الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 7

دلور ميقري

2018 / 12 / 26
الادب والفن


" رُبَّ صدفةٍ خيرٌ من ألف ميعاد "؛ إنه مثل معروف، نطقَ به سرّي عقبَ التعرّف على شخص الرجل الواقف أمامي. ولم أكن متأكّداً بعدُ من كونه الشخص المعنيّ، لولا أن أجابَ على سؤالي باقتضاب فيما كان يتفرّس فيَّ: " نعم، إنها هيَ؛ خَجي..! ". مبعثُ تشككي، أنّ الرجل لا يظهر عليه التقدّم في السن؛ مع أن المفترض أن يكون قد دخل في عامه الستين: شعيرات قليلة بيض، وَخَطَتْ لحيته الخفيفة الخشنة. فضلاً عن بعض الأخاديد الهينة تحت العينين، العميقتين السواد. ولما نحى عن رأسه البرنيطةَ، البيضاء اللون، ظهرَ شعره القاتم، المجعّد، وكان ما يفتأ غزيراً نوعاً على الرغم من أنه مقصوصٌ بعناية.
ثمالة النشوة بالمصادفة، جعلتني أكاد أسلوَ أمر من كانت سبباً في حصولها. " أميرة " هذه، كانت قد انسلّت من حجرة الحراسة، الأشبه بقمقمٍ من الحجر، حالما أقتحمَ الحضورُ الطارئ خلوتنا. انتصبت بعدئذٍ على قدميها، بإزاء حافة سور القلعة، فراحت ملامحها تُنبي شيئاً فشيئاً عن الدهشة مما تسمعه من حوار الرجلين. شعرتُ بأنفاسها تلفح وجهي من الخلف، وكما لو أنها تريد تذكيري بوجودها. عند ذلك أومأتُ برأسي نحوها، قائلاً للشيف العتيد بهدف تبرير الخلوة: " كنا في حديث خاص، عائليّ... "
" لا مشكلة، أبداً! في وسعكما إتمام الحديث، لأنني سأمضي الآنَ من فوري "، قالها مقاطعاً ومتخذاً من ثمّ وضعية التبجيل مجدداً. إلا أنها صديقتنا، مَن آثرت الردّ بلهجة واثقة خلت من الحَرَج: " بل أنا المضطرة للمغادرة، كون موعدي مع خطيبي قد اقتربَ ". لم يَفُتني اتساع عينيه قليلاً، والمرفق ببسمة بالكاد تكون مرئية. فكرة خبيثة، طرأت على الأثر لذهني: " لا أدري ما إذا كانت تلك الجملة، المتعلقة بالخطيب المفترض، قد وقعت ثقيلة على سمع الرجل! ".

