الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رد إلى صديق... على الرصيف المقابل...

غسان صابور

2018 / 12 / 27
سيرة ذاتية


رد إلى صديق.. على الرصيف المقابل...
دكتور فـــلان الــفــلان... يا صديقي الطيب...
وأنا أيضا أتابع كتاباتك وأشعارك العاطفية والعشقية الرقيقة الطيبة الناعمة.. الموجهة لثدي الوطن الأم... والتي تذكرني دوما بالكتابات الناعمة والقومية أحيانا.. والتي تعود بنا إلى بعض الكتاب المشرقيين المسيحيين الحنونين.. بنهاية القرن التاسع عشر.. والتي تحن لوطن غير موجود.. ما زال يحكمه العثمانيون آنذاك.. والذي يشبه تماما ــ يا لعودة التاريخ ــ ما تسميه أنت وطننا الأم.. والذي لم أعد أشعر معه.. بأية رابطة بيولوجية أو تيولوجية.. أو حتى قومية.. لأنني أعتبر الوطن هو المكان الصغير أو الواسع الذي تستطيع به اختيار الحياة التي تشاء.. ورؤية ما يكفيك من شمس الحريات الإنسانية... والتي لم أتمتع بها على الإطلاق بالسنوات الثلاثين التي عشتها هناك.. وأعطيتها كل طاقاتي ومحبتي وعشقي وإمكاناتي المتعددة.. ولكنها مزقت كل أحلامي.. وأستطيع أن أصرخ اليوم أنني طلقتها من أول مساء غادرتها به أول مرة... ونسيتها.. وقررت ألا أعود... وبنيت وطني الذي اخترته.. هنا... والذي لا أغيره ولو لقاء الجنة...
إن دافعت عما يسمى "هـــنـــاك".. هنا... بآلاف منشوراتي وكتاباتي ولقاءاتي.. ما هو إلا محاربة الباطل الذي هيمن على شعبها الصامد... خلال السنوات الثمانية الفائتة.. ومن سنين وسنين فائتة أيضا ومن قبل.. وما زال.. لأن الصمت عن الجريمة مشاركة بالجريمة.. وأدافع عنها كما دافعت عن الفيتنام أو فلسطين.. أو أي بلد فقير من أمريكا اللاتينية.. أو حتى زيمبابوي أو بلاد الواق الواق.. أو عن الهاربين اللاجئين من بلاد الفقر والظلم والظلام بالعالم.. وبكل مكان حيث يسبي ويقهر الإنسان أخاه الإنسان.. ولا أي شيء آخر... وما زلت أثابر........ بلا انتظار أي كسب أو انتصار.......
هكذا كنت أيام فتوتي وشبابي... حيث ولدت بوسط بورجوازي... لا يعرف أيا من صعوبات الحياة اليومية.. لدى الطرف الآخر.. مما أسس وبنى وشدد عدائي للضلال والخطأ.. والذي كان لقاحي الأبدي ضد الضلال والخطأ والعنف والأديان وجرائمها وحروبها ضد الإنسانية.. سنة بعد سنة.. ويوما بعد يوم.. وحتى هذا اليوم.. وكل يوم آت...
إني أحترم آراءك وحنانك للوطن وللقرية التي ولدت بها هناك على الجبل... ولكننا لم نعش بهذا "الهناك".. وختص لم نعش نفس التجارب العادية والوجودية والتحليلات الواقعية.. الفردية منها والجماعية.. ولا من أية زاوية معتمة أو منورة.. بحقيقة أومن هلوسات غبية عتيقة.. غرست بعقولنا اضطراريا وعائليا ومعتقديا... بطرق بسيكولوجية ألف مرة خاطئة رهيبة مرغبة.. مما لقحني وقائيا ضدها.. إلى الأبد...
أنا لا أنتقد ارتباطك وانتمائك وحنينك والتزاماتك الشعرية والعاطفية.. بما تسميه أنت دوما الوطن الأم... لأننا أنت وأنا لم نــخــتــر فرنــســا لنفس الأسباب.. أنت اخترتها للتخصص الدراسي والمهني والعملي... وبقيت فيها نظرا لما منحتك من فرص وتوفيق ونجاح... وأنا اخترتها كمرفأ أمـان ومدرسة حياة.. لم أجد أي أثر للأثنين معا... وعديد من الأسباب الأخرى التي خنقت كل أوكسيجين تفكير أو اعتراض.. بالبلد الذي لا يوجد فيه أي اختيار... مما تنافى مع طبيعتي الأناركية.. فتوجهت ووجدت بهذا البلد هنا أبوة وأمومة ومدارس أفكار وحريات.. كأنني ولدت من جديد.. نعم ولدت من جديد بعالم آخر عشقت تضاربات وتعددات اختلاف أفكاره وفلسفاته واعتناقاته السياسية... ولهذا السبب يا صديقي لا أبدله بأيام شيخوختي الشابة اليوم .. لقاء الجنة.. وخاصة الجنة الوهمية التي وعدونا وغررونا بها أيام طفولتنا وفتوتنا وشبابنا.. من كل ملذات الحياة الممنوعة... قوميتي يا صديقي هي هذه المجالات والحريات واللقاءات التي مارستها هنا... ووطني هو هذه المدرسة ـ التي اخترتها ــ والتي علمتني وقادتني إلى فلسفة الحياة الحقيقية... وخاصة الحريات الطبيعية الإنسانية...
ولكنني أكرر لك من جديد أنني أحب كتاباتك وأشعارك ومشاعرك القومية... إنها كتابات ناعمة معسولة.. أحبها وأحترمها وأقرأها باستمرار... وخاصة استفدت منها كلقاح مناعة.. لحماية ما أؤمن بــه والتزم فيه... ومما يدفعني لتذكيرك بفولتير Voltaire ومقولته المشهورة :
" انا لست موافقا معك... ولكنني على استعداد أن أعطي دمي حتى تعبر عن رأيك... "
ومن هذا البلد.. ومن ثورتها سنة 1789 انطلقت جميع مبادئ الحريات الإنسانية بالعالم... ولم أجدها بأي بلد آخر بالعالم.........
بــــالانــــتــــظــــار.....
غـسـان صــابــور ــ لــيــون فــــرنــــســــا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملف الهجرة وأمن الحدود .. بين اهتمام الناخبين وفشل السياسيين


.. قائد كتيبة في لواء -ناحل- يعلن انتهاء العملية في أطرف مخيم ا




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش تداعيات الرد الإيراني والهجوم ال


.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟




.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على