الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رصاصة الرحمة على خط الدفاع المصري!

محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب

(Mohammad Abdelmaguid)

2018 / 12 / 26
المجتمع المدني


إذا عجز الاستعمارُ الثقافي عن غزو أمةٍ دارَ حولها ودخل من بابِ لغتـــِــها القومية، فأضعفها، وأهانها، وسخر منها!
في مصر حاول الاستعمارُ طوال مئات السنوات أنْ يُسْقــِط مصرَ من ضادِها، ويُضعِف هويتـــَــها من حروفــِــها، ويفصل بين أبنائـِـها وبين لغتهم لعله يستطيع فرْنَجة
ألسنةٌ كانت معبرة عن عصر النهضة بلغةٍ عربية فُصحىَ يذوب فيها الغزاةُ، ويحتمي فيها المقاومون.
في الجزائر اكتشف الفرنسيون أنَّ اللسانَ العربي إذا قطعوه، وفرْنـَـسوه سقطتْ اللغةُ مع الشهداء. فجعلوا فرنسيتـــَـهم أعلىَ من عربيةِ المهزومين فلما استقلتْ الجزائر، استعاد الجزائريون العزيمةَ لطردِ آخر فلول الاستعمار من ألسنتِهم، فبدأتْ عملياتُ التعريب منذ عام 1962 وما تزال تقاوم.
في لبنان جاء حينٌ من الوقت غضب اللبنانيون، وهم الأكثر تأَثرًا بالأم الحنون .. فرنسا، حينما اشتدّ داعمو سعيد عقل للانحياز للعامية، والمعركة ما تزال قائمةً منذ أكثر من خمسين عاما لولا وجود مئات من دور النشر التي تسرق الكتابَ وتُعيد نشرَه لانهزم اللصُّ الشريفُ أمام الليسيين!
في مصر كانت اللغةُ العربية خطَّ الدفاع الأول عن الوطن رغم قوتها في العراق وسوريا واليمن وموريتانيا وفلسطين مع حركة ثقافية واسعة في بلد ( عالم الفكر ) و( العربي ) و( البيان ) و( الفكر المعاصر ).. أعني الكويت.
في السنوات الأخيرة بعد نجاح ثورة 25 يناير الشبابية ثم سرقتها ،دينيا ويونيفورميا، كان الاستعمارُ لمصر بالمرصاد، فهذه الدولةُ لن تنهزم قبل أنْ يُقطــَــع لسانُ فُصْحَتــِــها.
في أقل من ثمان سنوات كان الهجومُ عليها يأتي من كل مكان: تجهيل مُدْرَسي، احتقار للكتاب، تعيين مسؤولين بينهم وبين الكتابِ كراهية مقيتة، اختيار قضاة القضايا الكبرى من أجهل ما أخرجت فصول محو الأمية، محامون يترافعون فيرفعون المنصوب إذا لم يجروه من حروفه.
ثم جاءتْ مرحلة اللامبالاة وعدم الاكتراث في كل مؤسسات الدولة ولم يعد هناك مسؤولٌ، إلا القليل، يلقي كلمةً في محفل أو خطابــًـا أمام مرؤوسيه إلا وكان يمسك معْوَل الهدم فتلمح شيطانَ الاستعمار الفكري يُخرج لك لسانــَـه الذي لم يستطع أنْ يستخدمه.
وجاءتْ السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية بلغةٍ عربية تتلوى، وتتألم، وتبكي فلا أحد ينصت لصراخِها من رئيس الدولة إلى رئيس البرلمان، ومن مستشار قضية القرن إلى إعلاميين تهافتوا على وسائل إعلام تكاد تشترط عليهم البصقَ على اللغة الفصحىَ قبل الحديث بها.
منذ عدة أشهر بدأتْ المرحلة الاستعمارية الجديدة لتركيع مصر ثقافية وفكريا وكتابيا وأثيريا وديجيتاليا وورقيا وحواريا، فإذا بالشعب كله أو أكثره لا ينتبه إلى أنَّ نشرات الأخبار تُسمعه اللغةَ العامية بحجة أنها سهلةٌ وأنَّ الكبارَ يخاطبون الصغارَ بلغة الأطفال.
