الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حسن الترابي.. كلعنة أصابت السودان

السيد شبل

2018 / 12 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


خلال الحرب الباردة تمتع حسن الترابي باعتباره زعيم إسلاموي إخونجي بدعم وتمويل سعودي، وجاء ذلك ضمن النهج السعويوأمريكي لتوظيف الحركات الدينية ضد أي مد اشتراكي أو مؤيّد للسوفييت، وعندما تأسس بنك فيصل في خريف 1977 ثم بنك البركة بالسودان، فإن البنكين قاما بتقديم مكافآت وتسهيلات للمنتمين للجبهة الإسلامية القومية التي أسسها الترابي في عام 1976، مما أكسب هذا التنظيم قوة.

في نهاية السبعينيات صار الترابي حليفًا لجعفر النميري رئيس البلاد، ووصل لمنصب مدعي عام ووزير العدل. والنميري كان قد وصل للحكم عام 1969، فبدأ بشعارات أقرب للقومية والاشتراكية، ثم نفّذ استدارة 180 درجة، فأيّد صلح السادات مع الكيان الصهيوني، وصار مقرّبًا من واشنطن، وتحالف مع الإخونج والإسلامويين بزعامة الترابي، وبدأ في رفع شعارات ل"تطبيق الشريعة"، بحسب تفسيره ومعه الترابي، فأصدر قوانين سبتمبر 1983، التي أساءت للموروث الديني ذاته، كما دمرت حياة المواطنين، وكانت فاتحة مآسي وعنف وقطع وجلد وإعدامات، وتم شنق المفكر "محمود محمد طه"، وأدّت هذه التصرفات إلى صب مزيد من الزيت على النار، فاندلعت الحرب الأهلية الثانية بين الجنوب والشمال، وأنهت اتفاق أديس أبابا المُوَقع في 1972.

انتهى حكم النميري ومعه الترابي في 1985، تحت تأثير غضب شعبي في انتفاضة إبريل، واستلم الحكم قائد الجيش محبوب الإخوان والرجل الذي عاش بأحضان قطر لاحقًا: "عبد الرحمن سوار الذهب"، فسلم السلطة على عجل، وما كان من مستلمي السلطة إلا أن خسروها في 1989 عبر انقلاب حمل اسم "ثورة الإنقاذ"، كان خلفه حسن الترابي ومعه حليفه الجديد العقيد: "عمر البشير"، والذي أصاح بنظام الحكم المنتخب (الصادق المهدي - أحمد الميرغني)، متهمين إياه بالنكوص عن تطبيق الشريعة، ومخربين الاتفاق الذي كان قد تم مع الجنوبيين!، ومن ثمّ لعب الترابي دور المهندس الفكري للنظام الجديد، وتولى وزارة الخارجية كأول مناصبه لمدة محدودة، ثم تولّى بأوقات لاحقة رئاسة البرلمان بين عامي 96 و98، وتولى أيضًا منصب الأمين العام ل"المؤتمر الوطني" الحاكم.

في التسعينيات تم فتح السودان أمام أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وسيد إمام..، بعد أن كانوا قد أدّوا مهمتهم التخريبية لصالح "السي آي إيه" في أفغانستان بالثمانينيات، وصار السودان العزيز، ومع الأسف، راعي لكل الحركات السلفية الجهادية، ومنها تنظيم الجهاد الإسلامي المصري وكذلك الجماعة الإسلامية، ودعمت الخرطوم كل عمليات التخريب والإرهاب والاغتيالات في مصر والجزائر.. التي حصلت في عقد التسعينيات، كان حينها الترابي يُبدي -زورًا- رفضًا للتدخل الأمريكي بذريعة تحرير الكويت، كما رفع شعارات التقريب بين السنة والشيعة وتوحيد "العمل الجهادي" (وهذه قصة طويلة).. وكل ما سبق لم يكن سوى فقاعات صابون تستر هوسًا وأطماعًا في السلطة، ولم تخدم سوى واشنطن ومخططاتها بالحقيقة، ولم يكن شيئا منها جادًا، بل محض تجارة ورقص على الحبال لحصد المكاسب.

بقي الترابي جزءًا من النظام حتى نهاية التسعينيات ومطلع الألفينات.. ثم وقع خلاف وصراع على السلطة متساوق مع العقوبات الدولية المتعلقة بـ"النشاط الإرهابي".

