق الأكثر فرفشة وشبابًا؟ | ببساطة مع




.. سهرات ومعارض ثقافية.. المدينة القديمة في طرابلس الليبية تعود


.. لبنان وإسرائيل.. نقطة اللاعودة؟ | #الظهيرة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحتية لحزب الله جنوبي لبنا