الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
أسباب نفخ الاسلام في النعرة القبلية والمذهبية ( 3 )
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
2018 / 12 / 23
مواضيع وابحاث سياسية
اولاً : الصراع بين المدينة والدولة :
اتخذ الصراع الطبقي في الإسلام اشكالاً معقدة وغير مألوفة ، يتعين توضيحها قبل تناول تطور النعرة القبلية والمذهبية في بلاد الإسلام .
فقد وُلدت مع ظهور الإسلام تناقضات أساسية استمدت جذورها من التكوينات الاجتماعية السابقة للاسلام ، وتطورت في اطار الامصار الجديدة ، واتخذت هذه التناقضات شكل صدام بين ( المدينة ) كوحدة اجتماعية – سياسية ، وبين ( الدولة ) المركزية الكبرى ، حيث اصبح الصراع فيما بعد القوة المحركة للمجتمع الإسلامي الأول .
برزت هذه الظاهرة جليا في الآيات القرآنية ، حيث يرد ذكر " القرى " و " القرية " باعتبارها الكيان السياسي الحضري المعروف قبل الإسلام . فمكة تميزت بكونها " أم القرى " ، وقد اشير الى مكة والطائف باصطلاح " القريتين " . وهنا لا بد من الإشارة الى ان معنى " القرية " في المفهوم اللغوي القديم ، هو غير المفهوم الدارج في الوقت الحاضر . فقد كانت تعني ( المدينة – الدولة ) مثل مدينة الحضر وتدمر والبتراء ومكة والطائف ويثرب وغيرها . فكانت هذه المدن يمثل كل منها دولة صغيرة مستقلة ، لها حكوماتها وارضها الزراعية المحيطة بها ، والمناطق التابعة لها . ولم يستخدم مصطلح القرية قديما بمعنى البادية ، وانما حُرف هذا في العصر الحاضر ، فيرد على لسان العرب مثلا : " القرية .. المصر الجامع ... ويقال اهل القارية للحاضرة ، واهل البادية للبدو .." .
وامام هذا التكوين " القروي " بالمعنى القديم للمجتمع الجاهلي ، ظهر الإسلام يدعو الى الوحدة السياسية المطلقة بتلبية الناس لدعوة النبي ، وطاعتهم لرسالته السماوية . فالإسلام كما معروف يعني الخضوع والطاعة ، بمعنى تنازل الكيانات السياسية المستقلة – القرى والقبائل – وانصهارها جميعا بالكيان المركزي الإسلامي الجديد .
هذا وقد دام التناقض بين الكيان القروي ( كيان المدينة – الدولة ) ، وبين الدولة المركزية الإسلامية ذات الابعاد العالمية بضعة قرون ، انعكس في عملية التنقل الدائم للعواصم الإسلامية طيلة القرون الثلاث الأولى للإسلام – مكة والمدينة والكوفة وبغداد وسامراء ، كأمثلة بارزة على ذلك . ففي اطار هذا التناقض ظهرت نعرة القبيلة في الإسلام كانعكاس لصراع اهل الكوفة وغيرها من الامصار الإسلامية ضد مركز الدولة الإسلامية كما سنبين فيما بعد .
ان التكوين التوحيدي للاسلام الأول ، لم يتسع لظهور نظام قبائلي ، بل تعارض معه تمام المعارضة ، لأن المجتمع الإسلامي الأول كان يحمل بعض تقاليد المجتمع الجاهلي الذي وُلِدَ فيه بما في ذلك نظام القرى الحرة . فقد ذمّ القرآن التكوين القبلي للمجتمع ، وحرم تقسيم الناس الى شعوب وقبائل مختلفة ، وادان الأنظمة المركزية القديمة معتبرا كياناتها القبلية دليلا على الظلم والجبروت : ( ان فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا – القصص : 4 ) . وجاء أيضا : ( ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء – الانعام : 159 ) .
ولم يكن نظام القبيلة مجهولا عن المسلمين الأوائل ، فاصطلاح القبيلة بمعناه السياسي ، ظهر اول ما ظهر في اللغة العربية إشارة الى نظام الملوك الذين ورثوا دولة الاسكندر المقدوني . فيقول السهيلي :
" وكانت ملوك القبائل والجماعات متعادين يغير بعضهم على بعض ، وقد تحصن كل واحد منهم في حصن ، وتحوّر الى حيّز ، منهم عرب ، ومنهم اشغانيون فُرس .... وكان الذي فرقهم وشتّت شملهم ، وأدخل بعضم بين بعض – لئلا يستوثق بهم الملك ، ولا يقوم لهم سلطان – " ( الاسكندر بن فيلبش اليوناني ... الروض الانف 1 : 31 ) .
وفي رواية أخرى انّ ارسطوطاليس ، هو الذي أشار على الاسكندر ، بث النعرة القبلية بين الجموع فقال له : " فرّق كلمتهم بان تجعل لكل قبيلة منهم ملكا ، فلا يؤدي بعضهم الى بعض طاعة ، ويلجأ كل فريق منهم اليك " ( الاسكافي – لطف التدبير . ص 16 ) .
ويفسر الاسكافي ظهور المسيحية في الدولة الرومانية بدوافع قبائلية ، إذ يقول ان الروم اجتمعت على خلع قسطنطين ، فشاور مستشاريه فقالوا له : : لا طاقة لك بقومك ، وقد اجتمعت كلمتهم على خلعك ، وهم على غير دين يفهمونه ، هذا والروم لا تعرف النصرانية ، وهي تعبد الاوثان على جاهليتها ، فقال : فما الحيلة ؟ . قالوا له : تستأذن لتحجّ الى بيت المقدس ، ثم تطلب دينا من اديان الأنبياء ، فتدعوهم اليه وتحملهم عليه ، فانهم يفترقون فرقتين ، فرقة تصير معك على دينك ، وأخرى تشد عنك ، فتقاتل من عصاك بمن اطاعك ، فانك تظهر عليهم ، لأن كل قوم قاتلوا على دين فهم غالبون " ( المصدر السابق . ص 48 ) .
يظهر جليا إذن ان المسلمين القدماء ، كانوا يفهمون مغزى النظام القبائلي بكل دقة ، وكانوا يرون في الإسلام الأول ضمانا لعدم تطور هذا النظام التقسيمي . والحقيقة فان الفترة الإسلامية الأولى لم تشهد نظاما قبائليا متناحرا بين المسلمين انفسهم ، وانما كان الانقسام القبائلي يقوم بين اهل الإسلام واهل الذمة ، ولكن مجرى التاريخ قد اظهر والمصالح قد اظهر نظام القبيلة العربية الشوفينية كنتيجة منطقية لتطور الدولة المركزية القائمة على القهر والتسلط والجبر والتوسع لا سيما تلك الدول الاستعمارية القديمة والملكيات المركزية الكبرى التي سيطرت على مناطق شاسعة من العالم . ومن ثم فلم تظهر النعرة القبائلية في الإسلام الا عندما ابتعدت الدولة الإسلامية عن أصولها ( المدنية – القروية ) القديمة واستخدمت العسكريين المماليك خصوصا بعد فترة البويهيين والسلاجقة الاتراك . ( يتبع )
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي استهداف مناطق عدة في قطاع غزة
.. ما الاستراتيجية التي استخدمتها القسام في استهداف سلاح الهندس
.. استشهاد الصحفي في إذاعة القدس محمد أبو سخيل برصاص قوات الاحت
.. كباشي: الجيش في طريقه لحسم الحرب وبعدها يبدأ المسار السياسي
.. بوليتيكو تكشف: واشنطن تدرس تمويل قوة متعددة الجنسيات لإدارة