قام الترابي بتأسيس ما سمي ب"المؤتمر الشعبي" باعتباره تنظيم معارض في 1999، ونشط ضد النظام، لدرجة أنه اتصل بالعقيد "جون قرنق" زعيم الانفصاليين في الجنوب، ورئيس "الحركة الشعبية لتحرير السودان"، وعقد حزبه معه مذكرة تفاهم في سويسرا بعام 2001، تنص على تقاسم الثروة والسلطة وحق تقرير المصير وتوحيد الجهد لمقاومة النظام، مما فهم منه دمج العمل العسكري!، ثم تطورت المذكرة لاتفاق في فبراير 2002، فتعرض الترابي خلال ذلك وعلى أثره للسجن لفترات.. في هذا السياق أيضًا، جمعت الترابي علاقات بقادة تمرد دارفور، الذي انفجر بتلك المرحلة من أوائل الألفينات، أي بالتزامن مع خلاف الترابي مع النظام، وكان أحد رؤوس التمرد، هو تلميذ الترابي والسياسي الإسلاموي والوزير السابق بنظام البشير/ خليل إبراهيم، الذي أسس حركة العدل والمساواة عام 2000، وبدأ التمرد عبر إصدار ما سمي بالكتاب الأسود الذي يدين نظام الخرطوم منذ 89 -والذي يفترض أن الترابي كان مهندسه- بممارسة سياسات عنصرية ضد "القبائل غير العربية" في دارفور، مما يبرر التمرد.. وأثمرت الحرب عن مئات الألوف من القتلى والمشردين. ومن بين الحركات المشاركة في التمرد "حركة تحرير السودان"، والتي نشطت أيضًا من عام 2001، قبل أن تشهد انقسامات لاحقة.

قبل أن يموت الترابي في 2016، كان قد ارتدى ثوب "الفقيه التنويري" لمدة عقد تقريبا، فأصدر فتاوى بجواز زواج المسلمة من غير المسلم وأحقية المرأة في إمامة المصلين ذكور وإناث، وأعلن عدم ممانعته وصول مسيحي أو سيدة لرئاسة البلد، كما أنكر عذاب القبر وعلامات الساعة، وعارض قتل المرتد المسالم، ودعا إلى وحدة الأديان..، فتم تكفيره !. لكن لم تنتشر حملات الهجوم على الترابي عربيًا، كما يحدث مع غيره، لأنه إخواني بالنهاية !، بل أحيانًا جرت محاولات للدفاع عنه، أو تأويل كلامه. ولا شك أن فتاوى الترابي لم تكن أكثر من مغازلة ما لجهات غربية، فهو لم يكن صادقًا فيها، ولا متحمسًا للدفاع عنها، ولا ورثها تلاميذه.. وكثيرًا ما زاغ وناور.

في فترة قيادة الترابي، يُتهم بالتورط في انتهاكات حقوقية عديدة، وجرائم حرب، وعمليات تطهير عرقي، وإحياء العبودية، وتعذيب وقتل للمعارضين، والتسبب في فرار أعداد غير مسبوقة من المواطنين للدول المجاورة، بالإضافة إلى كبح تيارات مثل الصوفية، وتأسيس ميلشيات وجمعيات دينية لفرض تفسير متعصب للدين، ومطاردة النساء وحصار الأفكار.. هذا إلى جانب إعطاء الحرب مع الانفصاليين الجنوبيين طابع جهادي ديني واستخدام لغة شديدة الطائفية، مما عقّد الأزمة وسهّل مهمة الدور التآمري الخارجي، عوضًا عن أن يكون التلاحم الوطني والمصلحة الشعبية في الوحدة هي الشعارات المرفوعة.. والغريب أن الترابي بعد الخلاف مع البشير صارت له اتصالات واتفاقات مع زعماء الجنوب!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجناح العسكري لحركة حماس يواصل التصعيد ضد الأردن


.. وزير الدفاع الروسي يتوعد بضرب إمدادات الأسلحة الغربية في أوك




.. انتشال جثث 35 شهيدا من المقبرة الجماعية بمستشفى ناصر في خان


.. أثناء زيارته لـ-غازي عنتاب-.. استقبال رئيس ألمانيا بأعلام فل




.. تفاصيل مبادرة بالجنوب السوري لتطبيق القرار رقم 2254