الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التمسوا الخير في القلوب.. ولا تتشددوا!

محمود عبد الله
أستاذ جامعي وكاتب مصري

(Dr Mahmoud Mohammad Sayed Abdallah)

2018 / 12 / 23
التربية والتعليم والبحث العلمي


يخطئ من يظن أن التدين مرادفا للتعصب الأعمى والتجهم والتقشف، ومحاربة الآخر لمجرد إختلافه في الرأي أو العقيدة.. فهذا بعيد كل البعد عن سماحة الإسلام كدين وسطي معتدل.. وفوق كل شيء، إنساني من الدرجة الأولى؛ يتقبل الآخر ويحث على التعايش معه - مهما اختلف معنا في العقيدة (لكم دينكم ولي دين).. ومما ميز الإسلام - وفقا لما أورده العقاد في كتاب "فضائل الإسلام والرد على أباطيل خصومه" - أنه جاء كثورة على أوضاع دينية وإجتماعية وسياسية سائدة: فألغى "الكهنوت" أو أي وسيط بين الإنسان وربه؛ وجاء شاملا لشتى الأمور المعيشية والحياتية (المعاملات)؛ وأعلى من شأن المرأة التي ظلمتها عقائد وثنية قديمة مثل الهندوسية..

ومن هذا المنطلق، لا يجب أن يكون هناك وصيا على أحد ينصب نفسه مرجعا لكل ما هو صواب أو خطأ.. فيحاكم الناس في الدنيا فيكفرهم أو يتعالى عليهم ويعايرهم بتقصيرهم في العبادة.. فلا يدري أحد من منا أقرب إلى الله ومن منا سيكون مصيره إلى الجنة أو النار.. فبحكم طبيعتنا البشرية، فإننا بشر ناقصون.. وهذا النقص - كما قال ديكارت - هو الذي يجعل الإنسان يسعى دائما إلي "الكمال" فلا يجده إلا في الذات الإلهية.. وكما يقول السلف، ربما ينام الصالح مغترا بطاعته؛ بينما ينام العاصي نادما على معاصيه مستغفرا ربه.. فنحن بشر: نجتهد ونحاول فنصيب ونخطئ ونذنب..(ولو لم نذنب ونستغفر، لخلق الله أقواما غيرنا - كما جاء في حديث قدسي).. فبدلا من أن ينصب هؤلاء من أنفسهم أربابا يحاسبون الناس ويتصيدون لهم الأخطاء، كان من الأولى والأنفع لهم في دنياهم وآخراهم الإنشغال بأنفسهم وإصلاحها بدلا من الإنشغال بالآخرين ومتابعة عثراتهم َذلاتهم ("كل إنسان ألزمناه طائره في عنقه" - و"كل نفس بما كسبت رهينة")..

وقد اقتضت الحكمة الإلهية أن نكون أمة وسطا - لا نتشدد في ديننا (لن يشاد الدين أحد إلا غلبه) أو ننظر بفوقية إلى الآخرين وكأنهم فاسدون ملوثون لا يفهمون دينهم فهما صحيحا؛ أو كأنهم ضالون يحتاجون إلى من يرشدهم ويرجعهم إلى حظيرة الدين - حتى لو أدى الأمر إلى نهج العنف والإجبار والتعسف والمعايرة والإحتقار - وغيرها من السلوكيات غير السليمة التي تنفر الناس من الدين!! وفي هذا الصدد، يقول د. مصطفى محمود (رحمه الله) بأن في كل إنسان منا نبتة صالحة (نقطة مضيئة) تمثل الجانب الخير في الطبيعة الإنسانية - مهما بلغت فيها الشرور والمعاصي.. وعلينا أن نخاطبها، فنستغلها ونبني عليها باللين والرفق والكلمة الطيبة (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ--- وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ--- فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ في الأمر)..

إذا، علينا أن نلتمس الخير في القلوب.. فنتبنى مدخلا صحيحا في الإصلاح، مثل أن نذكر المرء بمحاسنه وفضائله وميزاته وما حباه الله به من مواهب وقدرات، ثم ننطلق من ذلك إلى العلة أو جوانب النقص والقصور والخلل التي نسعى إلى تقويمها وإصلاحها.. مثلا لا نقول لتارك الصلاة : "أنت كافر مارق.. خارج عن الملة.. لأنك تارك للصلاة ووجب علينا أن نقيم عليك الحد لأنه لا أمل في صلاحك"!! الأفضل أن نقول له: "أنت شخص خير ومجتهد.. أوتيت حكمة وعلما.. ولكن ينقصك أداء حق الله عليك (الصلاة) حتى لا يحرمك الله من هذه النعم".. أو ندعوه أن يذهب معنا إلى المسجد فيجرب الصلاة.. أو نجعله يسمع أحد الدروس الجميلة في فضل الصلاة وأهميتها في الإسلام مثل درس "لماذا لا تصلي؟!" للشيخ/ محمد حسين يعقوب مثلا.. نعم هكذا يكون المدخل والأسلوب..(بالحكمة والموعظة الحسنة)..
خالص تحياتي









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصعيد إسرائيل في شمال قطاع غزة هو الأعنف منذ إعلان خفض القوا


.. طفل فلسطيني برفح يعبر عن سعادته بعد تناوله -ساندويتش شاورما-




.. السيناتور ساندرز: نحن متواطئون فيما يحدث في غزة والحرب ليست


.. البنتاغون: لدينا بعض المخاوف بشأن مختلف مسارات الخطط الإسرائ




.. تظاهرة مؤيدة لفلسطين في بروكلين للمطالبة بوقف تسليح إسرائيل