إنها مرحلةُ تدمير أمةٍ بهزيمةِ حروفــــِـها، ففيها التاريخ والجغرافيا والتراث والشـِـعْر والأدب والخطاب الكلاسيكي الراقي وقصائد خالدة، فالهدف أنْ لا تمر سنوات قليلة حتى تركع مصر ولا يفهم أهلــُـها الفصحىَ.
إنه ليس الجهل أو المصادفة أو انهيار التعليم؛ هي خطة محكمة ودقيقة تضرب كلَّ العصافير بحجر واحد، فالمصري النهضوي والحالم بمستقبل مشرق والحامل إرثا عربيا يمتد من مسقط إلى نواكشوط، ومن عربستان إلى غدامس ومن أم درمان إلى اللاذقية لن يفهم اللغة الفصحىَ، وبالتالي فكلُّ تراثنا اللغوي الجميل يمكن التخلص معه أو سدّ الأذن عنه فهو لوغارتمات غامضة بعد جيل أو.. جيلين.
التلفزيون المصري يحمل لواءَ الهزيمة اللغوية، وإعوجاج ألسنة مذيعيه جاءتْ باختيار عبري خارج من رحم سايكس بيكو الجديدة لضرب الوطن في مقتل.
مصر تقع فريسة الهزيمة اللغوية بلسان عامي يصنع المسافة بين أهلنا هناك وبين تاريخهم وآدابهم وتراثهم المحفوظ عربيا سواء كان إسلاميا أو قبطيا أو يهوديا أو شِعريا أو سياسيا...
لأول مرة أشعر بأن الوجوه التي أراها على الشاشة الصغيرة تحمل في ألسنتها سمومــًـا قاتلة، وفي فكرِها صورة العدوان الثلاثي على مصر، وفي أحلامــِها نصوصا عبرية خارجة من رحم الموساد.
توجيهات علىَ أعلى المستويات في مصر باخراج المصريين عنوة من لغة طه حسين والعقاد والمتنبي وأبي تمام والأخطل والبابا شنودة وميشيل عفلق والشيخ محمد عبده ومي زيادة ومصطفى صادق الرافعي وجبران خليل جبران وخليل مطران وحافظ ابراهيم ومريان مراش والمنفلوطي وفدوى طوقان وأحمد حسن الزيات وأحمد مطر وفيروز ومئات الآلاف من العرب المسلمين والمسيحيين والمستعربين وعاشقي لغة العشق، فالاستعمار تكاتف لاطلاق رصاصة الرحمة على خط الدفاع الأول عن العالم العربي قبل أن يقتسم ترامب ونتنياهو والغرب والشرق والطابور الخامس بقايا أمة لم تحافظ على لغتها حفاظ الفرسان.
توجيهات للقصر والإعلام والقضاء والصحف والمدارس والجامعات بأنْ يقوموا بتعيين خصوم العربية وجهلائها وأمييها وكارهيها في مناصب القيادة للتعجيل في ركوع مصر.
إذا لم تركع مصر ببيع أرضها ومياهها وحدودها وثقافتها وجُزُرها فإن هزيمتها اللسانية واللغوية هي الضربة القاضية.
لم تكن هناك مشكلة في فهم المواطن البسيط لخطبة الجمعة أو نشرة الأخبار أو قصائد كلاسيكية طوال مئات الأعوام، فخرج الاستعمار وبقيت اللغة العربية.
الآن وجد السيكسبيكيون الجُدد الطريق ممهدًا، والاستعداد الشعبي لقبول هزيمة اللغة الفصحى مربوطا بقرار القصر والمنبر والمدرسة والجامعة والشارع.
أبحث عمن يشاركني البكاء!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟


.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط




.. ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ا


.. مخاوف إسرائيلية من مغبة صدور أوامر اعتقال من محكمة العدل الد




.. أهالي الأسرى الإسرائيليين لدى -حماس- يغلقون طريقاً سريعاً في