***
" سيامند الماكر، أخفى عني خبرَ وجود ابنة أخيه في ألمانيا "
هذه الفكرة المزعجة، جعلت شعورَ النشوة يتبخرَ من رأسي بمجرد أن اخترقته. وكنت قد انفردتُ مع " سيمو " في مكان آخر، على أثر الافتراق عن صديقتنا عند مدخل ساحة المدينة من جهة قلعتها البحرية الشمالية. ولكن ذلك الشعور بالانزعاج تخففَ عني، لما أوضحَ الرجلُ جليّة الأمر بطريقته البسيطة في التعبير: " أخالُ أنّ العمّ تبرأ منها، بعد إصرارها على الزواج من شاب جزائريّ اشترط عليها وضع النقاب "
" أفهمُ من ذلك، أنّ عمها هوَ مَن ساعدها على الوصول إلى ألمانيا؟ "
" بلى. كانت ذكية ومتفوقة في الدراسة، حتى أنها كانت قد تعلمت الألمانية قبل سفرها. أما ذلك الجزائري، فإنه تعرّف على مواطنتكم هناك عن طريق شقيقته وكانت زميلتها في الجامعة "
" لا شك أنك عرفتَ سيامند عن قرب، كونه أقام قرابة العشر سنوات في مراكش؟ "، عدتُ لأسأله مستعملاً هذه المرة أسلوبَ المراوغة. تأمل مبتسماً زجاجة البيرة، الموجودة على الطاولة في متناول يده، ثم أجابَ ساخراً: " لا، لم يحصل لي ذلك الشرف. لعله تحاشاني آنذاك، كوني أثير في نفسه ذكرى سيئة ". لقد شددَ الرجلُ على المفردة الأخيرة، وربما لتترك تأثيراً فيّ. أو أنه، ربما، كان يبغي التأكّد من ظنه؛ بأنّ من تعرّفَ عليه تواً على علم بتفاصيل قضية قتل ذلك " الكَاوري "، التي جرت قبل ما يزيد عن العقدين من الأعوام.
مُتجاوباً مع الموقف، هززتُ رأسي موحياً بالتفهم. الصمتُ المعقّب شروع النادل بجلب المزيد من البيرة، استغليته من ناحيتي في مراقبة تصرفات مضيفي. نعم، الرجل أصرَّ على استضافتي في هذا البار الشعبيّ، الكائن في ظلال سور القصبة الجديدة. وقد يكون هذا هوَ ذات المكان، الذي جمعَ قديماً رجلين، أحدهما كَاوري والآخر يهوديّ، مع امرأة مسلمة كانت تبادلهما كلاهما الجنس ضمنَ علاقةٍ محرّمة. شئتُ أن أستدرجه للحديث المطلوب، حينَ تقمّصَ لساني نبرة لا مبالية: " يا لها من مصادفات غريبة، يلوحُ أنها لن تنتهي اليومَ! "
" نعم..؟ "، ندّت عنه تلقائياً. طفقَ يتطلعُ حوله على الأثر، منتظراً على ما يبدو رؤية أحدهم. أثارت حركته ابتسامتي، فاستدركتُ موضّحاً: " أعني، جلوسنا في هذا المكان ". تطلع فيّ هذه المرة، وكانت ملامحه مخيبة لأملي. إذ أحسستُ أن قولي لم يُثر فيه هزّة ما، على خلفية تلك الذكرى. وتساءلتُ في نفسي، حائراً: " واضحٌ أنه لم يطّلع على مذكرات المسيو غوستاف، التي وردت فيها حادثة البار. لقد عمل لدى المسيو فترةً جيدة، وكان من المفترض أن يعرف أيضاً الكثيرَ عن ماضيه؟ ".
تلك الذكرى، شحنتني بِطَاقة فضول جديدة، دفعتني هذه المرة للتجرؤ على سؤاله عن مصير " الشريفة ". رأسه العظيم، الحليق تقريباً، كان إذاك منكباً على قدح الشراب وكما لو كان يتأمل فيه صورة ما. فلما سمعَ اسمَ امرأته الأولى، فإنه أجفلَ لدرجة أن القدحَ مال في يده. بدا أنّ ذلك الاسم، المثير بدَوره ذكرى لا تقل شناعة، لم ينطُق به لسانٌ غريب منذ مدة طويلة.
كيلا يتملص من الإجابة، قلت له مُذكّراً: " لقد وصفتَ خجي بكونها ربيبتك، وذلك في أوان تعارفنا ثمة في السقالة. وعلى علمي، أنها كانت تعيش في صغرها مع أسرة امرأة أبيك لا مع والدتها؟ ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغربية نسرين الراضي:مهرجان مالمو إضافة للسينما العربية وفخ


.. بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ




.. كيف أصبحت المأكولات الأرمنيّة جزءًا من ثقافة المطبخ اللبناني


.. بعد فيديو البصق.. شمس الكويتية ممنوعة من الغناء في العراق




.. صباح العربية | بصوته الرائع.. الفنان الفلسطيني معن رباع يبدع